بينى وبينكم 2006 الحلقة الثالثة عشر باحث عن السعادة ج 2
الفنان التائب سعيد الزياني
الباحث عن السعادة ج2
قلتُ:
برنامجك: قضايانا، الذي كان يعرض على قناة الشارقة، كان بعد الهداية، وكنت تُعد شعارات برامجك كما ذكرت، فهل حصل أن قدمت موضوع السعادة في برنامج كبديل لبرامجك السابقة؟ لأننا نريد من الناس الذين ينتقلون من حياة الفن أن يستثمروا أصواتهم، ومواهبهم في الخير، فهل حدث ذلك منك؟
فقال:
كان موضوع السعادة من جملة الموضوعات التي ناقشتها في برنامجي، والناس اعتادوا على أن البرنامج الديني يكون جافًّا يابسًا، ولذلك سميت برنامجي: قضايانا؛ لأن القضايا تهم الناس جميعًا، وليس فئة معينة، فأنا أخاطب شرائح الأمّة جميعها، فكلهم يبحث عن السعادة، ومن واجبنا أن ندل الناس عليها، وإلا نكون أنانيين لأنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فقدمت البرنامج بصيغة بحيث لا يكون موجهًا لشريحة معينة، بل لجميع الشرائح، فقدمت موضوعًا عن السعادة، وفي كل حلقة كنت أقدم موضوعًا، ومن ذلك:
أدب الحوار، أو كيف نتحاور.
فن التعامل مع الآخرين.
كيف نفرح؟
كيف السبيل إلى النجاح.
وغير ذلك، وكنت في كل حلقة أقدم شعار الحلقة بصوتي، فمثلاً: السعادة وضعت لها نشيدًا أقول فيه: سعادة سعادة، أين هي السعادة؟ سعادة سعادة، أين هي السعادة؟ هل هي في المال؟ لا، هل هي في الجاه؟ لا، هل هي في الشهوات؟ لا لا لا لا، دلونا دلونا أين هي السعادة؟ دلونا دلونا أين هي السعادة؟ سعادة سعادة.
قلتُ:
علمنا أن اللبنة التي حولت حياتك كانت هي الوالدة رحمة الله عليها، نريد أن ندخل هذه التجربة، وهذا الموضوع الهام جداً، فما هي علاقة الأم بأولادها قلباً، وقالباً؟
فقال:
الموضوع طويل جدًّا، وأنصح كل من أراد أن يقرأه كاملاً فهو موجود على موقع صيد الفوائد. هذا أولاً.
ثانيًا: الوالدة رحمة الله تعالى عليها حاولت منذ البداية تربيتنا تربية صالحة، خاصة بعد أن غيّر الله تعالى أحوال أخي، فالتزمت بدين الله أكثر، حيث وجدت سعادتها في دين الله تعالى، وأصبحت أنا همّها الأكبر: كيف يهتدي سعيد؟ لأنني كنت باحثاً عن السعادة ولم أجدها، آنذاك كنت لا أرى السعادة في دين الله، لماذا؟ لأن هناك أناساً كانوا حجر عثرة في الطريق، أناساً يشوهون صورة الإسلام، وقبل التزامي وهدايتي كان بعض هؤلاء عندما يراني في التليفزيون يقول: هذا المجرم! أنا مجرم؟! سبحان الله العظيم، يا أخي هل أتيتني، ونصحتني، ووضحت لي الطريق؟! ثم إنك إذا هداك الله، وعرفت الطريق يجب أن ترحم عباد الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، ثم هناك أخلاق مفضية للهداية، فالأخلاق الحسنة تجعلني أحبك، وأسمع كلامك، أما صاحب الأخلاق السيئة، والمعاملة السيئة، فكيف لي أن أسمعه؟ لن أسمعه أبداً، فيكون حجر عثرة في طريق هدايتي، فكان لي موقف سلبي، لأني كنت أعتقد أن الإسلام هو هذا الذي يفعله بعض الناس، وكنت أعتقد أن هذا هو الإسلام!! فالوالدة رحمة الله عليها عندما عجزت عن إقناعي، أخذت بالدعاء لي بأن يهديني الله تعالى في الليل والنهار، والسر والجهار، فاستجاب الله تعالى لدعائها، وخرجت مع بعض الدعاة إلى الله، وتعلمت منهم ما تيسّر من دين الله تعالى، وبعد أن استجاب الله لها ابتلاها بمرض السرطان في الثدي، وخضعت لعملية بتر الثدي، إلا أن المرض كان قد انتشر في كامل جسمها، وكانت نسبة الشفاء منه ضئيلة جداً، وكان ذلك عام ٢٠٠١، فقلت للوالد: دعنا نسافر إلى مكة حتى تشرب من زمزم، وتدعو الله تعالى أن يشفيها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ماء زمزم لما شُرِب له، طعام طعم وشفاء سقم)، وفعلاً ذهبنا إلى مكة، وكانت الوالدة تدفع بالعربة، وقضينا شهر رمضان كاملاً هناك، وبفضل الله تعالى أن رجعت تمشي على رجليها، وشفاها الله شفاء كاملاً من السرطان الذي كان قد عمّ جسمها كله! والذي لم يستطع الطب أن يفعل شيئاً تجاهه، حتى أن بعض الطبيبات لم تصدق ذلك.
فكان دعاؤها الأول أن هداني الله تعالى، ودعاؤها الثاني أن شفاها الله من السرطان، وكان الدعاء الثالث أنها كانت تقول: اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وموتة في بلد رسولك! وهو دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولما اقترب أجلها قالت: يا بني خذني إلى مكة لكي أموت في مكة، فأخذتها إلى مكة، فاعتمرت، وأدت الحج، وبعد أن طافت طواف الإفاضة، وصلّت ركعتين، أُغمي عليها، فحاولنا الرجوع بها، وبينا نحن بين الحجر الأسود والركن اليماني استيقظت، فقالت: أوقفوني هنا، فأوقفناها في المكان الذي سيوضع فيه جثمانها بعد ثلاثة أو أربعة أيام، فقالت: كنت قد سألت الله أن يقبض روحي في مكة، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات فاستجاب الله تعالى لي، المهم أننا عدنا بها إلى مكان إقامتنا، وبدأت لحظات النزع، وسكرات الموت، فجعلت تردد لا إله إلا الله لأربع ساعات، ثم فاضت روحها الطاهرة إلى باريها، رحمة الله عليها، وجعل الفردوس الأعلى مثواها، ثم صلينا عليها يوم الإثنين بعد الظهر في بيت الله الحرام، ودُفنت في المقبرة التي دُفنت فيها خديجة الكبرى زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقية زوجاته، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ومن هنا أقول: إننا سنموت جميعًا لا محالة، فعش ما شئت فإنك ميت، واجمع ما شئت فإنك تاركه، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، وأنا أتحدى كل من لا يعبد الله، ويقول: أنا سعيد، فوالله وإن قالها بلسانه، فهو كاذب في الواقع؛ لأن الله تعالى يقول: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً}، أي ضيقة، نكدة، {ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى}، وقال: {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون}.
فلا يمكن أن نحيا حياة طيبة إلا بعبادة ربنا جلا وعلا.