بينى وبينكم 2012 الحلقة الرابعة والعشرون التعايش
التعايش
هل أنت عربي، أم غير عربي؟
هل أنت مسلم، أم غير مسلم؟
ما هو مذهبك؟
ما هي قبيلتك؟
ما هي وطنيتك؟
ما هو لونك؟
من أين أنت؟
وإذا كنت منتمٍ، فمن أي فرع من ذلك الانتماء؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة تشكل لنا لوحة من الفسيفساء لجميع الأطياف الموجودة منذ أن خلق الله تعالى هذا الكون، وأريد له أن يوجد لكي نحقق سنة التعارف، لا سنة التقاتل.
لماذا أقول هذا الكلام؟
أقوله لأن الكل يشعر بالتعب: أنا وأنت، وهو، وهي، فالإنسان يتعب من البحث عن لقمة العيش، ويتعب من الديون، ويتعب من أشياء كثيرة؛ ولكن ليس هنالك أكثر تعباً من ثقافة الكراهية!! ليس هنالك شيء أكثر إرهاقاً لنا جميعاً من قضية تمني الشر للآخر، والنظر إليه بشزر، واحتقاره، وأنه يستحق ما ينوء به من أحمال الكآبة، والتعب.
سأحدثكم عن التعايش الذي نبحث عنه، ونتمناه، ولكننا نراه يرتفع عن الأرض، فنرجو أن يستقر ولو بنسب معقولة؛ لكي نعرف كيف نعيش، ونؤمّن للأجيال القادمة الحياة الهانئة الآمنة.
التعصب بعلاقاته السياسية، والاجتماعية، والقبلية، والمذهبية، فكّك عندنا ذلك التعايش الذي كان موجوداً منذ عهد ليس ببعيد بين الناس على اختلاف انتماءاتهم، فما الذي حصل؟
طرحت ُ هذا التساؤل على الأستاذ الدكتور طارق الحبيب، فقال:
التعصب بأشكاله المختلفة يكون أحياناً بسبب تعصب الإنسان لغريزته، وأحياناً لجماعته، وأحياناً لذاته، ويقوم ذلك كله على ما هي انفعاﻻت هذا الفرد؟ وما هي سماته الشخصية؟ وما مفهومه المجتمعي لعلاقة الفرد بالآخر؟ وعلاقة المجموعات ببعضها؟
التعصب كمفهوم، تكلّم عنه الباحثون، والعلماء، ونشأ منه التطرف، والطرح الديني، يقوم على الانفعال، ولا يقوم على الفكرة في أصله، ثم تأتي الفكرة بعده فتتشكل من الانفعال، وأقولها للسياسيين بكل صراحة ووضوح: إذا أردتم أن تديروا شعوبهم، فتعلموا كيف تديرون انفعالاتهم.
وإذا أرادت المؤسسات الإسلامية، والمجتمعية أن تنجح في تطوير أفرادها، فلتطور عندها مهارة إدارة الانفعال، فلقد رأيت في المجتمع العربي دون غيره أن إدارة الانفعال أولى من إدارة الأفكار، وما الأفكار إلا نتيجة الانفعالات.
أضرب لك مثلاً على ذلك: برنامج الكاميرا الخفية، فأنت عندما ترى الكاميرا الخفية الغربية، وترى الكاميرا الخفية العربية، تجد الفرق واضحاً وجلياً، فعند العربي تجد الضرب والسباب للآخر، والتشنج، والانفعالات القوية، حتى لو كان الموقف بسيطاً، أما عند الغربي فقد يكون الموقف شديداً، ومع ذلك تجده يبتسم، ويقلب عينيه، ويتقبل الموقف بسلاسة!! لماذا؟
هنا يكمن فن إدارة الانفعالات، وهل أنت ارتقيت لمستوى الإسلام، أم أنك للأسف جررت الإسلام إلى مستواك العاجز، ونزلت بالإسلام إلى مستوى منخفض يلائم عجزك أيها الإنسان، فرداً كنت، أو ربما داعية.
إذن في المجتمع الغربي ليس هناك مركب العدوان الداخلي، أو مركب العنف، والسبب هو حرية الفرد، وهذه الحرية، ليست هي التحرر الذي نخشاه.
فإشكالية الإنسان العربي: لماذا يرفض الحرية؟
لأن الحرية كمفهوم قد دنّس بمفهوم التحرر، مع أن الحرية الكريمة بريئة من التحرر.
قلتُ:
ونحن نتكلم عن التعصب، وتشكّله، برأيك: هل هنالك سبب أكثر من تشكيل الأسرة لهذا الفرد في تعصبه في بداياته؟
فالذي أفهمه مما درسته قديماً أن الطفل عندما يتلقى فإنه يتلقى من غير معايير ناضجة، ومن غير خبرة كافية.
وسأضرب لك مثلاً عملياً: الأب والأم والأسرة جالسون أمام التلفاز، يستمعون الأخبار بسقوط العراق، ودخول الأمريكان، وحصول الارتباكات، وتفجيرات في مدينة النجف، فالابن يسأل والده: ما الذي يحدث؟ ومن الذين يقصَفون؟
فيجيبه الوالد: لا عليك، هؤلاء من الطائفة الفلانية، يستاهلون!!
والمشهد المعاكس: لأسرة تجلس أمام التلفاز، والقصف يتتابع على مدينة الفلوجة، والدماء تسيل كالأنهار، فيتوجه الابن لأبيه بالسؤال نفسه، وتكون الإجابة نفسها!! موت مدينة بأكملها، بأطفالها، ونسائها، ورجالها، ومساكينها، وهوائها، وطينها، وحيواناتها، ألهذه الدرجة أنت قاسي، غليظ الكبد؟!
هذا نوع من أنواع التربية.
فقال:
أرى أن تأثير الأسرة غريب جداً هذه الأيام، والذي ذكرته ما هو إلا بقايا كتب علم النفس، والتربية القديمة قبل الإعلام.
وفي رأيي أنه تجب مراجعة كتب علم النفس، والتربية من جديد في دور الأسرة في التأثير، فحين بدأ البث المباشر بدأت تدخل القنوات إلى البيوت، بل وإلى غرف النوم، والذين تعطشوا إلى المعرفة، وخاصة الخليجي فهو أكثر تعطشاً من غيره لهذه الجوانب، لأن انفتاحه كان متأخراً في علاقته بالآخر، ولم يجد الأبوة الكافية من والديه، والتي منها أبوة الفكر، فلجأ إلى مصادر الفضائيات التي قد ﻻ تكون آمنة في كثير من الأحيان، وبدأ ينهل منها، ويتلقى ثقافته، ويشكل شخصيته.
وهذا الذي يفسر لنا أنه ليس هناك أب للأسرة، وطفل، وإنما كلهم أصبحوا أطفالاً لهذه التربية، هذا أمر.
الأمر الآخر: من الذي يربي؟ فالأب مشغول في متعه، وهواياته، وأصدقائه، ولا يحتك بالطفل إلا للمصروف وغيره، وكذلك الأم مشغولة بتغطية دور الأب، والطفل مشغول بألعابه فيحتك بكمبيوتره.
ولذا كان لزاماً عليكم أيها الدعاة الفضلاء أن تخترقوا الأطفال من بوابة الإعلام، وأن نعيد تربية الآباء من جديد، ومن هنا نخلص إلى نوعين من الأسر:
الأسر التفاعلية، والأسر السلطوية.
فالأسر التفاعلية: تقوم العلاقة فيها على الأخذ، والعطاء، وعلى لغة الواجبات، والحقوق، بمعنى أنها تقوم على تبادل الأدوار.
أما الأسر السلطوية: فالعلاقة فيها قائمة على الأمر والنهي! فهي علاقة تقوم على المساءلة المستمرة، والتخويف، والتكذيب.
ولكن:
كيف يكون تبادل الأدوار عند الأسر التفاعلية؟
أنا كأب وجدت أحد أولادي أكثر حكمة مني، أو بنتاً أكثر حكمة من أمها، فإني أسلمها الراية في قيادة المنزل، ففي كثير من الأحيان تكون الأم غير مؤهلة للاتباع في فكرها، وإنما مؤهلة للبر بها!! وحق البر ليس حق اتباع الفكر، فلا نخلط القضايا ونعمم، البر هو الإحسان، وسأقول لك أمراً قد تعجب منه، البر لا يقتضي الحب، ففي البر واجب أن أحسن لذلك، وليس شرطاً أن أحبك، فالبر لا يتقاطع مع الحب.
قلتُ:
الإنسان ابن بيئته، فأنا لو ولدتُ في المملكة العربية السعودية لكنتُ حنبلياً، ولو ولدتُ في طهران، أو قم لكنتُ اثنى عشرياً، والتعصب موجود عندنا، والتحيّز جزء من ثقافة الإنسان الطبيعية، بل إن اللسان، واللغة العربية التي لا تعتبر لساناً فقط، وإنما تعتبر جزء من طريقة التفكير، تملي عليك بعض التحيّزات، أما الإنصاف المطلق، والحياد الطاهر، فلعله يكون عزيزاً، ونرجو أن نصل إليه، لكنني أعتقد أن الإنسان لن يصل إليه مائة في المائة، ومع ذلك فهو يستطيع أن ينصف.
ما تعليقك؟
فقال:
صدقت، فمن المتعذر أن نصل إلى الإنصاف مطلقاً، لأن لدينا الشعور، واللاشعور، فأنا أتحكم في الشعور، ولكنني لا أتحكم في اللاشعور.
والتعصب يدخل في كل شيء، حتى في العلاقات الدينية، بل الزوج مع زوجته، حيث ينتمي إلى أسرته، ويتعصب.
فالتعصب كمفردة هو حالة انفعالية، فإن لم تتقن أنت إدارة الانفعالات، فإنها ستسيطر عليك فكرياً، فالتدريب على إدارة الانفعالات مطلب أساسي.