مقالات

لم أختر حجم أنفي!

خاطبتني وهي محبطة أثناء مشاهدتها لصورها، ومقارنتها لنفسها مع الصور المفبركة، والشخصيات الملونة المبهرجة، والفلاتر المركبة: لماذا أنا بالذات عيوني غائرة، وأعاني من تضخم أنفي، وانتشار الحبوب على وجهي، كما أن شفتاي رقيقتان، وجسمي أشبه بالمنطاد !!!

هالني تشبيهها مع أني لم أجد أي من الأوصاف التي ذكرتها منطبقة عليها..

أكملت لتقول: عندما أبلغ العمر القانوني المسموح به لإجراء عمليات جراحية سأقوم بالعمليات اللازمة لتحسين قوامي، وتشكيل وجهي، وتغيير ملامحي!!

أخذتني الحمية، واستشطت غضباً، و تهيأت لأن أقول لها أن هذه خطة إبليس اللعين التي عاهد الله على تنفيذها “ولأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولأمرتهم فليغيرن خلق الله”

ثم إني هدأت من روعي والتمست لها الأعذار، خاصة وأنها ابنة عصرها وتعيش في عالم يقدس الأشكال، ويعج بالمزيفات، ويفيض بالمشاهير والمشهورات، فقلت لها: ثم بعد؟!

قالت: سأبدو متناسقة، ذات قوام ممشوق، ووجه براق، وجمال أخاذ..
قلت: وهل ستكونين راضية عن نفسك حينذاك ؟!
قالت: بلا شك خاصة وقد اخترت حجم أنفي، وشكل جسدي، وامتلاء شفتي.
قلت: لن ترضي بكل تأكيد!!
وكل من يخوض غمار هذه التجربة لن يتوقف عند حد معين وسيظل لاهثاً وراء سراب الجمال ووهم الكمال.

واقرئي إن شئت القصص التي تعج بها وسائل التواصل، والمواقع التي تنشر تلك الإحصائيات… ثم إنك لم ترض عن صنع الله ابتداء هل سترضين عن ذوق البشر انتهاء؟!

قالت: استغفر الله ومن قال أن غير راضية عن ربي مادخل هذا بذاك ؟! أنا فقط أحسن من شكلي وأعدل من قوامي..
قلت لها ولكن الله خلقك في أبهى صورة وقرأت لها بعضاً من الآيات “لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ” وَصَوْرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ”..

قالت: ولكني لست في أبهى صورة..
قلت: ومن الذي يقرر ذلك ؟!
قالت: مقاييس الجمال تقول أن أنفي يجب أن يكون متناسباً مع شكل وجهي، وانتفاخ وجنتي، وامتلاء شفتي، وتقسيمة جسمي..

قاطعتها لأقول هل تعرفين الدعاء الذي نردده بسجودنا عندما نحني وجهنا لبارئنا ؟!
نقول وقلوبنا ممتثلة بالامتنان والعرفان “سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، فتبارك الله أحسن الخالقين”
ثم من قال أن للجمال مقياس؟!
الجمال لاحد له، ولا شكل، ولا لون، ولاذوق فهو متفاوت ،ومختلف، ومتنوع وروعته باختلافه وتعدده..

أعادت النظر إلى مرآتها وهي تدقق بشكلها وكأنها تراجع قناعاتها، قلت لها قبل أن تنبس ببنت شفة: حتى أن دعاء المرآة تحصين لنا من أن نشكك بروعة خلق الخالق وحسنه وبهائه ونحن نتأمل أشكالنا “اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي”..
قالت: ولكني لم أختر حجم أنفي، وطول وقامتي، وملامح وجهي..
قلت لها مشجعة متهللة: ياسلام قد وصلنا إلى بر الأمان.. كما أنك لم تختاري لون بشرتك، وحجم أنفك، وملامح وجهك، وطول قامتك، ولم تختاري أيضاً والديك وعائلتك وجنسيتك وموطنك، فإن هذا كله لاوزن له عند الله ولست بالطبع محاسبة عليه، وإن كان البشر للأسف الآن يجعلونه الفاصل بينهم..
ذلك إن كنت ملكة للجمال وفعلت مابوسعك لتنميق شكلك فلن ينطر الله إلى هذا كله و سينظر إلى عملك وقلبك “إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم”..
فهل زيناه لنظر الرب؟ وهل نمقنا أعمالنا لتناسب شهود الكرام البررة ؟!

وهل وضعنا له مساحيق الاستغفار، وزيناه بزينة الايمان ؟! وكبرنا فيه يقيننا، وصفرنا فيه دائرة ذنوبنا، ونحتنا سيئاتنا؟!

قالت: ولكني أحب الجمال وأجده مطلباً ملحاً لا يمكن تجاوزه؟!
قلت: ومن قال أننا نحارب الجمال ونقلل من شأنه فالله جميل يحب الجمال، وكل ماخلق فهو جميل لكن ليكن مطلبك الأسمى الجمال الدائم الذي لايذبل ولا يبهت ولا ينتهي ولا يتغير ؟!
قالت: ومن أين لي بمثله ؟؟؟!! هل هي عمليات تجرى ؟ أم مساحيق تشترى؟!
قلت لها: بل هي أعمال تقدم و تضخيات تبذل…
ففي الجنة تتفوق المؤمنات على الحوريات بجمالهن وبهائن..

فقد روي في الأثر أن أم سلمة قالت: “يا رسول الله أنساء الدنيا أفضل أم الحور العين؟
قال: بل نساء الدنيا أفضل من الحور العين..
قلت: يا رسول الله وبم ذاك؟
قال: بصلاتهنَّ وصيامهن وعبادتهنَّ الله ألبس الله وجوههن النور، وأجسادهن الحرير بيض الألوان خضر الثياب، صفراء الحلي، مجامرهنَّ الدر، وأمشاطهنَّ الذهب يقلن: ألا نحن الخالدات فلا نموت أبدًا، ألا ونحن الناعمات فلا نبأس أبدًا، ألا ونحن المقيمات فلا نظعن أبدًا، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدًا، طوبى لمن كنا له وكان لنا” **رواه الطبراني وفيه ضعف.

فعن أي جمال نحن نتحدث؟!
وإلى أي جمال نحن نسعى؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى