بينى وبينكم 2009 الحلقة الثالثة والعشرون سياحة بالطول والعرض لبيان الاعجاز في الارض ج 1
سياحة بالطول والعرض لبيان الإعجاز فى الأرض
قال الله تبارك وتعالى: {إنّا كل شيء خلقناه بقدر}.
من أشهر الكتب العلمية التي صدرت في القرن الماضي كتاب بعنوان: الإنسان يقوم وحده، للملحد جوليان هيكسلي، هذا الكتاب نفى وجود الخالق! إلا أن الكتاب الأكثر شهرة منه هو الكتاب الذي رد عليه، وهو بعنوان: الإنسان لا يقوم وحده، لكريسي موريسون، عضو أكاديمية العلوم الأمريكية، وترجمه الباقوري، فكان اسمه بالعربية: العلم يدعو إلى الإيمان، وعندما تقرأ هذا الكتاب، فإنك تجده يدور على قول الله تعالى: {إنّا كل شيء خلقناه بقدر}.
والحديث في هذه السطور القليلة عن جزئية واحدة من هذا الخلق المقدر بدقة، مع الدكتور صبري الدمرداش.
لماذا الأرض هي الكوكب الوحيد التي فيها حياة؟ وفيها إنسان؟ وفيها حضارة؟
عندما طرحتُ هذا السؤال على الدكتور صبري، أجابني قائلاً:
لا يستقيم أن نتحدث عن الأرض من غير الشمس، فالشمس قبل الأرض! لماذا؟ هل يستقيم أن تتكلم عن البنت قبل أن تتكلم عن أمها؟
قلتُ:
كلاّ، الأم أهم.
فقال:
فالشمس هي الأم، والأرض وسائر الكواكب حولها هن أبناؤها: بدءً من عطارد، ثم الزهرة، ثم الأرض، ثم المريخ، ثم المشتري، ثم زحل، ثم أورانوس، ثم نبتون، ثم بلوتو، وكوكب بلوتو لم يعد كوكباً من عدة سنوات، فهو نيزك جليدي.
نأتي للشمس، ونحاول أن نبين الدقة في خلقها، حتى ننفي العبثية، والمصادفة، والعشوائية في أي خلق، {إنّا كل شيء خلقناه بقدر}.
قلتُ:
إذن ما هي أهم مظاهر الدقة في خلق الشمس، والتي تنعكس علينا نحن أهل الأرض؟
فقال:
من مظاهر الدقة: وزنها، وحجمها، ودرجة حرارتها، والنسبة بينها وبين الأرض.
أما من حيث الوزن: فهي عبارة عن 2 بليون بليون بليون طن!
وأما من حيث الحجم: فهي عبارة عن كرة قطرها 1.4 مليون كيلو متر.
وأما من حيث درجة الحرارة: فالخالق سبحانه وتعالى جعلها نجماً متوسط درجة الحرارة، فحرارتها على السطح ستة آلاف درجة، وفي المركز 20 مليون درجة.
وعندما نقارن بينها وبين الأرض من حيث الوزن، والحجم، نقول:
أما الوزن:
فلو كان عندنا ميزان، يقف في إحدى كفتيه الفيل الإفريقي الثقيل، فالمؤشر سيشير إلى ستة أطنان، ثم وضعنا في الكفة الأخرى فأراً صغيراً وزنه مثلاً اثنان أو ثلاثة جرام، ثم بدأنا بوضع فأر بعد فأر، إلى أن تتعادل الكفتان، ويشير المؤشر إلى صفر، فكم فأر يلزمنا في هذه الحالة؟ الجواب: 333 ألف فأر!
فلو كانت الشمس هي الفيل، فإن الأرض هي الفأر! فالعلاقة بين الأرض والشمس من حيث الوزن كعلاقة الفأر بالفيل.
وأما الحجم:
فلو أخذنا بطيخة كبيرة، وقمنا بتفريغها من محتوياتها، ثم أتينا بكيس من حب السمسم، وبدأنا نملأ البطيخة من حبات السمسم، إلى أن تمتلئ تماماً، فلو عددنا حبات السمسم فإننا سنجد عددها مليون و320 ألف حبة سمسم!
فلو كانت الشمس هي البطيخة، فإن الأرض هي حبة السمسم.
وكتلة الشمس 99.3 في المئة من كتلة المنظومة الشمسية، وبقية التوابع سبعة من عشرة.
سؤال:
هل الشمس قنبلة ذرّية، أم قنبلة هيدروجينية؟
جواب:
ليست قنبلة هيدروجينية.
ولكن ما الفرق بين القنبلة الذرّية، والقنبلة الهيدروجينية؟
القنبلة الذرّية تحدث نتيجة انشطار جزء من نواة الذرّة، كالتي ألقيت في اليابان على هيروشيما وناجازاكي، أما القنبلة الهيدروجينية فتأتي نتيجة الدمج النووي.
إذن الذرّية نتيجة انشطار نووي، أما الهيدروجينية فنتيجة اندماج نووي.
فالله تعالى خلق الشمس من غازين أساسيين هما: الهيدروجين والهيليوم، فكل أربع ذرات هيدروجين تحد وتعطي ذرة هيليوم، وهناك قاعدة كلية تقول: مجموع كتل المواد الداخلة في التفاعل، يساوي مجموع كتل المواد الناتجة من التفاعل، وهو ما يسمى قانون بقاء الكتلة، أو قانون حفظ الكتلة، فهنا الناتج من التفاعل أقل، لماذا؟
لأن جزء من المادة تحول من مادة إلى طاقة.
هكذا تولد الشمس طاقتها، ونتيجة ذلك تفقد الشمس من وزنها كل ثانية ستة مليون طن، وهذه الطاقة تأتي لنا، وتذهب لكواكب أخرى، فبعد 300 مليون سنة بالضبط ستفقد الشمس من وزنها ما يقدر بوزن الأرض.
فالعلماء أخذوا فكرة القنبلة الهيدروجينية من الشمس، فقنبلة هيروشيما طاقتها التدميرية كانت 20 ألف طن من مادةtnt شديدة الانفجار، فالقوة التدميرية للقنبلة الهيدروجينية 10 مليون طن، بينما القوة التدميرية للقنبلة الذرّية 20 ألف طن.
فلو قسمنا 10 مليون على 20 ألف فالنتيجة 500 مرة ضعف القوة التدميرية للقنبلة الذرّية.
الذي يهمني من كل ذلك أن الشمس تفقد من طاقتها في الثانية ستة مليون طن، فهي تتناقص وتقل، ومعنى ذلك أنها سيأتي عليها يوم وتنتهي، هذا المتبادر للذهن، ويقدر العلماء أن هذا سيحدث بعد حوالي خمسة مليار سنة!
قلتُ:
دعنا ننتقل للحديث عن دقة خلق الأرض، أين تكمن؟ وما مظاهر هذه الدقة؟
فقال:
الدقة في قياساتها:
أما وزنها: ستة آلاف وستمائة مليون مليون مليون طن!
وأما حجمها: فهو 260 بليون ملي مكعب.
وأما كثافتها: فإن متوسط كثافتها خمس ونصف جرام لكل سنتيمتر مكعب، أي ككثافة الماء خمس مرات ونصف.
وأما محيطها: فيبلغ 40 ألف كيلو متر، فالأرض ليست كروية تماماً، ولكنها مفلطحة منفوخة عند خط الاستواء، ومنبسطة عند القطبين، فنصف القطر القطبي 6357 كيلو، ونصف القطر الاستوائي 6378، أي أن الفرق بينهما 21 كيلو في نصف القطر، بمعنى 42 كيلو في القطر كله، فلا يعطيها شكل البيضة كما يقول البعض.
قلتُ:
وماذا عن شروط الحياة في هذا الكوكب؟ لماذا توجد حياة على الأرض، ولا توجد حياة في الكواكب الأخرى؟
فقال:
هناك ستة شروط أساسية لإقامة الحياة:
أولاً: أن تدور الأرض حول نجم متوسط مثل شمسنا.
ثانياً: أن يكون نجماً مفرداً، وليس مزدوجاً.
قلتُ:
ماذا تقصد بقولك: نجم مفرد؟
فقال:
النجوم إما مثنى، أو ثلاثية، أو رباعية، سواء في مجرتنا، أو في كل المجرات، فالنجوم التي لها كواكب عادة ما تكون نجوم مفردة، وليست ثنائية، ولا ثلاثية، ولا رباعية، فنجمنا الشمس مفرد.
ثالثاً: أن تكون درجة حرارة الكوكب معقولة، وليست مرتفعة جداً.
رابعاً: أن يكون له غلاف جوي، فالقمر لا يوجد عليه حياة؛ لعدم وجود غلاف جوي له.
خامساً: أن يوجد الماء فيه، وبالصور الثلاث: الصلبة، والسائلة، والغازية، فالمريخ يوجد عليه ماء، ولكن في صورة واحدة فقط، هي الماء الجليدي، ولذلك لا يوجد عليه حياة.
سادساً: أن يوجد فيه عنصر الكربون؛ لأنه لا حياة بدون عنصر الكربون.
قلتُ:
إذن تلك هي الشروط الأساسية التي هيأت الأرض لوجود الحياة، ولكن هذه الأرض كثيراً ما نسمع: أنها مليئة بالكنوز، ومن ثم حدث عليها صراع، وتنافس، وتطاحن، واستعمار، فهلاّ حدثتنا عن هذه الكنوز؟
فقال:
هناك نوعان من الكنوز:
الأول: العناصر الغذائية التي هي أساس الحياة، والتي هي أساس وجود النبات، والحيوان، والإنسان.
الثاني: الموارد الطبيعية، وهي تنقسم إلى قسمين:
مصادر الوقود الحفري مثل: البترول، والغاز الطبيعي، والفحم.
والثروات المعدنية مثل: الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والمنجنيز، والفوسفات.
وكلها كنوز موجودة في باطن الأرض.
الذي يهمنا هنا أنها موجودة قريبة من السطح، وهذه العظمة في خلق الأرض، وهنا سؤالان:
- ماذا لو كانت هذه العناصر غير موجودة؟
الجواب: لن توجد حياة.
- ماذا لو كانت موجودة لكن الإنسان لا يستطيع الوصول إليها؟
الجواب: لن توجد حياة؛ لأن أعمق منجم فحم موجود على سطح الأرض عمقه سبعة كيلو ونصف، فهذه أيضاً من الدقة في خلق الأرض. {إنا كل شيء خلقناه بقدر}.
قلتُ:
هذا يذكرني بكلام كريسي موريسون في كتابه: العلم يدعو إلى الإيمان عندما تكلم عن المسافة بين الشمس والأرض فقال بعد كلام طويل: لو قلّت المسافة أو زادت لاضطربت الحياة. فهل هذا الكلام دقيق؟
فقال:
دقيق جداً، فالأرض تبعد عن الشمس 93 مليون ميل، وبالكيلومترات 149 مليون و500 ألف كيلو، والتي يسمونها الوحدة الفلكية للمسافة، لنفرض أننا أسميناها (ف) وهي المسافة، ولنفرض أننا جعلنا هذه المسافة نصف (ف)، أو اثنين (ف)، ماذا سيحدث؟
لو أصبحت المسافة على الضعف، فهذا يعني أنه سيصلها ربع حرارة الشمس التي تصلها الآن، وعندئد يتجمد كل من عليها، وما عليها، ولا تصلح للحياة!
وإذا جعلناها على النصف فستجد أن درجة الحرارة زادت أربعة أمثالها، وبالتالي يحترق كل ما عليها ومن عليها!
وللعلم فإن الأرض لو كانت صغيرة كالقمر، أو كبيرة كالمشتري، فلا يمكننا العيش عليها! لماذا؟
لأنها لو كانت صغيرة كالقمر: فستكون جاذبيتها سدس جاذبيتها الآن، فالشخص الذي وزنه60 كيلو سيكون وزنه 10 كيلو.
وإذا كانت كبيرة كالمشتري: فإن جاذبيتها ستكون 2.5 مرة مثل جاذبية الأرض، فالشخص الذي وزنه 60 كيلو، سيصبح وزنه 150 كيلو، ويلتصق بالأرض، وسيزيد الضغط جداً.
ولذلك: {إنّا كل شيء خلقناه بقدر}.
قلتُ:
لو حدثتنا عن سرعة دوران الأرض، فماذا لو أسرعت قليلاً، أو أبطأت قليلاً؟
فقال:
الأرض تدور حول نفسها من اليسار إلى اليمين، ومن الغرب إلى الشرق، بسرعة 1000 ميل في الساعة، ففي حالة أننا قمنا بزيادة صفر للألف لتصبح 10000، أو أنقصنا صفراً لتصبح 100، ماذا سيحدث؟
إذا كانت سرعتها 10000 ميل في الساعة، فسيصبح طول اليوم ساعة وربع، فالنهار ثلاثة أرباع ساعة، والليل كله 40 أو 50 دقيقة!!
وإذا كانت سرعتها 100 ميل في الساعة، فسيكون اليوم 120 ساعة، فالنهار 60 ساعة، والليل 60 ساعة، إذن: {إنّا كل شيء خلقناه بقدر}.
وللعلم فإن اليوم ليس 24 ساعة بالتمام، وإنما 23 ساعة، و56 دقيقة، و4 فاصلة، زيرو 9 زيرو 6، وهذه يبنى عليها مواعيد الطيران، والمد، والجزر، والشهور، والسنين! فاليوم يومان: يوم العوام وهو 24 ساعة، ويوم العلماء وهو ما ذكرته قبل قليل. {إنّا كل شيء خلقناه بقدر}.
قلتُ:
دعنا ننتقل إلى محور آخر في موضوعنا، فالمعروف أن حركة دوران الأرض فيها ميلان، وليست عمودية، فماذا سيحدث لو كان الدوران عمودياً؟
فقال:
الأرض تدور حول نفسها، وحول الشمس، ماذا لو تباطأت في الدوران؟
فهي واقعة تحت تأثير قوتين: قوة جذب الأرض، وهي قوة الجذب المركزية، وقوة أخرى مضادة لها، وهي قوة الطرد المركزية، فماذا لو أبطأت في الدوران؟
ستكون المحصلة لصالح قوة الجذب إلى الشمس فتجذبها الشمس، وتبتلعها، وتحرقها!
وماذا يحدث لو أسرعت؟
في هذه الحالة سيحدث لها أحد أمرين: إما أن تهيم في فضاء سحيق، ويتجمد كل ما عليها، ومن عليها!
أو أنها تقع أسيرة نجم عملاق آخر فيبتلعها، ويحرقها!
إذن في كلا الحالين هلاك، أرأيت الدقة! {إنا كل شيء خلقناه بقدر}.
قلتُ:
يقولون: لو كان دوران الأرض ليس مائلاً، أي عمودياً، لانتهت الحياة كذلك!
فقال:
بالتأكيد، فالأرض مائلة عن الاتجاه العمودي، وبزاوية 23.5 درجة، وهي زاوية ميل الأرض، فماذا لو كان محور الأرض ليس مائلاً، بل عمودياً؟
لا يتعاقب الليل والنهار، ولا تتتابع الفصول، ولا تتنوع الغلات النباتية، وتنقص مساحة الجزء من الأرض الصالح للسكن!
فلا بد أن تكون 23.5، وليس 24 وذلك لحكمة عظيمة، قال تعالى: {واختلاف الليل والنهار}، وليس تساوي الليل والنهار.
وكذلك قوله تعالى: {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل}، ولا يمكن أن يولج الليل في النهار، والنهار في الليل إلا إذا كان المحور مائلاً! فهذا المحور آية من الآيات، {إنا كل شيء خلقناه بقدر}، فلا عبث، ولا صدفة.
قلتُ:
كلما دقق الإنسان وتأمل، فإن العبث يقل بدرجة أكبر، ويزداد القصد، ومن ثم لا بد أن يكون هناك خالق.
قلتُ:
دعنا ننتقل إلى محور جديد في موضوعنا ألا وهو: سرعة دوران الأرض حول الشمس، فالعلماء يقولون: إنها منطقية، معقولية، رياضية، فكيف ذلك؟
فقال:
تدور الأرض حول الشمس بسرعة 18.5 ميل في الثانية، فإذا قلّت هذه السرعة فستكون المحصلة لصالح قوة الجذب المركزي، فتجذبها الشمس، وتبتلعها، وتحرقها، وإذا زادت هذه السرعة، فستتحرر الأرض من جاذبية الشمس، وتنفلت، ويتجمد كل من عليها وما عليها!
قلتُ:
العلامة الطاهر بن عاشور علامة الشمال الإفريقي كله، بل علامة المسلمين في قرنه الماضي، يقول في كتابه وتفسيره: التحرير والتنوير، في تفسير سورة النمل آية 88: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء}، يقول: فإن الناس كانوا يحسبون أن الشمس تدور حول الأرض فينشأ من دورانها نظام الليل والنهار، ويحسبون الأرض ساكنة. واهتدى بعض علماء اليونان إلى أن الأرض هي التي تدور حول الشمس في كل يوم وليلة دورة تتكون منها ظلمة نصف الكرة الأرضي تقريباً، وضياء النصف الآخر، وذلك ما يعبر عنه بالليل والنهار، ولكنها كانت نظرية مرموقة بالنقد، وإنما كان الدال عليها قاعدة أن الجرم الأصغر أولى بالتحرك حول الجرم الأكبر المرتبط بسيره، وهي علة إقناعية؛ لأن الحركة مختلفة المدارات، فلا مانع من أن يكون المتحرك الأصغر حول الأكبر في رأي العين، وضبط الحساب، وما تحققت هذه النظرية إلا في القرن السابع عشر بواسطة الرياضي (غاليلي) الإيطالي.
فقال:
فلاسفة الإغريق بنوا كلامهم على أمرين:
أن الأرض هي مركز الكون، وأنها ثابتة!
ومعنى ذلك أن القبة السماوية كلها تدور حول الأرض، وهذا كلام غير صحيح، كورنيكوس في القرن 16 أثبت أن هذا الكلام غير صحيح، وأن العكس هو الصحيح، فالأرض تدور حول الشمس، وليست الشمس هي التي تدور حول الأرض إطلاقاً، والدليل أن هناك قاعدة فلكية كلية تقول: إن الجرم الأصغر يدور حول الأكبر.
قلتُ:
وهذا ما قاله الطاهر بن عاشور.
فقال:
نعم صحيح؛ لأنه وجد في دورانه منجاة له، لأنه لو وقف فإن الجرم الكبير سيبتلعه ويحرقه بجاذبيته، فيطوف حوله.
وفي الوقت ذاته لا يزال عند الجرم الكبير فائض من الجاذبية يستطيع من خلالها ابتلاعه وإحراقه، فيدور الجرم الصغير حول نفسه بإلهام من الخالق سبحانه وتعالى، {إنّا كل شيء خلقناه بقدر}.
وللعلم فكل الكواكب تدور، وأنا أتساءل: من أين تأتي هذه الكواكب بطاقة الدوران؟ فمثلاً الأرض تدور حول الشمس بسرعة 18.5 ميل في الثانية، فمن أين تأتي بطاقة الدوران؟ هذا السؤال محير، وبالتالي لا بد من وجود فاعل؛ لأنه لا يمكن أن يتم ذاتياً.
قال الله تعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء}، هنا في الآية: وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب، هذا يسمى في اللغة تشبيهاً بليغاً؛ فالله سبحانه وتعالى لم يقل: وهي تمر مثل السحاب، أو كالسحاب، وعندنا قاعدة لغوية تقول: إن الزيادة في المبنى، زيادة في المعنى، فلو قال: مثل السحاب، فهنا الميم، والثاء، واللام، زائدة، وفاصلة بين الجبال والسحاب، ولو قال: كالسحاب، فهنا الكاف والألف زائدة، وإنما قال: تمر مر السحاب، بحذف حرف التشبيه، حتى كاد المشبه به يشبه المشبه تماماً، هذه نقطة.
قلتُ:
لماذا لا نشعر بحركة الأرض، وحركة الجبال؟ ما هو الجواب العلمي على عدم هذا الشعور؟
فقال:
لأن الناس مكتسبة سرعة الأرض، فهي تدور بسرعة ألف ميل في الساعة حول نفسها، ونحن ندور معها بسرعة ألف ميل في الساعة، فالسرعة النسبية صفر، فلا يمكن أن نشعر بحركتها.
متى أشعر بذلك؟
أشعر إذا توقفت الأرض عن الدوران فجأة! ولكنني في هذه الحالة لن أجد نفسي، وإنما سأجد نفسي في القمر، أو المريخ؛ لأنني لا زلت مكتسباً سرعتها، وهي ألف ميل في الساعة!
قلتُ:
لا يمكن أن يتناقض القرآن مع حقيقة علمية؛ لأن القرآن كلام الله المسطور، والكون كلام الله المنظور، وأحدهما يفسر الآخر، فإن حصل تناقض فإنما هو في الفهم: إما لنظام الكون، أو لمعنى الآيات.
فقال:
صدقتَ.
نعود مرة أخرى إلى الآية، وفيها قوله تعالى: {تحسبها}، أي تظنها، لأننا في الواقع لا نرى الجبال تتحرك، لكنها تتحرك!! نعم، تتحرك بحركة الأرض، فكل مخلوق على سطح الأرض، وكل كائن يتحرك بحركة الأرض، حركة تابعية، فهذه الكلمة لا يقولها إلا خالق، فأنت تحسبها جامدة، أو هامدة، أو ثابتة، لكنها في الحقيقة تتحرك بحركة الأرض.
كذلك قوله تعالى: {وترى الجبال}، فالله سبحانه وتعالى لم يقل: وترى الأرض، لأنني وأنا على الأرض فمن المستحيل أن أظن أن الأرض جامدة، أو هامدة؛ لأنني جزء منها، ولكن متى أعرف أنها تدور؟ إذا خرجتُ خارج الغلاف الجوي.
أما الجبال فهي من الأمور الذي يمكن رؤيتها على سطح الأرض.
وهذه لا تتعلق بزوال الجبال لسبب: {وترى الجبال تحسبها جامدة}، فهذه الكلمات البينات لا تتماشى مع يوم القيامة من حيث التخويف والتهويل، ثم ختام الآية: {صنع الله الذي أتقن كل شيء}، لا يتماشى مع الإهلاك والإبادة الموجودة يوم القيامة، فلا صدر الآية ولا عجزها يتماشيان مع مشاهد يوم القيامة بإجماع المفسرين والمحدثين، فهذه تتعلق بالدنيا.
قلتُ:
الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى كان يقول: إن صنع الله الذي أتقن كل شيء دعوة للتأمل، ويوم القيامة ليس للتأمل، وإنما للحساب، فالتأمل يكون في الدنيا!
كذلك العلامة جمال الدين القاسمي في كتابه: محاسن التأويل، عندما جاء لهذه الآية وفصل ورد الجواب الأول، والثاني، والثالث، والرابع، على أن هذه الآية في الحياة الدنيا، قال: فهذه الآية صريحة في دلالتها على حركة الأرض، ومرور الجبال معها، في هذه النشأة. وليس يمكن حملها على أن ذلك يقع في النشأة الآخرة، أو عند قيام الساعة، وفساد العالم، وخروجه عن متعاهد النظام.
فقال:
المفسرون القدامى والمحدثون قالوا: إن هذه الآية خاصة بالدنيا، ولا تتعلق بزوال الجبال يوم القيامة.
قلتُ:
إلا بعض المتقدمين.
ولكن البعض يقولون: لا تقحموا القرآن في العلم، فتقعوا في إشكاليات كثيرة، ومن ثم تحرجون مع كتاب الله!
فقال:
كلاّ، فالقرآن الكريم فيه 6236 آية، منها على الأقل 2000 آية لا يمكن فهمها إلا بفيزياء متقدمة، وكيمياء متقدمة، وبيولوجيا متقدمة، وطب متقدم!!
قلتُ:
أنت تقول: إن الغلاف الجوي من أسباب الحياة! هلاّ وضحت لنا ذلك؟
فقال:
نحن نعرف أن الأرض لها أغلفة عديدة: الغلاف الجوي، والغلاف الصخري، والغلاف المائي.
بخصوص الغلاف الجوي: فهذا الغلاف فيه هواء، والهواء مخلوط من غازات أساسية من نيتروجين، وأكسجين، وثاني أكسيد الكربون، وبعض الغازات الأخرى، الذي يهمني هنا هو غاز النيتروجين، فنسبته كبيرة: 78 في المئة، والأكسجين 21 في المئة، وهذا الأكسجين صحيح أنه لا يشتعل، ولكنه يساعد على الاشتعال، وهو غاز مهم يذوب في الماء؛ لأنه إكسير الحياة بالنسبة لمخلوقات الله التي تعيش في الماء الميت، أما النيتروجين فهو غاز خامل، وهاديء، لا يشتعل، ولا يساعد على الاشتعال، ولا يذوب في الماء، لكنه مهم جدًّا.
أما نسب هذه الغازات فهنا التأمل: {إنّا كل شيء خلقناه بقدر}، فنسبة الأكسجين 21 في المئة، فلو زدناها واحداً في المئة، ستصبح 22، ماذا سيحدث؟ 70 في المئة من الغابات على الأرض سيحترق ويشتعل نتيجة هذه الزيادة!
فإذا زادت النسبة أربعة في المائة لتصبح 25 في المئة، هنا تحترق الدنيا كلها!!
فمن الذي قدّر هذه النسبة 21 بالتحديد؟ إنه الله سبحانه وتعالى.
ولنفرض أن الأمر كان معكوساً، بمعنى: أن نسبة النيتروجين هي 21، والأكسجين 78 في المئة، ما الذي سيحدث؟
لن تكون هناك أرض أصلاً! بل حرائق وتنتهي.
فانظر إلى الحكمة الإلهية في جعل نسبة الأكسجين ذلك الغاز المتأجج، والمتحمس، والمتحفز، أقل بكثير من غاز النيتروجين، الغاز العاقل الراسي، {إنّا كل شيء خلقناه بقدر}.
أما النيتروجين فنسبته عالية لأسباب:
فله وظائف عديدة: فهو المسؤول عن تكوين البروتينات في النبات، وهو مخصب للتربة، وهو يشترك مع غازات أخرى مثل: ثاني أكسيد الكربون، وغاز الأوزون، ويعطي لنا دفء الأرض، ولذلك يجب أن تكون نسبته كبيرة، {إنّا كل شيء خلقناه بقدر}، فالنسبة لا بد أن تكون 78 في المئة، فإذا نقصنا منها ثلاثة في المئة مثلاً لتصبح 75، ففي هذه الحالة ستدخل الأرض في عصر جليدي جديد؛ لأنه لن يوجد دفء.
قلتُ:
وهل هناك عصر جليدي قديم؟!
فقال:
بالطبع، فمن حوالي 60 إلى 70 ألف سنة كانت الأرض في عصر جليدي، كلها جليد في جليد!
نأتي لغاز ثاني أكسيد الكربون فنسبته ثلاثة من مئة في المئة، نقول: صدق الله تعالى: {إنّا كل شيء خلقناه بقدر}، فإذا زادت هذه النسبة لتصبح أربعة من مئة في المئة، فستزيد درجة حرارة الأرض تدريجياً، ثم تصل إلى الدرجة التي ينصهر فيها الجليد على قمم الجبال، وفي القطبين المتجمدين الشمالي والجنوبي.
أما القطب المتجمد الجنوبي فهو عبارة عن قارة ارتفاع جبالها أربعة كيلو ونصف، وأما القطب المتجمد الشمالي فهو عبارة عن قارة ارتفاع جبالها ثلاثة كيلو ونصف، فلو ذاب الجليد من القطبين المتجمدين الشمالي والجنوبي، ومن على قمم الجبال، فعلى الأرض السلام إذن، هذا إذا زادت النسبة فقط واحد!
أما إذا قلّت النسبة إلى اثنين من مئة في المئة، فإن عملية البناء الضوئي التي يقوم بها النبات ستتأثر جداً، وتهلك المنتجات، وإذا هلكت المنتجات تهلك المستهلكات، فيهلك الإنسان تبعاً!
قلتُ:
سمعتُ أن لك وقفة تأملية طويلة لقوله تبارك وتعالى: {والسماء ذات الرجع}، سميتها رجع السماء، ونحن نعلم أن أكثر المفسرين القدامى يقولون: ترجع لنا المطر، والغيوم، والسحاب.
فقال:
جزاهم الله خيراً، ولكني أقول لهم: لقد ضيقتم واسعاً!!
قلتُ:
أو نقول لهم: لقد وصلتم إلى ما أعطاكم عصركم من علم.
فقال:
صدقتَ وأحسنتَ.
قوله تعالى: {والسماء ذات الرجع}، ماذا تعني ذات الرجع؟ أي ترجع لنا، وترجع عنا، ترجع لنا ما ينفعنا، وترجع عنا ما يضرنا!
ترجع لنا ما ينفعنا مثل: المطر، والضوء، والحرارة، وموجات البث الإذاعي، والتليفزيوني.
أما المطر: هناك دورة ماء في الطبيعة بالتسخين، ثم التبخير، ثم التصاعد، ثم التكثيف، ثم التساقط، وهناك طبقة في الغلاف الجوي السفلي اسمها التيربوسفير ترجع لنا المطر، ولولاها لمتنا.
وللعلم فإن السماء في قوله تعالى: {والسماء ذات الرجع}، المقصود بها هنا الغلاف الجوي؛ لأن السماء تأتي في القرآن الكريم بمعنى القريب والبعيد:
فالقريب هو الغلاف الجوي، والبعيد هي السماوات العلى، والنجوم، الخ…
فأول شيء المطر.
وأما الضوء: فالسماء ترجع لنا الضوء، فلولا الغلاف الجوي لكانت الدنيا سوداء (ظلام)؛ لأن الضوء لا يرى بذاته، بل عندما يتشتت على المرئيات.
وأما الحرارة: فالسماء ترجع لنا الحرارة، فثاني أكسيد الكربون يسمح بنفاذ أشعة الشمس، وارتدادها، إلا واحدة وهي الأشعة تحت الحمراء، وهي المسؤولة عن الحرارة، ويشترك معها غاز النيتروجين، والأوزون كذلك، وهؤلاء يعطوننا الحرارة الجميلة التي تجعلنا نتحمل الحياة على سطح الأرض.
وأما موجات البث الإذاعي والتليفزيوني: فالتليفزيون يبث إرساله فيخرج الكلام من فم المذيع موجة ميكانيكية، والجهاز الذي أمامه يحوله إلى موجة كهرومغناطيسية، ثم تخرج في الهواء، وتتخلص من أربع طبقات: طبقة التيربوسفير، ثم اﻻستراتوسفير، ثم الجيوسفير، وتذهب لطبقة اسمها اﻻيونوسفير، فترجعها مرة أخرى.
قلتُ:
إذن لولا الغلاف الجوي لذهبت الموجات إلى غير رجعة؟!
فقال:
بالضبط.
ثم ترجع عنا المضرات، وهي أربعة أيضاً:
أولاً: طبقة اسمها الأوزون سفير: وهي طبقة الأوزون وهي ترحمنا من وابل من راجمات الأشعة الفوق البنفسجية، وهي أشعة قليلها مفيد، وكثيرها مميت، فتدخل لنا هذه الطبقة القدر المناسب والمحسوب لنا، وهو بالضبط 12 في المئة، وهو المفيد للحياة، {إنّا كل شيء خلقناه بقدر}، أرقام دقيقة، لا زيادة ولا نقصان!
ثانياً: النيوزسفير: وهي الطبقة الوسطى، وهي تحمينا من خطر الشهب، 20 مليون شهاب كل يوم تريد اختراق الغلاف الجوي للأرض، حتى يحرقوا الأرض ومن عليها، فهذه الطبقة هي التي تتصدى لها، فتفتتها، أما إذا كان بعضها كبيراً ولم يحترق كلية فإنه ينزل، وفي هذه الحالة يعمل حفرة، وعندئذ يسمّى نيزكاً.
ملاحظة: ليس هناك تكملة لبقية النقاط!!
قلتُ:
قوله تعالى: {والأرض ذات الصدع}، المفسرون القدامى قالوا: إنها تنصدع فيخرج النبات، هل هناك معنى أعمق؟
فقال:
نعم، بكثير!
فلدينا حقيقة كونية مبهرة وهي: أن الغلاف الصخري للأرض ممزق بشبكة من التصدعات تمتد طولاً، وعرضاً، وعمقاً، إلى حوالي مئات الكيلومترات، وفي العمق من 65 إلى 150 كيلو متر، ورغم أنها آلاف الصدوع، إلا أنها في النهاية متصلة ببعضها البعض، فتشكل صدعاً واحداً!
{والأرض ذات الصدع}؛ لأنها وإن كانت صدوعاً، لكنها متصلة ببعضها، والعلماء يشبهونها بكرة التنس، تجد عليها تشققات، ولحامات متصلة ببعضها البعض!
وهذا الصدع ضروري لجعل الأرض صالحة للحياة!
قلتُ:
ما هي وظيفة الصدع؟
فقال:
وظيفة خطيرة جداً، فالأرض فيها عناصر مشعة، وهذه تنحل تلقائياً بمعدلات ثابتة، وتعطي حرارة رهيبة، فهذه الحرارة إن لم تجد متنفساً حتى تنطلق من خلال الصدوع، تفجرت الأرض من داخلها تفجيراً ذرياً طبيعياً، وانتهى كل شيء!
ثم إن العلماء ظلوا يدرسون هذا الصدع عشرين سنة، من نهاية الحرب العالمية الثانية، أي من سنة 1945، إلى سنة 1965، حتى استطاعوا أن يصوروا هذا الصدع، مع أنها آلاف الصدوع، لكنها في النهاية هي شبكة متصلة، وهي صدع واحد، ولذلك انظر إلى الإعجاز العلمي في القرآن الكريم في كلمة: {والأرض ذات الصدع}! فلم يقل ذات الصدوع! فسبحان الله العظيم.