أطفال ولكن.. كيف يحيا أطفال المجتمعات الغربية في كابوس؟
تبدو الخديعة الأصعب دائماً حينما ننظر إلى لوحة ضخمة عن بعد لتحمل معالم الجمال والأناقة، تشعر وأن ملامحها عالية الدقة كمقاطع الفيديو التي تشاهدونها على يوتيوب، لكن المفاجأة المخيفة دائماً تظهر حينما نبدأ بالاقتراب من تلك الصورة المبهرة لتظهر تفاصيلها الصغيرة المشوهة والتي تختبئ خلف ألوان اصطناعية.. لا سيما وإن كانت الصورة تتعلق بالمستقبل.. “الأطفال”.
دولة الكابوس!
في الخامس من فبراير/شباط من العام 2018 عقدت جامعة ورزبرج الألمانية مؤتمراً تابعاً للمنصة العالمية TEDx وظهر خلال المؤتمر دارسة بأحد الكليات الطبية وتدعى ميرجام هيني لتتحدث عن “البيدوفيليا كتوجه جنسي يمكن تقبله”.
ظهرت ميرجام وتحدثت عن رؤيتها للبيدوفيليا باعتبارها أمراً سيئاً وفعلاً شنيعاً، لكنها وعطفاً على الجملة نفسها قالت إن الأشخاص الذين يفضلون ممارسة الجنس مع الأطفال الصغار لا ذنب لهم في تلك الرغبة وأنهم مجبولون على ذلك، بل وإن تلك الرغبة تكونت داخلهم منذ ولادتهم رغماً عنهم، لذا فإن من الواجب على المجتمع أن يبدأ في تقبل ذلك الميل نحو الأطفال باعتباره توجهاً جنسياً طبيعياً يستحق التعاطف مثل المثلية الجنسية تماماً.
لكننا وقبل أن ننتقل إلى النقطة التالية في تلك القصة، ربما سيكون من المهم تأمل فكرة الاعتماد على الجينات والهرمونات في التبريرات التي يقدمها بعض الأكاديميون في السنوات الأخيرة لتقديم الميول الجنسية المنحرفة على أنها توجهات طبيعية يجدر بالمجتمع تقبلها.
يكمن السر في تلك الحالة الاعتمادية على مفاهيم الجينات ما يمكن أن نسميه “حيونة الإنسان في المفهوم الغربي” فالصورة البشرية في الوسط الغربي تعلي من الجانب الحيواني في جسد الإنسان فوق الجانب الروحي في مقابل انتزاعه من أي أوساط إيمانية أو روحانية تكسبه شكلاً عقائدياً لتفكيره.
لتصبح الخطوة التالية لتلك السلسلة هي التماهي مع المثلية ومن ثم البيدوفيليا والزوفيليا “ممارسة الجنس مع الحيوانات” وانتزاع كافة الحدود ما بين عالم البشر والحيوانات بل وخلق حالة من التطابق بينهم باعتبارهم منتمين لأصل واحد بحسب ما تخبرنا التصورات الغربية.
حسناً.. لنعد إلى قصتنا، فلم تكد طالبة العلوم الطبية تنهي كلمتها التي أذيعت على منصة تيدكس الشهيرة وعلى القناة الرسمية على يوتيوب حتى ثارت حالة من الجدل والغضب وطالب الكثيرون المنصة بالتبرأ من تلك الكلمة، لتخرج المنصة فيما بعد في بيان رسمي تعلن فيه أنها حذفت المقطع بناء على رغبة المتحدثة لأنها تخشى على أمانها الشخصي.
لكن المفارقة المخيفة أنه وفي نفس الدولة التي تحدثت فيها هيني عن التعامل مع البيدوفيليا من منظور التعاطف، يحيا عشرات الألاف من الأطفال كابوس الاعتداء الجنسي بصورة تكاد تكون متكررة.
ففي السادس من يونيو/حزيران عام 2019 أعلنت الشرطة الألمانية أن العام 2018 -أي العام الذي أطلقت فيه هيني كلمتها- تعرض ما لا يقل عن 14600 طفل للاعتداء الجنسي في مختلف المدن الألمانية، وأن 80% من الأطفال الذين تعرضوا لاعتداءات كانوا ضمن الفئة العمرية 6 سنوات فما أكبر.
لتضيف الشرطة في بيانها أن هذا العدد ليس نهائياً وأن العدد الواقعي للضحايا من الأطفال أكبر من ذلك لكن الكثير منه يمكن أن يقع داخل نطاق الأسرة أو الأصدقاء وهو ما يصعب وقوعه في يد جهات التحقيق والكشف عنه، كما أنها صادرت ما يزيد عن 7400 مقطع فيديو إباحي لانتهاك الأطفال جنسياً.
لم يتوقف الأمر هنا بل استمر في حمل المزيد من المفاجأت.. ففي العام 2020 اتهم 1400 شاب مجموعة من الكنائس الكاثوليكية بالاعتداء عليهم جنسياً خلال مرحلة الطفولة.
بل إن الكارثة الأكبر في ألمانيا استمرت على مدار 30 عاماً في هيئة مشروع تجربة أجراها “هيلموت كينتلر” والذي ترأس على مدار عقود مركز الأبحاث في مجال التعليم في برلين.
قامت تجربة كنتلر على إسكان مجموعة من الأطفال المشردين في الشوارع مع رجال لديهم ميول “بيدوفيليا” وذلك لاختبار قدرتهم على أن يكونوا أباء جيدين لأولئك الأطفال وباعتبار أن الأطفال المشردين هم فئران تجارب حية لن يكون من المضر إيذائهم بذلك الشكل.
بدأت التجربة بحسب ما كشفت التحقيقات في العام 1970 واستمرت 30 عاماً حتى كشف عنها الستار وتبين أن السلطات الألمانية على مدار سنوات طويلة أغمضت عيونها عن التجربة وعما يتعرض له أولئك الأطفال تحت مسمى تجربة علمية لاستنتاج كيف ستكون حياتهم بعدما عاشوا لمدة طويلة في كنف رجل مجرم يتمتع بالاعتداء الجنسي على طفل أو طفلة.
ليباغتنا السؤال.. هل كانت طالبة كلية العلوم الطبية على دراية بما يجري في بلدها وتجاهلته في حديثها لصالح توجه أيديولوجي جديد أما أنها لم تسمع عنه بالأساس؟
على الجانب الآخر في الولايات المتحدة كشفت دراسة أعدها مركز أبحاث الجرائم ضد الأطفال أن واحدة من كل 5 فتيات في الولايات المتحدة تعرضن لشكل من أشكال الاعتداء الجنسي فيما تعرض واحد من كل 20 طفل لاعتداءات جنسية مشابهة.
ولم تتوقف الأرقام المسجلة في الولايات المتحدة عن توضيح حالة الجنون المستعرة تجاه الاعتداء على الأطفال في مراحل عمرية مختلفة حيث سجلت الإحصاءات الصادرة عن نفس المركز أنه وفي خلال عام واحد فقط من المسح البياني تبين أن 16% من الشباب والفتيات بين الأعمار 14-17 تعرضوا لاعتداءات جنسية وصلت إلى حد الاغتصاب.
إجرام من نوع مختلف
تبدو جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال واضحة للعيان كجريمة مباشرة تستوجب التعامل المباشر معها، لكن ثمة نوع مختلف من التماهي مع تلك الجريمة صار مطروحاً عبر بوابات أخرى تحمل ستار حرية الإعلام وحرية النقد لكنها تحمل في طياتها تحولات تنذر بكارثة فعلية.
تتمثل تلك الجريمة في محاولات الترويج الإعلامي والسياسي للبيدوفيليا باعتبارها توجه طبيعي وأزمة معتادة يستوجب أن تحصل على غطاء مشروع لحركتها كما فعلت المثلية الجنسية بعدة طرق ملتوية كان رأس المال الضخم والغطاء السياسي طرفاً فيها.
يتزعم ذلك الحراك المشبوه مؤسسة أمريكية تحمل Prostasia تقع في ولاية كاليفورنيا وتعلن عبر موقعها الرسمي أنه مؤسسة متخصصة في حماية الأطفال.
بقليل من البحث داخل تلك المنصة سيظهر الشعار الرئيسي لها بالكامل وهو ” الدمج ما بين عدم التسامح مطلقاً مع التعرض للأطفال جنسياً مع احترام كافة التوجهات الجنسية”.
ستبدو الجملة مشوشة ومضطربة المعنى كعادة الكثير من المصطلحات الأمريكية الحديثة التي اكتسبت طابعاً يحاول إخفاء المعنى الحقيقي من الحديث، لكن البحث يأخذنا إلى نظرة أعمق لما تتبناه تلك المؤسسة التي تقول في مقالها: توقفوا عن استخدام كلمة بيدوفيليا كإهانة” والذي تشرح فيه أن كلمة بيدوفيليا ليست مناسبة لتوصيف الأشخاص الذين يشعرون بانجذاب جنسي نحو الأطفال بمجرد النظر إليهم وأن ذلك الانجذاب ما هو إلا اضطراب نفسي لا ذنب لصاحبه فيه وأنه على الجميع تقبل ذلك باعتباره توجهاً ورغبة جنسية مبررة.
وتقول المؤسسة في مقالها إن التسمية الصحيحة للبيدوفيليا هي Minor Attracted Person أو MAP وهي تسمية رقيقة كما تقول المؤسسة لحماية الجانب النفسي عند هؤلاء الأشخاص.. وهنا وبمجرد أن تجد تسمية أمريكية جديدة لجريمة ما عليك أن تتحسس مسدسك.
تلك المداخل التي تتبعها مؤسسة مثل Prostasia هي المدخل الأمريكي الأكثر شهرة في تمرير الأجندات المشبوهة بصورة تدعوك للشك في أن محركها شخص واحد تقريباً يتبع نفس الكتيب الإرشادي، والذي يبدأ دوماً بالمدخل الجيني الذي ما ينكشف عادة كذبه لاحقاً ثم استخدام المدخل النفسي لجلب التعاطف وصولاً إلى حالة الاعتراف الكامل ومن بعدها فرض القرارات واتهام من يعارضها بالمتطرف أو الرجعي الخائف من الحرية.
المفزع في الأمر أن تلك المنظمة تكشف عن رغباتها وأفكارها بشكل معلن تحت غطاء المنطق المضلل، فهي تطالب على سبيل المثال بتقنين بيع الدمى البلاستيكية الجنسية المشابهة للأطفال لأولئك الذين يشتهون الأطفال لتكون تلك الدمى بديلاً لهم قائلة إن قانون منع بيع تلك الدمى لن يحمي الأطفال.
بل وستعرف أن مؤسسي المنظمة يطالبون برفع الحظر عن المواد الإباحية الخاصة بالأطفال والسماح بترويجها كبديل لمن يشعرون بالانجذاب نحو الأطفال، وقالت المؤسسة في بيانها عن ذلك أن هناك الكثير لحماية الأطفال من الاعتداءات لكن من قال إن حظر المواد الإباحية هو من سيحميهم؟
يبدو الأمر كارثياً بالمعنى الحرفي للكلمة، فالحجج التي سبق وأن أطلقتها المنظمات المدافعة عن المثلية الجنسية كمفاهيم الحرية الفردانية وحرية التحكم في الجسد وعدم إضرار الغير يعاد إنتاجها بشكل أوسع وبنمط ثابت الآن لفتح الباب أمام تقنين البيدوفيليا وتقديمها للمجتمع باعتبارها توجه جنسي يجب احترامه بل ووضع القوانين التي تجعله مقبولاً مثل الحصول على موافقة الطفل والتأكد من قبوله العلاقة على سبيل المثال وغيرها من الجمل التي تتنافى مع المنطق.
وبالطبع لن يكون مفاجئاً معرفة أن المؤسس الأهم لتلك المؤسسة هو Guy hamiltion smith وزميله Jeff White واللذان بالبحث عن أسمائهما يظهر لك في شريط الأخبار أنهم سبق وأن تعرضا للسجن بتهم تتعلق بحيازة مواد جنسية تخص الأطفال.
وقد حاول هاميلتون الحصول على رخصة مزاولة المحاماة بعد الخروج من السجن لكن طلبه رفض بشكل نهائي، فما كان منه إلا تأسيس مؤسسة تعلن إنها تسعى لحماية الأطفال من منظور جديد وهكذا صار للمؤسسة عنوان رسمي على ويكيبديا وموقع رسمي وحساب على تويتر ينشر النظريات ويجادل في صحة ما يقول.
وبالطبع لن تكون مفاجئة إذا صادفت بعد بضع سنوات من الآن مؤتمراً صحفياً يتحدث فيه هاميلتون ورفيقه عن نجاح مؤسستهم في تقنين أوضاع المنجذبين جنسياً نحو الأطفال والوصول إلى صيغة قانونية تمكنهم من الاندماج في المجتمع بهوياتهم الحقيقية دون إعلان الخجل منها..
لابد وأنكم سمعتم هذه الجمل من قبل..