!كورونا، الرأسمالية، والصعود على آلام الإنسان
فقدان للوظائف، إفلاس للشركات، انهيار في البورصات، ركود في الاقتصاد.
ذعر يتسلل بين شعوب العالم، ودعوات باقتحام للمحلات في إيطاليا، وشجارات وقتلى في أمريكا على ذهب كورونا: ورق المراحيض، يصارع الناس بعضهم في المحلات والمتاجر ويتقاتلون للحصول على عبوة من المناديل.
مدخرات الناس تُستنزف، وظائف أصحاب الأعمال تُفقد، الأعمال الناشئة تعلن إفلاسها: الجميع معرض للانهيار الاقتصادي.
لكن كان هناك رابح وحيد: الأثرياء والشركات الرأسمالية الكبرى، لماذا أودت أزمة كورونا بوظيفة 30 مليون موظف أمريكي إلى الانتهاء في الوقت الذي أضيفت فيه 308 مليار دولار إلى أرصدة الأثرياء في الولايات المتحدة وحدها ؟!
كيف تنظر الرأسمالية إلى الكوارث الإنسانية؟ وكيف تستثمر فيها لتجني منها أرباحًا تفوق خسائرها؟
- عالم من التوحش..
شعور من الهلع اعترى الأوروبيين.
ومشاهد لم نكن نتصورها ظهرت على أرض واقعنا.
في بريطانيا تضاعف عدد حالات القتلى بسبب العنف المنزلي خلال الأسابيع الثلاثة الأولى لحظر التجول.
وفي أمريكا الناس لا تهرول إلا للنجاة، وأصحاب الأعمال لا يسعون إلا للربح.
غابت معاني التضامن والتكافل والمؤاخاة وساد منطق البربرية والتربح ولو على حساب كل شيء.
فملاك العقارات في أمريكا يستغلون قعود السيدات عن العمل وإفلاسهن ويطلبون خدمات جنسية من المستأجرات مقابل استمرار سكنهن في الشقق والعقارات.
أما في كندا، فقد قامت 500 مزرعة بسكب 5 مليون لترًا من اللبن أسبوعيًا على الأرض حتى تحافظ على ثبات سعر اللبن في الأسواق، في الوقت الذي يموت فيه 9 ملايين شخص سنويًا من الجوع.
ونفس الأمر تكرره مزارع الولايات المتحدة للحفاظ على سعر السوق أيضًا، ويبلغ إجمالي الكميات المهدرة من البيض مثلًا للمزرعة الواحدة: 750 ألف بيضة أسبوعيًا.
ربما لم يسمع أحدهم عن وسيلة أفضل للحفاظ على الأسعار، مع عدم هدر هذه الكمية الهائلة بل الانتفاع منها وتحصيل فائدة عظيمة منها، وهي نظام الوقف الإسلامي.
فالمسلمون على مر تاريخهم إذا كان يحصل لديهم اكتفاء ذاتي من مخزونهم فإنهم يلجؤون إلى حبس المزارع عن بيعها أو توريثها وتوزيع إنتاجها على الفقراء وأصحاب الحاجة.
فقد أنشؤوا أوقافًا للألبان يشرب منها المارة إذا شعروا بالعطش.
كما أنشؤوا أوقافًا للفنادق والاستراحات للمسافرين.
وحتى للكلاب الضالة التي لا تجد لقمتها وزعوا عليها فائض إنتاجهم، حتى لا يلقوا بالطعام على الأرض هدرًا دون فائدة.
إنها معاني التعاطف والتكافل الاجتماعي المبثوثة في ثنايا الشريعة الإسلامية، المعاني التي غابت عن الحضارة الغربية ولا تجد لها مكانًا في العالم المادي الفرداني، إنها المعاني التي أيقظتها العقيدة الإسلامية صاحبة الفضل في تكوين تلك المشاعر السامية التي تنبَّهت لتلك الدقائق، في كلِّ زاوية من زوايا المجتمع، وكلِّ منحى من مناحي الحياة.
- نموت ويحيا الدولار..
الحفاظ على صحتنا هو أهم هدف، وإبعاد أنفسنا عن الخطر هو واجب المرحلة الحالية.
أليس كذلك؟
ليس بالنسبة للنظام الرأسمالي.
فحياة الإنسان لا تساوي شيئًا أمام استمرار تدفق الدولارات إلى جيوب الأثرياء.
أو كما صرح عمدة تكساس: “لقد ضحى أجدادنا بحياتهم من أجل الاقتصاد، وحان الوقت لنفعل مثلهم”.
نموت إذن ويحيا الدولار، هكذا ينادي ترامب وإلى هذا تدعو الرأسمالية.
كتب الصحفي البريطاني Jeremy Warner مقالًا ذكر فيه أن موت كبار السن يمثل فرصة ذهبية لتخفيف مصروفات الدولة التي أثقلتها التأمينات الصحية والمعاشات للمسنين.
كما أن الدكتورة الاسكتلندية والمسؤولة الحكومية السابقة June Andrews صرحت بأن الفيروس (مفيد) في (قتل) كبار السن الذي يشغلون أسرة العناية المركزة.
ومنذ زمن طويل تم تغيير بروتوكولات العناية المركزة في كثير من المستشفيات الإيطالية لتقدّم صغار السن على كبار السن وتعتبر المسنين مواطنين من الدرجة الثانية.
ما الذي يحدث للبشرية؟
ما هذا التوحش الذي نعيشه؟!
إن أخلاقيات الربح مستعدة إلى قتل “غير المفيدين اقتصاديًا” في سبيل استمرار تدفق الأموال إلى أصحاب الثروات.
لماذا تحولت نغمة وسائل الإعلام من: (الوباء سيصيب كبار السن فقط)، إلى: (من الجيد أن الوباء سيصيب كبار السن فقط) ؟!
هذا النظام ينظر إلى المسنين وكبار السن والعجزة كمجرد مستهلكين لا ينتجون شيئًا في النظام الاقتصادي، فلا ضير من التخلص من هذه “الزيادات” أو إلقائها والتخلص منها بسهولة.
ما الفرق إذن بين تضحية النظام الرأسمالي بكبار السن والعجزة من أجل دوران عجلة الأرباح، وبين تضحية النازيين بالضعفاء والعجزة لصالح نقاء الجنس الآري؟!
وما الفرق بين إجراء النازيين للتجارب السريرية على العرقيات غير الآرية، وبين اقتراح رئيس وحدة العناية المركزة بمستشفى كوشين في باريس الذي يقول بإجراء التجارب الخاصة بفيروس كورونا في القارة الأفريقية واستخدام الأفارقة كفئران تجارب؟
كيف ضلت البشرية إلى هذا الحد بعدما زعمت أنها بلغت قمة التنوير الحضاري؟
وما هو مدى القاع الذي أودته إلينا الحياة الرأسمالية؟!
وأين هذا كله من الفقه الإسلامي الذي يحفظ حياة النفوس ويراعي مقاصد الحياة البشرية الكريمة؟
إن منظومة الفقه الإسلامي تعلي من شأن الحياة الإنسانية وترفع قيمتها إلى أعلى المستويات الممكنة.
فحفظ النفس هو مقصد مقدس من مقاصد الشريعة الذي يتساوى فيه الكبير والصغير والعالم والعامي والرجل والمرأة.
هذه هي محاسن الشريعة الغراء.
الشريعة التي حلت الاستبداد والرأسمالية محلها، ففقد العالم بسببها كثيرًا، فماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟
صار عالمًا يتقاتل من أجل الربح، ويضحي بأرواح البشر مقابل حفنة من الأموال.
عالم يموت فيه الفقير لصالح الغني، ويُلقى فيه الضعيف في الشوارع من أجل بقاء القوي.
إنه عالم الرأسمالية.
حيث الدولار هو الإله، والربح هو الشريعة.