بيني وبينكم 2008 الحلقة الحادية والعشرون الذباب ج 1
الذباب
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم…
من المواضيع التي أصبحت حديث الساعة عند كثير من الناس، وهو بلا شك موضوع جدير بالدراسة، والبحث، والنظر، فهو إلى جانب أهميته الكبيرة، إلا أنه قد وقع فيه نوع من الغلو غير المحمود، والتكلم بلا علم، مما أثّر سلباً على أصل المادة العلمية، ومحتواها.
من هذا المنطلق، وحتى نعطي القوس باريها – كما يقال – كان لنا حديث طويل، ومشوق، عن مفردات هذا العلم، من الأستاذ الدكتور صبري الدمرداش، أستاذ العلوم الطبيعية في جامعة الكويت.
والأستاذ صبري الدمرداش حاز على عدة جوائز علمية، كما أنه صاحب كتاب: للكون إله، من الكتب الشهيرة في مجال الإعجاز العلمي.
وقد أصر الدكتور أن تكون بداية الحديث في موضوع الإعجاز العلمي عن الذباب!!
قلتُ له:
لماذا هذا الاختيار يا فضيلة الدكتور؟!
فقال:
لأن الحديث عن الذباب يجعل الكافر يؤمن بالله تعالى، لو أنه تخلى عن الهوى، وحكّم عقله.
فما الذبابة؟
إنها معجزة! إنها الأعجوبة الطائرة! إنها لا تدانيها طائرة حربية في مناوراتها! لا تدانيها أية آلة يخلقها البشر جميعاً في مهارتها!!
إنها معجزة بكل معاني الكلمة، لكنها في المقابل لم تأخذ حقها من الشرح، والتوضيح، والبيان.
الذبابة في حقيقتها حشرة، وهذه الحشرة فيها مواصفات معينة، كأي حشرة، فالجسم مقسم إلى ثلاث مناطق: رأس، وصدر، وبطن، ولها ثلاثة أزواج من الأرجل، وتتميز بالعيون المركبة، وفيها على الأقل زوج من الأجنحة، ويميز هذه الذبابة أن أجزاءها كلها مغطاة بزغب كثيف متداخل، بحيث لو انغمست الذبابة في سائل، أو انغمرت في مسحوق، فإنها تأخذ أكبر كمية ممكنة منه، وتستطيع أن تخلص هذا السائل أو المسحوق منها نتيجة هذا الزغب الكثيف المتداخل.
ومن إعجازات الخالق للذبابة من الناحية الشكلية: أن لأقدامها زغب كثيف يشبه الخف، وفيها غدة تفرز مادة لاصقة، تمكّنها من لصق نفسها على السطوح القائمة، أو السطوح المقلوبة، كسقف الغرفة مثلاً، ولو أرادت فكّ هذا الارتباط، أو هذا الالتصاق، فإنها تضغط على السطح بمخلبين، فتنفك من هذا الالتصاق.
قلتُ:
الذي نعلمه أن الذباب حشرة فردية، بينما النحل أمّة، والنمل أمّة، فهل الذباب أمّة كذلك؟
فقال:
الذباب أمّة كغيرها من الأمم، فكل مخلوق أمّة، فالأُسود أمّة، والنحل أمّة ، والنمل أمّة، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون}، فالذباب أمّة بدليل هذه الآية الكريمة.
قلتُ:
قرأنا في كتب الأدب، وكتب السير: أن أحد العلماء دخل على الخليفة المهدي أو غيره، وكان الذباب يقع على أنف الخليفة فضجر من ذلك، وقال للعالم: لماذا خلق الله الذباب؟ فقال له: ليذل به أنوف الجبّارين!!
فماذا تقول يا دكتورنا الكريم في الذبابة من الناحية العلمية؟
فقال:
من الناحية العلمية هناك قاعدة كلية ليست في الذباب فحسب، بل هي في جميع المخلوقات، فلو قلنا: لماذا خلق الله تعالى الثعابين؟ لماذا خلق الله تعالى النمل؟ لماذا خلق الله تعالى الفئران؟ وغيرها.
الإجابة: أن كل مخلوق خلقه الله تعالى ليكون أداة من أدوات التوازن البيولوجي في بيئته، فالبومة مثلاً: تأكل أربع فئران في اليوم، فلو أتيتَ إلى منطقة معينة وقتلت البوم التي فيها، فما الذي سيحدث؟
ستجد أن الفئران تتكاثر في تلك المنطقة، وتخترق حاجز التوازن البيولوجي، وتصبح آفة طارئة.
قلتُ:
ومن الذي يخلخل هذا التوازن؟
فقال:
إنه الإنسان!! فالبيئة الطبيعية في توازن دائم ما لم يتدخل الإنسان، فيخل بهذا التوازن، سواء كان هذا الإخلال فيزيائياً، أو كيميائياً، أو بيولوجياً، أو غيره.
قلتُ:
نريد أن نذهب مباشرة إلى الآية رقم 73 من سورة الحج، التي تتحدث عن هذه الحشرة العجيبة، فهي بالرغم من صغر حجمها، واحتقار الناس لها، إلا أن الله سبحانه وتعالى اختارها مثلاً، وتحدّى بها الخلق أجمعين، يقول الله تعالى: {يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز}.
فقال:
قوله تعالى: {يا أيها الناس}: هذا نداء عالمي، ونفير بعيد الصدى والمدى لكل الناس، مؤمنهم وكافرهم، برهم وفاجرهم.
يا أيها الناس تعالوا استمعوا لهذا المثل، فإذا ما اجتمعوا وجدوا أن هناك مثاﻻً يضرب، هذا المثل عام، وليس خاصاً بحاله معينة، أو مسألة طارئة، وقد جاء الأمر الإلهي بصيغة فاستمعوا له، ولم يقل: فاسمعوا له؛ لأن هناك فرقاً في اللغة بين السماع والاستماع، فالسماع يكون بدون تركيز أو قصد، أما الاستماع فيكون بقصد وتركيز، وذلك لأخذ الحكمة، والعبرة، والموعظة من هذا المثل.
أما الإعجاز في هذا المثل: فأقول: لماذا اختار الله تعالى الذباب بالذات؟
يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: وخص الذباب لأربعة أمور تخصه: لمهانته، وضعفه، ولاستقذاره، وكثرته.
وهذا كلام دقيق جدًّا، فالذباب يقع في الترتيب الثالث لانتشار المخلوقات بعد كل من النمل والبعوض، فأكثر المخلوقات انتشاراً هي النمل، ويليه البعوض، ثم الذباب.
أما عن هذا المثل الذي ضربه الله تعالى: فالله سبحانه وتعالى يخاطب الناس جميعاً ويتحداهم فيقول لهم: إن الذين تدعوهم من دون الله، أي إن الذين تعبدونهم من دون الله، سواءً أكانوا أصناماً، أو أوثاناً، أو شجراً، أو حجراً، أو قيماً، أو نُظماً، أو أرواحاً، فهؤلاء جميعاً لن يستطيعوا أن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له، ولكن لماذا الذباب دون غيره؟!
لأن هذا المخلوق الضعيف المهين من وجهة نظر البشر لا يقل في الخلق عن خلق أعقد حيوان، فهو لا يقل عن خلق الجمل العربي مثلاً، ولا عن الحوت الأزرق، ولا عن الفيل الإفريقي الذي هو أعظم مخلوقات الله تعالى ضخامة، حيث يبلغ طوله حوالي 35 متراً!!
ففي هذا الذباب السر نفسه الموجود في تلك المخلوقات الضخمة، ألا وهو سر الحياة.
ثم إن التحدي بهذا المخلوق مع ما فيه من ضعف، يلقي بظلاله على مدى عجز تلك الآلهة المعبودة من دون الله تعالى، وحقارتها، فإذا كانت تلك الآلهة عاجزة عن خلق حيوان ضعيف جدًّا كالذباب، فما الظن لو وقع التحدي بما هو أعقد خلقة، وأعظم حجماً، وأشد قوة؟!!
وقد جاء في الحديث القدسي الذي يرويه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة قائلاً:) قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو شعيرة). وفي رواية: (فليخلقوا بعوضة).
وسأضرب مثلاً بالذرّة: فالعقل البشري لن يستطيع تخيل تركيب الذرّة، مع أنهم يدرسونها في قسم الفيزياء، وقسم الكيمياء، وكل ما يقال عن الذرة إنما هو تقريبات، أما الذرّة في حقيقتها فهي عبارة عن كون مغلق.
قلتُ:
كلمة ذرّة تأتي في اللغة العربية بمعنى النمل، وما هو أصغر من النمل، فما رأيك في ذلك؟
فقال:
أخالف في ذلك:
فهناك قاعدة في التفسير تقول: إن اللفظ يؤخذ على ظاهره، ما لم تأتِ قرينة تصرف هذا اللفظ عن ظاهره إلى معنى آخر.
فكلمة الذرّة وردت في القرآن الكريم في نحو ست آيات، وكذلك كلمة مثقال الذرّة وردت أيضاً في نحو ست آيات، وعند تتبع هذه الآيات نجد أنه لا بد من حمل لفظ الذرة على ظاهرها المتبادر منها بالمفهوم العلمي.
لما حصل انقسام للذرّة عام 1896، جاء المستشرقون وقالوا: إن القرآن ضرب مثلاً بالذرّة على أنها أصغر شيء في الوجود، ولكن وجدنا أن الذرّة انقسمت!! بمعنى أن القرآن لم يكن دقيقاً في توصيف الذرة بأنها أصغر شيء في الوجود! فنقول لهم: تعالوا إلى سورة سبأ الآية 3: {وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}، وفي سورة يونس الآية 61: {وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين}.
قالوا: خذ اللفظ ببساطة! فأقول: كلاّ، لن آخذ اللفظ ببساطة؛ لأن هذا لفظ إلهي، فلماذا تنحو نحو البساطة، وتريد إبعاده عن العمق العلمي؟!
قالوا: الذرّة هي الهباء! أقول: كلاّ، فالهباء هذا الذي نراه عندما تكون الغرفة مظلمة، ويدخلها شعاع ضوئي، فهذا الهباء عبارة عن جسيمات، وهذه الجسيمات مؤلفة من جزيئات، وكل جزيء فيه ملايين الملايين من الذرّات، فالهباء ليست هي الذرّة، ثم إن الهباء استخدم في القرآن الكريم بمعنى آخر كما في سورة الواقعة: {وبست الجبال بساً فكانت هباء منبثاً} فهذا معنى مختلف تماماً.
ثم إن مجمع اللغة العربية بحث معنى هذه الكلمة على مدى عدة سنوات، وكان القرار النهائي: أن الذرّة في القرآن الكريم في الآيات الست التي ذكرت فيها هي عبارة عن الذرّة بمفهومنا العلمي.
فلو قلت لك: إن الذرّة عبارة عن نواة، تدور حولها الإلكترونات، وأن سرعة دوران هذه الإلكترونات هائلة جدًّا، بحيث أن الإنسان لن يستوعب ذلك، بل إنه سيصاب بالذهول!
سرعتها: سبعة في عشرة أس 15، أي سبعة وعلى يمينها 15 صفراً، أي سبعة آﻻف مليون مليون دورة في الثانية!! فالعقل البشري لا يتصور ذلك! لكنه يتعقبه رياضياً حسابياً، وكل هذا يحدث في قطر الذرّة الذي هو جزء من عشرة ملايين جزء من المليمتر!!
قلتُ:
وهل الذرة هي من مكونات هذا الإنسان؟
فقال:
بالتأكيد، فالإنسان يتكون من 100 مليون بليون بليون ذرّة!! كل ذرّة مع ذرّة تكوّن جزيئاً، والجزيئات مع الحزيئات تكون خلية، والخلية مع الخلية تكون نسيجاً، والنسيج مع النسيج يكون جهازاً، والجهاز مع الجهاز يكون فرداً!
ثم إن الذرة ليست هي المعجزة فحسب، فالخلية كذلك، فإن العالم كله لو اجتمع لصنع خلية، لما استطاع إلى ذلك سبيلاً! لماذا؟
لأن الخلية عبارة عن كون مصغر، فيها من التركيب، وفيها من المكونات، وفيها من العلاقات الوثيقة، والصلات الدقيقة، وفيها من الألغاز والأسرار، ما لا يستطيع مخلوق أن يلم بها حتى الآن.
قلتُ:
بالرغم من فك الشيفرة لهذه الخلية؟!
فقال:
رغم كل شيء، فما بالنا ونحن نعلم أن الذبابة ليست خلية واحدة! حيث يقول علماء الحشرات إن الذبابة مكونة من عشرة ملايين خلية!! تسعة ملايين خلية جسدية، ومليون خلية عصبية!! فلا شك أن التحدي عظيم!!
إذن خلق ذبابة هذه استحالة، اما الخلية فاستحالتان، لأن الخلية حتى تكون حية، لا بد أن يكون لديها إحساس.
قلتُ:
ومن أي شيء تتكون هذه الخلية؟
فقال:
مواد بروتينية، ومواد كربوهيدراتية، والمواد البديلة العادية.
قلتُ:
ألا يمكن تركيب هذه المواد؟
فقال:
لنفرض أنه يمكن تركيبها، لكنها ليست حية، فمن الذي يعطيها الإحساس؟ هل هي الكربوهيدرات، أم البروتين، أم الفاتس؟!
قلتُ:
يقال: إن العصب يمكن أن يوصل لك الإحساس.
فقال:
جميل، ولكن من الذي يجعلك تشعر، وتحس؟
قلتُ:
الجلد.
فقال:
وهذا الجلد من أين أتى بالإحساس؟
قلتُ:
من المؤشر الذي في المخ.
فقال:
والمخ من أين أتى بالإحساس؟
قلتُ:
من نفسه!
فقال:
هذا غير صحيح، فما هي وحدة بناء المخ؟ إنها خلية عصبية، والخلية العصبية عبارة عن كربوهيدرات، وبروتين، وفاتس، بمعنى أنها لا تحس!! إذن من أين أتى المخ بهذا الإحساس؟
قد يقال: من النفس! وهذه استحالة مطلقة! فلأجل أن يخلقوا خلية حية، لا بد أن تحس، وحتى تحس يجب أن يركبوا لها نفساً، وهذا مستحيل قطعاً!
قلتُ:
لنرجع مرة أخرى إلى الذباب.
فقال:
سنضرب بعض صور الإعجاز في خلق الذباب:
نبدأ مثلاً بالرأس، فنأخذ منه العينين: فالإعجاز في خلق العينين لهذه الذبابة باعتبارها حشرة لها زوج من العيون المركبة، فكل عين مكونة من ستة آلاف عين! في مساحة نص مليمتر مكعب! وكل عين فيها قزحية، وفيها شبكية، كعين الإنسان تماماً،
ثم إن المسألة ليست في العدد فقط! بل إن هذا التركيب متماشي مع الوظيفة، فليست منفصلة تركيبياً، لكنها متكاملة وظيفياً، بحيث تؤدي الرؤيا الكاملة للذبابة، فكل عين يتصل بها ثمانية خيوط عصبية مستقبلة للضوء، اثنان لرؤية الألوان الأحمر، والبرتقالي، والأخضر، والأصفر، والأزرق، خاصة.
وأما الخيوط العصبية الستة الباقية فإنها تجعل الذبابة ترى اللون الأبيض، والأسود بدرجاتهما المختلفة، فتكشف لها كل الموجودات في مجالها البصري.
فلو أخذنا العين الواحدة التي حجمها نص مليمتر مكعب، والمكونة من ستة آلاف عين، فضربناها بثمانية، وهي الخيوط العصبية، لكان الناتج 48 ألف خيط عصبي في كل عين!! فسبحان الخالق المبدع.
ولذلك أقول: إن الذي يتمعن في خلق عين الذبابة، ولا يخر لله ساجداً، فالعيب فيه، وفي عقله!
قلتُ:
الناس أحيانا تنتبه للأفلاك، والأجرام، والفضاء، وتغفل عن هذا الكائن المهين!
فقال:
صدقت، فهذه الـ 48 ألف خيط تعمل بتنسيق، وتناغم، وإعجاز، وفي مساحة نص مليمتر مكعب! ثم إن القدرة والإعجاز في خلق عين الذبابة تجعلها ترى ما يقارب 100 من المرئيات في الثانية! هذا بالنسبة للعين!
مثال آخر: الطيران: فعندما نتكلم عن الطيران عند الذبابة، فهذا إعجاز الإعجاز، لماذا؟
لأن الذبابة تستطيع الطيران عمودياً مثل الهيلوكوبتر، وتستطيع أن تهبط رأسياً مثل الهيلوكوبتر هذا جانب.
جانب آخر: أنه في حالة طيران الذبابة، فإنها تستطيع زيادة سرعتها لتصل إلى 10 كيلو متر في الساعة! وتستطيع عمل مناورة بشكل لا تستطيعه أي طائرة حربية! وهذا كله راجع إلى نظام معقد من العضلات! فالجناحان متصلان بالصدر عن طريق غشاء رقيق، ونجد في هذين الجناحين أوردة، وهذه الأوردة لها سطوح، والسطوح هذه عليها شعيرات جلد حساسة، فأول ما تقرر الذبابة الطيران، تأتي الأوامر الخاصة بالطيران لهذه الأوردة، فقوم الأوردة برصد ثلاثة أشياء: الضغط الجوي، واتجاه الريح، وسرعتها، كما أنه يوجد تحت الجناحين، وخلف الرأس، أجهزة حساسة ودقيقة جداً، لماذا؟
هذه الأجهزة تأخذ كل معلومات الطيران، وتعطيها للدم، والدم يقوم بتوصيلها للرأس، والرأس تصدر قراراته للأجنحة، بحيث تعدل وضعها في الاتجاه الدقيق، وبالتالي لا يمكن أن تخطيء هدفها! ولا تصطدم بعائق على الإطلاق!
إنها دقة متناهية.
قلتُ:
مشكلتنا يا دكتور هي عدم التأمل، وعدم التدبر.
فقال:
تماماً، ولذلك في جامعة مرسيليا أنشأوا فريقاً من أكبر علماء العالم، من تخصصات ثلاثة: بيولوجيا، وفيزياء، وميكانيكا، لعمل أداة، أو آلة حديدية، أو معدنية، تستطيع القيام بجزء من الوظائف التي تقوم بها الذبابة! فاستغرقوا من الوقت عشر سنوات، فماذا كانت النتيجة؟!
صنعوا آلة تقوم بوظيفة واحدة، أو وظيفتين على الأكثر! وزنها خمسة أطنان من الحديد!!
عند ذلك نتذكر قول الله تعالى: {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه}.
قلتُ:
وماذا عن الجهاز الهضمي في الذبابة؟
فقال:
الجهاز الهضمي في الذبابة في غاية الكفاءة، والتعقيد، والتركيب، بمعنى أنها إذا خطفت طعاماً لتأكله، أو مشروباً لتشربه، فإنها ترسله للجهاز الهضمي، الذي يرسله على الفور للجهاز الدوري، وتعمل تمثل، ويصبح جزء من الذبابة.
أما الجهاز التناسلي عند الذبابة: فعندما تقرر الذبابة الأنثى التزاوج، فإن أول عما تقوم به هو التطيب! وهذا الطيب عبارة عن مادة كيميائية يحبها الذكور جداً، ويلتقطها الذكر بشعيرات حساسة جداً موجودة على أرجله، ومن ثَمّ ترسلها إلى المخ، الذي يتخذ قراراً بالاستثارة الجنسية، ثم يقوم بعدها بتعقب الأنثى، وعندما يجد من الأنثى قبولاً حسناً، فإنه يفرز مادة تبطل عمل المادة الأولى التي أفرزتها الأنثى، وهي عبارة عن مادة كيميائية منفرة، حتى يطرد بقية الذكور عنها، وينفرد هو بها في عش الزوجية، لكي يتم المراد من رب العباد!!
قلتُ:
هذا كله للتأمل في خلق الله تعالى! فالذي قتلنا هو العادة، والإلف، وعدم التأمل.
قوله تبارك وتعالى: {وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب}، ما معنى ذلك؟
فقال:
هذه الآية نزلت في كفار مكة، حيث كانوا يعبدون الأصنام، وكانوا يحضرون الطيب، ويضمخون به ذلك الصنم، فيأتي الذباب يخطف الخطفة من هذا الطيب ويذهب، فالله تعالى يقول لهم: هل تستطيع آلهتكم التي تعبدونها من دون الله تعالى أن تعيد هذه الخطفة من الذباب مرة أخرى؟! {وإن يسلبهم الذباب شيئا ﻻ يستنقذوه منه}؟
الجواب: لن يستطيعوا ذلك، لماذا؟
لأن الذباب يحط على القاذورات، والنفايات، والمخلفات، ويهاجم أطعمة الإنسان وأشربته، فيقوم بتذوق هذه الأطعمة والأشربة، فإذا راقت له، وطابت عن طريق خلايا حساسة موجودة في الشفتين والأقدام، فإنه يخطف خطفة من هذا الطعام أو الشراب، ويفر هارباً، كاللص سواءً بسواء، فالذباب سارق وخطاف من الدرجة الأولى.
في هذه الحالة نحن أمام موقفين: فالخطفة هذه إما أن تكون مادة سائلة، أو مادة صلبة، فإذا كانت الخطفة سائلاً، فإنها تأخذ قطرة منه، وتقوم على الفور بإرسالها إلى جهازها الهضمي، الذي يرسلها مباشرة إلى الجهاز الدوري، فيقوم الجهاز الدوري بتوزيعها على جميع أجهزة الجسم أنسجتها وخلاياها! وبالتالي لن يستطيع أحد أن يرجعها؛ لأنها أصبحت جزء من بنية الذباب.
قلتُ:
إذن عنصر الزمن هنا مهم، وهذا التحول السريع تشير إليه الآية؟
فقال:
بالطبع. هذا بالنسبة للأشربة، وأما الأطعمة: فإن الذبابة تقوم بإفراز لعاب من الفم، لتفكيك هذه المادة الصلبة من الأطعمة، وإفراز خمائر أو عصائر أو أنزيمات من المعدة؛ زيادة في التذويب، ثم يبعث هذه المادة المذابة مباشرة إلى الجهاز الهضمي، الذي يرسلها فوراً للجهاز الدوري، فيقوم الجهاز الدوري بتوزيعها فوراً إلى أربعة أقسام:
قسم يدخل في بناء جسم الذبابة، في أنسجتها وخلاياها، فيصبح جزء منها.
وقسم يتحول إلى طاقة.
وقسم يتحول إلى مركبات عضوية، يكون جسم الذبابة في أمسّ الحاجة إليها.
وقسم يخرج من الفتحة العضوية للذبابة في صورة مخلفات.
وبالتالي فقد انتهت المادة التي أخذت، ولا يستطيع البشر مجتمعين، ولا متفرقين، استرجاع أي جزء من هذه الأجزاء الأربعة.
قلتُ:
هل هذه الحقيقة هي التي جعلت تمام الآية يقول: {ضعف الطالب والمطلوب}، ومن هو الطالب؟ ومن هو المطلوب؟
فقال:
ضعف الطالب والمطلوب، فيه تفسيرات كثيرة: فالسدي وآخرون يقولون: إن الطالب والمطلوب هما العابد والمعبود، فالمعبود هو الصنم، والعابد هو المشرك الوثني الذي يطلب من هذا الصنم حصول الخير، أو دفع الضر.
وأما ابن عباس رضي الله عنه فقال: الطالب هو الصنم، والمطلوب هو الذباب، لأن سياق الآية يدل على ذلك: {وإن يسلبهم الذباب شيئاً}، فكلمة يسلبهم عائدة على الأصنام وهي المعبودات، والسالب هو الذباب.
وهذا التفسير أقرب.
ثم إن ها هنا ثلاثة أطراف: سالب، ومسلوب، ومسلوب منه، أما السالب فبلا شك هو الذباب، وأما المسلوب منه فهو الصنم، وأما المسلوب فهو الطيب الذي أخذه الذباب منه، أو ما كان على الصنم، هذا المعهود.
قلتُ:
بعد هذه الآية عقّب الله سبحانه وتعالى بقوله: {ما قدروا الله حق قدره}، فالمخيلة والحس الداخلي يقول: لو ذكرت أجرام السماوات، ومواقع النجوم، والأفلاك، لتقبلت النفس ذلك، لكن الآية جاءت بعد ذكر الذباب ذلك الشيء المستحقر في ذهنك، المنبوذ في حسك، لتقول: {ما قدروا الله حق قدره}! لا شك أن هذا تعبير عظيم، والخطاب ملفت وغريب، فلماذا كان ذلك؟
فقال:
هذه لفتة من الخالق سبحانه وتعالى لتقول لنا: إن الإعجاز ليس في خلق السموات والأرض فحسب، وليس في خلق أنفسكم، أو في الحجم، بل إن الإعجاز في خلق الذبابة لا يقل عن الإعجاز في خلق الحوت الأزرق، أو الفيل الإفريقي، أو الجمل العربي، والدليل قول الله تعالى: {الذي أحسن كل شيء خلقه}.
فالناس تناسوا أنه كلما دقت الصنعة كلما احتاجت إلى حذق الصانع ومهارته، انظر إلى الراديو مثلاً: فأول ما صُنِع كان يَشغَل غرفة مساحتها ثلاثة أمتار في أربعة أمتار، وهناك أقطاب سالبة، وأقطاب موجبة، وغير ذلك، ثم لما تقدمت الصنعة صغُر حجمه، فأصبح في حجم صندوق الصابون، ثم أصبح في حجم الكتاب الكبير، ثم في حجم كف اليد، ثم أصبح جزءً من الهاتف المحمول!!
وقِس على ذلك الكمبيوتر وغيره.
قلتُ:
وماذا عن الجهاز المناعي عند الذبابة؟
فقال:
ما ظنك بمخلوق يعيش في القاذورات، والنفايات، والميكروبات؟
كل سنتيمتر مربع من جسم الذبابة يحظى بخمسة ملايين ميكروب، هذا في حالة الذباب الكبير، لأن هناك أنواعاً كبيرة من الذباب يصل مسطحها إلى حوالي 100 سم، فإذا ضربنا 100 سم في خمسة مليون ميكروب، تكون النتيجة نص مليار ميكروب!!
ولذلك فالعلماء يعكفون الآن على دراسة هذا الجهاز المناعي عند الذبابة، لأنه دليل إعجاز بأمر لا يمكن للعقل البشري تخيله! فهذا حيوان ضعيف يحمل ما يقارب 500 مليون جرثومة، ومع ذلك لا يصاب هو بأي نوع من الأمراض!! لا شك أنه أمر محير للعقول.
ولذلك يعتبر هذا الجهاز أبسط وأكفأ جهاز مناعي في العالم، ويحاول علماء البيولوجيا الاستفادة منه في علاج الأمراض التي يصاب بها الجهاز المناعي عند الإنسان.
أقول: ما دامت هذه الآلهة التي يعبدونها من دون الله غير قادرة على خلق ذباب ولو اجتمعوا له، وأعدوا العدة، ووضعوا الخطة، واستنفذوا كل طاقاتهم العلمية، وأتوا بكل أموال الدنيا، وعلماء العالم، فلن يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً، فكيف والحالة هذه تعبدونها من دون الله تعالى، وترجون نفعها؟!!
كان الواجب عليهم أن يقدروا الله سبحانه وتعالى حق قدره، وأن يعبدوه، ويوحدوه، لأنه سبحانه هو القوي العزيز، فهو الذي يخلق الذباب، وغير الذباب، وهو الذي يقدر أن يسترد ما سلبه الذباب من أي شيء.
قلتُ:
نأتي لسؤالين مهمين: الأول: كم تعيش الذبابة؟
فقال:
من شهر إلى شهرين، بحسب نوع الذباب.
قلتُ:
السؤال الثاني يقول: لماذا خلق الله تعالى الذباب؟ أو هل للذباب فائدة؟ أليس الكون بلا ذباب أجمل؟
فكثير من الناس ممن يطرحون أطروحات لا ينطلقون فيها من منطلقات دينية، عندما يتكلمون عن الشر في الكون، يسألون: لماذا خلق الله تعالى البعوض مثلاً؟ ولماذا خلق الذباب؟ ولماذا خلق العقرب؟ والثعبان؟ لماذا خلق الله هذه الكائنات المؤذية؟!
فقال:
القاعدة في هذا الكون تقول: كل مخلوق خلقه الله تعالى ليكون أداة من أدوات التوازن البيولوجي في بيئته الطبيعية، لأن الحياة عبارة عن ترس ومبرد، فكل المخلوقات الحية ما بين آكل ومأكول، فيكون آكلاً في مرحلة، ومأكولاً في مرحلة أخرى، حتى الإنسان كذلك، فالمأكول هنا هو الترس، والآكل هو المبرد، فإذا زاد الآكل، لا بد أن يزيد المأكول، وإذا زاد الآكل عن حد معين، فهنا يسلط الله تعالى الظروف الطبيعية على هذا الآكل حتى تحدّ من تكاثره، وإلا اختل الاتزان في هذا الكون.
وربنا جل وعلا يقول في محكم كتابه: {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون}، من كل شيء موزون: فهو التزام في الذرّة، والتزام في المجرة، والتزام في النسيج، والتزام في العضو، فالالتزام ناموس كون، فهناك ناموس النسبية، وناموس الحضارة، وناموس الضوء، وناموس الجاذبية، وناموس الاتزان، فكل مخلوق له دور هو عبارة عن مبرد يبرد ترساً معيناً، فلو رفعنا هذا المبرد، فإن الترس سوف يتضخم، ويختل الاتزان.
والذباب كذلك: آكل ومأكول، فهو يتغذى على يرقات الحشرات، فلولا أن الله تعالى يسلط الذباب على هذه اليرقات، لتكاثرت ببلايين البلايين، وأصبحت قنبلة بيولوجية لا طاقة للبشرية بها، ولذلك نقول بكل صراحة ووضوح: لا حياة بغير ذباب. هذا هو الآكل.
أما المأكول: فإن الذبابة تضع 400 بيضة في المرة الواحدة، وللعلم فإن الذبابة تكوّن جيلاً كل عشرة أيام، فلو فرضنا عدم وجود حيوان يأكل هذا البيض، أو لا توجد حرارة تقتله، أو رطوبة، أو أي مفسدات، فما الذي يمكن أن يحدث بعد فصل واحد فقط؟ كفصل الصيف مثلاً؟
أحد العلماء قام بعملية حسابية لذلك، فوجد أن النتيجة هي: واحد في عشرة أس 66، أي واحد وعلى يمينه 66 صفراً!! أي أنه لن يكون هواء إلا وفيه ذباب، ولا ماء إلا وفيه ذباب، ولا يابسة إلا وفيها ذباب، إذن التوازن حكمة بالغة.
ويقال: لما نزلت الآيتان الكريمتان من سورة الحج عن الذباب، والآيات عن النمل، والعنكبوت كذلك، ثم النحل، جاء اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما هذا الكتاب الذي أتيتنا به؟ لم يدَع حيواناً، ولا حشرة إلا ذكرها!! هذا كلام يترفع عنه بلغاء العرب وفصحاؤهم، فما بالك بكلام رب الأرباب؟! وقالوا: إن ربك ليستحي أن يضرب المثل، فأنزل الله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها}، فالإعجاز في خلق البعوضة هو نفس الإعجاز في خلق الذبابة، وهو نفس الإعجاز في خلق الإنسان، وصدق الله القائل: {الذي أحسن كل شيء خلقه}.
قلتُ:
ولذلك يقول أحد علماء الفيزياء: لوﻻ الاتزان في الكون لتفككت عرى هذا الوجود، وتلاشى.
فقال:
لأن الكون قائم على نواميس: أحدها ناموس الاتزان، {إنّا كل شيء خلقناه بقدر}، فالذباب لو أبعدنا عنه مبرده، فإن ترس الذباب سيتضخم، وتصبح الدنيا كلها ذباب، وليس هذا للذباب فحسب، بل البعوض كذلك، حتى الإنسان فلولا الحروب، وأنا لا أدافع عن الحروب، لحدث تضخم في أعداد البشر، فهي لحكمة بالغة، قال الله تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}.
قلتُ:
بقي معنا وقفة مع حديث نبوي في قضية الذباب أشكل فهمه على الكثيرين، ورده بعضهم ليس لأنه من الجاحدين، ولكن حتى بعض المؤمنين الذين اضطربوا في فهمه، وتوجيهه، فردّوه.
هذا الحديث رواه الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، فهو حديث صحيح، ومشهور، وقف الناس منه مواقف:
الموقف الأول: الماديون والعلمانيون الساخرون، الذي قالوا: هذا كلام خرافة!!
الموقف الثاني: أناس من المؤمنين قالوا: المعنى يصادم العقل، ولسنا ملزمين بالحديث، كما قال الشيخ محمد الغزالي في كتابه: (قذائف الحق)!!
الموقف الثالث: موقف المؤمن المسلّم لله تعالى ورسوله، ولكلامهما، وأن ما صدر عنهما لا يمكن أن يعارض العقل أبداً.
الحديث يقول: «إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، ثم لينزعه، فإن في إحدى جناحيه داء، والأخرى شفاء».
فما الجواب على هذا الإشكال؟
فقال:
ليس في الحديث أي إشكال!
فالحديث جاء على ثلاث صور، أو بثلاثة ألفاظ:
ففي لفظ: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم.
وفي لفظ آخر: إذا وقع الذباب في طعام أحدكم.
وفي لفظ ثالث: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم.
والمعنى واحد في جميعها.
كيف نفهم هذا الحديث؟ هناك ثلاث محددات:
المحدد الأول: أن هذا الحديث حديث آحاد، وليس من الأحاديث المتواترة.
المحدد الثاني: أنه ليس من الأحاديث المتفق عليها في اصطلاح علماء الحديث.
المحدد الثالث: لا يوجد أحد من علماء الإسلام قدح في سند هذا الحديث إطلاقاً.
فالمحصلة من ذلك أنه يجب الأخذ بالحديث.
الحديث يتكلم عن الميكروبات التي تحملها الذبابة في أحد جناحيها، والذبابة عندما تقف على القاذورات، فإنها تحملها بأجنحتها وأقدامها، والحديث يتكلم عن الجناحين، وكمية الميكروبات الموجودة في جناح الذبابة لا تضر على الإطلاق؛ لأن العصارة المعدية كافية لقتلها، هذا جانب.
الجانب الثاني: أن جملة من المفسرين قالوا: إن هذا الحديث لم يخاطب كافة المسلمين، وإنما فقراء الناس، وذوي الحاجات الخاصة منهم، أي أناس يعيشون في الصحراء، ولا يوجد لديهم غير هذا الإناء من الماء، ووقعت ذبابة فيه، فلو سكب هذا الماء، مات من العطش.
الجانب الثالث: وُجد علمياً أن في أحد أجنحة الذبابة جراثيم، وفي الجناح الآخر قاتل لهذه الجراثيم، وبالتالي يكون هناك اتزان، فهنا جراثيم، وهناك قاتل للجراثيم، فعندما تسقط الذبابة في الإناء، فلو سقطت بأحد الجناحين الذي فيه الجراثيم، فيجب غمسها حتى يدخل الماء في الجناح الآخر، وبالانتشار الغشائي تعمل ضغطاً أسموزياً، فينفجر هذا الغشاء، وتخرج منه البكتيروفاج الذي يقوم بأكل هذه الجراثيم.
فقد أجريت عدة تجارب، بعضها في بلاد عربية، وأخرى في بلاد غربية، في ألمانيا، وسويسرا، وإنجلترا، ومؤخراً في أستراليا، على الماء المقطر، ثم على اللبن المعقم، ثم على لبن أو ماء غيروا فيه الرقم الهيدروجيني له، فأثبتت هذه التجارب ما يلي:
عندما سقطت الذبابة في الماء، قام العلماء بعدّ الميكروبات فيه، قبل أن يغمسوها، فوجدوها عشرة آلاف ميكروب، ثم غمسوا الذبابة، فكانت المفاجأة أنهم لم يجدوا أي ميكروب!! والذي حدث أن البكتيروفاج خرج من الجناح الثاني، وقام بأكل الجراثيم التي أسقطها الجناح الأول في الماء.
والنتيجة ذاتها حدثت عند سقوط الذبابة في اللبن.
أما الرقم الهيدروجيني: فالماء الذي نشربه وهو الماء المقطر رقمه حوالي سبعة، فإذا كان أعلى من ذلك يصبح قلوياً، وإذا كان أقل من ذلك يصبح حمضياً، وفي المعدة العصارة المعدية عندنا رقمها أربعة، فجاء العالم وغمس جناح الذبابة الذي يحتوي على الجراثيم في هذا الماء، فكانت النتيجة عشرة آلاف ميكروب في الماء، ثم غمس الجناح الآخر، وظل يزيد من الرقم الهيدروجيني، بمعنى يزيد الماء، فبدل أن يكون رقمه سبعة، جعله يقرب من أربعة، ستة، وبعدين خمسة، وبعدين أربعة، وعندما وصلت لأربعة ماتت جميع الميكروبات!
إذن الخلاصة أن ما نادى به الحديث صحيح علمياً مائة بالمائة.
قلتُ:
دكتور صبري؛ لقد وصلت الرسالة بوضوح، وهذا العلم يفرض ويملي نفسه على العقول، لأنه من لدن حكيم خبير، وهو الذي أوحاه إلى رسوله الصادق الأمين الذي وصفه في كتابه: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}.