بينى وبينكم 2004 الحلقة الحادية والعشرون تعدد الازواج
تعدد الأزواج
كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن قضية المرأة، والمحور الذي يتصدر الكلام هو قضية المساواة، والحقوق، ودارت حوارات، وعُقدت مؤتمرات، وكُتبت مؤلفات، في ذلك، وقام صراع طويل في هذا الموضوع المتجدد.
والذي يخطف الأبصار في أيامنا هذه في موضوع المرأة، وإن كنا نتفهم أبعاد الموضوع، ونقول: إن الحوار هو الطريقة المثلى، والسبيل الأسلم، لقضية التفاهم، والوصول للحقيقة، أو الاقتراب منها، أو تخفيف حدة الخلاف، إلا أننا لا نفهم في كثير من الأحيان أن يصل الطرح إلى درجة تثير الغثيان، بمعنى أن تخرج المسألة عن مقتضى الحوار العقلي الجاد، إلى الهزل، والدجل!! والأعجب من ذلك أن يصدر هذا الهزل والدجل من أكاديميين، وليس من رعاع، أو عامة الناس كما يقولون! والأعجب من ذلك أيضًا أن الشبه التي يطرحها هؤلاء لم تأتِ مُتَلَقفة من الغرب فقط، وإنما تبناها أبناء من هذه المجتمعات العربية، وأسماء معروفة!
ومن تلك الشبهات في دائرة الحديث عن المساواة بين الذكر والأنثى، والمرأة والرجل، والتسوية بينهما، قولهم: إذا كان من حق الرجل أن يُعدد، فلماذا لا يحق للمرأة أن تُعدد هي الأخرى؟!!
وبمعنى أوضح وأصرح: إذا كانت الشريعة الإسلامية قد أجازت للرجل أن يقترن بأكثر من امرأة، فلماذا لم تُجز للمرأة أن تتزوج بأكثر من رجل؟!!
ولما كانت هذه الشبهة من السخافة بمكان، لم أجد لها طرحاً كثيراً في التيارات المادية، والتغريبية، والعلمانية، بل حتى المفكرة والكاتبة فريدة النقاش في مؤتمر مئة عام على تحرير المرأة والذي عُقد في القاهرة سنة ١٩٩٨ لم تطرح هذا الموضوع في ظل كلامها عن الزواج، والطلاق، مع أنها اعتبرت تعدد الزوجات إجحاف في حق المرأة؛ لكنها لم تجرؤ أن تتفوه بهذا الكلام.
فمن تكلم بهذه الشبهة إذن؟ وبهذه الجرأة والتصعيد؟
أقول: إننا نعيش في عصر العجب، وفي الأمثال: من أعجب العجب ترك التعجب من العجب.
أما الأولى: فهي الدكتورة والباحثة نوال السعداوي! صاحبة كتاب: ((الرجل والجنس)).
ذكرت في هذا الكتاب أن المرأة مرت في التاريخ الإنساني بإجحاف كبير، وسُلّط عليها الرجل، ومن أنواع التسلط الذي مورس عليها التسلط الجنسي!
ونحن نوافق الدكتورة بأن هناك تسلطًا على المرأة عبر التاريخ، ومن هذا التسلّط النوع الذي ذكرته؛ ولكن هل الحل يكون بعلاج الخطأ بخطأ آخر؟ أم يكون باستيعاب الموضوع كليًّا، ومن ثم طرح الجواب الصحيح، وإعادة الموضوع إلى نصابه؟
ثم أليس في كلامها أن الرجل تسلّط تاريخياً على المرأة دليل على أن الرجل يستطيع أن يحكم التاريخ أكثر من المرأة، وإلا لماذا لم ينتكس التاريخ؟
ثم تأتي الدكتورة نوال لكي تبرر لنا أن تعدد الأزواج شيء موجود، وأنه حق من حقوق المرأة، ومن الممكن أن تطرحه، فتقول: إن هذا موجود في التاريخ اليوناني القديم وغيره! ثم تقول: شاهدت هذا الشيء في جنوب الهند!! حتى وصلت إلى التاريخ العربي قبل الإسلام، فاستدلت بحديث عائشة عن زواج الجاهلية والذي جاء فيه: يجتمع الرهط ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة، كلهم يصيبها، فإذا حملت ووضعت، ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها، أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع، حتى يجتمعوا عندها، تقول لهم: قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، تسمي من أحبت باسمه فيلحق به ولدها، لا يستطيع أن يمتنع به الرجل!!
فهذا نوع من أنواع تعدد الأزواج بحسب ما تقول الدكتورة!!
ونوع آخر تذكره السيدة عائشة وهو ما يعرف بنكاح الاستبضاع: فكان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه! ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا، حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد!
بمعنى أن هذا المجرم الديوث يريد أن يطور نسله، ويحصل على ماركة ممتازة!
هذه صور من صور تعدد الأزواج التي تريد الدكتورة نوال أن تقدمها لنا؛ لكي تتطور في العصر الحديث!
إذا كان هذا التعدد للأزواج الذي كان قبل الإسلام كما ترويه السيدة عائشة منبوذًا عقلاً، ويُسيء للمرأة، والرجل، والمجتمع، ونتائجه محكوم عليها بالسلب، والخاسر الأول هو المرأة، فلماذا تطرحه الدكتورة بهذه الجرأة؟!
في رأيي المتواضع أن الدكتورة ليس قصدها تعدد الأزواج بقدر ما تريد أن تُحرجنا، وهذا الإحراج من باب الإلزام، بمعنى: إذا كان هذا الموضوع قد تستنكرونه، فلماذا قبلتم بتعدد الزوجات؟!!
أما المرأة الثانية التي طالبت بهذه المصيبة الأخلاقية، فهي الدكتورة المغربية فاطمة المرنيسي، وكتابها: ((المرأة من وراء حجاب)).
فهي أيضاً تطرح السؤال نفسه، فتقول: إذا كان الرجال، والنساء يتمتعون بدوافع غريزية متشابهة، فلماذا لا تقترن المرأة بأربعة أزواج؟!!
وقولها: متشابهة دليل على أنها غير مدققة علمياً، فما قاله العلم الحديث، كعلم النفس، وعلم البيولوجي، وعلم دراسة الغرائز، يرد هذا الكلام جملة وتفصيلاً، فنحن وإن كنا متفقين معها في وجود هذه الغريزة عند الرجل والمرأة، لكنها ليست متشابهة أبدًا، ولذلك كان الرجل مخولاً بمعاشرة أربع نساء كحد أقصى، لكي يُرضي هذه الدوافع، فمن قال: إن المسألة محصورة بدوافع غريزية؟!
إن حصر الكاتبة تعدد الزوجات في الإسلام والأديان بدافع الغريزة ليس صحيحًا، بل هناك أسباب اجتماعية، ونفسية، وتربوية، تجعل من هذا التعدد مطلبًا، ويضاف إلى ذلك الحروب أيضًا، ثم هناك ضوابط، ولوازم لهذا التعدد من شأنها ألا تجعله متاحًا مباحًا بدون سبب، أو هدف.
وأما المرأة الثالثة التي دعت إلى هذه الفكرة، ودافعت عنها فهي: حسنة بلجوم، صاحبة كتاب: ((النساء في العالم النامي أفكار وأهداف)).
وحسنة بلحوم بنغالية، توفيت سنة ١٩٣٢، وقد طرحت هذا الموضوع، وإن كانت أكثر هدوءً من سابقتيها.
فماذا نرد على هذا الكلام الذي ينقضه العقل، والفطرة، والواقع!
الشيخ الشعرواي رحمة الله عليه عندما ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية حاور مجموعة من الناس الذين يقولون: لماذا لا تُعدد النساء؟
فقال لهم: هل لديكم أماكن لمتعة الشباب، وتفريغ شحناتهم الغريزية، ودور للبغاء؟
فقالوا: نعم يوجد هذا في أمريكا.
فقال لهم: فكيف تحتاطون لصحة هؤلاء الرجال والنساء، إذا كانت المسألة منفلتة هكذا؟
فقالوا: نجري فحصًا طبيًّا للرجال والنساء كل أسبوع مرتين!
فقال لهم: وهل تجرون هذا الفحص للزوجات مرة واحدة على الأقل كل شهر؟
فقالوا: كلا.
فقال لهم: فلماذا تجرون هذا الفحص للبغايا التي يتردد عليهن الرجال، ولا تجرونه للزوجات؟
فقالوا: لأن الأمراض تأتي من تعدد الرجال على المرأة، وليس العكس!!
فقال لهم: إذن الفطرة قد نطقت، والطب قد نطق، والعلم قد نطق.
ولعلنا نناقش المسألة من زاوية أخرى، وهي قاعدة كلية إنسانية متفق عليها عند جميع الشرائح، هذه القاعدة تقول: إذا تعارضت المصلحة والمتعة عند الإنسان، أو عند الجماعة، أو عند الدولة، فأيهما نقدم؟ وبأيهما نضحي في سبيل الآخر؟
إن العقل والواقع يقولان: نضحي بالمتعة في سبيل الإبقاء على المصلحة.
فمثلاً: تذهب إلى الطبيب فيقول لك: إن صحتك ليست بالشكل المطلوب، ولكي تحافظ على صحتك، وتتخلص من الأمراض التي تأتيك، لا بد أن تقوم بحمية عن الأكلة الفلانية، والأكلة الفلانية، مع أنها لذيذة بالنسبة لك، فإذا ضحيت بتلك المتعة في سبيل الإبقاء على المصلحة، فإنك تكسب صحتك، وهكذا هي الحياة السوية تقوم على ذلك، فالحياة الأسرية إذا كان فيها تعدد للأزواج، فإننا نحقق المتعة، إلا أننا سنضحي بمصلحة النسب، ومصلحة الصحة، ومصلحة التربية، بل بعشرات المصالح التي يعرفها الطب، والواقع.
ثم إنني أطرح المسألة بسؤال آخر وهو: هل المتعة في نظام الشريعة الإسلامية خادم للمصلحة، أم أن المصلحة خادمة للمتعة؟
الكل يعلم أن المتعة في الشريعة الإسلامية جاءت خادمة لمصلحة الإنسان، وليس العكس، فمثلاً: متعة الحياة الزوجية جاءت لكي تخدم بقاء الأسرة وتماسكها، ومتعة الطعام جاءت لكي تخدم مصلحة ثبات الجسم، وقوته، وصحته، ومتعة النوم جاءت لكي تخدم مصلحة تجديد نشاط الإنسان، وهذه المتعة واللذة إن لم تكن موجودة في حياة الإنسان، أصبحت حياته ثقيلة، ورتيبة، ويقوم بالأمور كأنها واجب ليس لها أي طعم، ولا أي لذة، ومن ثم يفتر الإنسان، وينسحب من الحياة، وتفسد المصالح، ويتبلد الشعور، وهذا يعني أن المتعة تدور في شرع الله مع مقتضيات المصلحة، وليس العكس، وبناءً على ذلك فإن تعدد الأزواج تُضحي بالمصلحة: مصلحة الفرد، ومصلحة المجتمع، ولذا فإن الفساد في المجتمعات لم يزداد، ولم ينتشر، إلا عندما زادت دائرة المتعة على حساب المصلحة.
ثم إن من حق المرأة إذا أحست أن هذا الرجل ليس أهلًا لها، أن تفرط به من خلال الافتراق الذي تضمنه لها الشريعة الإسلامية بوجوه متعددة، والتي هي مفصلة في كتب الفقه.
وها هنا إجابة موفقة من الشيخ محمد الغزالي رحمه الله تعالى على هذه الشبهة، حيث يقول: قرأت لبعض الصحفيين يعترض على مبدأ التعدد، لماذا يعدد الرجال الزوجات، ولا تعدد النساء الازواج؟
ولقد نظرت إلى هؤلاء المتسائلين فوجدت جمهورهم بين داعر، أو ديوث، أو قواد! وعجبت لأنهم يعيشون في عالم من الزنا، ويكرهون أشد الكره إقامة أمر الأسرة على العفاف.
ثم يقول: والجواب على هذا التساؤل المريض أن الهدف الأعلى من التواصل الجنسي هو إنشاء الأسرة، وتربية الأولاد في جو من الحضانة النظيفة، وهذا لن يكون في بيت امرأة يطرقها نفر من الناس، يجتهدون للاستحواذ عليها، ولا يُعرف لأيهم ولد منها! ثم إن دور المرأة في هذه الناحية دور القابل من الفاعل، والمقود المحمول من القائد الحامل، وإنك لتتصور قاطرة تجر أربع عربات، ولا تتصور عربة تشد أربع قاطرات، ومن الكفر بطبائع الأشياء المماراة بأن الرجال قوامون على النساء.
وهذا الأستاذ عباس محمود العقاد عندما تكلم عن عبقرية أم المؤمنين عائشة، وطرح هذا السؤال، لم يرد عليه إلا بقوله: إنه سؤال مهووس، لا يستحق الرد.
والعجيب أن الدكتور محمد اركون أحد أقطاب الفكر العلماني المعاصر، كتب مقالًا تطرق فيه إلى نوال السعداوي، وفاطمة المرنيسي، وقال: هؤلاء المتأثرات بالغرب، والجاهلات بالمسائل الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والقانونية، في الفكر الإسلامي، عجزن أن يوصلن رسالة العلمانية الصحيحة في المجتمعات الشرقية!
قلتُ: وخير الكلام ما قل ودل، وقد شهد شاهد من أهلها.
وهؤلاء يذكروننا برفاعة الطهطاوي عندما ذهب إلى باريس، في بعثة محمد علي باشا، رجع وتكلم على قضية المخاصرة هناك، واقتران واحد بواحدة، فقال: أيا من ليس يرضيها خليل، ولا ألف خليل، كل عام أراكِ بقية من قوم موسى!!
أما مصطفى صبري فتكلم إذا كان الجاهل القديم يدس وجهه في التراب؛ لأنه بُشِر بالأنثى، فإن الجاهل المعاصر لا يستنكف عن قضية تبادل الزوجات، وسقوط المروءات، ليس في تعدد الأزواج فقط، وإنما في أن يخاصر هذا زوجة ذاك، ويخاصر ذلك زوجة هذا، في المسارح، والمراقص!!
ولا يسعني في الختام إلا أن أقول: إن النساء اللاتي يقلن هذا الكلام، احتجاجاً على قضية تعدد الزوجات، أو دعوة للمساواة مع الرجل، ينطبق عليهن قول الأديب الراحل مصطفى صادق الرافعي في كتابه: (السحاب الاحمر)، حيث قال: (قيل لحية سامة: أيسركِ لو خُلقتِ امرأة؟ فقالت: أنا امرأة، إلا أن سمي في الناب، وسمها في لسانها)!! فاحذروا من أصحاب السم النسائي.