الربا يقتلنا … ما الذي فهمه الغزالي قبل الغرب بـ 900 عام؟
هل تساءلت يومًا عن الحكمة من تحريم الربا؟ وإن كنت قد فعلت، فهل توصلت إلى حقيقة؟
إليك الإجابة إذن …
لكن دعنا قبلها نعرف الربا بأسهل تعريفاته المنطقية: الربا هو التعامل مع الأموال بوصفها سلعة، ومن هنا قد نستطيع إدراك حكمة التحريم.
في دراسةٍ عن تأثيرات الفائدة على المجتمعات، يخبرنا القاضي الباكستاني “محمد تقي عثماني” أن الصورة البسيطة للربا تعني رد المقترض قرضه بمبلغ أكبر، إلا أن تكرار هذا الأمر وتحوله إلى ظاهرة في كل المعاملات الاقتصادية سيأتي على المجتمع وصناعاته بأضرار لا تُحمَد عقباها.
لهذا يميز “عثماني” بين رؤية الإسلام للأموال ورؤية الرأسمالية لها، ففي حين ترى الرأسمالية الأموال سلعة ربحية، يرى الإسلام المال محض وسيلة، لا غاية في ذاته. وهو ما يردنا إلى فلسفة الإمام “أبي حامد الغزالي” قبل 900 عام حول هذا الأمر وقوله: “من نعم الله تعالى خلق الدراهم والدنانير، وبهما قوام الدنيا، وهما حجران لا منفعة في أعيانهما، ولكن يضطر الخلق إليهما، حيث إن كل إنسان يحتاج إلى أعيان كثيرة في مطعمه وملبسه وسائر حاجاته… فخلق الله تعالى الدراهم والدنانير حاكمين متوسطين بين سائر الأموال، إذ لا غرض في أعيانهما”.
وهذا الفهم الحكيم للأموال -بوصفها وسائط لتحديد قيمة الأشياء لا أكثر- هو ما توصل إليه خبراء الاقتصاد بعد طرح الغزالي بقرون، موضحين مدى المخاطر التي تهدد اقتصادنا نتيجة نظام الفائدة الربوي. ففي كتاب (البجعة المزيفة) يقول البروفيسور “جون غراي” أن التداولات في الأسواق الدولية تجاوزت حاجز 1.2 تريليون دولار يوميًا، وهو ما يعادل 50 مرة حجم التجارة الدولية، إلا أن 95% من تلك التداولات مرتبطة بالمضاربات الربوية.
لذلك يرى الباحث “جيمس روبرتسون” -في كتابه (تحويل الحياة الاقتصادية)- أن النظام المالي المعاصر مجحف ومدمر وغير مجدٍ اقتصاديًا، وذلك لتأسيسه مبدأ “إنتاج المال من المال” بواسطة الربا، وهو ما تسبب في تقاعس الكثيرين عن توفير المنتجات والخدمات المفيدة طالما يمكنهم تحقيق الربح بالمضاربة دون أي مجهود.
وإلى جانب هذا كله، فالناظر للأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم عام 2008، سيجد أن نظام الاقتراض الربوي هو المتسبب الرئيسي في هذا الأزمة، كونه صنع دائرة مفرغة من التداولات الربوية بين المقترضين والمقرضين؛ أدت في النهاية إلى إفلاس العديد من البنوك، وتدمير البنى الاقتصادية للعديد من الشركات العالمية التي انخرطت في هذه الدائرة.
وتلك هي الحقيقة التي أدركها “الغزالي” قبل تسعة قرون عند تفسيره لتحريم الربا، إذ يقول: “إنما حُرم الربا من حيث إنه يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب، وذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة الربا من تحصيل درهم زائد نقدًا أو آجلًا خف عليه اكتساب المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والتجارة والصناعة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح العالم لا تنتظم إلا بالتجارات والحرف والصناعة والإعمار”.
فانظر إلى حكمة التشريع وكيف يحمي حياتنا من الفساد والكساد؟!