وياكم 2013 الحلقة التاسعة جسور
جسور
جسور!!
عند نطقنا بهذه الكلمة، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن تلك الجسور الحسية المصنعة من الحديد والإسمنت، والتي تربط بين طريق وآخر، كما نشاهده كثيراً في شوارعنا، أو التي تربط بين منطقة وأخرى، كما هو الحال في الجسر الذي يربط دولة البحرين بالمملكة العربية السعودية، بل قد يصل الأمر إلى أبعد من ذلك، بحيث يربط الجسر بين قارة وأخرى، كما هو الحال في جسر البسفور، الذي يربط بين قارة أوروبا وقارة آسيا.
هذا هو المعنى الذي يلقي بظلاله علينا عند سماعنا لهذه الكلمة، إلا أن كلامنا هنا لن يلتفت إلى تلك الجسور سابقة الذكر، وإنما الكلام عمّا هو أهم بكثير من الجسور الحسية!!!
إنها الجسور المعنوية، الفكرية، الحضارية، التي تربط بين الشعوب، وبين الحضارات، وبين الأمم المتباعدة…
هذا هو المطلوب ابتداء في قضايا المعنويات، بمدّ الجسور بين قلبين، أو جماعتين، أو حضارتين، في ظل العولمة، والتفاعل بين الأفكار والانتماءات….
نحن بحاجة ماسة إلى تفعيل هذه الجسور في ظل حضارة التشويه، والتبادل النقدي بين الاتجاهات المتباينة…
ديننا الإسلامي يأمرنا في علاقاتنا مع الآخرين بالتعارف ابتداء، قال اله تعالى:(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا).
نعم لتعارفوا، ﻻ لتقاتلوا، ولا لتدابروا، ولا لتقاطعوا!!
نحن اليوم نقرأ عن صراع الحضارات، وحوار الحضارات، ولكن كيف يكون الحوار بين هذه الحضارات إذا كان الأساس بينها هو العداوة، والتهاجر، والترصد للآخر، وطلب القضاء عليه؟!!
لا بد أن تكون هناك خطوة قبل هذا الحوار، وهي الحلقة المفقودة في حواراتنا، ولقاءاتنا، ألا وهي التعارف.
والجسر الذي سنتعرف عليه في هذه العجالة سيكون نوعياً؛ لأنه سيمتد إلى ذلك القلب الغض، والعقل النابض، عقل المرأة في أوروبا!!
كيف تتعرف على الإسلام؟ كيف تتواصل مع هذا الدين؟ لماذا كانت المرأة أكثر دخولاً في الإسلام في الغرب من الرجل؟!!
كل هذه الأسئلة والاستفسارات عرضناها على الأستاذ فاضل سليمان رئيس ومدير مؤسسة جسور للتعريف بالإسلام، وهو الناشط في مجال الدعوة والتعريف بالإسلام في بلاد الغرب…
والأستاذ فاضل أنتج فيلماً تسجيلياً بعنوان: الإسلام في المرأة!!!
نريد أن نعرف كيف كان هذا الجسر بين المرأة والإسلام؟!
توجهتُ إليه بالسؤال قائلاً:
المرأة في الإسلام عنوان دارج، متكرر، معروف، ولكنني أول مرة في حياتي أسمع بعنوان الإسلام في المرأة!!! ما سر اختيارك لهذا اﻻسم؟!!
فأجاب:
الحقيقة أنه كما ذكرت أن عنوان المرأة في الإسلام دارج، ومتكرر، أما العنوان الجديد: الإسلام في المرأة فسرّه أن هذا الفيلم يبحث في الأصل وراء سر اجتذاب الإسلام للنساء أكثر من الرجال!! مع أن الإسلام يحظى بسمعة سيئة في علاقته بالمرأة!! من حيث اضطهاده لها، وظلمها، والسماح بضربها، والاعتداء عليها، وهضمها حقها في الميراث، إلى آخر القائمة السوداء التي يتهم بها الإسلام في عدائه للمرأة، كما يصرح بذلك المفكرون، والكتاب الغربيون، ومن تشبع بآرائهم من أبناء جلدتنا ممن يسمون بالعلمانيين، واللبراليين!!
ولكن عند البحث والتدقيق وجدنا الأمر مختلفاً تماماً عما يقال ويشاع!!
فعندما دخلتُ على الموقع الالكتروني لجامعة كمبردج، وهي من أكبر جامعات العالم، في إنجلترا، كانت المفاجأة التي لم تكن في الحسبان! وجدنا أن ثلاثة أرباع معتنقي الإسلام في إنجلترا هن من النساء!!!
وكذلك الحال في السويد أيضاً!!
أما في هونج كونج، ومنطقة آسيا الشرقية فكانت النسبة تزيد عن ال 90 في المئة!!!
لقد كانت هذه الظاهرة موجودة في كل مكان، ولذا قررنا أن نبحث عن الأسباب التي يرغب المرأة في الإسلام، ويجذبها إليه، أكثر من الرجل، وبالفعل عملنا مقابلات في حوالي 11 دولة، مع حوالي 12 أختاً متحولة إلى الإسلام، من جميع الخلفيات والثقافات، بيض وسود، هنود وأوروبيات، منتقبات ومحجبات، بل وغير محجبات!!!
فوجدنا أمراً عجيباً! حيث أن جميعهن تحدثن عن مفهوم معين اجتذبهن إلى الإسلام، ألا وهو: مفهوم الحرية!!!
فكان هذا الفيلم: الإسلام في المرأة، بمنزلة الصفعة على وجه أعداء الإسلام، الذين يشهّرون به، ويشوهون صورته، بأنه يضطهد المرأة، ولا يعطيها حقوقها، بل ويقيّد حريتها! فكان الجواب من هؤلاء النساء أن الدافع الرئيس وراء إسلامهن تلك الحرية الحقيقية التي منحها وكفلها الإسلام لهن!!
فمثلاً: مما يقال ويشاع أن الإسلام يحبس المرأة في البيت، ولا يسمح لها بالعمل!!! فتأتي تلك الفتاة البلجيكية في هذا الفيلم لتقول: إن الإسلام أعطاني الحرية أن أخرج، وأعمل، أو أن أجلس في البيت، وتأتيني النفقة!!
كذلك يقال إن الإسلام يضطهد المرأة، ويقيد حريتها بالحجاب!!! لكننا وجدنا أن جميع اللاتي قابلناهن ذكرن أن الحجاب يحرر المرأة من استعباد الرجل!!!
هناك دراسة للدكتورة شوز لفيسك، وهي دكتورة أمراض نفسية، في جامعة برينتل، في أمريكا، تقول فيها: إن الرجل عندما يشاهد المرأة التي تلبس الملابس الخليعة، أو التي تظهر معظم أجزائها، فإن الجزء الذي يعمل من المخ عنده، هو نفس الجزء الذي يعمل عندما يتعامل الرجل مع الأدوات الميكانيكية!!! فكأن المرأة تصبح أداة للمتعة فقط!!!
قلتُ:
هذا كلام رائع، يستحق النشر على أعلى المستويات.
ثم قلتُ:
رأيتُ كتابك: أقباط مسلمون قبل محمد، الذي ألّفته سنة 2010، وهو أول إنتاجك المعرفي، وكثير من الناس ينتظرون كتابك الثاني، إلا أنك انتقلتَ إلى مرحلة جديدة في عالم التعريف بالإسلام، ألا وهي الأفلام التسجيلية، فمتى يمكننا أن نشاهد الدراسة الثانية لك؟
فأجاب بلا تردد:
لن تروا أي كتاب آخر!!! فأنا عاهدتُ الله ألا أكتب كتباً بعد ذلك!!!
ومن حقك، وحق القارئ أن تسأل: لماذا ذلك؟
فأقول: إن الكتاب الذي ذكرتَه: أقباط مسلمون، كان خروجه صدفة، فهذا الكتاب هو موضوع رسالتي الماجيستير، فقمتُ بتفريغ بعض مباحثه في كتاب، ونشرته.
ثم إنني عاهدتُ الله ألا أكتب كتباً بعده؛ لأنه يوجد الكثير من الكتب عن الإسلام، والتعريف به، والرد على خصومه.
أما أنا فإن أحد أعظم مبادئي هو سدّ الفجوات، والفراغات في الوسط الإسلامي، والإعلامي.
فكم عدد الأفلام التسجيلية التي تتحدث عن الإسلام؟!!
لا شك أنك تستطيع أن تعدّها على أصابع اليد الواحدة!! مع أنها تمثل في هذا الوقت التحدي الأعظم، والتأثير الأكبر لشرائح مختلفة من المجتمع.
فمثلاً: لو كنتُ أنا غير مسلم، وأعيش في أمريكا، ورأيت طائرات تدخل في المباني عندي، والاقتصاد ينهار، وكل ذلك يفعله مسلمون!! لا شك أنني في هذه الحال أريد التعرف على هذا الدين، ولماذا يفعل ذلك؟ وما الدافع وراء مثل هذه الأعمال؟
لكنني في الوقت نفسه قد يصعب عليّ قراءة كتاب عن الإسلام، قد أستغرق شهرين في قراءته مثلاً! بل تكفيني مشاهدة فيلم لساعة واحدة، أخرج من خلاله عن انطباع عام عن هذا الدين.
ولذلك فإن أعداء الإسلام لما أرادوا الإساءة إلى الإسلام، عملوا أفلاماً تسجيلية، مرّروا من خلالها ما يريدون!
فمثلاً: الفيلم الذي بعنوان: أوبسشن، يعني الهوس، هذا الفيلم وزع منه 28 مليون نسخة مجاناً في يوم واحد!!! بلغت قيمة الحملة لنشره وتوزيعه سنة 2008 ما يزيد على الـ 70 مليون دولار!!! لماذا كل ذلك؟ لأن أعداء الإسلام يعلمون أن هذا الدين يستحق الهجوم عليه، وبذل النفقات الباهظة لتشويهه!
أما نحن فماذا فعلنا عندما أردنا أن نواجه تلك الحملة؟!! لقد ذهبنا إلى المؤتمرات التي تقام من أجل نصرة خير البرية صلى الله عليه وسلم!!!
مع أننا تكلمنا مع القائمين على مثل هذه المؤتمرات، وقلنا لهم: هذه خطابات من المؤسسات الإسلامية في أمريكا تطالب إرسال مليون، أو100 ألف نسخة فقط، من الفيلم الذي أنتجتُه بعنوان: الضباب ينقشع، الإسلام بإيجاز، الجزء الأول، لكي نوزعه مع الجرائد نفسها التي وزعت فيلم الهوس، وكتبنا عليه: هدية من جارك!
لكننا تفاجأنا أن تلك المنظمات الكبيرة، والمؤتمرات الضخمة، التي أقيمت في فنادق الخمس نجوم، وأنفق عليها الملايين، أعطتنا ما يغطي 31 ألف نسخة فقط!! في حين أننا جمعنا من الفقراء في مصر ما يغطي 29 ألف نسخة!! لنوزع في النهاية 60 ألف نسخة، في مقابل 28 مليون نسخة.
قلتُ له:
مشكلتنا أننا إلى الآن لم نستوعب طريقة تفكير الآخرين، ومدى الاستفادة من تجاربهم، والاستفادة من الوسائل الحديثة في الدعوة إلى الله تعالى، وتوصيل المعلومة التي نريد بطريقة عصرية تناسب الزمن الذي نعيش فيه.
ولكن… دعني أرجع إلى موضوع الكتاب…
فقد سمعتُ بكتاب عنوانه: الثورة الصامتة، وقرأتُ عنه تقارير صحفية كثيرة، وقد فوجئت خلال زيارتي لك بوجوده على مكتبك، فهل بإمكانك إعطاءنا نبذة مختصرة عن قصة هذا الكتاب؟!
فقال:
هذا الكتاب من تأليف الدكتورة ليلى أحمد، وهي دكتورة في جامعة هارفارد، في كلية الإلاهيات، وهي إحدى المتحدثات الرئيسات في الفيلم الجديد: الإسلام في المرأة، وقد حازت على جائزة مقدارها 100 ألف دولار لتأليفها هذا الكتاب!
والكتاب في جملته يتحدث عن الحجاب، مع أن الدكتورة ليلى نفسها غير محجبة، فسنّها كبير تزيد على الـ 70 سنة! ولكنها تذكر في الكتاب-كما ذكرت ذلك في الفيلم-: أن السبب في عدم حجابها، كحال جيل والدتها من قبلها، هو أنهما نتاج لجيل أنشأه الاستعمار، وأفهمهم أن الحجاب دليل التخلف، والرجعية، وقد تحدثت في كتابها عن قاسم أمين، وقالت: إن قاسم أمين تربى في أحضان الاستعمار، ودرس في فرنسا، ولما رجع ألّف كتاباً دعا فيه النساء إلى خلع الحجاب، ليتقدم المجتمع، ويصبح متحضراً!! وكأن الحجاب هو السبب في ذلك كله.
والدكتورة ليلى أدركت الحجاب في مصر عند انتشاره في أواخر الستينات، أو في السبعينات، ووجدت أنه إلى جانب مسألة فرضية الحجاب دينياً على النساء، فإن النساء أنفسهن سعين لارتدائه، حتى يفسح لهن الرجال النزول إلى الميدان، والعمل في المجتمع!!
أما في أمريكا فإنها لاحظت أن الحجاب ينتشر فيها انتشاراً شديداً جدًّا، مع أن الحجاب قد يتسبب بمشاكل كثيرة لهن هناك، فمن الممكن أن يعتدى على المرأة بسبب حجابها، ومن الممكن أن يبصق عليها، أو أن تفقد حياتها بسببه!! فلماذا هذا الانتشار إذن؟!
لقد وجدت أن الحجاب نوع من أنواع الثورة الصامتة، نوع من أنواع إعلان الهوية.
قلتُ له:
كما نعلم أنك أنتجتَ حتى الآن ثلاث أفلام تسجيلية باللغة الإنجليزية، من أجل
الدعوة إلى الإسلام، هي: الإسلام في المرأة، والإسلام بإيجاز، والجهاد ضد الإرهاب….
هل أنت راضٍ عن الأثر الذي أحدثته هذه الأفلام؟
فقال:
أولاً: نحن ننتج هذه الأفلام حتى تبقى مادة تعليمية، تستخدم في الدعوة إلى الإسلام.
وقد كنتُ أظن في بداية الأمر أننا نستطيع من خلال هذه الأفلام تغيير نظرة العالم لنا، من خلال توزيعها على السياسيين، والصحفيين في الغرب، وبالفعل قمنا بعمل حملات لتوزيعها على هؤلاء، وبعد سنة من متابعتهم، وجدنا أن معظمهم لم يشاهد تلك الأفلام، ولم يلتفت إليها؛ لأن أمثال هذه الفئات ملوثة أصلاً، ولا تريد الحقيقة!
ووجدنا في الوقت نفسه فئة أخرى تلهث وراءنا، تطلب الحصول على نسخة من الفيلم إن أمكن ذلك! هذه الفئة هي فئة المعلمين، والمدرسين في الجامعات والمدارس، فأيقنّا أن التغيير يحدث عن طريق هؤلاء المدرسين، والمربين، للأجيال القادمة.
وهذه هي الطريقة التي غيّر بها اليهود نظرة الغرب لهم! فمنذ 50 سنة تقريباً، كان يكتب على باب المطعم في أمريكا: ممنوع دخول السود، واليهود، والكلاب!! أما الآن فقد أزيلت هذه الكلمة تماماً! فما الذي حدث؟!!!
قالوا: لن نضيع جهودنا على ذلك الجيل الذي يكرهنا، ويعتبرنا بمنزلة الكلاب، وإنما سنعمل على الأجيال الجديدة عن طريق التعليم! فأصبح تفكير الأمريكي اليوم الذي بلغت سنه الخمسين، أو الستين سنة، مختلفاً تماماً عن فكر أبيه وجده! ولذلك نحن نعمل على هؤلاء. هذا أولاً.
ثانياً: هذه الأفلام ترجمت إلى لغات كثيرة، فالفيلم الأول: الإسلام بإيجاز، ترجم بحمد الله إلى ثلاثين لغة عالمية، والفيلم الثاني: الجهاد ضد الإرهاب، ترجم إلى 16 لغة عالمية.
وكلا الفيلمين ترجم للعبرية أيضاً، وهذه الأفلام توزع مجاناً، وهي موجودة كذلك على الإنترنت أيضاً.
ومن القصص التي حدثت معي، والتي تعتبر من آثار هذه الأفلام: أنه جاءني في أحد الأيام اتصال من رقم غريب لا أعرفه، وإذا بها امرأة من إسرائيل! شاهدت هذا الفيلم باللغة العبرية، وطلبت أن تأتي إلى مصر لمقابلتي، وفعلاً تم ذلك، فجاءت وأعلنت إسلامها، ولقنتها الشهادة! هذه الإسرائيلية أرسلت لي بعد 3 شهور تقريباً ايميلاً تقول فيه: أنا أرسل لك هذا الإيميل من موطني الجديد، لقد هاجرتُ إلى جنوب إفريقيا، وتركت إسرائيل! فسألتها عن سبب ذلك، وأنني لم أتعرض في لقائي معها عن أمور سياسية؟
فقالت: نعم؛ وأنا أشكرك على ذلك، ولكنني منذ أصبحت مسلمة، وأنا ﻻ أشعر بالراحة في اسرائيل!
فالشاهد من الكلام أن هناك قصص نجاح كثيرة جدًّا جدًّا.
قلتُ:
هل اختيار اسم جسور للمؤسسة التي تشرف عليها له علاقة أو صلة بينه وبين الهدف والاستراتيجية والدعوة؟
فقال:
بلا شك…وأنا هنا أركز على نقطة مهمة، قد يغفل عنها الكثيرون…
فكثير من الناس يظنون أن دعوة غير المسلمين لا تتم إلا عن طريق المناظرات! وهذا خطأ كبير جدًّا.
فالثقافة بدأت تنمو عندنا، والمناظرات مهمة، ولكنها ليست الطريق الوحيد أو الأول للدعوة.
فمسألة مدّ الجسور أمر مهم جدًّا؛ لأنه ﻻ يمكننا دعوة الناس، إذا كانوا يكرهوننا، أو نكرههم! فلا بد أولاً من مدّ الجسور، ثم يأتي بعد ذلك الحديث عن التفصيلات، وهذا أسلوب قرآني، فربنا سبحانه وتعالى يقول:(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم)، فهذا من الجسور والمشتركات، ثم قال:(وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون)، جسور ومشتركات.
فإذا أقمنا هذه الجسور، وهذه المشتركات، عندها أستطيع عبور الجسر، والتكلم في الخلافيات، فالكلام في الخلافيات هو الأساس، وهو المهم، وهو المقصود أصالة، ولكن بعد أن تكون هناك جسور للتوافق.
هناك نوع آخر من الجسور، وهي جسور الثقة! فيجب أن يثق غير المسلم في شخصي، وفي كلامي، وعلمي، حتى يسمع مني، وهذا أسلوب قرآني آخر، ففي سورة يوسف عندما ذهب السجينان إلى سيدنا يوسف عليه السلام، وطلبا منه تعبير الرؤية، وقالا له: (إنا نراك من المحسنين)، فرد عليهما بقوله: (ﻻ يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما)،
والمعني: أنني لستُ قادراً على تعبير الرؤى فحسب، وإنما أستطيع فعل أمور أخرى كثيرة!! وقد توقفتُ كثيراً عند هذه الآية، وقلتُ في نفسي: أين تواضع المؤمن؟! لماذا يقول هذا؟! فوجدتُ أنه ﻻ بد مع غير المسلمين أن أظهر قدراتي، وأبيّن مستواي، لأن ذلك يجعل الناس تثق بك، وتثق بالمعلومات التي سوف تعطيها لهم!
ولذا؛ فمن المهم جدًّا إقامة الجسور قبل أي شيء.
قلتُ:
ولكن يا أستاذ فاضل؛ ﻻ يمكن أن أمد جسوراً مع الآخرين، من غير إرادة حب المصلحة لهم، ولمآلاتهم، ولحياتهم، فما رأيك؟!
فأجاب قائلاً:
هذا كلام لا غبار عليه، ولذلك نجد أن القرآن نادى غير المسلمين بأحب الأسماء إليهم؛ لأنك ﻻ يمكن أن تتكلم مع الناس، وتدعوهم إلى سماحة دينك، وفي المقابل تناديهم بـ(يا كافر)!! أما القرآن فتجد: (يا بني إسرائيل)، يعني: يا أبناء النبي، كذلك نوح عليه السلام يقول: يا قومي، وهؤلاء كفار، وكذلك إبراهيم عليه السلام يقول: يا أبتِ، وأبوه كان كافراً! فيجب أن نعلم أن هناك علاقة بيننا وبينهم، تربطنا، وتجمعنا، وهي علاقة الأخوة في الإنسانية، علاقة المواطنة، وأن نحب للناس الخير، فأعدى أعداء الإسلام إذا صار مؤمناً يصبح أخاً لي، بالرغم من كل ما يمكن أن يكون فعل قبل إسلامه.
ثم إن الناس اليوم تكتشف المعادن، وتكتشف مدناً مطمورة تحت التراب، فالإسلام أولى بالاكتشاف من أي شيء آخر، وتقديمه للناس بصورته النقية، الخالصة من الشوائب، فإذا فعلنا ذلك، كنّا سبباً في سوق الناس إلى هذا الدين.
نعم؛ لقد صدق الدكتور فاضل في كل حرف نطق به، فنحن اليوم أمام تحدٍّ كبير، ومسؤولية عظيمة، سوف نسأل عنها، وماذا قدمنا لأجلها.
وإذا كانت المرأة في بلاد الغرب قد أقبلت على الإسلام، ورغبت فيه، بالرغم من حملة التشويه، والتضليل التي تمارس ضده في تعامله مع المرأة، فإن ذلك يعطينا تفاؤلاً كبيراً في عرض هذا الدين، وقبوله من الآخرين؛ لأن تصور أحكام الإسلام، وقبل ذلك عقيدة الإسلام أسهل.
ولو وفرنا هذه الأفلام التسجيلية السهلة، المتقنة فنيًّا، في محتواها، ومضمونها، بطريقة مدروسة، فإنها قطعاً ستؤثر، وستكون مرجعية رائعة لكل من يريد التعلم، والتعرف على الإسلام.
ونقول: إن عملية عرض الإسلام على الآخرين لا بد أن تكون بحب، وتكون بإقرار الاختلاف، وليس عن طريق المناظرات الصدامية؛ لأن فيها مغالبة، وفيها انتصار للذات أكثر من الانتصار للفكرة، وفيها استعراض وربما حظوظ نفس تغلب عليها.
هذا ما نريد أن نوصله بهذا التواصل، وأنا أدعو الجميع ممن لديهم طموح خاصة المؤسسات الثقافية الكبرى، والتجار الذين يهتمون بنشر الكتب، والمراكز الثقافية، أن يلتفتوا إلى قضية الفيلم التسجيلي، ويدعموه بكل قوة، فهذا الجانب نحن في غفلة عنه، وهو الذي انتصر فيه الغرب علينا.