بينى وبينكم 2009 الحلقة السادسة عشر الدعوة الي الله حب
الدعوة إلى الله حب
الدعوة إلى الله (حب)!!
الحقيقة أن هذا العنوان ليس من تأليفي، وإنما لفت نظري كتيب صغير في المكتبات بعنوان: الدعوة إلى الله حب، فقلت: يا له من عنوان، وما أجمل مسمّاه، وقطعاً سيكون المضمون جميلاً، ومؤلفه اسمه عباس السيسي، وهو داعية، وبعيداً عن خصوصية الكتاب، وخواطره الدعوية، إلا أن فكرة الكتاب والمحتوى العام للعنوان هو الذي نريده في زمن كثر فيه الصراع، وكثرت فيه النزاعات، والخلافات، واتهام النيات!!
والكلام هنا يصلح لكل داعية، حتى ولو لم يكن داعية إلى الدين، بل داعية إلى فن معين، أو إلى مشروع، أو إلى انتخابات، أو إلى مؤسسة، فأصل الدعوة أصبحت صراعاً، وإرغاماً، وتنفيراً، وذكْر مساويء الآخر؛ من أجل جذب المدعوين!!
فمتى تتحول الدعوة إلى حب؟
فأخطر ما في الموضوع عندما تحولت الدعوة إلى الله بغضاً، وخصومات، وتصفية حسابات!
وقبل أن أبدأ بأن هنالك من مارس الدعوة إلى الله فنفر الناس من دين الله، وبغّض الخلق بالخالق، ودينه.
أبدأ بمقدمه بسيطة فأقول: الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقنا، وأحب لنا الخير، واختارنا بأن كنا بشراً، ولم نكن كائناً آخر.
فأولاً: أراد لنا الوجود ليس فقط في الدنيا، وإنما أراد لنا الخلود في الآخرة بما كسبت أيدينا، ففتح لنا أبواب الخير، وأرسل لنا الرسل، وأعطانا المنهاج، وحذرنا من الخطأ، ومن يحذرك من الخطأ ويقول لك: عقوبة الخطأ هو الجحيم أو العقاب، فإنما يحب لك الخير؛ لأنه لم يجعلك تائهاً هكذا، وبناءً على ذلك لم يعاقب من لم تصله الرسالة، والرسول، ولم تصله الحقيقة، بل أدخله في دائرة الأعذار.
ثانياً: سخّر لنا الكون، فالإنسان جزء من الكون، والله تعالى يقول: {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس ﻻ يعلمون}، فهذا الأعظم مسخر لهذا الإنسان في هذا الكوكب.
ثالثاً: جعل من هذا الإنسان خليفة في الأرض، ويا له من منصب، وذلك لكي يقوم بإعمار الأرض وفق المنهج الرباني، لا وفق المنهج المادي البحت المنصرف عن اسم الله، فتحصل المصيبة.
وأخيراً قال الله تبارك وتعالى: {ولقد كرمنا بني آدم}.
هذه المحصلة تدل على أن الله سبحانه وتعالى أراد لنا الخير في هذه الدنيا، إذن الأصل هو الحب، أما العقوبة فهو الطاريء للشاذ، ومع ذلك هناك أعذار، وهناك فتح لباب التوبة، وهنالك، وهنالك، وهنالك….
أليس من عمل حسنة واحدة ضعّفت له عشرة، إلى سبعمائة!! بينما السيئة تحاسب بمثلها، أو تمحى إذا تاب الإنسان!!
بعد هذه المقدمة السريعة:
نأتي إلى قضية: دعاة منفرون!!
أخطر أمر هو أن تفسد من حيث تريد الإصلاح! فهذا إنسان نيته طيبة، ويريد أن يخدم الناس، ويوصل لهم رسالة خير، وينصح نصيحة تدلهم على الصواب، وتجنبهم الأخطاء، والأمور سيئة، إلا أنه يخلط بين شيئين: وسيلة خاطئة لهدف راقي نبيل!
فالوسيلة هي: الطريق الذي يسلكه الإنسان، ويتخذه أسلوباً له، فيكون خطأ، ومنفراً، ومن ثم يحطم ذلك الهدف الجميل الذي يحلم بتوصيله.
ولنعطِ أمثلة على ذلك:
هذا إنسان كريم، وصحابي جليل، ومن طلبة العلم، ومن المتقدمين في الإسلام، إنه الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه، كان يصلي مع الرسول صلى الله عليه وسلم العشاء، يتلقى العلم، ثم يذهب بعد ذلك يصلي العشاء بأهله، وجماعته، فكان يصلّي بهم صلاة طويلة، يقرأ بسورة البقرة، مما جعل أحد المصلين خلفه يقطع الصلاة، ويخرج من الصف، ويصلي وحده، كما جاء في الرواية: فانحرف عن الناس، وذهب فصلّى وحده. فلما انتهت صلاة الناس قالوا له: أنافقت؟ أي هل أنت منافق؟ تقطع الصلاة، وتصلي لوحدك، ولا تدخل في جماعة المسلمين؟! فقال: والله لأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأخبرنه بما حصل. فذهب إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، واشتكى له معاذاً بأنه أطال الصلاة فيهم، وهو يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّا قوم أصحاب نواضح، جمع ناضح، والناضح: هو: البعير الذي يستقى عليه، وبه، أي أنه يعمل طوال النهار.
فماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ جاء إلى معاذ، وقال له: يا معاذ أفتّان أنت؟ أي أتريد أن تفتن الناس عن دينها؟ تريد أن تبغّض الناس بدينها؟!!
أفتّان أنت يا معاذ؟ أين أنت من سبّح اسم ربك الأعلى؟ والليل إذا يغشى؟ ووو، أعطاه بدائل، قصار السور.
ثم وجه النبي صلى الله عليه وسلم رسالة لكل إمام يتقدم الناس في الصلاة فقال: (من صلّى في الناس فليخفف فإن وراءه المريض، وذا الحاجة، والكبير، والضعيف، والمسافر،… إلى آخر الروايات التي وردت).
انظروا إلى مراعاة حال الناس في العبادات، فما بالك عندما يأتي داعية إلى الناس من ضعيفي الإيمان، الغافلين، المرتكبين للمعاصي، وبدﻻً من أن يتلطّف بهم، ويتجمّل معهم، ويجذبهم، بل الشدة، والقسوة، ويكتفي بالنكير عليهم، بمعنى أنه يريد أن يبرئ ذمته، ويقول لهم: أنتم فسقة، ومجرمون، وعصاة، وانتهى الأمر!!
كذلك من الأمور التي تنفر الناس: أن بعض الدعاة يركز على أسلوب التخويف، والترهيب فقط، ونحن اليوم في عصر فتحت فيه أبواب المنكر، وصارت المعصية، والخراب، والفساد، تكنولوجيا، تصل لها بضغطة زر، أو من خلال كرت صغير تضعه في جهاز استقبال القنوات، أو في سي دي، أو ربما يأتيك من غير إذنك، ويطرق عليك الباب!! لا شك أنه شيء عجيب!
ومع كل ذلك يأتي هذا الداعية وييأس الناس، ويقنّطهم من رحمة الله بأسلوبه!
هذا واحد يدعى: أبا عثمان الحيري، رجل صالح زاهد، من القرن الثالث أو الرابع الهجري، كان له تلميذ اسمه: أبو عمر بن النجيد، وفي أحد الدروس أخطأ هذا التلميذ، فانسحب من درس شيخه حياء، فرآه الشيخ في الطريق في السوق، فصد عنه التلميذ فقال له الشيخ: يا ابن نجيد لا تصاحب من لا يريدك إﻻ معصوماً، يا ابن نجيد لا يصلح لك إلا مثلي!
أي أنك بشر، وضعيف، وأنا ضعيف كذلك، وكلنا يخطئ، وقد ينحرف، وعندنا لحظات ضعف، فليس الحل أن نتخاصم، ونتقاطع، ويخوّن كل واحد منا الآخر، بل الصواب أن نتكامل، ونتناصح.
كم من شاب جاءني طالباً العون والمساعدة، كان سبب إلحاده، أو شكّه، أو كرهه للدين، من هؤلاء الذين حينما طرح عليهم أسئلته، وحيرته، أو استفتاهم في أسئلة عقائدية ربما تكون حرجة، أو أسئلة قد تكون غير لائقة، إذا به يغلق الهاتف في وجهه، أو وجهها، ويقول له: ما هذا السؤال يا خبيث؟!! وهذا سؤال يا فاجرة؟!! هل هذا استفسار؟!! توبي إلى الله يا منحرفة!! فهذا لم يصنع شيئاً في إجابتهم إلا التنفير، ثم هي منه تبرئة ذمة، لا إنجاز مهمة، أو توضيح حقيقة، أو إرشاداً إلى الطريق الصحيح، أو استيعاباً لهذا الإنسان المسكين، سواء أكان شاباً، أو كبيراً، فنحن بشر، وكلنا ذوو خطأ.
تعالوا بنا لنرى كيف كانت معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم مع خصومه، فالله تبارك وتعالى يقول له: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، هذه المعايير والموازين هي التي تملك التجربة في قضية مداراة الإنسان، ومعرفة ظروفه، وتوصيل الرسالة الصحيحة له.
فالحكمة عقلية لكنها محفوفة بوجدان، ثم الموعظة الحسنة، وهو التركيز على الجانب الوجداني، وتذكير الإنسان بإنسانيته، وبمصيره، وفيها كثير من العاطفة، ثم المجادلة بالتي هي أحسن؛ لأن الجدل فيه مغالبة، والإنسان لا يريد أن يخرج من الجدل وهو مغلوب أو منهزم، ولذلك نعاند في الجدال، ومن هنا قال الله تعالى: {بالتي هي أحسن}، ولذلك قال أحمد شوقي: (النصح ثقيل، فلا ترسله جبلاً، ولا تجعله جدلاً).
ويقول الله تبارك وتعالى لرسوله الكريم، وللمسلمين أجمعين: {وقولوا للناس حسناً}، لمطلق الناس، وعمومهم، وليس لمن هم من بني جنسك، أو قومك، أو عرقك، أو المسلمين.
ويقول الحق تبارك وتعالى كذلك: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}.
وبعد ذلك أقول:
أيها المحب…
أما يتألم قلبك عندما ترى بني قومك، أو عندما ترى الإنسانية تائهة حائرة؟
أما يتألم قلبك عندما ترى الحبوب المخدرة تنتشر بين الناس في بلدك أو في غيرها؟ بل وتصل إلى المدارس، أو إلى الجامعات؟
أما يتألم قلبك عندما ترى عشرات الناس يقعون في عقوق الوالدين؟
أما تتألم عندما تعلم أن الرشوة تكتسح الجميع؟
أما تتحسر عندما تشاهد دكتورا كبيراً، وأستاذاً جامعياً يظلم الطلبة؛ لأن هذا الطالب يخالف انتماءه، وذلك يخالف طائفته، والثالث يخالف التيار السياسي، والآخر يخالف القائمة الطلابية، وهذا لا يعجبه شكله، أو مظهره، إلى غير ذلك!!
ولنقارن ما سبق ذكره مع قول الله تبارك وتعالى حينما يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم قائلاً له: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً}، والبخع: هو الألم الداخلي، حتى يكاد الإنسان يموت من شدة التحسر، لماذا يا رسول الله؟!! حزناً على المشركين، وشفقة بهم، ورحمة لهم!! الله أكبر.
وفي الآية الأخرى يقول الرب جل جلاله: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}، أي لا تقتل نفسك بالحسرة عليهم لعدم إيمانهم! نحن نريد الانفعال، والتألم الذي لا يعطل طاقتك يا محمد، بل يكون الألم بدرجة معينة، بحيث يعطيه الامتداد في الدعوة، وإنقاذ الناس.
إذن الدعوة إلى الله تعالى حب، تجعلك تختلف في نظرك للآخرين، فبدل أن تنظر للعاصي أنه خبيث مخبث، وأن تلك فاجرة مجرمة، انظر له، ولها على أنه مسكين، وأنها مسكينة، والله يهديه ويهديها، ويستر عليه وعليها، أرأيتم هذه النظرة الشفيقة، الرحيمة ماذا تصنع بهؤلاء؟
ولذلك إذا غيرتَ نظرتك لهؤلاء، وتعاملت معهم بمبدأ أن الدعوة إلى الله تعالى عبادة، فإن رعونات النفس تقل، والانتصار للذات يتلاشى، وتكون نظرتك للمخالفين شيئاً مغايراً.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدة رحمته بمخالفيه قابلهم بحدث لا يمكن للتاريخ تكراره! اقرأوا التاريخ الفارسي، واليوناني، والروماني، والصيني، والبشري كله، هل نجد حدثاً كفتح مكة؟ يدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منتصراً معززاً شامخاً، ومع ذلك متواضعاً، مطأطأ الرأس، حامداً لربه، فيقف أمام تلك الجموع المستسلمة ليقول كلمته الخالدة: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)!! من منا يستطيع فعل ذلك، ولو عشر معشاره؟
وها هم أهل الطائف عندما جاءهم داعياً إلى الله تعالى، مبشراً لهم، رجموه بالحجارة، وأدموه، ومع ذلك لم يدعُ عليهم، وإنما دعا لهم!! أي عظمة تلك؟!!
ومن القصص الواقعية في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وحسن التعامل مع الآخر، قصة الشيخ سعيد الزياني، من أصول جزائرية، تجول في العالم الإسلامي داعياً إلى الله تعالى، وقد كان في السابق فناناً من أصدقاء عبد الحليم حافظ! ثم تاب، وقد التقيت به قبل فترة في ديوان أحد الأفاضل من أهل الكويت، وتبادلنا أطراف الحديث، وتذاكرنا هموم الدعوة، ومدى حب الناس للخير، وتقصير الدعاة في هذا الجانب، فكان مما ذكره عن نفسه أن قال: كنت ذاهباً مرة في جولة دعوية في أوروبا، فنزلت الطائرة ترانزيت في روما، من أجل أن نذهب إلى باريس، قال: فلما جلست في الطائرة ركب أحد القسس بجواري، وكنتُ نويتُ أن من جلس بجانبي فسأدعوه، ولو كان أحد علماء الإسلام؛ لأنك عندما تدعو إنساناً، فإنك تريد منه أن يرتقي من درجته إلى درجة أعلى، يقول: فلما دخل القسيس ورأى مقعده جلس، فرحبت به، وبدأنا الكلام عن أحوال الدنيا، فقال لي بعد أن ارتاح لي: هناك كلمة جميلة في دينكم. قلت: وما هي؟ قال: البركة، فأنا أريد أن أفهم معنى البركة؟ قلت في نفسي: لقد أعطاني المفتاح، فقلت له: البركة التي أعجبتك لا تعرف إﻻ بذاتها، فالبركة مرتبطة بأسبابها، فهل أشرح لك أسباب البركة؟ فقال لي: تفضل، قلت له: البركة أوﻻً: متعلقة بالإيمان، وبدأت أتكلم معه عن الإيمان المطلق، وقصدت بالإيمان المطلق: أن المسيحي مؤمن، واليهودي مؤمن، والمسلم مؤمن، بل إن كثيراً من الأديان حتى الوضعية، والشرقية فيها إيمان، فأنا أشرح له عن الإيمان وهو يقول لي: صحيح صحيح، ثم قلت له: لكن البركة متعلقة بنوع خاص من الإيمان، وليس بالإيمان المطلق، بل الإيمان التوحيدي! فبدأت أكلمه عن محمد صلى الله عليه وسلم، وعن التوحيد، وهو يندمج، وبدأ يركز، ويقول: صحيح صحيح، ثم بدأت أكلمه عن علاقة البركة بالتقوى، {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً}، حتى شعرت أن الرجل قد امتلأ بالإيمان، ثم هبطت الطائرة في باريس، وإذا بالقسيس يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله!!
هذه القصة تذكرني بمحبة المدرس لتلاميذه، وكيف بإمكانه أن يحببهم في مادته، أو يبغضهم فيها، ولا أزال أذكر أستاذنا مصطفى الملاخ، وهو أستاذ مصري، كان يدرسنا مادة الفرنسي، بطريقة جعلت جميع من درسهم يحبون هذه المادة، ويحفظون كلامه.
وأذكر كذلك أنه اتصل بي عبد الرحمن ابن الشيخ الراحل: محمد الصالح العثيمين رحمة الله عليه، وطلب مني محاضرة ألقيها في القصيم قبل رمضان بشهر، فوافقت على ذلك، واقترحنا أن يكون الموضوع: الدعوة إلى الله حب، فوافق واستبشر، فتكلمنا في هموم الدعوة، وحاجة الناس للرفق، ثم ذكر لي عن والده أشياء عجيبة، يقول عبد الرحمن: كنت أدرس في أمريكا، فأسأل والدي أسئلة فقهية، أقول له: يا والدي إذا عمل الأمريكي المواطن المسالم عَمْل خيرٍ، فهل أقول له: جزاك الله خيراً؟ فقال: قل له جزاك الله خيراً، قلت له: وكيف ذلك؟! فقال: أليس أعظم الخير هو الإسلام؟ ثم أليس هنالك حديث نبوي شريف يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)؟!
يقول عبد الرحمن: وسألته مرة: يا أبتِ هل يجوز أن أدعو دعاء المطر إذا نزل، فأقول: اللهم صيباً نافعاً، وأنا في أمريكا؟ فقال: نعم، ادعُ بهذا الدعاء، أليس الناس في حاجة إلى الخير؟ الطير، والشجر، والبشر، ومن ليس في حرب معك، والناس الذين يخدمونك؟
لا شك أن هذه هي أخلاق الإسلام، ولذلك وجدنا الذين وصفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا في صفته: ما انتقم لنفسه قط، ولكن إذا انتهكت محارم الله. نعم فإذا انتهكت المحارم، ووقعت المنكرات، فهنا يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بالواجب الذي هو عليه، كذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم ما امتدت يده لأحد بالضرب، أو الأذى، وهذا دليل على أنه عظيم في التربية؛ لأنه توجد بدائل كثيرة، فهناك الحوار، وهناك طرق غير مباشرة، وهناك وسائل كثيرة في قضية التوجيه، والمتابعة في النصح، ولذا فمن الواجب علينا يجب أن نحول الدعوة إلى الله تعالى إلى حب، وأن نقتدي برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي نزلت عليه الآية التي يقول الله تعالى فيها مخاطباً نبيه: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}، ومع الأسف نجد دعاة ناصحين لم يسلم منهم المصلون، بل لم يسلم منهم الدعاة، بل شُغلوا بأخطاء الصالحين، والأخيار، وضخموها، ونسوا حسناتهم، وظلموهم ظلماً عظيماً، فكيف يسلم منهم الناس؟ وكيف لا يتحولون إلى منفرين عن دين الله باسم الدعوة إلى الله تعالى، أو باسم تصحيح المسير إلى الله تعالى؟ فكم من مريد للخير ليس ببالغه؟!