الإسلام كتطعيمٍ إجباريّ (٥) – درجةٌ معيّنةٌ من الأصفر!
هل تتمنين الزواج من رجل متدين؟ أخمّن أنك تفعلين.
طوال حياتي لم أرَ فتاة لم تقل: أريد رجلًا يعرف الله، وبكامل غض النظر عن مقدار تديُّنها هي نفسها.
أن يكون متدينًا يعني أن يحفظ وفاءه لها من خيانتها مع أخرى، وأن يحسن معاشرتها هي وأولادها، وحين يفترقان سوف يفارقها بالمعروف، كل ذلك خوفًا من الله.
ولكن في الأغلب؛ أولئك كنّ ينفرن من الرجل المتدين (بزيادة)، ذلك الذي سيطلب منها ملابس معيّنة عند الخروج من البيت أو يعارضها حين تطالبه بقرض ربويّ من البنك لشراء سيارة.
هي في الحقيقة كانت تبحث عن درجة معيّنة من التديُّن، مثلك أنت حين تختار قميصًا بدرجة لون معيّنة تريدها من الأصفر، لا تريده فاتحًا يشبه الليمون، ولا غامقًا يشبه الكمون.
يشبه ذلك بدرجة مختلفة علماء العلوم الطبيعية من الملحدين! تذكُر أن العلمَ هو البَهار الأجمل لوضعه على خلطة الإلحاد رديئة الطعم كي تبتلعه جموع الناس.
لاحظ علماء الطبيعة الملحدون أن الفلسفة مضرة بالمذهب العِلموي لأنها تعني سُلطة عقلية فوقية على مجريات العلم التجريبي القائم على الملاحظة والاستقراء.
العِلمويون يحبون الفلسفة الوضعية فحسب، تلك التي تعني باختصار قتل الفلسفة التي يعرفها الإنسان.
ولكن كيف يمكننا أن نفسر العالم دون الإقرار بأن العالم قابل للتفسير؟ كيف يمكننا فهم مجريات الأمور قبل أن نتفق على أن العالم يتميز بأنه مفهوم، وأنه خاضع للقوانين، وأن هذه القوانين لا تتغير، وأنها قابلة للرصد الإنساني؟ بل كيف يمكننا الثقة في المعرفة الإنسانية في الأساس لو كنا نتعامل مع الإنسان كجزء من المادة الطبيعية غير متميز عنها؟ هل يمكن أن تعرف المادة شيئًا خارج حدود النفعية البراجماتية التي خضعت لها كي تتطور؟!
سوف نستعير إذن بعض الأمور مما لا نؤمن به من منظومات فكرية أخرى وسنتغاضى عن بعض الأمور من منظومتنا الخاصة كي نصل لدرجة اللون الأصفر المثالية لنا.
وهكذا، وفي أية منظومة أخلاقية أو فكرية تختارها لنفسك، فسوف تجد على الأرجح عدة بنود بداخل هذه المنظومة لا تتفق تمامًا مع اختيارك، حينها يلجأ بعضنا إلى الخيار الشهير: القصاصات.. بعضًا من هنا، وبعضًا من هناك.
القصاصات تسمح لك بأن (تختار) ما تريد، والكم الذي تريد مما تريد! تسمح لك القصاصات أيضًا أن تستعير قدرًا مما لا تريد كي يتوافق مع ما تريد بالشكل الذي تريد، وفي النهاية يعيش الجميع سعداء.
التطعيم العقدي الإجباري الإسلامي يأتيك هذه المرة كي يخبرك بأنه ليس لك أن تفعل ذلك! يخبرك بالحقيقة التي كنت تخفيها وتتملص منها، أنك لو فعلت ذلك فأنت لست بداخل منظومتك التي اخترتها من البداية، في الحقيقة أنت لستَ بداخل أية منظومة ثابتة أصلًا.
أنت تمحورت حول ذاتك وهواك، وصار لدينا على الأرض عدد من منظومات القيم بعدد البشر ذاتهم، ومن جديد كل منظومة شخصية من تلك سوف تتطور وتتغير وتتبدل مع السنين تبعًا لتبدل مواقفه ونظرته للحياة.
في النهاية سوف يحاسبك كل إنسان حسب ميزانه الخاص، وسوف يقسم أنه لن يطفف فيه ولن يكيل بمكاييل مغايرة، ولكنه سوف ينسى إبهامه الموضوع على رمانة ميزانه.
سوف ينظر إلى أفعاله وأفعال الناس دومًا من زاوية رؤيته الشخصية، هو في الحدث دائمًا متأرجح معه وسوف يدعي طوال الوقت أنه في مكان محايد.
سوف تصبح كل الأمور نسبية، وتعوم كل الثوابت، وتسيل كل القيم.
هذا هو ما يحدث لإنسانٍ يدخل إلى منظومة قيمِهِ المختارة بمقص من تفصيل هواه الخاص!
لذا رُوِيَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لاَيُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَواهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ”..
وتذكرنا الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾..