جيفري لانج، ضياع الملحد أم تحرره؟! – إسماعيل عرفة
كان أستاذ الرياضيات الأمريكي جيفري لانج شديد الإعجاب بالتفكير المنطقي فارتاب في ديانته المسيحية وقرر التحرر من قيود الدين والانطلاق إلى آفاق الإلحاد. ظن لانج أن قراره بالتخلي عن الإيمان سيجعله إنسانًا أكثر اطمئنانًا ومستراح البال.
لكن على النقيض فوجئ لانج أنه يشعر بالضياع بلا أي مأوى، فيحكي مخبرًا عن حاله في هذه الفترة: “عندما أصبحت ملحدًا قذفت بالصليب جانبًا، وصحب ذلك شعور داخلي بالضياع، فإن لرموزنا من التأثير ما يشعرنا باضطراب نفسي إذا فقدناها، خاصة عندما لا يكون البديل جاهزًا”.
حاول لانج تعويض هذا النقص بأي شيء، فاستشعر المعنى في المسار الأكاديمي وأحس أن اللقب العلمي سيجلب له السعادة، وبالفعل طغى شعور الفرحة على لانج يوم مناقشة أطروحته للدكتوراه، لكن فرحته تلاشت بمجرد عودته إلى شقته.
ثم يصف لانج طبيعة الملحد الهشة وطبيعة علاقاته وحياته الداخلية قائلًا: “سرعان ما تعلمت أن لا أحد يعرف الوحدة كالملحد. فعندما يشعر المؤمن بالوحشة فإنه يناجي من أعماق روحه الواحد الأحد الذي يعرفه، ويكون بمقدوره أن يشعر بالاستجابة؛ ولكن الملحد محروم من هذه النعمة، لأنه عليه أن يسحق هذا الدافع، ويذكّر نفسه بسخفه. فالملحد هو إله عالمه الخاص..”.
ويشرح لانج بقدر من التفصيل ثنايا هذا العالم الضيق للملحد فيقول: “وعالم الملحد عالم صغير جدًا، يحدده مجال إدراكه، وهي حدود في تناقص مستمر. والملحد لا يشبع احتياجاته شيء، لأن عقيدته تخبره أن ليس للحياة هدف، أن ليس هناك شيء كامل أو مطلق، فعادة ترى الملحد منشغلًا بنفسه يحاول الحفاظ على اتزانها ووحدتها لتصبح ذات معنى”.
ثم يختم لانج كلامه قائلًا: “إننا جميعًا نصبو للخلود. وبمقدور المؤمن أن يتخيل السبيل لتحقيق ذلك، أما الملحد فعليه أن يفكر في حلول بديلة آنية، ربما عن طريق الزواج وإنشاء أسرة، أو تأليف كتاب أو إنجاز اختراع ما، أو القيام بمأثرة أو عمل بطولي أو رومانسي، بحيث يعيش في أذهان الآخرين. إن هدف الملحد الأسمى ليس الذهاب للجنة، بل أن يذكره الناس”.
تعتبر تجربة لانج الثرية كما حكاها في كتابه (الصراع من أجل الإيمان) التي لم يُسلط عليها الضوء كثيرًا، على الرغم من الثقل المعرفي للأستاذ جيفري لانج وأهميتها في إدراك جوانب عدة من تركيبة الملحد الذهنية والنفسية. وقد استعان لانج بأدواته الأكاديمية من أجل إضافة مزيد من التحليل والعمق إلى شخصية الملحد، وهو الآن بفضل الله داعية إلى الإسلام، ويحكي عن شعوره عند قراءة القرآن مترجمًا لأول مرة قائلًا: “عندما شرعت في قراءة القرآن شعرت أن القرآن هو الذي يقرأني”.