وياكم 2013 الحلقة الثالثة استغلال
استغلال
الاستغلال….
كلمة مستبشعة؛ لأن معناها مستبشع ومستقبح!!
كلمة نطلقها على الإنسان إذا قررنا أن نصفه بصفة سلبية، ورذيلة أخلاقية!!!
الموضوع كبير جدًّا، وطويل الذيول، والحياة مليئة بالمستغلين…
إﻻ أنني سأتحدث عن محورين، وصورتين من صور هذا الاستغلال التي بدأت تغزو مجتمعاتنا، وتنخر في جسد أمتنا على الصعيد الفردي، والجماعي…
المحور الأول: استغلال المرأة!!
المحور الثاني: دكاترة وأساتذة الجامعات والكليات!!
تلك الفئة التي كان المرجوّ منها-وكلامي ليس على عمومه، وإنما لفئة محددة-أن تكون قدوة للطلبة، ومن هم تحت أيديهم في هذا القطاع التعليمي الشامخ.
فإذا كان اﻻستغلال موجوداً في أعلى سقف معرفي، ثقافي، أكاديمي، فما هو الظن بما هو دونه؟!!
أما المحور الأول: وهو المرأة، فهو الحديث الذي ﻻ ينتهي، والمعاناة التي لا تنقضي!
فعندما تأتي وترصد القنوات التي تتكلم عن القضايا النفسية، والتربوية، والتنموية، والأسرية، والفتاوى، والإرشاد، وغيرها، فإنك تجد أن أكثر المتصلين من النساء!!!
هل سبب ذلك لأن عدد النساء أكثر؟! أم لأن وضع المرأة الشرقية ﻻ يسُرُّ؟!! أم لأن المجتمع الشرقي مجتمع خلط الدين بالعادات والتقاليد والأعراف، فغلب العرف على أحكام الله سبحانه وتعالى؟! أو لأنه فهم الحكم الشرعي فهماً تقليدياً، عرفياً، اجتماعياً، ﻻ فهماً شرعياً كما أراده المشرع سبحانه وتعالى؟!!
دعونا نقف مع بعض أنواع هذا اﻻستغلال….
- عندما يستغل الأب الطماع بناته، فيعضلهن أي يمنعهن عن الزواج، من أجل اﻻستثمار في أموالهن! لأنهن موظفات، أو عاملات، فإنه بذلك يرتكب جريمتين: جريمة أخذ أموالهن بغير طيب نفس منهن، وجريمة حرمانهن من حقهن الشرعي وهو الزواج.
هذا السلوك الخاطئ الذي يمارسه بعض الآباء ضد بناته، يجعلهن يقفن منه موقف العداء، والكره، والبغض، وإن كنّا لا نقرّ ذلك، وندعو الأبناء إلى الرفق بآبائهم، وتحمل ما يصدر عنهم من أخطاء، إلا أن الواقع يفرض نفسه في كثير من الممارسات.
وأذكر في هذا المقام تلك القصة الحزينة التي سمع بها الكثيرون، والتي وقعت في أحد الدول العربية، أن أحد الآباء لما مات، فرحت بناته لموته، وخلاصهنّ منه!!! لماذا؟!!
لأنه كان كلما تقدم لواحدة من تلك البنات عريس للزواج منها، فإنه يضع العراقيل، والصعوبات في طريقه، كل ذلك من أجل تنفيره وإملاله، فيذهب ولا يعود، وتبقى تلك المسكينات في همٍّ، وغمٍّ، وشقاء، إرضاء لنهم وجشع ذلك الأب الذي نظر إلى بناته من منظور مادي بحت.
هذه صورة بشعة من صور استغلال المرأة.
- صورة أخرى من صور هذا الاستغلال:
أخذ رواتب الزوجات أو البنات، وأموالهن، بدون وجه شرعي، ودون طيب نفس منهن!! بل وفي كثير من الأحيان دون أن يكون الزوج محتاجاً لهذا المال، وإنما يفعل ذلك تلبية لرغبته في الطمع والجشع الذي يكتنزه في نفسه.
وإن كنا نقول بأن المرأة العاقلة، الواعية، المحبة لزوجها، الوفية له، هي التي تعين زوجها عند حاجته، وتمد له يد المساعدة وقت شدته، إلا أن هذا يكون عن رضا منها، وطاعة، واختيار، وقناعة، لاجبراً وقهراً.
وأما البنات والأولاد، فنحن لا نقول لهم: لا تبرّوا آباءكم، أو ﻻ تعطوهم، أو تنفقوا عليهم، كلاّ… بل هم تاج الرأس، وقرة العين.
ولكن استغلال الأبناء بهذه الطريقة يخرجنا من دائرة التراحم، إلى دائرة الرأسماليين، والنفعيين!!
فماذا نقول إذن لهؤلاء الذين يستغلون أموال المرأة؟!
نقول لهم: إن للمرأة ذمة مالية شرعية مستقلة في دين الله، ﻻ يجوز لأحد أن يتطاول عليها، سواءً أكانت زوجة، أم بنتاً، أم أختاً، أم غير ذلك.
قد يردّ عليك بعض المتطفلين على العلم والدين، يقول: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنت ومالك لأبيك)!!.
فنقول: هذا الحديث في معناه كلام طويل لأهل العلم، ولكن أقول باختصار: إنه مقيد بالنفقة الواجبة، فإذا كان والدك لا يجد ما ينفق به على نفسه، فإنك في هذه الحالة ملزم بالنفقة عليه وجوباً لا تفضلاً، بمسكنه، وطعامه، وشرابه، ودوائه.
هذا هو فهم الحديث، وليس المقصور منه أن يستولي الوالد على أموال ابنه، أو ابنته، بدون وجه شرعي، ولا حاجة ضرورية.
ومن هنا كانت الشريعة دقيقة وحاسمة في موضوع الحقوق عموماً، وفي التأكيد على حقوق المرأة التي قد تستضعف.
لذلك فإن كل مال يأخذه الزوج من زوجته من حقوقها، أو الأب من ابنته من حقوقها، فهو حرام حرام، إلا إن كان عن طيب نفس منها، لأنها في كثير من الأحيان تعطي من باب القهر، أو الحياء، وما أخذ بسيف الحياء فهو مردود، والشريعة لا تقر ذلك أبداً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه)، وفي حجة الوداع يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا).
فالمسألة محسومة، لا مجال للأخذ والرد فيها.
ولذلك نلاحظ النص القرآني لما جاء في قضية المهر قال: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً)! فطيب النفس بالعطاء مطلوب شرعاً.
بعض الناس عقلها غريب، وتشعر أن تفكيره بدائي!! يقول لك: أنا ربّيتُ البنت، وأطعمتها، وسقيتها، وتعبتُ عليها، ثم بعد ذلك تتزوج، ويذهب راتبها إلى زوجها!!!
هذا تفكير بعض الناس! وتخيلوا لو أن كل الناس ينظرون لبناتهم وأولادهم على أنهم مشروع اقتصادي استثماري، وليس لحمة تراحمية عظيمة، ﻻ يوجد مثلها في كل علاقات البشرية، كيف ستكون الحياة عندها؟!!
فالواجب علينا أن نتخلص من هذا اﻻستغلال المهين، ونعطي الحرية والحقوق لأصحابها، ولو كانوا أقرب الناس إلينا، كالزوجات، أو البنات.
- صورة ثالثة من صور الاستغلال البشع للمرأة:
ضرب الزوجة!! وهو نوع من أنواع اﻻستغلال السيء لفهم الدين، فيضرب، ويقبح، ويلعن، ويستخدم كل وسائل القسوة، والشدة، بحجة التربية، وتقويم السلوك، والردع!!
والعجب كل العجب حين يقول لزوجته وهو يضربها: لا يجوز لك أن تعترضي، ولا يحق لك أن تتكلمي!! لماذا يا علامة زمانك؟!!
فيجيب بكل ثقة، وتأكيد: لأن الدين أباح لي ذلك!!
فالله تعالى يقول بنص كتابه الكريم: (واضربوهن)!! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ﻻ يُسأل الرجل فيما ضرب امرأته)!! ويقول لك: هذا الحديث رواه الإمام أبو داوود، والإمام النسائي!!
ما شاء الله! أصبح عالماً في الحديث، وفي التخريج والعلل!!
هل القرآن قال اضرب، كما يفعل بعض الموتورين من ضرب نسائهم كضرب البهائم، أو أشد؟!!
وهل الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب، وأمر بالضرب بمعنى الضرب الحقيقي؟!!
أم أننا يجب أن نفهم كلام الله وفق الرؤية التفسيرية لكتاب الله تعالى، وعلى وفق هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووفق الوضع اللغوي الذي كان في وقته؟
أما حديث: (ﻻ يُسأل الرجل فيما يضرب زوجته)، فهذا حديث ضعيف، ضعفه الأئمة المتقدمون، وضعفه المحدِّثون المعاصرون كالشيخين الكبيرين: الشيخ أحمد شاكر المصري رحمه الله، العلامة الأزهري الكبير، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله. هذا أولاً.
ثم إننا نقول دائماً لكلا الزوجين: إن مشاكلكم ينبغي أن تُحَلّ بينكم، ضمن دائرة البيت، ولا تخرج خارجه، لأن ذلك يؤدي إلى توسيع دائرة الخلاف، ولو كان ذلك للأقارب والأرحام، والآباء والأمهات!!
فكلما ضيقنا الدائرة، كلما عملنا على لمّ المشكلة بطريقة أفضل.
أما قوله تعالى: (واضربوهن)، فالآية بتمامها تقول: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن)، فالكلام في الآية عن المرأة الناشز، هذا أولاً.
وثانياً: يجب أن تمر تربية المرأة بالمراحل كلها، من الوعظ، ثم الهجر في المضجع، وليس من المضجع!! والفرق بين العبارتين كبير، فهو ينام معها في الفراش لكنه ﻻ يعاشرها، وﻻ يقترب منها، إظهاراً للغضب، وعدم الرضا.
ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الضرب، وهي آخر المراحل، لا أولها، كما يقال: آخر العلاج الكيّ، وليس أوله!!
وثالثاً: الشريعة لم تترك المجال مفتوحاً في قضية الضرب، بلا تحديد، فجاءت الآثار لتبين أن الضرب يكون بالسواك، وهو عود الأراك!!! فهو ضرب لإبداء الغضب، لا لإرادة الانتقام.
ومع ذلك فإن كل ذلك ﻻ يكون إلا إذا علم أن هذا السلوك يأتي بنتيجة إيجابية، أما إذا كانت سلبياته أكثر من إيجابياته، فإنه ﻻ يفعل، كما جاء النص على ذلك في كتب الفقه المعتمدة، فهي عملية استثنائية، عارضة، مؤقتة، معلقة، في ظروفها وشروطها وآدابها.
أما أن يضرب بلا رحمة، ولا شفقة، فيكسر، ويجرح، فهذا لم يقل به أحد من علماء الإسلام فيما أعلم، بل من حقها-والحالة هذه- أن ترفع عليك قضية، وتطالبك بالقصاص!!
فالإسلام يمشي بخطوات متوازنة، ومتدرجة، فيأتي بدواء لداء استعصي علاجه، فيبدأ لك بالخطوات التربوية، حتى يجنبك القضاء والمحاكم، والدخول في دوامة المشاكل الأسرية العنيفة.
واسمع ماذا تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهي تصف خلق النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يحتج البعض بأنه أمر بضرب الزوجة، تقول: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قط بيده لا امراة وﻻ خادماً)!!!
إذن من أين أتيتَ بالضرب بهذه الطريقة المهينة؟!!
هذا نوع من أنواع استغلال النص الديني، ونوع من أنواع التدين الخاطئ، في سبيل إذلال المرأة، وإهلاك البيت!!!
- صورة أخرى من صور الاستغلال البشع للمرأة:
زواج الصغيرات!! وهذا غاية في اﻻستغلال، وهي قضية يقوم الإعلام بتكبيرها وتضخيمها، لتشويه صورة الإسلام، وأحكامه الشرعية، دون فهم منهم لحقيقة المسألة على وجهها!! ولذا يجب أن نعلم أن قول أهل العلم في مسألة زواج الصغيرات يدور حول جواز العقد-مجرد العقد- على الصغيرة، وأن ذلك جائز شرعاً، وأما الدخول بها فلا يكون إلا بشروط، من ملاءمة الفتاة لعملية الزواج، والنضج الجسمي، والعقلي، وغير ذلك، فإذا فقد أحد هذه الشروط، فلا دخول.
فالشريعة إذن تراعي عدم إيقاع الضرر، لأن القاعدة تقول: الضرر يزال، فإذا تبين وجود ضرر، فإن الحكم الشرعي يقيّد، ولو كان مباحاً، ولكننا ﻻ نقول: إنه يلغى! بل يقيد؛ لأنه لا يستطيع أحد أن يلغي حكماً ثابتاً بالأدلة الواضحة، أما إذا كان هناك تلاعب بالحكم الشرعي، أو طبق الحكم خطأ، أو جاء بنتائج على نقيض مقاصده الشرعية، أو أدى إلى خلل اجتماعي في تطبيق هذا الحكم، أو وقوع أي التباس، فإن من حق ولي الأمر، ومن حق المشرع، أن يتدخل ويمنع المباح للضرر المترتب عليه.
وعليه؛ فما يحدث هذه الأيام من مآخذ، وتجاوزات، في زواج القاصرات، من القهر والإجبار على الزواج، يعود على جواز هذا الحكم بالمنع، والتقييد.
وقد يقول قائل: لماذا يحدث هذا الاستغلال للقاصرات؟!!
والجواب:
أن ذلك قد يكون لحاجة، أو لفقر!
وقد يكون من باب أن هذا عرف عند هؤلاء الناس!
وقد يكون لترضية جهات معينة!!
وقد يكون لفهم ديني خاطئ!!
بل قد يكون اﻻستغلال لعبة سياسية!!
وأيًّا كان السبب، والدافع وراءه، فإنه يبقى استغلالاً مذموماً، وتصرفاً منبوذاً.
ولذلك فإن ظلم المرأة اجتماعياً، وتغليب الأعراف، وإلغاء ذاتها، يحصل منه نتيجة سلبية جدًّا، قد تصل إلى أنها تكفر بالمجتمع، وتكفر بقيمه، وتكفر بالإنسان، بل وقد تكفر بالدين!! الذي فهمه المجتمع فهماً خاطئاً، وطبقه تطبيقاً معكوساً، وأسقط عليه أعراف الجاهلية، وشوهه تشويهاً كاملاً.
أما المحور الثاني من محاور موضوع الاستغلال، فهو الحديث عن تلك الطبقة العلمية المثقفة، التي يشار لها بالبنان، والتي تتخذ قدوة وأسوة لكثير من الناس….
إنه استغلال الدكاترة!!!
دكتور….هذا الاسم المهني، الذي يضفي عليه الاحترام، هذا المسمى العلمي الذي يعطي من الحرية، والتقدير، وتحمل المسئولية، وعدم المسائلة في العموم الأشمل… هذا الشخص عندما تضعف نفسه، وتتراجع مروءته، ويتلاشى دينه مع الأسف، فإنه يتخذ من ذلك المكان الأكاديمي العلمي مكان تخريب، وتصدير للسلبيات، وتعليم الأجيال الغش، والخديعة، والمكر، والدهاء!!
كنتُ قد كتبتُ تغريدة أستأنس فيها بآراء الجمهور من الطلبة حول موضوع استغلال الدكتور لمركزه العلمي، والأكاديمي في أغراض، ومصالح شخصية، مقابل رفع درجات الطلبة، أو إعطائهم بعض الامتيازات.
فجاءت الردود كثيرة جدًّا، بتفصيل، وأسماء لجامعات وكليات، وأسماء لبعض الدكاترة، والأساتذة!!!
وقد ظهر معي رأيان متناقضان، من غير تشخيص لمكان معين….
الرأي الأول: يقول: بأن الكثير منهم يتصفون بالأخلاق العالية، ولا يوجد أي نوع من الاستغلال.
أما الرأي الثاني: فيقول: إنه لا يوجد طالب إلا ولديه قصة حول هذا الأمر، وبدرجات مختلفة!!!
إذن كيف لنا أن نقرأ ردود الأفعال هذه؟!!
أقول: نحن أناس يجب أن نحترم الموضوعية، والبحث العلمي، والمنهجية، والشروط الأكاديمية، ولذلك فمثل هذه الردود لا تعتبر بمنزلة استبيان؛ لأنه لم يخضع للمعايير العلمية، بل هي انطباعات أولية، قد تكوم انطلقت من قناعات وانطباعات شخصية، فالحسن موجود، والسيء موجود كذلك، ولكن كم هي النسبة؟ وهل هي ظاهرة؟ وهل هي مؤشرات خطيرة؟!! فهذا وظيفة أكاديميين، وبحث علمي، وليس خاضعاً لانطباعات الناس، والكلام العام.
ولكن تبقى القضية المطروحة أن هذا شيء موجود، كأي داء آخر، أما نسبته، وانتشاره، وأماكنه، ونوع الخلل، فهذا شيء بحث علمي مجرد.
والآن دعونا نستعرض بعض صور الاستغلال التي يمارها هؤلاء النخبة بحكم موقعهم الوظيفي.
أولاً: مسألة الغياب!!!
أحدهم يقول: والله ما أداوم في الفصل كاملاً إلا ستة أيام!!!! وغالباً ما تكون أيام الاختبارات!
كيف يحلّل هذا راتبه؟ كيف يرضى لنفسه بذلك؟ أين عمادة الكلية عنه؟ أين الطلبة؟
هذا الدكتور لماذا يغيب؟ هل لأعماله الخاصة؟ هل لتجارته؟ هل لسفراته؟ هل لدوراته؟ الله أعلم!
لو كان الغياب عارضاً، لظرف طارئ، من مرض، أو سفر، أو غيره، فلا بأس، أما أن يكون الغياب متكرراً، ودون أي إخطار للطلبة، بأي وسيلة من وسائل التواصل، فهذا قمة الانتهازية، والاستغلال، وعدم الاحترام.
ثانياً: سرقة أفكار الطلبة، وطموحاتهم، وأحلامهم، بل وأموالهم!!
وهذه جريمة أخلاقية نتنة، تدل على صغر نفس، ودنوّ همة.
وهذا الأمر ليس جديداً اليوم!! بل هو قديم، ويحدث في جامعات عريقة!
فالطالب لديه بحث، وفكرة جديدة، يأتي فيعرضها على الدكتور، فيطلب البحث لمراجعته، والنظر فيه، ثم يتفاجأ الطالب بأن بحثه قد نزل في كتاب، أو مشروع باسم ذلك الدكتور!!
أي خلق ودين يجيز هذا الفعل المشين؟!.
ثالثاً: استثمار بيع الكتاب!!
فكتاب الدكتور الفريد من نوعه يباع داخل الجامعة، أو الكلية، بثلاثة أضعاف ثمن كتاب آخر يحمل المعلومات نفسها، بل قد يكون أفضل بكثير!!
وبعضهم يطبع كتابه كل فصل طبعة جديدة، تختلف عن سابقتها في الفصول الماضية! تكون بزيادة عدد من الورقات عن الطبقة السابقة!!لماذا هذا الفعل؟
من أجل أن الطالب لا يعطي صديقه كتابه الذي درس فيه الفصل الماضي، كي يستفيد منه في فصله الدراسي الثاني، ولا داعي لشراء طبعة جديدة!
فيقوم ذلك الدكتور المأفون بزيادة تلك الورقات الذهبية، التي نوقشت بعبقرية باهرة، والتي سوف تنقذ الأمة، وتنقذ العقول!!!
فأي استغلال أكثر من ذلك؟ بل أي انحطاط أخلاق وصلنا إليه؟!
ومن الحوادث الغريبة العجيبة التي سمعتُ بها: أن أحد الدكاترة يطلب من الطلبة كتابة بحث باللغة العربية، وترجمته باللغة الإنجليزية!!!
مع أن المادة ليست علمية بل قد تكون من المواد الأدبية، كما في قسم الأدب، أو قسم التربية، أو قسم الشريعة، أو قسم الفلسفة، وليست باللغة الإنجليزية، وهو طيلة حياته يدرس المادة باللغة العربية، ومع كل ذلك يطلب البحث مترجماً باللغة الإنجليزية، وبالمكان الفلاني، والمكتب الفلاني!!
وعند البحث والتحري وُجد أن المكتب الفلاني تابع لأخيه، أو لأحد أقربائه!! وتكون الترجمة بسعر مرتفع، ويجب أن يكون البحث مكوناً من عدد غير قليل من الصفحات، كل ذلك لزيادة الاستفادة المالية!!
فأي جشع، وطمع بعد ذلك؟! وهل بقي للأخلاق موضع؟!
رابعاً: الدعاية التجارية والانتخابية!!
أحد الدكاترة المعروفين يوزع في قاعات المحاضرات بروشورات تجارية عن تجارته!!!
ودكتور آخر يعطي الطلبة امتيازات؛ لأنه مرشح انتخابي، فكل الطلبة الذين في دائرته الانتخابية يأخذون درجة امتياز، إن هم صوّتوا له!!!
خامساً: السخرية والاستهزاء بالطلبة، والتمييز بينهم!!
فهذا دكتور يتسلط على الطلبة، فيهزأ من هذا، ويسخر من ذاك، ويحتقر الثالث!!
بل إنه يتحيز ضد هذا الاتجاه، فيعطي درجات لهذا الاتجاه، ويمنع ذاك، ويعطي قيمة لهذا، وﻻ يعطي ذاك!! ويدخل في هذا التمييز القرابة، والقبلية، والعائلية، والحضرية، والمذهبية!!!
وهناك دكاترة هابطين نفسياً، وخلقياً إلى الحضيض…
فهذا دكتور يبني بيته على حساب الطلبة!!!
فالطالب الذي يشتري له الحديد يمنح الامتياز! لأن الحديد غالي الثمن!!
والذي يشتري له الإسمنت، أو الرمل يمنح جيد جدًّا!! وهكذا!!!
وآخر لا يصحح درجات الطلبة، بل ينظر في الأسماء، وعلى شكل الورقة، ويعطي الدرجات على أساسها!!!
ما هذه المخازي؟!!
وكل ذلك حرام، ومنكر، لا يجب السكوت عليه، فأمثال هؤلاء يحطمون هذا الكيان الجميل، والصرح المشيد، الذي يتمنى الجميع أن يبقى ذا سمعة طيبة، نظيفة، وصورة مشرقة، بهية.
نحن بحاجة إلى مكتب خاص للشكاوى ضد هؤلاء النفعيين، نحتاج إلى آليات مبتكرة جديدة في قضية الإنصاف، لأن الدكتور بشر كسائر الناس، يخطئ ويصيب، ويحسن ويسئ، فيجب محاسبة المقصر، والأخذ على يديه، لرد الباقين.