لتجربة الأجواء المثيرة للمراهنة الرياضية والإثارة في ألعاب الكازينو عبر الإنترنت، ما عليك سوى التسجيل وبدء اللعب لدى شركة المراهنات Mostbet في المغرب . تعال لتستمتع باحتمالات عالية والعديد من المكافآت والعروض الترويجية والرهانات المجانية واللفات المجانية. سنمنحك نسبة 100% على إيداعك الأول، ولدينا أيضًا تطبيق ممتاز للهاتف المحمول!
برامج رواسخحديث الشبهات

حديث الشبهات الحلقة 10 (الإسلام وحرية المرتد ج2)

الاسلام وحرية المرتد

موضوع حساس جدًّا، تكتنفه الكثير من الإشكالات، والاعتراضات، وتطرح عليه جملة من الأسئلة:

  • لماذا لم ينص القرآن الكريم على حد الردة بشكل صريح وواضح؟!
  • كيف تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع حوادث الردة، جماعية كانت، أو فردية؟!
  • هل الردة مجرد إعلان حالة ضد الدين، أم تحوطها إشكالات، وملابسات، وشروط تجعلنا نتخذ منها موقفاً؟!
  • هل الموقف من هذه الردة واحد ومحدد، وتطبيقي شكلي حرفي؟!

أسئلة كثيرة ترِد حول هذا الموضوع، ولذا فقد كثر تناول الموضوع، من اتجاهات وزوايا مختلفة، من علماء، وفقهاء، ومفكرين، وخطباء، ودعاة….

وكلامي هنا عن الدائرة الشرعية التي تناولت الموضوع، فمنهم مثلاً: الشيخ محمد متولي الشعراوي، والدكتور عبد الله بن بيه، والشيخ القرضاوي، والدكتور طارق السويدان، والدكتور البوطي، وجمال البنا، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، والدكتور محمد سليم العوا، والشيخ خالد الجندي، والأستاذ عدنان الرفاعي، والأستاذ إبراهيم الحمامي، وسعد الدين الهلالي، والدكتور محمد عمارة، والشيخ سعدالروبي، والشيخ الزغبي، والشيخ محمد حسان، والشيخ أبو إسحاق الحويني، والأستاذ فاضل سليمان….إلى آخر القائمة الطويلة.

ومن هؤلاء الذين تناولوا الموضوع ودرسوه، وقرأوا أطروحات الآخرين، الدكتور علي العمري، رئيس جامعة مكة المكرمة المفتوحة.

كان لنا معه لقاء ماتع نافع، تطرقنا فيه لقضايا شائكة، وأسئلة جريئة، بسعة صدر، وبعد نظر، ووقوف عند الدليل…

وبعد الترحيب به، وشكره على قبول الدعوة، بدأتُ بالحوار الساخن من أول سؤال…

فقلتُ: نريد فك الإشكال الذي يخطر في بال المسلم، وغير المسلم، والمثقف، وغير المثقف، وهو حول الشعار العام، والقاعدة الكلية التي تعلمناها، وحفظناها، وهي قاعدة: {ﻻ إكراه في الدين}، كيف لنا أن نفهم مدلولات ومعطيات هذا الشعار العظيم، في ظل الزخم الذي يبث صباحاً ومساء عن حكم المرتد، وقتل المرتد؟!!

فأجاب قائلاً:

قبل الدخول في صلب الموضوع، والإجابة على هذا السؤال المهم، أود الإشارة إلى نقطة غاية في الأهمية، طرأت في ذهني وأنت تذكر تلك الأسماء من العلماء، والمفكرين، والدعاة، الذين خاضوا في بحار هذا الموضوع الشائك، فأقول: ودعني أكون صريحاً، نحن نشكر جميع أئمة السلف، والخلف -رحمة الله عليهم- الذين بذلوا جهداً في الطرح، وفي علاج إشكالات هذا الموضوع الخطير، ولكني مع ذلك أقول: هناك من تكلم في هذه القضية الكبيرة، ولم يعط نفسه وقتاً لمعالجتها، ومناقشتها نقاشاً علمياً، قائماً على أسس صحيحة، وقواعد منضبطة، وهذه قضية خطيرة في طرح المنهج، ولذلك أطلقتُ على هؤلاء مصطلح: أصحاب الفقه الثلاثي: فقه الهروب، وفقه الغروب، وفقه الثقوب!!

  • فقه الهروب: هو ذلك الشخص الذي يذكر أدلة على رأيه وقوله، وفي المقابل يتهرب من أدلة أخرى كثيرة؛ لأنه ﻻ يستطيع مناقشها، والرد عليها، فتتفاجأ بفعله وتصرفه، ولكن عجبك يزول حين تعلم أنه فعل ذلك لأن تلك الأدلة التي أعرض عنها ﻻ تخدمه من ناحية، أو لأنه ﻻ يستطيع الإجابة عنها فيتركها، وهذا منهج أعوج، يدل على ضعف صاحبه العلمي من جهة، وقلة أمانته من جهة أخرى!

وهذا خلاف ما كان عليه علماؤنا وأئمتنا من ذكر جميع الأدلة في المسألة، سواء كانت موافقة لآرائهم، أم مخالفة، والجواب عنها، وإذا لم يجدوا جواباً شافياً على بعضها، ذكروها، وأحالوا في الجواب عليما من يستطيع ذلك!

وهذا كما وقع للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عندما أجاب على بعض الإشكالات الواردة على أحد المسائل، إلا أنه وجد أن هناك حديثاً أو حديثين لم يستطع أن يقول عنه إنه منسوخ، أو إنه ضعيف، فماذا فعل؟

بكل بساطة وجرأة قال: هذا رأينا في هذه المسألة، ولعل من يأتي بعدنا يحل هذا الإشكال!

  • أما فقه الغروب: فهؤلاء الذين يصلون بالقارئ إلى الظلام، مثل: وقت الغروب! فالقضية عنده إما في أقصى اليمين، أو في أقصى اليسار!! فلا نقاش فيها، ولا حوار، ولا أخذ، ولا عطاء، ولا التقاء، ولا مصلحة!! وهذه مصادرة تنم عن ضيق أفق.
  • وأما فقه الثقوب: فصاحبه ذاك الذي يأتي بكل الأدلة، ويبين لك أنه إنسان موسوعي، وأنه إنسان قاريء، وأنه إنسان منصف، ولكنه في الحقيقة عندما يبدأ بالجواب على الاعتراضات، يأتيك بثقوب شديدة في اللغة، أو الحديث، أو فهم النص، أو التأويل المعاصر، أو غير ذلك، لكنه جيد في الجمع.

قلتُ: هذا كلام مهم جدًّا؛ خاصة أننا إذا علمنا أن هدفنا ليس مجرد الرد على سؤال بحد ذاته، وإنما القضية تأصيل منهج، لأن المسألة ليست مسألة نتيجة، بقدر أنها معرفة مقدمات!

ثم قلتُ: ونحن نناقش الإسلام، وحرية المرتد، ﻻ يمكننا الدخول في صلب هذا الموضوع وحكمه، من غير أن نفهم الحرية كمبدأ، لأن حكم المرتد فرع عن مبدأ الحرية أصلاً!

فكيف يطبق عليه هذا المبدأ، وكيف يمارسه؟!

فقال: الإسلام معناه: أن يسلم الإنسان نفسه لله تعالى، قال الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}، السلم هنا: الإسلام. والمعنى: ادخلوا في الإسلام بكليتكم، أي: أدخلوه بعقولكم، ومشاعركم، وأحاسيسكم.

والإنسان عندما يقول: إنني مسلم. أي: أستسلم لله سبحانه وتعالى. وإذا كان مؤمناً صادق الإيمان، سيقول إنني بعت نفسي لله، {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}، فأنت بعت نفسك لله، إذن أصبح مالكها هو الله تبارك وتعالى، فالمؤمن له طريقة في فهم تعامله مع الله جل جلاله، أنه باع نفسه رخيصة لله تبارك وتعالى، فجوارحه كلها هي ملك بيد الله، وبالتالي عندما تأتيه التطبيقات أو التشريعات الإسلامية، فإنه يقول: سمعنا وأطعنا، في كل صغيرة وكبيرة، فيصبح الإسلام جزءً من تركيبة هذا المؤمن، فينظر إلى الله، وإلى الجنة، وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيقول: إن الحق معهم، وسيقول: {إن هو إﻻ وحي يوحى}، فاندفاعه وتحركه مبني على الوحي، مبني على العقل، الذي يرتبط بوحي القرآن، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمنبعه وتحركه، واستجابته الفطرية، والقلبية،  راجعة إلى أمر الله تعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.

فمثلاً: في قضية الجهاد في سبيل الله، والنفير العام، يقرأ قول الله تعالى،{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله، فيقتلون، ويقتلون، وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعده من الله}، فأنت بينك وبين الله تعالى بيعة، وفية وفاء من قبل الله سبحانه وتعالى لك. لماذا؟

لأنك تقاتل في سبيل الله، وتبذل نفسك رخيصة له.

كذلك من الأمثلة: ما جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم)، هذا الحديث في وليمة العرس، فأنت في هذه الحالة ليس لك اختيار في إجابة الدعوة، أو رفضها، لأن الشارع أمر بذلك، ثم إن هذه القضية عبارة عن مشاركة للأحاسيس، والمشاعر، للطرف الآخر، فكان مأموراً بها لذلك.

ولذلك نحن عندما نتكلم عن الحرية، والردة، فإننا نعلم أن القضية ﻻ تتعلق في الردة لذاتها، وإنما تتعلق بنظام الإسلام كله! نحن نتكلم عن الخروج من شخصنة الإنسان، إلى ما يسمى بتقديس الجماعة، فقضية الجماعة هي التي لها التقديس، وليس ذات الفرد! فليس من حقك أن تقول: أنا حر، وأفعل ما أشاء، ﻻ….، يجب أن تفهم أنك في دائرة الإسلام الكلية التامة.

قلتُ: هذه الجزئية من الجزئيات الكثيرة التي تختلف فيها الحداثة الغربية عن الشريعة الإسلامية، ففي الإسلام المجتمع هو الأصل، والفرد ينتمي إلى هذا المجتمع، فإذا ما حصل تعارض بين مصلحة الفرد، ومصلحة الجماعة، قدمت مصلحة الجماعة، ويعوَّض الفرد بما يستحق، لكن في الغرب نرى أن المجتمع يتمركز حول الفرد، فمصلحة الفرد هي الأساس بالدرجة الأولى. هذا أولاً.

وأما ثانياً: فإننا إذا لم نفهم أن الإسلام دين متكامل، وليس دين طقوس، ودين روحانيات، وغيرها، أقول: إذا لم نفهم هذه المعيارية، فإننا -ولا بد- سنقع في ارتباك واضطراب ليس في فهم حد الردة فحسب، بل في فهومات أخرى كثيرة.

رأيك في هذا الكلام؟

فقال: لا شك أن هذا كلام وجيه جدًّا.

ونحن عندما نأتي على تطبيقات الردة العملية، سنجد أن لدينا حوادث تاريخية عدة في هذا الجانب، بدءًا من حوادث فردية قليلة وقعت زمن النبي صلى الله عليه وسلم، إلى حادثة الردة في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، مروراً بفتنة مقتل عثمان رضي الله تعالى عنه، وما نتج عنها من فتنة عظيمة بين السلمين، قسمتهم إلى فريقين، طائفة مع علي رضي الله عنه وأرضاه، وطائفة مع معاوية رضي الله عنه، تمخضت عن فرقة الخوارج الذين كفروا الطائفتين، وأوجبوا قتالهم، ومن ثم انقسمت الخوارج على نفسها فرقاً كثيرة، كل واحدة منها تدعي أنها الحق والصواب، وأن مخالفها مرتد، حلال الدم والمال!!

وبقيت الأمور على تلك الحال من الفتن والبلايا في أمة الإسلام، في قرون طويلة من الزمان، إلى أن وصلنا إلى هذه العصور، في الستينيات، والسبعينيات من هذا القرن، وما قامت به الجماعة الإسلامية في مصر، وما يعرف بجماعة الهجرة والجهاد من تكفير المجتمعات بالكلية، واستحلال دمائهم وأموالهم، وأن أهل التوحيد الحقيقي هم المنضوون تحت تلك الجماعة فحسب دون غيرهم!!!

كان هذا مدخلاً تاريخياً مهماً لمسألة الردة، لتكون الصورة واضحة أمامنا، فنحن لا نتكلم عن قضية فردية، أو عن قضية ليس لها آثار تاريخية، كلا، بل الأمر أخطر من ذلك بكثير…

فهي قضية تتسبب في كوارث في التفسير، وكوارث في إنشاء تحزبات، ومجموعات، وكوارث في تصنيف الناس، فهذا مسلم، وهذا مرتد!! وهذا أخي تجب موالاته، وهذا عدوي تجب معاداته وقتاله!!!

ويجب علينا ألا نغفل عن جانب مهم عند الحديث عن موضوع الردة، وهو أنها أقسام وأنواع، فهناك الردة القولية، وهناك الردة الفعلية، وهناك الردة التركية!! أي أنك تصبح مرتداً لتركك شيئاً من أحكام الإسلام.

قلتُ: لكنني لا أريد أن يفهم البعض من خلال هذا السرد التاريخي للفتن والأحداث أنها الصورة العامة للإسلام، أو أنه لا فائدة منها، أو أنها تقرأ على أنها تاريخ دموي، لا تؤخذ منه الدروس والعبر لواقعنا، كلا…، فكل ذلك خلاف الصواب، ويكفينا أن نعلم أننا جميعاً بشر، نقع في الخطأ والزلل، بما في ذلك الصحابة!  ونتعلم من تلك الأخطاء، فالقرآن تكلم عن طائفتين من المؤمنين يقتتلون، وعرفنا من هذا الاقتتال جملة من الأحكام الشرعية، وعرفنا من  صاحب الحق في ذلك، ومن أين وقع الخطأ، وكيف نقرأ السنة اﻻجتماعية، والسنة الإلهية في حركة المجتمع المسلم،     فالإنسان يحزن على الفتن، لكنها ليست هي الحكم على الإسلام.

ولذلك نريد أن نفهم دلالات النص، وتطبيقاته…

فلنبدأ بالأصل، نحن نعرف أن القرآن مهيمن على السنة، ونقرأ في القرآن الكريم الآيات الدالة على عموم حرية الإنسان في الاختيار لكن تأتي السنة، وتقيد، فكيف نفهم إطلاق القرآن، وتقييد السنة في موضوع الحرية، وفي قضية الدين وفي الاختيار العقائدي؟!

فأجاب:

أولاً: السنة مصدر من مصادر التشريع الإسلامي، مثلها مثل القرآن الكريم، والله سبحانه وتعالى أوجب علينا طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:{وما آتاكم الرسول فخذوه}، فلا بد من النظر إلى السنة النبوية، والأخذ بكلام النبي صلى الله عليه وسلم، فكلامه وحي، {إن هو إلا وحي يوحى}، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي في آخر الزمان من يعرض عن السنة النبوية، ويرمي بها عرض الحائط، فقال: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به، ونهيت عنه، فيقول: لا ندري، وما وجدنا في كتاب الله اتبعناه!)، كأن النبي صلى الله عليه وسلم يستنكر على هؤلاء الناس أنهم سيأتون في آخر الزمان يرفضون سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول الواحد منهم: أعطيني آية من كتاب الله!!

ولذلك فإن من أخطاء من يتحدث في موضوع الردة مثلاً، أو الرجم، أو غير ذلك، قوله: إن هذه الحدود غير موجودة في كتاب الله تعالى!!

فالجواب باختصار: أن القرآن الكريم جاء بأحكام عامة، ومجملة في الأغلب، ولم يفصل في كل شيء، بل ترك الأمر للسنة النبوية تشرح، وتفصل، وتبين، وتقيد، وتخصص.

فمثلاً: شرب الخمر، الحكم العام في شرب الخمر موجود في القرآن الكريم، لكن حدّ شارب الخمر لم يذكر فيه، وإنما جاء في السنة النبوية المطهرة، لكي يفهم الناس أن هذه السنة النبوية منها ما هو إقرار لما هو في القرآن الكريم، كالظلم، وعقوق الوالدين، أو تبيين وتوضيح لما في كتاب الله تعالى، قال الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم}، أو المجيء بحكم جديد، كقضية زواج الرجل من أخت الزوجة، أو عمتها، أو خالتها، إلى غير ذلك.

فإذن قضية هيمنة القرآن على السنة لا بد أن تفهم في إطارها الصحيح.

قلتُ: ولذلك فمن طرائق محاربة هذا الدين قضية اﻻكتفاء بالقرآن الكريم، ونبذ السنة، وﻻ أدري كيف لقائل هذا الكلام أن يصلي كما أمر الله تعالى؟! أو كيف يحج؟! وما هو مقدار أداء الزكاة؟!

ولذلك كان من التعبيرات المناسبة إطلاق أن السنة هي المذكرة التفسيرية للقرآن الكريم، كما يستخدم في القانون المعاصر، وبالتالي قضية الإخلال بالسنة من غير منهجية، ما هو إلا تجرد للأهواء، أو هزيمة أمام واقع، أو كثافة شبهات.

ولكن من الإشكالات التي يوردها هؤلاء على حد الردة، القول بأن الأحاديث التي وردت بشأن الردة هي أحاديث آحاد، وليست متواترة، ومن أشهر هذه الأحاديث، وأكثرها تداولاً على الألسنة، حديث:( من بدّل دينه فاقتلوه)، فما الجواب على ذلك؟!!

فقال: نحن نعلم أن الحديث إما أن يكون متواتراً يرويه الجمع من الرواة، عن مثلهم، بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب.

أو يكون دون ذلك، وهو ما يعرف بالآحاد، فقد يرويه اثنان، أو ثلاثة، بل قد يكون الراوي وحيداً في أحد طبقات الحديث، كحديث:(إنما الأعمال بالنيات)، أو حديث تغيير القبلة، أو حديث تحريم النسب والرضاعة، ومثل قضية الإرث في الجدة، فمثل هذه الأحاديث، وغيرها كثير، كان يرويها أفراد من الصحابة، إما ابن عباس، أو أنس بن مالك، وكان الصحابة يقبلون روايتهم، ولا يعارض أحد منهم الحديث بكونه حديث آحاد، هذا لا يعرف عنهم أبداً، فأصبحت هذه القضية إجماع عندهم، ثم إن الفقهاء متفقون جميعاً على حجية العمل بالآحاد.

وهذه حجة أصحاب فقه الهروب الذين حاولوا الفرار من مسألة طرح السنة النبوية، فقالوا: نحن نقرّ بالسنة وحجيتها، فلما عورضوا بتلك الأحاديث الدالة على حد الردة، هربوا منها بالقول إنها أحاديث آحاد!! وهذا نوع من التلاعب في الدين.

لماذا ﻻ تناقشون الحديث؟ ولماذا ﻻ تدرسون طرقه ورواياته؟

ثم إن هؤلاء يقعون في مأزق آخر أنهم يطبقون هذه الأحاديث مرة أخرى في أبواب هم يريدون المناقشة واﻻستدﻻل بها، واﻻنتصار لها، فيقعون في نفس المأزق!! وهذه أزمة ومشكلة.

وحديث🙁 من بدّل دينه فاقتلوه)، رواه عدد من الصحابة: عبد الله بن عباس، وأبو هريرة، وعائشة، وغيرهم، وله طرق كثيرة، قام الشيخ طه جابر بدراسة أسانيدها كلها، فأنت تعجب أشد العجب ممن يأتي بعد ذلك، ويقول: هذه أحاديث آحاد!!

هل هذه مناقشة علمية؟!! هل هذه مناقشة جدلية؟!!

ثم إنك إذا اخترت هذا الطريق، فعليك أن تمارسه في كل مسائلك التي تتكلم بها، فلا تستند، ولا تستدل مرة أخرى بأحاديث الآحاد.

قلتُ: إذن قائل ذلك مطالب بالتزام منهج ثابت، وليس الانتقائية.

فقال:  بلا شك، ولذلك فمن الأمثلة على الاضطراب والتناقض في التعاطي مع الأحاديث عند هذه الفئة التي تنكر حد الردة، أنهم يستدلون بالحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ﻻ يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك دينه المفارق للجماعة)، على أن السياسة الشرعية هي التي تحكم موضوع الردة لدلالة نص: التارك دينه المفارق للجماعة، ثم تجد هؤلاء أنفسهم يقولون: إنه ﻻ رجم في الإسلام!!!

مع أن الحديث نفسه نص على قتل الزاني المحصن، فلمَ التلاعب في الأدلة، والأخذ منها بما يوافق الأهواء؟!!

فهم استدلوا بهذا الحديث على اعتبار أنه هو المخرج من هذه الأزمة، لكنهم وقعوا في التناقض، وهذا شأن الذين يتكلمون بغير منهجية علمية ثابتة.

وهذه دعوة لكل واحد منّا أن يتأنّى ويتريث كثيراً قبل الخوض في مسائل لا يحسنها، وأن يترك الكلام فيها لأهل العلم المعتبرين.

قلتُ: من الأمور التي لا بد من لفت الانتباه لها في مسألة حد الردة أن النبي صلى الله عليه وسلم رغم إدانته لقضية الردة، ورغم ورود حديث: (من بدّل دينه فاقتلوه)، ورغم استبشاع هذه الجريمة، إلا أنه عليه الصلاة والسلام لم يطبق حد الردة في حياته، كما يقول بعض الذين درسوا المسألة، فماذا تقول في ذلك؟!

فقال: هذا الكلام ليس على إطلاقه، بل إننا عندما نأتي إلى التطبيق العملي والسنة الفعلية سنجد حوادث كثيرة انطبق عليها حد الردة، ومن ذلك النفر الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم يوم فتح مكة ولو وُجدوا متعلقين بأستار الكعبة!! كعبد الله بن خطل، وقينتان له، وعبد الله بن أبي السرح، ومقيس بن صبابة، وغيرهم، وهؤلاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم؛ لأنهم كانوا مسلمين، ثم ارتدوا، وخرجوا عن نظام الإسلام، وقاموا بأعمال مشينة، كالطعن في النبي صلى الله عليه وسلم، أو قتل بعض المسلمين، أو غير ذلك، ولذا ينبغي دراسة كل حالة على حدة، والنظر في ملابساتها، وأبعادها، ولماذا طبق النبي صلى الله عليه وسلم الحد في هذه، ولم يطبقه في تلك؟!

ولنأخذ بعض الأمثلة التوضيحية على ذلك، لتتضح الصورة أكثر:

  • عبد الله بن خطل:

كان قد أسلم، وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم مصدقاً-أي لجمع الزكاة- وبعث معه رجلاً من الأنصار، وكان معه مولى له يخدمه، وكان مسلماً، فنزل منزلاً، وأمر المولى أن يذبح له تيساً، ويصنع له طعاماً، ونام، فاستيقظ ولم يصنع له شيئاً، فعدا عليه فقتله، ثم ارتد مشركاً! وكانت له قينتان، وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتله، وقتلهما معه، فجاء يوم الفتح، وتعلق بأستار الكعبة يلوذ بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اقتلوه»، فقتله سعيد بن المخزومي، وأبو برزة تحت الأستار، اشتركا في دمه.

  • مقيس بن صبابة:

أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله لقتله الأنصاري الذي كان قتل أخاه خطأ، ورجوعه إلى قريش مرتداً، فقتله نميلة بن عبد الله.

  • عبد الله بن أبي السرح:

وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه كان قد أسلم، فارتد مشركاً، ثم إنه فرّ إلى عثمان بن عفان، وكان أخاه في الرضاعة، فغيّبه عثمان، حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلب له الأمان، فأمّنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فتاب وحسنت توبته، وقبل النبي صلى الله عليه وسلم منه ذلك.

فإن قيل: كيف شفع عثمان بن عفان في حد من حدود الله؟!!

نقول: هو لم يشفع في حد من الحدود، وإنما شفع في قبول توبته، حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن قد قبض عليه بعد، فجاء الرجل مسلماً، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم إسلامه.

إلى غير ذلك من الحوادث.

قلتُ: البعض يستدل بحديث الأعرابي الذي قال للنبي صلى اللهعليه وسلم بعدما أسلم: أقلني بيعتي، فما هو التوجيه لهذا الحديث؟!

فقال: أنا أستغرب أن يستدل البعض بهذا الحديث! فالحديث كما جاء في الصحيحين وغيرهما: أن أعرابياً بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأصاب الأعرابي وعك-أي مرض- بالمدينة، فأتى الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أقلني بيعتي، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءه، فقال: أقلني بيعتي، فأبى، ثم جاءه، فقال: أقلني بيعتي، فأبى، فخرج الأعرابي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما المدينة كالكير، تنفي خبثها، وينصع طيبها».

فهذا رجل مسلم، يعترف بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم!  وقد ناداه في الحديث بقوله: رسول الله، فكيف صار مرتداً؟!! ولذلك رأينا بعض الذين يتلاعبون بالروايات قالوا: إنه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم  بقوله: يا محمد! وهذا دليل على ردته!! وهذا من اتباع الهوى، لأن قائل ذلك لو كلّف نفسه البحث قليلاً، لوجد أن جلّ الروايات يقول فيها الأعرابي: يا رسول الله!! هذا أولاً.

وأما ثانياً: فهي أن قضية هذا الصحابي كانت في البقاء في المدينة، لأن جوّها لم يناسبه، حيث أصابته الحمى، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يقيله من بيعته، لأن الهجرة إلى المدينة كانت جزءً من البيعة، فطلب هذا الرجل من النبي صلى الله عليه وسلم السماح له بالخروج من المدينة، وإلغاء بيعته على البقاء فيها، وليس على الردة عن الإسلام، فلم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فخرج الرجل بدون إذن، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المدينة تنفي خبثها، فليس للحديث دخل في مسألة الردة، فهو خارج عن محل النزاع.

وهنا لا بد من الإشارة إلى نقطة مهمة جدًّا، وهي أنه لا تعارض بين حديث: (من بدّل دينه فاقتلوه)، وبين قول الله تعالى: {لا إكراه في الدين}، فالآية تنص على أنه لا يكره أحد على الدخول في الدين ابتداءً، فلكل إنسان الحرية في اعتقاده، مع أن البعض من العلماء وأئمة التفسير يقولون إن الآية منسوخة بآية السيف، وعندها لا تعارض بينها وبين الحديث، ولكن على القول بأنها ليست منسوخة، وأن حكمها باقٍ، فلا تعارض كذلك بينها وبين الحديث، لأن الحديث ينص على قتل المرتد بعد أن دخل في دين الإسلام عن قناعة وإرادة واختيار، بدون إكراه أو إجبار، ثم بعد ذلك خرج منه، وارتد عنه، وبدأ يطعن فيه، فمثل هذا عامل فساد، ومصدر قلق واضطراب في صفوف أهل الإسلام، فلا بد من قمع شره، وقطع فتنته.

قلتُ: البعض يستشهد بالمنافقين الذين كانوا في المدينة، والذين يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أفرادهم وأعيانهم، وعلى رأسهم ابن سلول الذي نزلت فيه الآيات، ومع ذلك لم يطبق النبي صلى الله عليه وسلم  عليه حد الردة والكفر.

فقال: المنافقون تكلم عنهم الأئمة بشكل كبير، ومنهم من فصل فيها كالإمام ابن حزم عليه رحمة الله في المحلى في صفحات طوال.

تحرير  المسألة كالتالي:

المنافقون أقسام: منهم من كان يعلم النبي صلى الله عليه وسلم يقيناً أنهم منافقون، ولكنه لم يكن يعلم يقيناً مآل أمرهم، ونهاية حالهم، لأن الله تبارك وتعالى قال في سورة النساء في مسألة المنافقين: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}، فهؤﻻء حكم الله تعالى لهم بأنهم في الدرك الأسفل من النار. ولكن من هم؟ إنهم المنافقون بالعموم.

ثم استثنى الله تبارك وتعالى: {إﻻ الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله}، إذن من هؤلاء المنافقين قوم سيتوب الله تبارك وتعالى عليهم، وبالتالي لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من هم الذين سيتوبون.

قسم آخر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم حالهم، ولكن المصلحة تقتضي أﻻ يقتلهم، حتى ﻻ تؤدي المخاطرة إلى شأن أكبر، وفساد أعظم، كما هو في حال الفتح الإسلامي، ﻻ تطبق الحدود، وﻻ تطبق الأحكام، لماذا؟ لأننا نريد أن نبين لهم أحكام الإسلام، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن العلة في ذلك بقوله: (حتى ﻻ يقول الناس إن محمداً يقتل أصحابه)، فإذن هناك مراعاة معينة، فهذا هو فقه الإسلام، وهذه هي مقاصد الإسلام، وهذا هو تشريع الإسلام، فكان النبي صلى الله عليه وسلم واقعياً.

قسم آخر: أن بعضهم كان يسلم، ثم يكفر، ثم يعلن إسلامه مرة أخرى، فهو يتقلب بين الإسلام والكفر، يعني آمنوا وجه النهار واكفروا آخره، فهم يتحركون في كل لحظة، هؤﻻء فقضيتهم مع الإيمان قضية متذبذبة، فلذلك لم يكن الحكم عليكم مباشراً، والقرآن نص على هذا: {مذبذبين بين ذلك ﻻ إلى هؤﻻء وﻻ إلى هؤﻻء}.

قلتُ: وهذا النوع نشاهده كثيراً في حياتنا، فهذا عنده ارتباك، وذاك عنده تردد، وثالث دخلت عليه الشبهات، وغير ذلك.

فقال: صدقت، ولذلك من يعوّل على قضية المنافقين، ويستدل بها، الحقيقة أنهم لم يستوعبوا أقسام المنافقين الذين تعامل معهم النبي صلى الله عليه وسلم.

فهناك أقوام تم التعامل معهم بالحكم، والقتل، وقوم لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يعرفهم بأعيانهم، وقوم آخرون تعامل معهم النبي صلى الله عليه وسلم على حسب الظرف، والحال، والمآل، فهي مسألة تحتاج إلى نظر وفقه، وتعامل من نوع خاص، فلم يقل أحد من أهل العلم إن من ثبتت عليه الردة يقتل مباشرة، بل هي مسألة لها ظروفها، وأحوالها، ولها طرائقها.

قلتُ: وماذا تقول في حديث معاذ بن جبل مع أبي موسي الأشعري في اليمن، عندما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري إلى اليمن، ثم أتبعه بمعاذ، فلما قدم عليه معاذ ألقى له وسادة، قال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهودياً فأسلم ثم تهود، قال أبو موسى: اجلس، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله، ثلاث مرات. فأمر به فقتل.

فقال: رأيت أحد الباحثين عندما تكلم على هذا الحديث قال: هذه حادثة خاصة، وفعل صحابي باجتهاده!! بمعنى أنه لا حكم لها! فقلتُ: سبحان الله كيف تكون حالة وحادثة خاصة،وقد وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكرها النبي صلى الله عليه وسلم؟!! وما القول إذن في فعل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبقية الصحابة، الذين فعلوا مثل ذلك، لحوادث وقعت معهم؟!! فهل يقال كذلك: إنها حادثة صحابي، وتُحسَب على الصحابي؟!! هذا تفسير غريب بلا شك.

والصواب في فهم الحديث: أن هذا الرجل لم يقتل مباشرة بعد ردته، وإنما أعطي وقتاً كافياً لمراجعة دينه، والرجوع عن قراره، مع التذكير والوعظ والإرشاد، إلا أنه أبى إلا الاستمرار على كفره، وهذا الأمر جاء صريحاً في الروايات، كما عند الإمام أحمد: (رجل كان يهودياً، فأسلم، ثم تهود، ونحن نريده على الإسلام منذ، قال: أحسبه، شهرين)!! فمعاذ بن جبل رضي الله عنه لم يكن يقبل ببقائه حيًّا، بعد تلك المدة الطويلة التي تكفي للإستتابة، وتكفي للحديث معه، والحوار معه، وعرض الإسلام عليه، فأراد أن يئد أي فتنة من شأنها نشر السوء بين المسلمين، وإحداث الخلل والاضطراب ونشر الشبهات بين المسلمين، وقال: قضاء الله ورسوله، وهذه الحادثة وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكرها، ولم يأت أحد ليخالف فيها.

فالإسلام لديه نظام واضح في حماية الدولة، وحماية عقيدته، وعقيدة أهل الإسلام من كل شائبة وفتنة، ولذلك وجدنا أن بعض أهل العلم فهم من عقوبة الردة أنها في حقيقتها حرية للعقيدة، وليست الحرية المجردة للإنسان، كما نص على ذلك الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى.

فالمسألة هي مسألة الأمة والجماعة، وليس مجرد الشخصنة أو الفردية.

وقد وقع مع أبي موسى الأشعري حادثة مشابهة لتلك الحادثة ، ولكنها في زمن عمر بن الخطاب، في فتح تستر، عندما وقعت الردة من ستة أشخاص، فقتلهم أبو موسى الأشعري، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أنكر ذلك، وقال: لو كان الأمر بيدي لأمر بسحنهم، وعرض الإسلام عليهم، فإن قبلوا عفوتُ عنهم، وإﻻ أمرتُ بقتلهم.

فليست العجلة هي المطلوبة، وفي الوقت نفسه لا يفتح المجال للردة بعدم تطبيق الحد.

قلتُ: البعض يستدل بإنكار ابن عباس على علي رضي الله عنهما تحريقه لبعض المرتدين بالنار، فكيف تفهم ذلك؟!

فقال: ابن عباس رضي الله عنهما الذي أنكر على علي رضي الله عنه، وقال: (ﻻ يعذب بالنار إلا رب النار)، هو نفسه راوي حديث: (من بدل دينه فاقتلوه)، والذي فعله علي رضي الله عنه كان اجتهاداً منه، لأنه وإن كان يرى أن موضوع التحريق منهي عنه، إلا أنه أخذ به من باب السياسة الشرعية، فكان رأيه أن يطبق هذا الأمر لخطورة ما قام به هؤلاء، وأن ذلك من باب الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، فكان يرى أن هذا التحريق هو أكبر عقوبة يمكن أن تكون لردع أمثال هؤلاء، وأن هذا النهي عام، ولكنه يخص بفعل الجرائم الكبرى، ثم لما جاء ابن عباس رضي الله عنه وبيّن له أنه ﻻ يعذب بالنار إﻻ رب النار، قال علي: ويل ابن عباس، وفي رواية أخرى: صدق ابن عباس. فتبيّن من هذا الأثر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه تراجع عن فعله في مسألة التحريق.

قلتُ: من الأدلة التي يستدلون بها أن الإمام الأكبر أبا حنيفة فرق في حد الردة بين المرأة والرجل، فقالوا: لو كان حدًّا لما جاز له التفريق، فما هو توجيهك لذلك؟!

فقال: الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى فرق بين المرأة والرجل في حد الردة بناء على دليل عنده، وليس لهوى، أو لضغط واقع، فهو يرى أن المرأة مستثناة من حد الردة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن قتل المرأة، فلا دليل في رأي أبي حنيفة على إبطال حد الردة بالكلية.

مع أن الصواب في المسألة أن المرأة غير مستثناة من حد الردة، وأن النهي عن قتل المرأة معلّل بكونها لا تقاتل، فلو قاتلت المسلمين جاز لهم أن يقصدوها بالقتل، كحال الرجل سواءً بسواء.

قلتُ: دعنا ننتقل إلى قضية أخرى، وهي مسألة شروط تطبيق حكم أو حد الردة، حتى ﻻ يظن الناس أن المسألة مفتوحة لكل أحد، وليس لها ضابط يضبطها.

فأذكر في منتصف الثمانينات عندما قامت بعض المجموعات الإسلامية المتحمسة في صعيد مصر، وأخذت تطبق الحدود بنفسها، فحدثت إشكاﻻت كبيرة نتيجة ذلك، وتدخل الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى وغيره في قضية حل الإشكال، إلى آخر ما حدث…

ماذا تقول في هذه الجزئية المهمة والخطيرة؟!!

فقال: إذا أتينا إلى الشروط التي تطبق في هذا الموضوع الخطير وهي الخلاصة سنجد أن هذه الشروط ستة، ثلاثة تتعلق بمن حكم عليه بالردة وتلبس بها، وثلاثة تتعلق بغيره.

أما الثلاثة التي تتعلق بالمرتد نفسه،: فأولها: العقل، والثاني: البلوغ، والثالث: الإقرار.

وأما الشروط الثلاثة الأخرى فتتعلق بقضية الشهادة، أي الشخص الذي يشهد على المرتد، والثاني: بوجود اﻻستتابة، والثالث: بمن يطبق الحكم.

فالشرط الأول الذي يجب أن يتوفر في المرتد هو العقل، فهل الرجل واعي؟ هل الرجل مستوعب؟ فليست القضية أنه مجنون أو غير مجنون، سكران أو غير سكران، بل هي أوسع من ذلك بكثير، فقد يكون هذا الإنسان قد لٌبّست عليه الأمور، ولم يستوعبها عقله، وتداخلت الأحوال بعضها في بعض عنده.

قلتُ: أنا أعرف أناساً إذا أصابه توتر فإنه يلقي بكلمات لا يدري معناها، وقد تكون كلمات كفرية والعياذ بالله، لكنه إذا أفاق يستغفر الله، ويستغرب كيف صدر منه ذلك!!

فقال: صدقت؛ ولذلك فقضية العقل لا بد من الانتباه لها، والنظر في ملابساتها، فلا نقصر على السكران أو المجنون، بل لا بد من النظر في أحوال الإنسان العقلية، وما مر به من توترات.

ثانياً: قضية البلوغ، ويقصد بها الإنسان الراشد الذي بلغ، الإنسان الذي وصل لمرحلة من النضجوالوعي.

ثالثاً: قضية اﻻختيار، بمعنى أنه اختار هذا الطريق وأقر به، فقد يقول كلمة في ظاهرها أنها كفر، لكنه في الحقيقة لا يقصد ذلك، ولا يرضاه، ولا يقر به، فهنا لا بد من النظر والتأكد، وعدم الاستعجال في غصدار الحكم، فلماذا يريد البعض إلزام فلان أو علان أنك ملحد، وأنك كفرت بالله، وأنك سببت النبي صلى الله عليه وسلم؟!!

رابعاً: قضية الشهود، واختلف الفقهاء في عددهم، والأكثر على أنهما شاهدان، والبعض قال: أربعة شهود، والشهود هؤﻻء يجب أن يكون لهم مواصفات معينة حتى تقبل شهادتهم.

خامساً: وهو وجوب اﻻستتابة، فليس الأمر أن فلاناً ارتد فيقتل مباشرة وفي الحال دون استتابة!! كلاّ، بل لا بد أن نتحاور معه، ونعرض عليه الإسلام بالحسنى، ويعطى له الطعام والشراب، ويعطى له الوقت الكافي للتفكير ومراجعة النفس، ثم بعد ذلك يحكم عليه، لأن بعضهم تكون عنده خلفيات سابقة مشوهة عن الإسلام، فلا بد من إزالة هذه الشوائب من عقله أولاً.

سادساً: وهو قضية القضاء، فالذي يطبق هذا الأمر قاضٍ عالم، يستوعب هذا الأمر، ويفهم دﻻﻻته، وشبهاته، وإشكاﻻته، وهل هذا الشخص أخذ وقته، أم لم يأخذ؟ وهل الذي ناقشه إنسان متأهل لذلك أم لا؟!!

فهذه الشروط لا بد من توافرها مجتمعة قبل الحكم بتطبيق حد الردة، فهل يبقى بعد ذلك عذر لأحد في الاعتراض على هذا الحكم أو الطعن فيه، إلا أن يكون إنساناً معاند، أو مكابر، أو في قلبه مرض وحقد على الإسلام وأحكامه بشكل عام، وليس على حكم الردة خاصة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى