بينى وبينكم 2005 الحلقة التاسعة والعشرون التطبيع ج 2
التطبيع ج2
قال الله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}.
فلسطين هي الأرض المباركة..
وهي الأرض التي زارها الأنبياء..
وهي الأرض التي سُلبت من أهلها في نهاية التاريخ، وتاريخ الضعف، والعجز، والانهيار.
إن قضية فلسطين ليست قضية شعب، ولا قضية قوم، ولا قضية جغرافيا، وإنما هي قضية عقائدية، وقضية أمة، وإننا يجب أن ننتبه كشعوب مسلمة مؤمنة، ومن هم معنا ممن يعتقد بالحقوق ولو كانوا على غير ملتنا، بأنه يجب ألا تحول المعركة من قضية عقائدية فكرية مبدئية، إلى قضية مصالح اقتصادية، ورضا بالأمر الواقع، وإسقاط الحقوق! وهذا ما جسده صلاح الدين الأيوبي، القائد غير العربي، لأن قضية فلسطين، والقدس، وأرض الإسراء، قضية أمة، ومن ثم لم يستنكف العربي الأصيل أن يكون جندياً مخلصاً، وخادماً مطيعًا، تحت راية كردية غير عربية، فالقضية قضية اعتقاد، تذوب معه كل الفوارق، وتجعلنا لحمة واحدة.
وحينما نقرأ سيرة صلاح الدين نجد كيف بدأ أولاً بتغيير نفسه، ثم بتغيير مجتمعه، ثم قرب القضاة كالقاضي الفاضل، والقاضي ابن شداد، والقاضي زنكي، مع أنه كان في عصر شديد التخلف، ومع ذلك حقق تلك النتائج الباهرة، وأهم من ذلك كله قضية الأجيال التي رُبيت على عدم نسيان الحق، ودُرِبت على الجهاد، وأُعطيت الأمل، وعدم التنازل، ولذا بنى صنع صلاح الدين منبراً من خشب، كان يُحمل معه في الجيش، في رحلة الجهاد والفتح لبيت المقدس، وهكذا يصنع اليوم إخواننا الفلسطينيون في المخيمات من تربية أولادهم، وبناتهم على الثبات على المبدأ، وعلى الحق واستعادته مهما طال الزمان، وهذا لن يكون إذا فرغنا الأمة من اعتقادها، وسلخناها من هويتها، ودفنا الإيمان والعقيدة في قلوبها، فلن تكون لها همة، وقوة، ومواجهة، وأمل، بعد ذلك، وهكذا إذا رُبيت الشعوب على عدم التنازل عن الحق، وعلى أن الحق لا يلغيه اغتيال التاريخ، والذاكرة، ولا تلغيه قرارات اتفق عليها الآخر، على أن الخيانات ليست معياراً، على أن الحق لاسيما إذا كنا ننطلق في الحق من حكم شرعي، وهذا الذي أكدنا عليه في الحلقة الماضية، فلو تنازل الفلسطينيون الجميع، ولو تنازل العرب جميعاً عنها، ولو تنازل المسلمون جميعاً عنها، فإن هذا الحق لا يسقط بالتقادم، وإن هذا الإجماع على التنازل ليس له موضع أجدر من مواطئ الأقدام، فحقنا في فلسطين ثابت لا يتغير، وهو حق إلهي مفروض.
ومن المفارقات العجيبة الغريبة أن اليهود يتربون عقائدياً مع وجود الدولة العلمانية، أما نحن أصحاب العقيدة الصحيحة فنُعَلْمَن وتحذف التربية الجهادية الاستشهادية من مقرراتنا!
إن الجهاد لا يمكن أن يلغيه أحد، ولكنه يجب أن يوضع في مكانه الصحيح، تحت رايته الصحيحة، في تقدير المصلحة الصحيحة، في أيدي المخلصين، وعند ذلك سوف نشاهد أن الأمة لديها الجاهزية، والاستعداد، وحب التضحية؛ ولكن: أين القيادة؟ وأين الصدق؟ وأين من يتحمل هذه المهمة والمسؤولية؟
فمن المسؤول عن تفريغ مناهج التعليم من الحديث عن الاستشهاد، وكلمة جهاد، وحذف كل آية أو حديث يتعلقان بذلك؟!!
بل لقد أصبح الحديث عن سير الصحابة محل نظر، وشك! لأن سير الصحابة فيها استشهاد، وفيها جهاد! فانظروا إلى أي مستوى وصلنا في التراجع، والانهزام.
نحن أمة يجب أن تكون مجاهدة، فمن مات دون عرضه فهو شهيد، ومن مات دون ماله فهو شهيد، ومن مات دون أرضه فهو شهيد، كما نص على ذلك سيد المجاهدين، وقائد الغر المحجلين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف يريدون إماتة الأمة؟ ودفنها وهي حية؟
هذا لا يمكن أن يحدث، فالواجب على الشعوب ألا تستسلم، رغم كثرة المتنازلين من الأنظمة، فالأنظمة سيسيرون في طريقهم، أما أنا وأنت أيها المسلم الموحد فلن نتخلى عن واجبنا، ولن نتخلى عن عقيدتنا، ولن نتخلى عن قناعتنا.
إن الاستعداد النفسي عند الشعوب موجود، والقناعة موجودة، والحرقة الداخلية موجودة، واليأس من الأنظمة موجود، فالمشكلة ليست في الشعوب، ولا في الجاهزية، ولا في الآلاف لو رُفعت لهم راية أن يتقدموا، وإنما المشكلة في هذه القيادات، وتلك الحكومات، والعجز، والتبعثر، الذي راهنت عليه إسرائيل من خلال الصفقات المباشرة، بأن تأخذ الدول أوزاعاً، وتخترقهم، ولقد أصبحنا نرى الأمور على المكشوف، وليس تحت الطاولة كما كان في السابق.
ولذلك أدعو الجميع لمشاهدة الأفلام الوثائقية عن المجازر التي وقعت للشعب الفلسطيني، والمناظر المأساوية التي لحقت بالمساجد، والمصاحف، نعم، يجب أن نبقى على صلة بذلك، حتى لا تُختال ذاكرة الإنسان العربي والمسلم، وحتى لا يُطمس التاريخ، وحتى لا تُدفن الحقوق، وحتى لا يُغيب الوعي، وحتى لا ينشط ويفرح دُعاة الاستسلام، ومثقفو المارينز
إنني لا زلت أذكر اليوم الذي دخل فيه اليهود القدس سنة ١٩٦٧ مع قائدهم موشيه ديان، ووقفوا عند حائط المبكى يغنون، ويرقصون، ويقولون: محمد مات، خلّف بنات! هاتوا المشمش والتفاح، دين محمد ولّى وراح! وبدؤوا يقولون: يوم بيوم خيبر!
مثل هذا القهر هو الذي دفع الشاعر السوداني محمد الفيتوري، وإن كانت توجهاته ليست إسلامية؛ أن يقول قصيدته الجميلة، يخاطب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول:
يا سيدي عليك أفضل الصلاة والسلام من يا سيدي منذ ردمنا البحر بالسدود متنا وداست فوقنا ماشية اليهود |
أمة مضاعة تقذفها حضارة الخراب والظلام وانتصبت ما بيننا وبينك الحدود |
هذا هو الواقع، ولذلك في كتاب التلمود الذي يقدسه اليهود يقولون: إن الأممين يعني غير اليهود، هم الحمير الذين خلقهم الله لكي يركبهم شعب الله المختار، وكلما نفق منهم حمار ركبنا حماراً آخر!!
فهم يعتبرون كل البشرية حميرًا مذللين لهم، فالذين يدعون إلى الاستسلام، والتطبيع، ونسيان القضية، هؤلاء سواء كانوا سياسيين، أو مثقفين، فإنهم يستحمرون الشعوب لبني إسرائيل.