الجابري… يُعري أدونيس!!
توفي مساء الاثنين الماضي أحد أبرز المفكرين العرب من الذين شغلوا الباحثين في شؤون النهضة العربية وصلتها بالأصالة والمعاصرة منذ مطلع الثمانينات، انه محمد عابد الجابري، ففي العام نفسه الذي أصدر فيه محمد أركون كتابه «نقد العقل الإسلامي» 1984، أصدر الجابري مشروعه «نقد العقل العربي»، وإذا كان أركون أول من أكد بتوسع على إعمال المناهج الغربية والعلوم الإنسانية في فهم النصوص الدينية وتجديد تأويلها، فإن عابد الجابري كان أكثر عمقاً
واستيعاباً لمدارس التراث الإسلامية الكلامية والمنطقية والفلسفية والباطنية وغيرها، وإذا كان النقاد العرب، جابر عصفور وصلاح فضل وكمال أبوديب، فتنوا بـ (البنيوية) تعريباً وتنظيراً وتطبيقاً وترويجاً في تراثنا الأدبي، فإن الجابري مهد تنظيرا وشرحاً لفلسفة البنية ثم راح يقسم التراث ويفسره ويقرأه وفق هذا المنهج الأداتي.
وعندما كنت في مرحلة الماجستير 1989 قرأت مشروع الجابري الفكري لصلته المباشرة بموضوع بحثي (التصوف الفلسفي – ابن عربي) وتبنيت رأي الجابري في (بنية العقل العربي) بأن الفيلسوف محيي الدين بن عربي (560 – 638هـ) يمثل قمة العرفانية في الإسلام ويدرج الجابري ابن عربي والتصوف الفلسفي والإسماعيلية وسائر المدارس الباطنية تحت مسمى (العقل المستقيل) أو النظام العرفاني، ويرفض اعتبار ظهور هذه التيارات كردة فعل ضد تزمت الفقهاء أو جفاف الاتجاه العقلي عند المتكلمين… لقد أدركت خطورة فلسفة ابن عربي كما أدركها من قبل ابن خلدون في مقدمته وفي كتابه (شفاء السائل لتهذيب المسائل)، وعندما تعمقت وتتبعت كثيراً من الدراسات الغربية والشرقية عن ابن عربي بدا لي واضحا من ان المستشرقين (يفخخون ابن عربي) كما يقول جهاد فاضل في مقال قديم جداً في جريدة «القبس»، وعقدت فصلا عن سبب هذا الاهتمام الغربي بابن عربي، لكن الغرابة تزول عندما نجد التوافق بين بعض العلمانيين والتنويريين العرب من الذين يروجون ابن عربي بشكل كثيف (نصر أبوزيد، أدونيس، صلاح عبدالصبور، حسن حنفي، مجلة الناقد…)، بينما نجد الواعين لخطورة فلسفة ابن عربي على العقيدة الإسلامية يقفون جبهة واحدة رغم تنوع مشاربهم مثل (محمد الغزالي، علي الطنطاوي، أبوالحسن الندوي، مراد هوفمن، محمد عمارة وعبدالوهاب المسيري…)، ويأتي موقف الجابري مضاداً للفريق الأول فاضحاً مصادر فكر ابن عربي الفلسفية وتقاطعه مع مدارس باطنية أسبق من الإسلام ممزوجة بتأثره بفرق باطنية في البيئة الإسلامية سبقت ابن عربي أو عاصرته.
هذه المقالة المختصرة جاءت من وحي اللقاء الذي شاهدت طرفا منه قبل أشهر أجرته قناة (L.B.C) مع أدونيس، حيث أجاب عن سؤال عن محمد عابد الجابري فقال: انه فقيه وليس فيلسوفاً!! وأنا أعتقد يقيناً أن أدونيس يحتاج زمناً طويلاً كي يستوعب مشروع الجابري لأنه لا هو يفهم بالفقه ولا بالفلسفة، وإنما أحد دعاة التسويق لفكر اللاوعي والعقل المستقيل والباطنية التاريخية ورموز الشطح في تراثنا العربي، فهل كانت إجابات أدونيس المجحفة والمغلوطة عن الجابري لأنه عرى فكره بتعريته لمدرسة الغنوص والعرفان والعقل الذي قدم استقالته واستراح!