مقالات

شبكة محمول الفيل الوردي!

بقلم: مهاب السعيد

تخيل أنك تشاهد فيلمًا فيه فيل وردي يطير في الفضاء ويمسك بقيثارة ويعزف، وبينما هو كذلك جاءته مكالمة من أحدهم فرفع هاتفه المحمول ليرد على صديقه متحدثًا معه بالعامية المصرية؛ فأُصبت أنت بالجنون وخرجت من قاعة السينما غاضبًا متهمًا صناع الفيلم أنهم يستخفون بعقلك، والسبب؟ أنه في رأيك لا يمكن أن توجد شبكة محمول في الفضاء!

بالطبع لا توجد شبكة محمول في الفضاء أيها العبقري، ولكن؛ هل الفيل الوردي الذي يتقافز في الفضاء على ألحان القيثارة طبيعي بالنسبة إليك؟!

هذا ذكرني بتصرف غريب من أحد المرضى الذين خضعوا لجراحة عظمى في شبكية العين، ثم بعد ذلك زارني في النوبتجية ليستشيرني في العلاج الذي وصفه له الطبيب الجراح، هل هو جيد فعلًا؟ (لأن هذه عيني فلا ينبغي أن أسلمها لأحد)!

الفكرة أنك سلمت عينك بالفعل يا والدي لطبيب يلبس كمامة تغطي وجهه في غرفة عمليات لا تعرف فيها أحدًا بعد أن خدروك كليًا وكان آخر ما تراه يد الجراح ممسكة بآلة حادة وفي اليد الأخرى جهاز ليزر حارق ليخبرك أنه سيعبث بها قليلًا داخل عينك الحبيبة في أقرب نقطة ممكنة لمركز إبصارك بحيث لو أخطأ وأصابها فستصاب بالعمى للأبد! لقد فعلتَ كل ذلك ثقةً في علم ذات الطبيب الذي زرت المستشفى ليلًا كي تتأكد من الدواء الذي كتبه لك!

منهج التفكير ذلك هو الذي كان يحاول أبو بكر الصديق تعليمه لجموع قريش حين سألوه باستهزاء أن صاحبك يدّعي أنه زار بيت المقدس وعاد في ليلة واحدة، هل ستصدقه؟ فقال لهم: أنا أصدقه فيما هو أكبر من ذلك، في الخبر يأتيه من السماء!

في اللحظة التي آمن فيها هذا الرجل الذكي بمحمد –صلى الله عليه وسلم–، عرف أنه قد دخل إلى مستوى آخر جديد تمامًا من الوعي، في هذا المستوى يؤمن أن هناك كائن غريب غير مرئي له أجنحة اسمه (جبريل)، ينزل من السماء إلى الأرض، ليبلغ هذا النبي بكلمات قالها خالق الكون ذاته ثم يعود مرة أخرى إلى السماء!

في هذا الوعي الجديد فكل القواعد السابقة قد تحطمت! كل ما هو طبيعي تبين أنه غير طبيعي! وكل ما كان العقل يعتبره حدودًا سابقة تبين أنها مجرد مداخل مظلمة للمزيد من المغارات الحائرة؛ ثم يأتيه رجل وهو على هذه الحالة العظيمة من الدهشة من أسرار الوجود ليقول له: هاهاهاها! هذا كذب، لا يمكن أن يكون هذا الرجل قد ذهب إلى بيت المقدس وعاد في يوم واحد!

فيما يتعلق بالغيب، وما لا نراه، فنحن نتعامل مع عالم بقواعد جديدة لا نعلمها.. كيف يمكنك أن تستشكل أن يكون لملك الرعد سوط يسوق به السحاب؟ كيف تجرؤ على مثل هذا السؤال أصلًا؟! هل تعرف أي شيء عن العلوم والقوانين التي تحكم عالم الملائكة؟ هل لديك فكرة عن خِلقة ملك البرق فضلًا عن طبيعة سوطه؟ لا يمكنك أن تقيس هنا أي شيء على أي شيء فتحكم بمعقوليته أو بعدمها، أنت في عالم آخر له قواعد أخرى.

لذلك كان ما فعله الصديق في عقله بديع تمامًا.. اصطحبه معه وتأبط ذراعه صاعدًا على درجات السلم! يسأل نفسه هل معقول أن بشرًا يذهب إلى بيت المقدس ويعود في ليلته؟ فيجيب على نفسه: وهل هذا أعجب من أن يُوحى إليه من الله؟! هل معقول إذن أن يوحي الله إلى بشرٍ من خلقه؟ وهل هذا أعجب من وجود الله ذاته كامل الصفات المثيرة للعجب منذ الأزل لم يخلقه أحد وليس من بعده شيء؟!

حسنًا، فهل معقول أن يوجد إله كهذا في الكون؟ وهل هذا بأعجب من وجود كون بديع متقن جميل كهذا بدلًا من العدم؟! 

وحين تصل إلى الخلق والإيجاد، أعجب العجائب جميعًا! فالغريب أن الجميع يؤمن به، لأننا نعيش فيه ونراه بالفعل، إنه رأس سلسلة العجائب وأصل الحق المشروع في إجابة كل الإجابات، وهو واضح تمامًا أمام أعيننا، وبرغم ذلك نتساقط من السلسلة المتصلة في أماكن متفرقة. 

إنه وكأننا جميعًا نطير بأنفسنا فوق الفيل الوردي، ثم نحن من نسأل في تعجب بعد ذلك: كيف توجد شبكة محمول في الفضاء؟!

لذلك لو سألتني عن الدليل العقلي على وجود الشياطين والملائكة والكرام الكاتبين وسجلات القدر وعذاب القبر فإجابتي ستكون: بالطبع لا يوجد أي دليل عقلي على ذلك، ولكن العقل يصرخ بوجود ثم بصدق من أخبرك كل ذلك!

انقر لتصفح كافة كتب المركز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى