أبداً… لن يركع !
ما أقساه من زمن تكالبت فيه جحافل الأمم وقبلهم حفنة من أراذل ومتآمري العرب على (قصعةِ) هذه الأمة.
ما أسوأه من وقت باتت فيه أعداد الضحايا اليومية مجرد أرقام تتسلل إلى مسامعنا مطلع كل ساعة ومع مقدمة كل نشرة أخبار دون ان تستثير في نفوسنا حتى مجرد الانتباه، فكيف باستثارة دموع العين وعرق البذل ودماء النخوة والنصرة والنجدة؟!!
أحداث تدفع أحداثا وأخبار تزيح اخرى، فترجعها إلى ذيل دائرة الاهتمام وفي كثير من الاحيان تقطع الذيل تماماً دون ان تترك حتى اثراً لنزف.
مصر سورية لبنان بورما أفغانستان ليبيا اليمن العراق وقائمة من البلدان تطول.
ولكن ألم تلحظوا ومع تزاحم تلك القائمة أن اسماً مهماً جداً قد سقط منها (سهوا) او لربما يتم اسقاطه عمداً؟!
أجل انها فلسطين، القدس، الأقصى قبلة المسلمين وقضيتهم الأولى، أين حضورها اليوم وأين موقعها في ذاكرتنا وأحاديثنا واهتماماتنا؟!
أكتب هذه السطور بعد أيام من تاريخ الثامن والعشرين من نوفمبر، تاريخ هو آخر ما تبقى في عين المجتمع الدولي (العوراء)، من قضية شعب وأرض سليبة، في هذا التاريخ من كل عام يحتفل العالم بما يطلقون عليه «افتراء» باليوم العالمي لنصرة الشعب الفلسطيني وذلك بالتزامن مع قرار الأمم المتحدة (الظالم) الشهير رقم 181 والذي قضى حينها بتقسيم فلسطين إلى ثلاث دول فلسطينية ويهودية وثالثة تضم القدس وبيت لحم تكون تحت وصاية وإدارة دولية.
حيث لم يجن اصحاب الأرض من بعد ذاك القرار الا جراحا ناكئة نازفة على جدران أمل لا يتحقق وتراب وطن لم ترسم حدوده بعد.
تحل ذكرى ذلك القرار المشؤوم والحرم القدسي الشريف يشهد اكبر وأشرس حملة تهويد غير مسبوقة في تاريخ المدينة، وتخطيطات تحاك للمسجد الاقصى ينعقد لدهاء مكرها اللسان تهدف إلى تقسيم وتقطيع الحرم الشريف وتخصيص مساحات واوقات لليهود فيه ناهيك عما يجري من تحته من حفر للأنفاق وعما يقع للمقدسيين من هدم للبيوت وتهجير للعائلات بهدف تغيير ديمغرافية المدينة.
شعب مزقت ارحامه وتشتت عوائله في كل بقاع الأرض حتى اقترن وصفه بشعب (الشتات) عاش ازمات الدول التي حل ضيفا عليها، وكم دفع اثمانا باهظة جراء ذلك فكان كبش الفداء دون جريرة منه او ذنب.
شعب قدم من الشهداء ما اشبع بطن الأرض من لحومهم، وطفولة سُرق بريق الامل من عيونها، وكهولة خطفت من رؤسها كل ذكرياتها الجميلة مع الأرض والماضي، وحرائر سكبت ماء الانوثة من خوابيها، رغم الألم هنا أنت في فلسطين حيث شعب الصامدين.
أما غزة فحكايتها لا يتجاهلها الا من نزع من نفسه الحس الآدمي، فهناك شعب يحاصر في كلمته في لقمته في الدواء في كل حاجاته وضروراته الانسانية، شعب يراد له ان يركع وان يتناسى شرف قضيته ويقبل بما قبل به الآخرون، لكن هيهات ثم هيهات. فصاحب الجرح لا ينام عن جرحه ما استمر وخز الم الاحتلال.
فلسطين كل فلسطين تعاني القهر والظلم والاضطهاد، لا حرمة لدين او دم او مقدس، اجرام تجاوز كل القيم بصفاقة وصلافة، احتلال تجبر في التعامل مع شعب اعزل لا يملك الا شرف عدالة مظلوميته.
فلسطين كشفت زيف إدعاءات (حقوق الإنسان) من انصاف المظلوم، قضية نفض يده منها القريب قبل الغريب، ولم يبق للشعب ومخلصي الامة الا الدعاء والاصرار على استصراخ اصحاب الضمائر الحية علها تتحرك اتجاه وجعه الدائم منذ ذلك الحين.
فلسطين انت حق وكل الاشرار من حولك أباطيل، انت وعد السماء ونحن حولك حواريون آكلون من المائدة مكذبون، فلسطين كفكفي دموعك ففي بلاد العرب امطرت السماء وبدأت ازهار الربيع تنبت رغم الجليد.
فلسطين دعك من المؤتمرات والفنادق والسجاد الأحمر، وتجاوزي البدلات والبشوت وربطات الأعناق والرحلات، هؤلاء أموات بأكفان مخيطة يطوفون بها بين الاروقة ودهاليز شياطين السياسية.
فقط من ربيع العرب وبلاد الشام وعزم الابناء المخلصين القابضين على جمر الحرية سيولد لك فجر جديد وتتنفسين بعد الحرية عبقاً رقراقا باذن الله.