بينى وبينكم 2005 الحلقة الحادية عشر لاءات البنات ج 2
(لاءات البنات)
المرأة! من هي المرأة؟!!
إنها الأم، والأخت، والجدة، والعمة، والخالة، والزوجة، والبنت.
رسالتي إلى هؤلاء جميعاً، بل إلى المرأة بالمفهوم المطلق، الدعوة إلى الثورة!! ليست الثورة المسلحة، ولا الثورة العسكرية، ولا ثورة غضب مجرد، وإنما ثورة فكرية، مدروسة عن تأمل، وتفكر، واستراتيجية، تقوم بها امرأة الألفية الثالثة لكل ما يحصل ضدها، فالكثيرون يتحدثون عن حقوق المرأة، ونحن نقول: نعم للمرأة حقوق، ولكن: ما هي هذه الحقوق؟! ومن الذي يحددها؟!
في دائرة الصراع، والبحث عن حقوق المرأة، نعلم جميعاً أنه لم يتم التقصير في حقها تاريخياً، وواقعياً، من قبل الكثيرين، إلا أن هناك جانبا آخر شبه مسكوت عنه، وإن لم يكن قد سكت عنه بالكلية، بمعنى أن التطرق إليه لا يكون رسمياً بحجم كبير، أو دولياً في مؤتمرات عريضة، مدروسة، ومخدومة، هذا الجانب هو تسليع المرأة!! وجعلها تافهة، تستخدم كمادة خام!! فهو استعمال قابل للتوظيف من قبل الشركات الكبرى، ومن قبل أصحاب رؤوس الأموال، وأصحاب المصالح الكبيرة!!
ولذلك لا بد لنا قبل الدخول في مناقشة هذا الموضوع من البدء بتصحيح المفاهيم أولاً.
يقولون: تحرير المرأة؟
فنقول: عن أي تحرير تتحدثون؟!
لقد صدق الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي عندما وصف تحرير المرأة في كتابه وحي القلم بأنه: غلطة مطبعية!!
لماذا ؟
لأن أصل تحرير المرأة يقصد به تحرير المرأة الشرقية إلى أخلاق المرأة الأوروبية، التي تعامل كسلعة تجارية، تستخدم بحسب الحاجة، ثم تلقى!!
هنا يجب على المرأة أن تقول، وبملأ الفم: ﻻ! هذا خطأ، ولن يكون، لن أصبح في يوم من الأيام سلعة رخيصة، تتداولونها كما تشتهون، ثم ترمون بها أصبتم نهمتكم منها!
والخطأ نوعان: أحدهما: ديكتاتورية الأعراف الاجتماعية في التعامل مع المرأة في بلادنا الشرقية، فهناك أعراف قدّمت على الدين، وقدّمت على الحقوق، بل وقدّمت على الطبيعة الأنثوية!!
والعرف أكثر صرامة من التقليد؛ لأن الخروج عليه يوقع في إشكال اجتماعي، أما التقليد، فالإنسان مأسور له لأنه تربى عليه.
ديكتاتورية الأعراف التي تلغي الأحكام الشرعية، وتسلب حقوق المرأة.
أما الخطأ الآخر: فهو التسويق لجسد المرأة، وجعلها مادة إعلامية مبتذلة!
والذي يتلاعب بذلك مع الأسف هو الرجل، وأصحاب المصالح! كيف؟
نحن تربينا في المجتمعات الشرقية على الخوف من كلمة: ﻻ!! ولذا نحن نريد أن نتدرب، وأن نؤكد على أهمية الـ: (لا)، لأن (لا) دليل اعتراض، ولست أنا الذي أقول ذلك، بل الغربيون هم من يقولون ذلك، فالحياة قائمة على منع وإيجاب، وعلى حقوق وواجبات.
ومن الكتب المهمة في هذا المجال، كتاب: كيف تقول ﻻ، دون أن تشعر بالذنب؟! لبرايتمان، وهاتش، فنحن في مجتمعاتنا الشرقية نتردد كثيراً في قول: لا! على حساب أنفسنا، وعلى حساب صحتنا، وعلى حساب أوقاتنا، وعلى حساب واجباتنا الاجتماعية، وعلى حساب أشياء كثيرة.
أما كتاب كيف تقول لا، فماذا يقول؟ يقول: إنها كلمة قصيرة وبسيطة، وليس من الصعب النطق بها. إذن لماذا تعد كلمة ” لا ” في بعض الأحيان من أصعب الكلمات التي يمكن التفوه بها؟
لأن ” لا ” أيضاً كلمة ذات قوة كبيرة. وكأي شيء ذي قوة من الممكن أن تفيدنا أو تضرنا. انتهى كلامهما.
فتعالوا بنا نتكلم عن: ﻻ، وأنواعها، ودلالتها، وكيفية استخدامها؟
نتكلم عن: لا، في موقعها الصحيح، لأننا في كثير من الأحيان نحتاج أن نقول: نعم، بدل: لا؛ لكن..
لماذا ركزت على (لا)؟!!
لأن الثقافة هذه الأيام، واتساع دائرة العلمنة المتوالية، وإسقاط الإنسان في مادية بحتة، جعلته يتنازل عن البقية الباقية من الأخلاق!! لماذا؟
لأن العلمانية تقول للناس: إن الأخلاق نسبية، وإن فكرة النسبية هي المحور التي تدور حوله المفاهيم والقيم، فبما أن الشيء نسبي، فما كان بالأمس صحيحا، قد يصبح اليوم خطأ!! لأنه لا يوجد معيار ثابت نقيس عليه، ولا سقف موحد نرجع ونحتكم إليه.
إذن كل شيء قابل للتغيير….
كل شيء نسبي، والشيء الثابت فقط هو التغير! هذا المبدأ الأول.
المبدأ الثاني: قضية تحقيق اللذة، وتضخيم دور الجسد، وتفسير الإنسان على أنه مجموعة دوافع، وحاجات، يجب إشباعها بأي وسيلة، وبأي طريق!!!
والمرأة هي المستهدف الأكبر، لأنها عند أصحاب هذا الفكر عبارة عن مادة استهلاكية، أو لحم لذيذ، يجب أن يوظّف، ويستهلك، وهذه هي الأنانية الإنسانية!
ومن هنا قلنا: يجب على المرأة أن تثور!! وأن تعترض!! وأن تحقق كيانها!!
لذلك نحن نتكلم عن اللاءات، ومن اللاءات هناك، اللاءات الحاسمة، القاصمة، التي ﻻ يتراجع عنها أي إنسان، في أي مذهب، أو أي ملة، أو دين، بل حتى لو كان ملحدا، فإن لديه ﻻءات!!
فهذه قضايا مسلّمات، وكلنا لدينا مسلّمات، حتى ذاك الذي يقول: بالنسبية، والتغير الدائم، لديه مسلّمات، حيث جعل من التغيّر مسلّمة!!
أرأيتم كيف يتناقض في الوقت الذي ينفي فيه المسلّمات؟!!
أول هذه اللاءات هي: اللاءات الحاسمة!
فماذا تعني اللاءات الحاسمة؟
أي: ﻻءات الشرف والعرض، فإذا كان الشرف رخيصا، والعرض ليس له اعتبار، فهنا لا بد لذلك الشخص أن يراجع نفسه، ويراجع عقله، بل ويراجع إنسانيته!!
فـ: ﻻءات الخيانة، وﻻءات الكبائر،, ﻻءات العقائد، هذه إذا قلتها، فإنه دليل قوة أن لديك مرجعية، وأنك تمتلك إرادة، ولديك قيم، وأنك قوي الشخصية، ﻻ تجامل على مبادئك.
قد يقول الشاب: أكثر أصدقائي يدخنون!! فنقول: ومتى كان الأكثر والعموم هو المعيار؟!!
المعيار هو الصواب، بقطع النظر عن الكثرة أو القلة.
هذه اللاءات الحاسمة من اللاءات التي ينبغي أن ننطق بها في باب ثورة المرأة، أن تكون (لا) معللة، وليست جافة، وليست مبهمة!!
ماذا نعني أن تكون (لا) معللة؟
أي أنك عندما تنصح الشاب، أو الفتاة، سواء كنت والدا، أو مربيا، أو أستاذا جامعيا، أو مدرسا، أو غير ذلك، يجب أن تبين له لماذا عاقبته، يجب أن توضح له لماذا تصرفه خاطئ.
أما منطق: ﻻ تفعل كذا، ويجب عليك كذا، وأن هذا قرار قد نفّذ، فافعل ولا تفكر!! هذه دكتاتورية.
ولذلك يعطينا الرسول صلى الله عليه وسلم دروسا في كيفية التعامل من المخطئ، وتوجيهه، فهذا الحسن بن علي رضي الله عنهما يأخذ تمرة من تمر الصدقة، وهو طفل صغير، ويضعها في فمه، فيأخذها النبي صلى الله عليه وسلم منه، ويقول له: كخ كخ! ولم يكتف بذلك، بل بين له لماذا أخذها منه، وحرمه إياها، فقال: أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة؟!
إذن منعه، وشرح له، منعه، وعلّل له، منعه، وقال له: لماذا منعتك؟ حتى يفهم.
هذه (لا) المعلّلة.
هناك أيضا: (لا) المهذبة! فأنا، وأنت، وكلنا، يجب أن نتأدب، وأن نتعلم كيف نرقى بأسلوبنا، وأخلاقنا.
فقد تقول: ﻻ، لموضوع معين؛ ولكنها قد تقال بطرق كثيرة!!! فــ: (لا) المهذبة، تبقي على المودة، وتجعلك تقدر الإنسان!!!
نحن نريد أن تبقى علاقاتنا حميمة، جميلة.
إذن: (ﻻ) الحاسمة،) ﻻ( المعللة، (لا) المهذبة.
سؤال مهم:
ماذا يترتب على التأخير في قول (ﻻ)؟
وللإجابة على هذا السؤال فقد طفت على عشرات المدارس، للذكور والإناث، لتعليمهم قول: لا، وخاصة الفتيات، فهن يجب أن يتعلمن الثورة العقلية على الاستدراج، في عصر أشبع بالشهوات على مدار الساعة، والمكان.
فما الذي يترتب على عدم قول ﻻ عند الفتاة، وعند الشاب كذلك؟
إن التأخر في قول: (ﻻ)، له تبعات كثيرة، فأنت عندما تتأخر في علاج خلل بسيط، أو مرض بسيط في جسمك، فإنه يتسع، ويكبر، ويتحول من عرض خفيف يمكن علاجه، إلى أمر مستعصي، حتى يقول لك الطبيب: تأخرت مع الأسف!! المرض انتشر، ووصل إلى مرحلة يجب معها إجراء عملية جراحية!!
فالواجب ألا نتأخر حتى ﻻ ندفع الثمن غاليا!!
في دراسة أمريكية في مدينة القمار لاس فيجاس، على مجموعة من الرجال، وجدوا أن الرجل كبير السن إذا ربح، وجاءته ضربة حظ بالحرام، فإنه يلملم الأموال ويغادر، ولا يغامر مرة أخرى، بخلاف الشاب الذي يغامر مرة ثانية، وثالثة، ورابعة، وكذلك الفتيات!! لماذا؟
قلة الخبرة، وعدم التجربة، والاندفاع، كلها عوامل تساعد على ذلك، ولذلك لا بد من التعود على قول: (ﻻ).
فلا تغتر بقوتك، ولا بصحتك، ولا بتشجيع الناس لك، لتظهر أمامهم بصورة البطل، وغير المبالي!!! بل قل: ﻻ، وكن قويا.
ولا شك أن هناك (ﻻ) إيجابية، و (ﻻ) سلبية!! فهناك أناس تحمّل نفسها ما ﻻ تطيق من الكرم، والبذل، والعطاء، بسبب أخلاقها الكريمة، فما تقول: (ﻻ). لماذا؟
لأنها كريمة في الجانب الإيجابي، وتحمّل نفسها ما ﻻ تحتمل….!!!
ومثال على ذلك: الإمام علي زين العابدين، ابن الإمام الحسين الشهيد رضي الله عنهما، المشهور بالكرم، والسخاء، والجود، حتى أنه لم يكن يعرف كلمة لا إلا في التشهد، وهذا المعنى صوره لنا الفرزدق الشاعر المعروف، عندما جاء هشام بن عبد الملك للحج قبل خلافته، فكان إذا أراد استلام الحجر زوحم عليه، وإذا دنا علي بن الحسين من الحجر تفرقوا عنه إجلالًاً له، فوجم لها هشام، وقال: من هذا؟ فما أعرفه!! يريد إخماد ذكر علي بن الحسين، وتنقصه، فأنشأ الفرزدق يقول:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء الله قد ختموا
هذا ابن خير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ما قال ﻻ قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم
فهو رضي الله عنه لم يكن يحسن أن يقول: (ﻻ)!!!
وفي المقابل انظر إلى (لا) السلبية، فقد جاء في الحديث: أن رجلاً جاء للرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا رسول الله: إن زوجتي لا ترد يد لامس!!
أمر غريب! لماذا تفعل ذلك، وقد دخلت في هذا الدين، والتوبة تجب ما قبلها، والإنسان يبدأ مرحلة جديدة؟!!
فهذه واحدة من المعاني التي ﻻ تستطيع أن تقول معها: (ﻻ)، مع الأسف، وتدفع ضريبتها، لدرجة أن يصل خبرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نحن ﻻ نتكلم عن (لا) لفظاً، وإنما نتكلم عن المفهوم، عن المعنى، عن المادة.
أعود مرة أخرى للمرأة التي استهدفت بشكل كبير، والتي يجب عليها أن تقول بكل قوة، وصلابة: (ﻻ)…!!!
(ﻻ) للفضائيات التي تعبث بقيمة المرأة، وإنسانيتها، وكرامتها.
(ﻻ) لهذا السوق المفتوح الذي يقول للمرأة أنت جسد، فشكّليه كما يريد ذلك الذئب المتربص.
(ﻻ) لهؤلاء الذين دفنوا حقوقها، بأي شكل من الأشكال، أو الذين خدعوها بحقوق هي في الحقيقة ليست حقوقاً لها، وإنما هو استدراج ماكر خبيث!
القرآن الكريم قال للمرأة: قولي (ﻻ)، ولكنها (ﻻ) الواعية، (ﻻ) المدروسة، (ﻻ) الصائبة، (ﻻ) التي تحقق أنوثتها التحقيق الصحيح.
كلنا يحفظ قول الله تبارك وتعالى: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}، ونعلم أن الخضوع في القول هو التكسر في الكلام، والتأنث الزائد، والميلان، وهذا يجعل ميلاً في قلب الرجل!!!
فإذا قرأنا مطلع الآية، اتسعت دائرة الرؤية، وازداد الفهم، وتركز التفكير، وعرفنا عظمة هذا القرآن، وعرفنا واقعية هذا الإنسان. فما هو مطلع الآية؟
يقول الله تبارك وتعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}، الخطاب لمن؟ إنه لأمهات المؤمنين!!! لنساء النبي صلى الله عليه وسلم!!! فهل يمكن أن يتصور أن يقع منهن مثل ذلك، والعياذ بالله؟!!
يجيبنا على ذلك الأستاذ سيد قطب، صاحب الظلال، فيقول: ينهاهن حين يخاطبن الأغراب من الرجال أن يكون في نبراتهن ذلك الخضوع اللين، الذي يثير شهوات الرجال، ويحرك غرائزهم، ويطمع مرضى القلوب، ويهيج رغائبهم! ومن هن اللواتي يحذرهن الله هذا التحذير؟!! إنهن أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأمهات المؤمنين، اللواتي لا يطمع فيهن طامع، ولا يرف عليهن خاطر مريض، فيما يبدو للعقل أول مرة. وفي أي عهد يكون هذا التحذير؟ في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعهد الصفوة المختارة من البشرية في جميع الأعصار.
ولكن الله الذي خلق الرجال والنساء يعلم أن في صوت المرأة حين تخضع بالقول، وتترقق في اللفظ، ما يثير الطمع في قلوب، ويهيج الفتنة في قلوب، وأن القلوب المريضة التي تثار وتطمع، موجودة في كل عهد، وفي كل بيئة، وتجاه كل امرأة، ولو كانت هي زوج النبي الكريم، وأم المؤمنين!! وأنه لا طهارة من الدنس، ولا تخلص من الرجس، حتى تمتنع الأسباب المثيرة من الأساس.
فكيف بهذا المجتمع الذي نعيش اليوم فيه؟! في عصرنا المريض الدنس الهابط، الذي تهيج فيه الفتن، وتثور فيه الشهوات، وترف فيه الأطماع؟ كيف بنا في هذا الجو الذي كل شيء فيه يثير الفتنة، ويهيج الشهوة، وينبه الغريزة، ويوقظ السعار الجنسي المحموم؟!
صدق رحمه الله تعالى، فهذه واقعية القرآن، فمتى وجدت الأسباب، فإن الفتنة تقع؛ لأن القرآن واقعي، وهذا دليل على أن الذي نزّل القرآن، يعرف البشر حق المعرفة.
فالخضوع في القول يربك، ويخلخل، ويعطي إشارات، وإيحاءات، وإيماءات، ونحن نعرف أن دائرة السمع أقوى من دائرة البصر، من حيث الإرهاف، بالنسبة لقضية المرأة، {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}، فإذا كان القلب المريض قد يطمع في أم المؤمنين إن بدر ذلك اللين، وتلك الإشارات، فكيف في واقعنا اليوم؟!! وتعرفون ما هو واقعنا اليوم؟!!
ثم ماذا قال الله تعالى بعد ذلك؟
قال: {وقلن قولا معروفاً}؛ فليس المنهي عنه هو الخضوع بالقول فحسب، بل كذلك موضوع الكلام نفسه، {وقلن قولاً معروفاً}، لأن القول غير المعروف بالنسبة للمرأة يعطي إيحاء سلبيا، وإشارات، تفهم بطريقة معينة! وهذه قضايا فطرية كلنا يعرفها.
ولذلك صوت المرأة في أصل خلقته ليس عورة، وإنما اللين، والخضوع في القول، وحب الإثارة، هذا هو المحرم.
فأن تبيع المرأة، وتشتري، وتشهد، وتتكلم، وتناقش، وتعلم، فهذا لا إشكال فيه أبداً، إنما الكلام على ذلك الهدف المتعمد في قضية فتنة قلوب الرجال، والتلاعب بعقول الآدميين.
{فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}، في السابق كان القول مشافهة، أما اليوم فمصيدة الانترنت، مصيدة كبيرة عريضة، غريبة!!
إحدى الفتيات تروي قصتها بعد أن هداها الله تعالى، ونجاها من هؤلاء الذئاب، فتقول: تعرفت على شاب عن طريق الهاتف، مع أنها من أسرة متدينة، إلا أن الشيطان ضحك على عقلها، وصور لها سهولة الأمر، وأنها عبارة عن لعب، وتقضية وقت، إلا أن العلاقة زادت، وتطورت، وكادت تقع الفأس في الرأس، فما كان من الخادمة إلا أن أبلغت أخوتها بذلك، فكان تصرف الأخوة حكيما معها، بتذكيرها بالله تعالى، وحرمة هذا الأمر، وبالقصص التي تقع للفتيات، وكيف تكون النهاية الأليمة لها، فاعترفت بخطئها، وبعد البحث والتحري تم التعرف على ذلك الشاب، وعندما أخذ الأخوة منه هاتفه، ليروا تلك المحادثات، تفاجؤوا جميعا، وجاؤوا لأختهم، وقالوا لها: هل تعلمين ماذا سمّاك في هاتفه؟! لقد أطلق عليك لقب: الساقطة رقم خمسة!!! أي أنه انتهى من أربع فتيات جاهلات، مغفلات مثلك، والآن جاء دورك، لتذوقي ما ذقنه!!
تقول الفتاة: كدت أموت من الهم، والغم، وأخذت أبكي أياما طويلة، وكم أخجل، وأنا أرى وجوه إخواني الكبار، وأرى الأسرة التي افتضحت عندها.
ونحن نقول: الحمد لله أن القضية انتهت عند مكالمة خادعة، فهناك من تستدرج بطريقة أكبر، وأخطر، وهي بلا شك قضايا مؤسفة جدًّاً، نتجت من هذا التساهل، وهذا الاستسلام، وهذا الخضوع بالقول.
الشاب يتفنن، ويمثل، والفتاة المسكينة تصدق، لأن دائرة السمع عندها ضعيفة، وتريد من يعطيها الحنان!!
ما هذا القحط العاطفي الذي نعيشه؟!
إنه تشكيل ثقافي عام، ومناخ إعلامي، يخيّم على الناس، فتتراجع عنه الثقافة، وتتراجع عنه التربية.
فانظر إلى دقة القرآن في الاهتمام بالمرأة، كي لا تستغل، وحتى تكون أنثى بالمعنى الأنثوي الذي أراده لها ربها، ﻻ بالمعنى الأنثوي الذي أرادته لها شركات الدعاية، والإعلان.
نشرت جريدة الحياة أن منتجات شركات الدعاية، والإعلان المختصة بمستحضرات التجميل، والمكياج، والجماليات، التي يستنزفون بها جيوب النساء، تعادل في العام الواحد ستة مليارات!! بما ينافس معدلات النفط في الإنتاج، والصرف!!!
شيء مهول، وإعلام خطير.
لفتة أخرى في كتاب الله تعالى للنساء، في قضية قد لا نلتفت لها، فماذا يقول القرآن؟
{ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن}، فالمرأة تمشي، ونحن نمشي ،فكلنا بشر، ولكن فرق بين مشية ومشية!!! لماذا يقول القرآن هذا الكلام؟!!
لأن المشية لها دلالة، فالمرأة جسد، وعقل، وعندما يركز على الجسد بإشارات مبطنة على مدار الساعة، تخاطب العقل الباطن عبر الدعاية، فإن العقل يتوارى ، وينهزم، فيسلط الضوء على الجسد، حتى يصل الأمر بالمرأة، إلى تلك الدرجة التي شبّه بها الرافعي المرأة عند وقوفها أمام المرآة، كأنها رجل فاسق ينظر إلى امرأة، ﻻ امرأة تنظر إلى نفسها!!!
ولذلك جاء النهي الإلهي: {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن}، فقد لا تستطيع إظهار زينتها للآخرين، خوفاً من أن يراها أحد من أهلها، أو لأي سبب كان، ولكنها في المقابل تجد في نفسها شهوة لفت الأنظار، والاستمتاع بالتعليق على جمالها، ودلالها، لترضي غرورها، فلم تجد طريقة للتخلص من ذاك الخوف، وإشباع رغبتها، إلا بضرب رجلها، ليعلم ما تخفي من زينة الخلخال، وجمال الأقدام، الذي هو باب لمعرفة الجمال المخفي!!!
نعم والله، إنها حيل شيطانية.
ومن هنا تأتي قضية الحياء، التي تتمثل في القصة القرآنية العملية التي حكاها لنا القرآن الكريم، وقصّها علينا الله تعالى في قصة نبي الله موسى عليه السلام، عندما هرب من مصر، لينجو بدمه من أولئك الأشرار الذين تآمروا عليه، قال الله تعالى: {ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل، ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون}، أناس مجتمعون يسقون غنماً لهم على بئر، ووجد من دونهم امرأتين تذودان، يؤخرن غنمهن بعيدا عن غنم القوم، لأنه مجتمع مادي، مجتمع لم يشفق على هاتين الفتاتين اللتين ترعيان الغنم!!!
فرأى نبي الله موسى عليه السلام، الرجل إنساني، هذا المشهد المقزز للفطرة السوية، فماذا فعل؟ {قال: ما خطبكما. قالتا ﻻ نسقي حتى يصدر الرعاء. وأبونا شيخ كبير}، فنحن لا نخالط الرجال، فنجلس حتى إذا ما انتهوا من سقيهم تقدمنا، وهذا عمل خاص بالرجال كما تعلم، إلا أننا أجبرنا عليه لأن أبانا شيخ كبير، لا يستطيع أن يقوم بهذه المهمة، فنحن نكفيه المؤونة!
أكبر موسى عليه السلام هذا الأمر منهن، فسقى لهما، ثم تولى إلى مكانه.
هل وقف الأمر عند هذا الحد؟!! كلاّ….
قال الله تعالى: {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء}، انظر إلى هذا التعبير الرقيق، واللفظ الدقيق، والتصوير الأنيق، تمشي على استحياء، فكأن الأرض فرشت من تحتها حياءً!!!