بينى وبينكم 2004 الحلقة الخامسة عشر اسرار وخبايا للشباب والصبايا ج 4
(أسرار وخبايا للشباب والصبايا)
كنتُ قد كتبتُ منذ سنوات مقاﻻً بعنوان: “اعتذار لحيوانات حديقة الحيوان!!“، ولم أندم على كتابته، وﻻ زلتُ أتذكره حتى اللحظة، لماذا؟
لأننا عندما نذهب إلى حديقة الحيوان في أي بلد، وننظر إلى تلك الأقفاص التي تعيش خلفها تلك الحيوانات المختلفة، مما خلقه الله تعالى، ثم ننظر في الناس الزائرين، وغير الزائرين، ونتأمل في حياتهم، فنجد منهم المجرم، والضال، والمضل، والمعتدي، والهاتك للأعراض، والقاتل للخلق، والمختلس، والناهب!! نجد إجراماً، بل إبداعاً في الإجرام، نجد هذا الدمار بأسلحة الدمار الشامل، وغير الشامل، نجد فن إهلاك الفقراء، وتسلط غير الفقراء عليهم، نجد أموراً تقلق، وتخيف.
عندها أقول: أيتها الحيوانات؛ أنت مخلوقة خلقاً خاصاً، وتتحركين بتحرك آليّ، غريزي، مبرمج، (استرجاع غريزي)، ومع ذلك لا نجد عندك من الإجرام، والدمار، والانتقام، والاعتداء، ما نجده عند ذلك الإنسان، الذي أعطاه الله عقلاً، وإرادة، ومفاهيم، فتمرد عليها، وانتكس في كثير من أخلاقياته، إلى ما دون الحيوان البهيمي!
فكم من إنسان يستحق أن يكون في هذا القفص، مكان ذلك الحيوان؟!!
إذن؛ ﻻ نعجب عندما يرتكس الإنسان في حمأة الغريزة، والإجرام، ويتنكب لفطرته، لينطبق عليه قول الله تبارك وتعالى: {إن هم إلا كالأنعام}، أي أن مستواهم كالبهائم! {بل هم أضل سبيلاً}!! نعم، أضل! لماذا؟
لطبيعة اختلاف الخَلق، فهذا الإنسان الذي كرّمه الله تعالى، تنازل عن آدميته، وتخلى عن فطرته، وهوى في وحل القاذورات، بينما ذلك الحيوان يعيش في الطبيعة بطبيعته التي خلقه الله تعالى عليها.
لماذا أقول هذا الكلام؟ وما الذي أريد الحديث عنه؟
حديثي عن هذا الجهاز الخطير، الذي لا يخلو منه بيت هذه الأيام، ألا وهو التليفزيون، بمحطاته، وقنواته، وأقماره!! وليست المشكلة في تلك الآلة بحد ذاتها، كما يعلم ذلك الصغير قبل الكبير، وإنما المصيبة العظمى، والطامة الكبرى فيما أصبح يعرض علينا فيه!!
لقد أصبح بحق مفسديون، كما يقال. وخرجت علينا مصطلحات جديدة، مثل: نُسّاك الشاشة، وعبّاد الشاشة!! وقد اطلعتُ على كتاب بعنوان: (الإنسان حيوان تليفزيوني)، لأننا أصبحنا نعيش عصر بلاغة الصورة، وثقافة الصورة!
وما يهمني الحديث عنه من مختلف البرامج التي تعرض علينا في هذه الشاشة، ما يسمى بـ (برنامج الواقع)!!، ويقصد به الإتيان بمجموعة من الأشخاص، من كلا الجنسين! للعيش معاً، وممارسة حياتهم الطبيعية، كما يمارسونها في بيوتهم، وبين أهليهم، ويجلسون مدة تصل إلى ثلاثة أشهر، أو أقل، أو أكثر، وتسلط عليهم الكاميرات، وتنقل للعالم تفاصيل تفاصيل حياتهم!!!.
كيف يأكلون؟!!!
كيف يرقصون؟!!!
كيف يقفزون؟!!!
كيف ينامون؟!!!
بل حتى كيف ……؟!!!
نعم؛ هذا باختصار هو برنامج الواقع!
ولا شك أن بجواره برامج أخرى كثيرة، وكلها تصب في المحصلة النهائية في تحويل الإنسان إلى بهيمة، وغريزة شهوانية! أي بعبارة مختصرة أن: (يتحول الرجل إلى فحل منفلت، وتتحول المرأة إلى حيوان استعراضي)!!!
كيف أبدأ، ومن أين؟
لا بد لنا ونحن نشخص المشكلات الثقافية، الإعلامية، التأثيرية، أن نرجع، ونتحدث عن جذرها الفكري، التربوي، وجذرها الفلسفي، ففي الأول من يونيو 1982، عقد مكتب التربية العربي لدول الخليج واحدة من أهم ندواته، وأكثرها إثراءً، وحساسية، كانت بعنوان: (ماذا يريد التربويون من الإعلاميين؟).
شارك في هذه الندوة وزراء تربية، ووزراء إعلام، ومفكرون من العالم العربي، وغير العربي، من أجل إيصال رسالة إلى أهل الإعلام، مفادها: أننا نحن التربويين من أساتذة، ومربّين، ودكاترة، ومؤسسات، نقول: اتقوا الله فينا!!!
نتوسل إليكم أن تعينونا على العملية التربوية، فلا تهدموا هذا الصرح الكبير، الذي نريد من خلاله أن نحقق للإنسان إنسانيته!!!
وكان من توصيات هذه الندوة، والتي لفتت انتباهي: التوصية بضروروة ضبط أشرطة الفيديو المفسدة، ومراقبة، وتهذيب ما يستورد من برامج خارجية تسهم في نشر الرذيلة، ومحاربة كل جميل، وخير، في قيمنا، ومبادئنا، وإنسانيتنا!!
في كثير من الأحيان تعجز الألفاظ عن التعبير عما يحصل في هذا الفضاء المفتوح، وعبر ثقافة الحاسوب العصرية، التي أسقطت كل شيء، واخترقت كل شيء!!
في السابق كنا نقول: اتسع الخرق على الراقع!!! والآن أصبحنا نقول: ضاعت الرقع!! بل استبدل الثوب كله بثوب آخر!!! مما جعل كاتباً مثل فهمي هويدي يكتب مقالاً طويلاً، وحساساً، في خمس جرائد عربية، ينتقد فيه رجال أعمال خليجيين، يمتلكون أكثر هذه الفضائيات التي تقوم بتسليع الإنسان، والتركيز على غريزته!!
كيف ننظر إلى برامج الواقع من خلال المعطيات السابقة؟!!
أولاً: أن هذا البرنامج ليس اعتداء على دين معين، بل هو ضد الأديان كلها، فجميع الأديان تحرم الرذيلة، وتحرم الزنا، وتحرم التشجيع على الفساد، والانحراف، والشذوذ، والفاحشة.
ثانياً: لو لم يكن في هذا البرنامج اعتداء على الأديان، فهو بحد ذاته جناية على إنسانيتنا المشتركة، التي اتفق عليها العالم في القرن الماضي، وبدايات هذا القرن، والتي بدأت تعصر وتلغى الآن!
وماذا نعني بإنسانيتنا المشتركة؟
نعني بذلك: أن العالم بعد أن أصبح يدين بالعلمانية، وأن العبادات مكانها إما المسجد، في الإسلام، أو الكنيسة في النصرانية، وفُصلت الأرض عن السماء، مع أن السماء أعطت أجوبة للإنسان على أسئلة كثيرة جدًّا، مثل:
لماذا جاء لهذا الكون؟
ماذا يريد في هذه الحياة؟
هل للحياة هدف؟
أسئلة كبيرة عن حقيقة الإنسان، فجاءت العلمانية وأسقطت كل ذلك، وقالت: لا حاجة لنا إلى الدين!!!
فالدين في نظر العلمانية أمر شخصي، يكون في يوم معين، وفي مناسبات معينة، أما هي فتحقق للإنسان مصلحته التاريخية، والمستقبلية! فبدأ يشرع لنفسه، واغتر بالعلم، وادعى أنه مركز الكون، وتعالى على الطبيعة، ومع تبدد الزمن، واتساع دائرة العلمانية، بدأت تسيطر أخلاقيات المصلحة، واﻻقتصاد، والسوق، والفرد على كل شيء، إلى أن وصلنا إلى هذه الحالة، فرجال الأعمال، والشركات الكبرى، هي التي تضخ، وتخطط، والسياسيون ينفذون، ونحن ضائعون في هذه المتاهة الكبيرة، التي تسوقها فلسفة كبيرة، هذه الفلسفة تقوم على النسبية المطلقة، فلا ثوابت، ولا دين، ولا قيم، ولا أخلاق، ولا تاريخ، بل لا إنسانية مشتركة!!! وإنما تغير دائم، وكل شيء نسبي!!!
فهذا الشيء تعتبره حراماً، لكنه عندي حلال!!!
هو عندك خمر، وعندي لذة!!!
هو عندك زنا، وعندي ساعة أنس!!!
فتأكدت العندية، والفردية، والأنانية، على حساب الصالح العالم، وتاهت البشرية، وضعنا في هذه البوتقة الكبيرة، التي جاء الإعلام للتأكيد عليها، فكثرت الفضائيات، وكثرت قنوات الرقص، والمجون، والفيديو كليب، وجاءنا أخيراً تلفزيون الواقع، الذي ﻻ يكتفي إﻻ أن يعيش الناس في واقع معين ماجن، ثم يقول لنا: هذا هو الواقع الطبيعي، الذي يجب أن نتقبله بكل سرور؛ لأنه واقع، ومن ثم يجب أن نفتح له عقولنا، وأن نقبله، بل ونشجعه !!
وبدأت بعد ذلك دعاية التسويق، التي هي في حقيقتها تطبيع للشعوب على الدياثة!!!
يا الله؛ بعض الحيوانات عندها غيرة على أنثاها، أما هذا الإنسان فيراد له الانحدار إلى أحط من ذلك بكثير!
لماذا يفعل الإنسان ذلك بنفسه؟!!
لأن المبدأ العلماني يقول: ليس هناك ثوابت، ولا كليات مشاركة، وإن حقوق الإنسان القديمة انتهت، وبدأت الحقوق الجديدة التي تروجها هيئة الأمم المتحدة، ومن ورائها الثقافة المادية!!!
هذه الهيئة تقول: إن الناس كلهم أقليات، فالسود أقلية، والمسلمون أقلية، والمسيحيون أقلية، والدروز أقلية، والبهائيون أقلية، والشواذ أقلية، وعبّاد الشيطان أقلية، والملاحدة أقلية، والمعاقون أقلية!!
فعن أي حقوق تتكلمون؟!
إذن تبعثرت المسألة في جزئية الأقليات، وركزوا على حقوق الأقلية، على حساب المجموع الإنساني العام، ومن ثم سقط الإنسان، والذي ربح من هذا الفلسفة هم اليهود؛ لأنهم أقلية، جاؤوا، واستعمروا المنطقة، وطردوا الناس جميعاً.
كذلك شارك في هذه السقطة الأخلاقية المدوية: مفكرون، وكتّاب، وأصحاب رؤى، لهم مصالح، أو لهم عداءات للقيم العامة.
والسؤال:
كيف تفنّن هؤلاء في تبرير الفسوق سواءً الفضائي أو الأرضي؟!
الجواب:
بكلمتين!!
استباحة الإباحة، أو إباحة اﻻستباحة!!!
هاتان الكلمتان، وردتا في كتاب عنوانه: (الانفلات)، لبرينجيسكي، وهو سكرتير الأمن القومي الأمريكي السابق، تكلم فيه عن الحضارة المادية التي أصبحت معدﻻت المادية تتسع فيها بطريقة غريبة، وحيوانية الإنسان تتضخم بصورة مخيفة، حتى وقعنا في قضية عصر إباحة الإستباحة، التي يسميها أبونو الذي حاز على جائزة العلوم في نوبل رينيه ديبو، والكتاب مترجم ترجمة دكتور توفيق الطويل هذا الكتاب له أكثر من عنوان من عناوينه في الترجمة الصحيحة يا لإنسانية هذا الحيوان، يتكلم عن الغربة التي بدأ يشعر بها الإنسان (إنسان المادة، إنسان الآلة، إنسان المصانع)، يشعرها في كثير من البيئات المادية، يشعرها في داخله فهو مغترب عن نفسه، من داخل أعماقه، هذه هي الحياة المادية.
نأتي الآن لما يعرف بـ(تلفزيون الواقع)، ونمسك بكلمة الواقع، ونحاول تفكيكها، حتى ﻻ يخدعوننا، ويفرضون علينا المصطلح من خلال فهمهم له، لأنه لا يوجد شيء اسمه وسائل إعلامية محايدة، أو بريئة من الغرض والهدف.
تلفزيون الواقع!!!
كم واقع عندنا؟ وعند أي إنسان؟
هناك ما يسمى بالواقع الحقيقي، التي تثبته الإحصائيات، مثل:
ما هي نسبة الجريمة عند الأحداث؟
ما هي نسبة الطلاق؟
ما هي نسبة المخدرات؟
فالواقع الحقيقي هو الواقع الإحصائي الرسمي الدقيق.
وهناك ما يسمى بالواقع المدرك، الذي أدركه أنا، وأنت، وهو، وهي، وهو انطباعات عامة.
وهناك الواقع التلفزيوني، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن من يلتصق بالشاشة، ويدمنها، ويتابعها بنهم، فإنه تتراكم عنده أمور، ويكون الواقع الذي عنده واقع تلفزيوني!!!
فقضايا المشكلات العائلية، وتعدد الزوجات، تشكلها مجموعة الأفلام التي كانت تعرض في السينما، وكذلك المسلسلات العربية.
إذن التلفزيون هو الذي أصبح يصنع للناس واقعهم، فخدعهم بقضية تلفزيون الواقع!!
وعليه:
فأهل الدين، وعلماء التربية، وفلاسفة الأخلاق، كلهم متفقون على أن هذا خطأ، وتضليل للناس، ودعوة لهم للانحراف، والتهاون في المحرمات.
ولكن في المقابل: نجد لأهل السوق، والمستفيدين من تلك البرامج مادياً، وجهة نظر مغايرة تماماً!! فماذا يقولون؟!
يقولون:
أولاً:
أليس الفن، والأدب، والمسرح، والسينما، واقعاً؟!
أليس الانحراف، والشذوذ، والضعف البشري، واللذة، والتصاق الإنسان بالشهوات، واقعاً؟!
فلماذا تريدون من الإعلام أن يركز على نصف الواقع، وهو الطهر، والنظافة، والجمال الأخلاقي، واﻻستقامة، وعلى اﻻرتقاء بالنفس البشرية إلى السماء العليا بإيمانياتها، دون النظر للحظة الضعف، واﻻنحراف، والشذوذ، والخلل، والتراجع، والهزيمة، والنكوص؟!!
أليس هذا جزء من حياة الإنسان؟ أليس هذا واقعاً؟!!
أليس كثير من الناس يتابع هذه البرامج، ويهتم بها؟ أليس الأكثر دليل على صحة المعيار؟!
ثانياً: لقد راعى تلفزيون الواقع العادات والتقاليد العربية، بل والدين كذلك! فنجدهم قد وضعوا للمتسابقين مصلى، وأعطوهم مصاحف، بل من المتسابقات من هي محجبة!!
ثالثاً: البرنامج فيه بعض الإيجابيات، فإذا كان فيه إيجابيات، وسلبيات، فلماذا نلغيه بالكلية؟ لماذا لا نركز على الإيجابيات، ونطرح السلبيات جانباً؟!!
رابعاً: لماذا ﻻ نجرّب؟ فالغرب جرّب بنفسه، وحكم بناء على ذلك، فدعونا نجرّب، ثم نحكم.
خامساً: البرنامج حرّك الروح الوطنية! فكل أمة تحمست لبطلها في هذا البرنامج، بطلها الراقص أو غير الراقص!!!
سادساً: ما يمكن وصفه بأنه مذبحة بالمعنى الحقيقي!!!
وأنا قاصد استخدام هذه الكلمة، لكي أنقل المفهوم من الجانب المادي، إلى الجانب المعنوي، ولكي أعطي صورة بأن هذه المفاهيم يجب أن تذبح! تذبح في عقولنا، وتذبح في نفوسنا، وتذبح في قناعات الناس، فكما أن الإجرام المادي يذبح مادياً، فإن الإجرام المعنوي يجب أن يذبح معنوياً!
فهؤلاء يقولون: لا يوجد معصوم بعد الأنبياء، فلماذا نركز على الجانب الإيجابي في حياة الإنسان؟!
بل يتمادى بعضهم ويقول: الإجرام كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهناك من رجم، لأنه زنى، ومن قطع لأنه سرق، ومن كذب، ومن قذف، فلماذا ادعاء المثالية إذن؟!
فنقول لهم:
أولاً: فرق كبير بين مجتمعات اليوم، التي تكون فيها المعصية، والجريمة، هي الأصل، والأساس، وبين مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كانت فيه المعصية، والجريمة طارئة!!
فرق كبير أن تكون الجريمة، والمعصية، والشذوذ، والانحراف متقلص، ونادر، وأن يكون منتشراً، ويملأ الآذان، والأعين، وتخاف منه الناس….
فرق أن تقع تكون المعصية، والجريمة، وهي متوارية، فتكتشف بالصدفة، وبين أن تكون المعصية هي الأصل، وترفع عقيرتها، وتنشر، بل وتكتسب من ورائها الأموال!
ثم فرق كبير جدًّا بين معصية، وجريمة، وانحراف يعلن، فيقام عليه الحدّ، ويقتص من صاحبه، وبين معصية تعلن، وجريمة تظهر، ثم بعد ذلك يدافع عنها أكبر الرؤوس، وأصغرها، من فنانين، ومفكرين، وأدباء، وأقلام، لهم مصالح، أو لهم شهوات، تتفق مع هذا الجو، أو لهم أغراض، الله أعلم بها!!
إذن يجب أن نضع الأمور في نصابها. هذا أولاً….
ثانياً: هم يقولون: إن تلفزيون الواقع يعبّر عن الواقع!! فأقول: ﻻ تنسوا أنه واقع مصنوع، مكذوب، منتقى، مدبلج، ومع ذلك نقول:
الانحراف واقع.
ضعف الإنسان واقع.
الشذوذ واقع.
المعصية التي تقع من البشر واقع.
تراجع الإنسان في قيمه واقع.
لحظة الشهوة واقع.
الزنا واقع.
ولكن فرق كبير بين أن أتناول هذا الواقع على أنه طبيعي، وبين أن أتناوله على أنه جريمة!
ثالثاً: الإعلام، والفن، والأدب، والمسرح، ليست كاميرا تلتقط كل ما هو موجود، وإنما تدرس اللقطة التي تنتقيها!
رابعاً: صحيح أن الانحراف واقع، لكن من قال إن اﻻنحراف، والشذوذ، والضعف البشري، هو أجمل ما في الإنسان، حتى يركز عليه، ويكون هو الأصل في حياتنا، ويتراجع كل خير، وكل برنامج جيد، ومفيد، وممتع؟!!!
خامساً: سلّمنا أن اﻻنحراف، والشذوذ، والفحشاء، واقع، وجزء من حياة الناس، ولكن…
كيف يتعامل معها الأدب، من: قصة، وفن، ومسرح، وتلفزيون؟! هذا هو المهم، وهذا يكون باتجاهين:
أوﻻً: الواجب في مثل هذه الحالات من الضعف البشري أن لا تسلط الأضواء عليها، وتكون هي الأصل، وتختفي لحظة اﻻنتصار، والإفاقة، والقوة، وتأصيل الإنسان لإنسانيته.
ثانياً: أﻻ يكون هذا الواقع المنحرف هو البطولة، والارتقاء، وأنه الشيء الذي يدفع الإنسان لتقليده.
وهذا ما طبقه القرآن الكريم في منهجه في التعامل مع واقع الأمم السابقة، في انحرافاتها الفكرية، وانحرافاتها المالية، وانحرافاتها العقدية، وانحرافاتها السلوكية.
خذ على سبيل المثال: (مشهد قصة يوسف عليه السلام)، أليست قصة واقعية؟! بلى…
إنه عرض لواقع الضعف البشري، بل لواقع مستبشع بشكل كبير، امرأة في القصر تريد أن تداعب، وتجر رِجل ربيبها، وتطلب منه الفاحشة العظمى! حقًّا إنه شيء يقلق للغاية، شاب وامرأة من أعلى مقام في المجتمع، وصاحبة سلطة، وكلمة، ومنصب، وفي قصرها….
رأينا القرآن الكريم قد عرض هذه الحادثة في كل جوانبها، ﻻ تنقص من الأداء الفني أي لقطة، وفي التفاصيل، ولكن…..
هل هناك تفاصيل للحظة الفاحشة؟
هل هناك تفاصيل وتضخيم لجانب الغريزة؟
أبداً، لا يوجد.
بل إنك تقرأ القصة، وما فيها من محاولة الاستدراج إلى الفاحشة، إلا أنك تشعر بنفسك أنك ترتقي في السماء! لماذا؟! لأن المعنى الإيجابي لحظة انتصار الإنسان على نفسه، وارتقائه بإيمانه، ورؤيته لبرهان ربه، هو الذي انتصر…
ثم تخرج من القصة وأنت تستصغر تلك المرأة التي سقط ملكها، وذهبت شخصيتها وهيبتها، وانحطت في نزوة، وشهوة، وضعف في لحظة واحدة أمام شاب ﻻ يملك من الأمر شيئاً، إﻻ هذا الإيمان الذي تألق به.
هكذا نريد أن تعرض الأمور في عالم الأدب، والثقافة، والفكر، ﻻ أن يأتي تلفزيون الواقع، ويسوّق لنا الرذيلة، ويملأ الفضاء بالفسوق الإعلامي الثقافي، ويروجه لنا، ثم يقول: هذا واقع لا بد لنا أن نتعايش معه!!
نأتي الآن إلى قضية الشبهات!!!
أحدهم يقول: ليس من المعقول أن كل هؤﻻء الناس الذين يشاهدون، ويتابعون هذا البرنامج، على خطأ، وأنت وحدك الصواب!!!
فأقول:
أوﻻً: هذه المعلومة تحتاج إلى تدقيق!! فهل فعلاً لدينا استقراء حقيقي أن الأكثر يتابع تلك البرامج؟!
ثانياً: على فرض أن الأكثر يتابع تلفزيون الواقع، أو فضائيات الفيديو كليب، أو أية رذيلة من الرذائل، التي يتفنن الإعلام العربي في نشرها بين أجيالنا، فمن قال إن الأكثرية هي المعيار؟! لا بد لنا من تصحيح المفاهيم.
فمثلاً: يأتيك طالب ويقول لك: يا أستاذ كل الطلبة يدخّنون، فلماذا لا أدخن؟!
أو يأتيك آخر، ويقول لك: كل الموظفين يرتشون، فلماذا لا أرتشي!!
فنقول: متى كان الكل، والأكثر، هو المعيار في الحق؟ هذا أولاً.
ثم إن القضية فيها إشكال، والتباس! يجب كشفه وبيانه، فحتى الأكثر الذين يطالعون تلك البرامج، تجد أن نفسياتهم، وعقولهم، ضد البرنامج، تماماً كالمدخن، الذي لو سألتَه: ما رأيك في التدخين؟ لقال لك: إنه سيء، وأمراض، ورائحة كريهة، لكنني لا أستطيع تركه!!!
فالعقل يقول: إن هذا الفعل خطأ، والنفس تقول: إنه لذيذ، وممتع!!
ويبقى الصراع الإنساني الطويل بين العقل وبين النفس قائماً، فما الذي يقوي العقل، ويرتفع بالنفس إلى مستوى العقل؟ إنها الإيمانيات، والقيم، والأخلاقيات.
ولذلك جريدة القبس الكويتية في استطلاع على مئات الناس، بالمئة من هذا اﻻستطلاع يشاهدون لكن 6 % من 80% قالوا: البرنامج له قيمة ليس له هدف، ومش هادف!!!
إذن قيام الناس بعمل معين بكثرة، ليس دليلاً على أنهم مقتنعون عقلياً به، إلا أنهم منساقون نفسياً له، عبر الاستسلام للشهوة، والفضول، والدعاية والإعلان، التي تغربل العقل، وتجعل الإنسان يعيش في وهم!
كذلك جاء في إحصائية مجلة الأهرام العربي، عدد فبراير 2004، أن تلك المتابعة كانت من أجل الشهرة أو الحصول على المال!!
إذن هناك أمور خارج القناعة العقلية، وخارج مفهوم الهدف، والإنسانية.
إذن هناك فرق بين هذا وهذا، ولذلك نحن نقرأ في القرآن الكريم، قول الله تعالى: {ولكن أكثر الناس ﻻ يعلمون}، وقوله:{ولكن أكثر الناس ﻻ يؤمنون}، أكثر … أكثر….أكثر في الهلاك، والضياع، والانحراف،…
فالمعيار الحقيقي ليس للكثرة، وإنما للحق، لأنك لو رأيتَ جميع الناس تسلك سلوكاً خاطئاً، وأنت متأكد من ذلك بالإحصائيات، والدليل العلمي، والبراهين الحسية، فهل تترك قناعتك، ويقينك، وبراهينك، لتلك الأكثرية؟!! ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا).
ومن القصص الجميلة في هذا المقام:
عمرو بن ميمون، كان تلميذاً لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فكان عبد الله بن مسعود يروي لعمرو بن ميمون أحاديث الجماعة، ولزومها، وعدم الفرقة، ثم سمع عمرو بن ميمون من عبد الله بن مسعود حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (إنه ستكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها، فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك، فصلوا الصلاة لميقاتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة)، أي نافلة!
فقال عمرو بن ميمون: يا أصحاب محمد؛ ما أدرى ما تحدثون؟ قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة، وتحضني عليها، ثم تقول لي: صلِّ الصلاة وحدك، وهي الفريضة، وصلِّ مع الجماعة، وهي نافلة! قال: يا عمرو بن ميمون؛ قد كنتُ أظنك من أفقه أهل هذه القرية! تدري ما الجماعة؟ قلت: لا. قال: الجماعة ما وافق الحق، وإن كنت وحدك!
إذن عليك أن تكون قوياً، وﻻ تستسلم، مادامت لديك قناعة يقينية، وطالما أن: {ولكن أكثر الناس ﻻ يعلمون}، {ولكن أكثر الناس ﻻ يؤمنون}، {ولكن أكثر الناس ﻻ يشكرون}، {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}، فكثير من الناس على غير الطريقة الصحيحة، فهل أضحي بيقيني؟!
لا أعتقد أن العاقل يضحي بيقينه.
ومن القصص كذلك:
كلثوم بن عمرو العتابي الشاعر المشهور، كان شاعراً، خطيباً، بليغاً، مجيداً، وله رسائل مستحسنة، وكان يتجنب غشيان السلطان، قناعة وصيانة، وتنزهاً وتعززاً، وكان يلبس الصوف، ويظهر الزهد.
قال عمر الوراق: رأيت العتابي يأكل خبزاً على الطريق بباب الشام، فقلت له: ويحك أما تستحي؟ فقال: أرأيتَ لو كنّا في دار فيها بقر، أكنتَ تحتشم أن تأكل وهو يراك؟! فقلت: لا، فقال: فاصبر حتى أعلمك أنهم بقر،-أي الناس-، ثم قام فوعظ، وقص، ودعا، حتى كثر الزحام عليه، فقال لهم: روي لنا من غير وجه: أنه من بلغ لسانه أرنبة أنفه لم يدخل النار!! قال: فما بقي أحد منهم إلا أخرج لسانه نحو أرنبة أنفه، ويقدره هل يبلغها أم لا! فلما تفرقوا قال العتابي: ألم أعلمك أنهم بقر؟!!
إذن الكثرة ليست معياراً، بل تشبث بالحق، ولو كنت وحدك، ولو كنتم قليلون.
ثم ها هنا أمر مهم، لا بد من الإشارة إليه عند الحديث عن مثل هذه البرامج الواقعية، والزخم الإعلامي الذي تحظى به، ومستوى الإمكانيات التي رُصدت لها، فأقول:
إنه من غير المعقول والمقبول أن تكون الفضائيات العربية التي ملأت الزمان، تبث على مدار الساعة ما يغلب عليها ما يسمى بثقافة قطاع اللذة، ومخاطبة غريزة الإنسان، وتفريغه من كينونته الحق، التي أكرمه الله تعالى بها، وتستمر هذه البرامج شهرين، وثلاثة، ثم نأتي نحن لنعالج القضية من خلال مقالة، أو برنامج تلفزيوني لمدة ساعة، أو أقل!!
لا بد لنا أن نتسلسل بناءً على المفاهيم، والأخلاقيات، والمواقف، والآراء المطروحة، حتى نشبع على الأقل ولو بالقدر البسيط قناعاتنا، فهم يعرضون عملياً التباساتهم، وكثيراً من الأخلاق المنبوذة، ونحن في أحسن أحوالنا نلملم أنفسنا، ونعرض هذا العرض المختصر!! هذا قمة الخلل.
إذن علينا أن نطرح ما لدينا، ونفصّل، ونأصّل، ونرد على الشبهات، ثم بعد ذلك كل إنسان مكلف بما عنده من عقل، ومن إرادة تستطيع أن تنفذ.
ومن الشبهات التي يطرحها أصحاب هذا الفكر، والمدافعون عن تلك البرامج، قولهم:
نحن نريد أن ننقل الثقافة الغربية، أو هذا البرنامج، ونكيفه حسب أخلاقياتنا الشرقية، فالشرق بمسيحييه، ومسلميه، والطوائف الكثيرة، تختلف قيمهم عن الغرب.
قلنا لهم: فما هي الأدلة، والمظاهر، التي تدلنا على أنكم جعلتم هذا البرنامج يناسب قيمنا، وعاداتنا، وأخلاقنا، وتقاليدنا، وخصوصيتنا، وهويتنا؟!
قالوا: ألم تشاهدوا الطقوس الدينية في البرنامج!! كوجود مصلى، والسماح لمتسابقة محجبة بالمشاركة، بل إننا وضعنا لهم مصاحف، والآخر يحمل سبحة في يديه!! وهكذا…
قلنا: هذه مظاهر خادعة، وتزييف للحقيقة، وذرّ للرماد في العيون كما يقال! وإلا ما هي النسبة الحقيقية لهذه الأمور مقارنة مع قضايا الرقص، والغناء، والاختلاط، والعلاقات غير المحتشمة، وما إلى ذلك؟! هذا أولاً.
ثانياً: سوف أضرب جملة من الأمثلة، تدل على أن مثل هذه التصرفات أصبحت معتادة عند الفنانين، وأهل الرقص والغناء، ولا يعتبرون ذلك تناقضاً، فلا بأس أن تنهي الراقصة حفلتها، وتحمد الله تعالى أن وفقها في عملها!!
في 1-3-2004، نشرت جريدة الراي سلسلة حوارات تحت عنوان: حوارات غرف النوم!!!
كان اللقاء الأول مع ممثلة مشهورة، فيسألها المحاور: ما نوعية الكتب التي تحرصين على قراءتها؟
فتقول بالخط العريض: أحب القراءة في كل شيء، وأحياناً الروايات، وربما السيناريوهات، إلى أن قالت: وفي الأساس قراءة القرآن التي تدخل على قلبي الهدى، والسكينة، والأمان!! هذه واحدة.
أما الثانية فهي فنانة جاوزت الخمسين! يسألها المحاور: ما آخر ما تغمضين عينيكِ عليه قبل النوم؟
فقالت: ابني عمر، وقراءة القرآن قبل نومي!!!
فقال لها: وما أهم شيء تحرصين على وجوده في غرفة النوم؟
فقالت: وجود المسبحة بجواري، لأنها تقوم بدور مهم جداً، فعندما أكون قلقة، أسبّح بها، وأذكر اسم الله، ومع التسبيح يذهب القلق، وأنام دون أن أشعر!!
أما الثالثة، فتُسأل: ما الذي تحرصين على وجوده باستمرار في غرفة نومك؟
فتقول: كتاب الله حتى يحفظنا، وهذا تعودت عليه منذ كنت في بيت والدي، حيث كانت أمي تحرص على أن تضع القرآن الكريم في كل غرفة نوم!!
هذه بعض الأمثلة الواقعية لمثل هذه التصرفات.
ولكنني أقول من باب الإنصاف: إن هؤﻻء فيهم خير، وما وضعوا المصاحف، والتزموا بالذكر، والتسبيح، إلا لعلمهم اليقيني أن هذا هو الذي ينفعهم، وهو سبيل الخلاص لهم من الهموم، والغموم، والقلق، والحيرة، والاضطراب.
فكل واحد منا فيه خير، وحب لهذا الدين، ولو كان قليلاً، ولا يعلم المآلات، والنهايات، إلا الله تعالى!!
فـ: العبرة لمن صدق، ﻻ لمن سبق!!!
فكم من صالح-فيما يظهر- الله أعلم كيف انتهت حياته؟! وكم من إنسان غارق في عالم الخطايا اهتدى، وأشرق قلبه؟!
وهذا الكلام ينسحب على عالم الفن، وعالم الرياضة، وعالم المتعة، والعوالم كلها، ولكن…
أين الخلل؟
الخلل الأول: في موضوع العبادة، فالأغاليط، والأفهام السقيمة، والانحراف الذي وقع في تاريخ الأمة في اختزال مفهوم العبادة بالشعائر التعبدية.
فالعبادة جاءت لكي تنقلنا من عالم الأرض، إلى عالم السماء، لكي تؤثر في سلوكياتنا، وأخلاقنا، وقيمنا،
فليس صحيحاً، ولا مقبولاً أن تصلي، وتسيء للناس داخل المسجد، وخارج المسجد، أو أن تصوم لكي تزداد التقوى، وتتحكم بإرادتك، لكنك لا تجد من الصائم إﻻ الأشياء المخزية!!
إذن أصبحت العبادات تختزل في الأداء المجرد.
الخلل الثاني: انفصال العبادة عن العمل! كما ذكر زكي نجيب محمود في كتابه عن الحرية، أن صاحب الدكان كان يقول للصبي الذي يعمل عنده قبل صلاة الجمعة بنصف ساعة: توضأ بسرعة، حتى ندرك صلاة الجمعة، ثم يقول له: هل خلطت نشارة الخشب بالشاي؟! فيقول: نعم. فيقول له: هل خلطت الحصى بالفول؟! فيقول: بالطبع! فيقول له: هل غشيت اللبن، وزدت الماء على اللبن؟! فيقول: بالتأكيد! فيقول: إذن هيا بنا إلى المسجد!!
أهذه عبادة؟!!
نعم؛ لقد انفصلت العبادة عن العمل، ثم انفصلت العبادة، وصغرت عن الأخلاق، ثم انفصلت العبادة عن المتعة، فصارت المتعة شيئاً، والعبادة شيئاً آخر، وهكذا تبخرت معاني العبادة في حياة الناس، ولم تؤتِ أكلها.
هذا الخلل الذي يدمّر العقول، والسلوك، ومثله كمثل الذي يشرب الخمر، ثم يقول: الحمد لله على هذا الرزق!!
هل يجوز أن يقول هذا الكلام؟
هذا إنسان يتحدى الله سبحانه وتعالى من حيث يخدع نفسه.
ولذلك في هذه المسابقات في تلفزيون الواقع، صحيح أن هذا فاز، وحاز على المركز الأول، والآخر على المركز الثاني، وذاك الثالث، نعم؛ فازوا، لكن القاعدة الدولية الإنسانية تقول: الفائز الأول في سباق الجرذان يكون جرذاً!!
وهناك مسابقات كثيرة، وفيها أوائل، وفائزون.
الفائز الأول في مسابقات الجمال!!
الفائز الأول في شرب الخمر!!
الفائزالأول في هتك الأعراض!! وهكذا…
هناك أوائل كثيرون، ولكن ابحثوا عن الأول في الحق، وفي الخير، وفي الجمال الإنساني المشرق، الذي يتعالى على الغريزة، في خدمة المجتمع، وفي تنمية البلاد، وفي إسداء الخير للبشر.
ابحثوا عن المعاني الجميلة، وﻻ تفسدوا هذه المعاني بهذه الأغاليط.
لا بد أن نحقق العبادة في سموّها، وفي رقيها بالذات الإنسانية.
أمر آخر تجدر الإشارة إليه في هذا المقام، وهي قضية خطيرة:
كلنا يذكر الأفلام العربية القديمة، بالأبيض والأسود، حيث كانت تأتي لقطة القبلة، وأثناء القبلة يقطع البث، ويقال: حان الآن موعد أذان المغرب، أو أذان العشاء!!
ما المشكلة في ذلك؟! هذا أمر إيجابي.
أقول: كلاّ؛ بل هذا تكريه للناس في الأذان، وفي الصلاة!! وتكريه الناس بالعبادة!!!
كما يحدث في أغاني الفيديو كليب تماماً، الرقص، والعري، والفسوق، والثعابين النسائية التي تتلوى، وعرض المرأة كجارية تباع في السوق العالمي، والدولي، ثم لحظة أمام هذه الشهوات، وإثارة الغرائز، وإخراج الذئب الإنساني من تحت جلده الغريزي، وإذا بالأذان!!
فما الذي تتوقعه من هذا الجالس، المشاهد لهذه المناظر، المتابع لها بكل نهم، الغارق في لذتها؟!!
سوف يقول: ليس هذا وقت الأذان!! ولا وقت الصلاة!! دعونا نتمتع، ونتلذذ.
هذه دعوة لتبغيض الناس بالدين، وأنا أحذر أصحاب هذه الفضائيات، وبرامجها ومدرائها، فأقول: يكفيكم رذيلة، وقبحاً، ونشراً للفساد، أنكم تعرضون الرذائل، أما أن تبغضوا الله تعالى إلى خلقه! فهذا شيء خطير جداً.
أما قول هؤلاء: لماذا ﻻ نجرب كما جرّب غيرنا؟
فأقول: لقد جرب الغرب وحكم، فلماذا لا ترتضي بحكمه، إن كنتَ صادقاً؟!
ثم إن هذا الكلام فيه تخليط، وتلبيس، فهناك فرق بين التجريب، وبين التقليد، فأنت مقلد، ولستَ مجرباً! فالأمم جربت، وخرجت بالنتائج، فهذه الصحافة الفرنسية، وغيرها تقول عن هذا البرنامج: إنه قمامة!! فهل يجرب الإنسان القمامة؟!
هل يجرب الإنسان الشذوذ؟!
هل يجرب الإنسان السقوط؟!
هل يجرب الإنسان السموم؟!
هل يجرب الإنسان المخدرات؟!
كلا، فهذا لا يقوله عاقل……
وإلا….ما الفرق بين الإنسان والحيوان إذن؟
الحيوان يدخل في عملية التجربة، والخطأ، أما الإنسان فعنده عقل يميز به، ومفاهيم تحكمه، وإرادة تضبطه، وهكذا يتعالى الإنسان عن عالم الحيوان، ومن ثم قلنا: إن الإنسان يحكم بالعقل على الأشياء، فيستشرف المستقبل، ويستفيد من التجارب.
أما هؤﻻء فلا يريدون الاستفادة من التجارب، ولذلك الغرب يذكرون أن الذكاء عشرة أنواع، منه: الذكاء الأخلاقي الذي يناقض نفسه في التجريب! فهو يؤمن أن هذا الشيء خطأ، إلا أنه يجربه!!
إذن هو ناقض نفسه، فهو غبي أخلاقياً، وليس ذكياً أخلاقياً!!!
بل حتى أخلاق الجاهلية، وأخلاق عنتر وعبلة، تنازلنا عنها! لأننا أقبلنا على أخلاق سياسة السوق، وتقليد الغرب.
ثم السؤال المهم هنا: إلى أي حد نجرب؟
اليوم جربنا هذا الأمر، فيتبلد الشعور، وبعده نجرب ماذا؟!
إلى أن يصبح الناس كما جاء في الحديث الصحيح: (لا تقوم الساعة حتى تتسافدوا –أي التناكح- في الطريق تسافد الحمير! قلت: إن ذاك لكائن؟ قال: نعم ليكوننّ)، وفي رواية:(لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، من لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، يتهارجون كما تهارج البهائم في الطريق، تمر المرأة بالرجل في الطريق، فيقوم إليها فيقضي حاجته منها، ثم يرجع إلى أصحابه فيضحك إليهم، ويضحكون إليه، كرجراجة التمر الخبيث الذي لا يطعم)!!
هذا سيحدث عندما تعمّ الفوضى، وشواطيء العري، ويتحول الناس إلى ما دون البهيمة التي تكلمنا عنها.
أما قولهم: إن البرنامج يحقق الروح الوطنية! فهناك منافسة، والشعب يتحمس، وكل واحد يندفع لتأييد ابن بلده، أو بنت بلده!
قلتُ: هكذا تختزل الوطنية، وتحشر في هذا المعنى الهامشي الصغير!!
الوطنية الحقة هي التي تنصر من كان على المعاني السامية، وليست تلك التي تؤجج العصبيات في مثل الصراع، من أجل من يحقق الشهوات، أو تسليع الجسد!
فأي وطنية هذه التي يريدون أن نقترب منها، ونحن نؤيد الكبائر؟
أي وطنية تلك التي يراد منها اختيار الحيوان أو الحيوانة اﻻستعراضية؟
أي وطنية هذه التي تختزل؟
يجب أن نختار رموزاً علمية، فكرية، ثقافية، وأﻻ نُخدَع بمصطلح الوطنية.
وللتأكيد على الوحدة الوطنية، واللحمة العربية، والحرص على اهتمامات المواطن العربي، قامت إحدى الفضائيات باستطلاع لرأي الشارع العربي في تفاعله مع تلفزيون الواقع، ومع هذه الفوضى المعلنة على مدار الساعة، لكنها لم تكتفِ بعواصم الخليج، أو لبنان وسوريا، أو مصر، أو عواصم المغرب العربي!! كلاّ…
وإنما ذهبت، وعرضت لنا مشهداً لأبناء فلسطين!! هذا البلد الدامي، المجروح، الحزين، النازف، الذي تجرف أراضيه، ويُقتَل فيه الإنسان، والطفل، والمرأة، بإبادة الجماعية، أمام مرأى ومسمع العالم، وتواطؤ الجميع!!
فهل هؤﻻء المساكين يحتاجون لأن تذهب الكاميرا الدعائية، وتلتقي بأطفال جوعى، عرايا، محتاجين لرغيف الخبز؟!!
إلا أن الأمر لم يكن على نظن!! لقد كان اللقاء مع مجموعة من الأطفال، والشباب، من الجنسين، يحمل كل واحد منهم في يده هاتفاً نقالاً!! ويتم جمعهم في مدرج راقي، ثم تبدأ الأسئلة: ما رأيكم في البرنامج الفلاني، الذي يختلط فيه البنات والأوﻻد على مدار الساعة، وعلى مدار الشهور؟!! وتأتي الإجابات مأيدة لهذا البرنامج، ومشجعة له، مع التأكيد على متابعته أولاً بأول!!
الأمر يدعو للريبة والشك! هل يمكن أن يكون هؤلاء هم أطفال الحجارة، الذين علموا العالم أجمع معنى الرجولة، والشجاعة، والبسالة، والتضحية، والشهامة؟!
لم أصدق عيناي، لكن العجب زال عندما اتصل عليّ أحد الأخوة من أهل فلسطين، وقال لي: إن هؤﻻء هم أبناء ما يُعرف بدولة فلسطين، أو أبناء منطقة الـ 48!! وهؤﻻء أوضاعهم اﻻقتصادية ممتازة جدًّا، وظروفهم على ما يرام! حتى أن أحدهم قال في اللقاء: أنا أتابع البرنامج في الكازينو!! وقال: كثير من أصدقائي في الدولة يتابعون البرنامج! وكلمة الدولة ﻻ تطلق إﻻ على إسرائيل.
فهل هكذا يخدم أهل فلسطين؟!
والرسالة التي يريد صاحب الدعاية إيصالها للمجتمع: هو أنه إذا كان أهل فلسطين مع ما يعانونه من قتل، ونهب، وإعتداء على الأعراض، والحرمات، والمقدسات، ومع ذلك وجدناهم فرحين ببرامج تلفزيون الواقع، فلماذا تغضبون أنتم يا متخلفين، يا أعداء الحرية، والانفتاح؟!
ولذلك اسمع ماذا يقول الإسرائيليون عن تلفزيون الواقع، وعن نتائجه؟
(إنه برنامج جيد، يحفزنا على إمكانية العيش مع العرب!!).
هذا كلام الوزير جلعاد شالوم، في صحيفة هآرتس بتاريخ 21-8-2003.
(لقد أثبت لنا برنامج تلفزيون الواقع أشياء كثيرة، أهمها: أن عدونا ليسو المسلمين، وإنما عدونا هو الإسلام، وتعاليمه!!!).
وهذا تصريح دورغولد، المستشار السياسي لرئيس الوزراء شارون، ونائب رئيس الأركان لجيش الدفاع اﻻسرائيلي، في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية 22-8-2003.
هذه إحدى النتائج المباركة لهذه البرامج!!
دعونا من النتائج الكبيرة، والتدمير العام، وتعالوا بنا نتكلم مع الأجيال…
أحدهم يقول: لقد حدثتنا عن هذا البرنامج أنه ضد العقل، وضد المنطق، وضد الفطرة، وضد إنسانيتنا المشتركة، وأنه يسلّع الإنسان، ويحول المرأة إلى حيوان استعراضي، والشباب إلى فحل منفلت!!! فماذا نفعل إذن لمواجهة هذا الخطر؟!!
أقول:
أوﻻً: ليس الدين، والعقل، والفطرة، والواقع، والإحصائيات، وأساتذة التربية، والأخلاق، من يرفض هذا الواقع المنحرف الشاذ! كلاّ، بل حتى أهل الفن يعترضون على ذلك، ويهاجمونه!!
عبد المجيد عبد الله، الفنان المعروف، والمغني المشهور، جاورته في إحدى السفرات، على متن الطائرة، فقلت له: أخ عبد المجيد؛ أنا ﻻ أتكلم معك الآن بمعيار الدين، أريدك أنت كـ (فنان) أن تعطيني رأيك، وتحكم لي على تلفزيون الواقع، وعلى الفيديو كليب، هل أنت راضٍ عنه؟!
ماذا تتوقعون جوابه؟!!
لقد قال لي بالحرف الواحد: والله إنني لست راضياً عن ذلك، وأعتبر هذا الأمر نوع من الاستهتار بقيمنا، وتاريخنا، وحضارتنا، ومسخ، وتشويه، وتزوير، لتراثنا!!!
هذا مثال من الأمثلة، وغيرها كثير.
كم هم مساكين شبابنا، وبناتنا!!
ولذلك نحن ننظر إلى هؤلاء المشتركين في مثل هذه البرامج نظرة شفقة، وحزن، فهم مساكين، مستخدمون، مسيّرون كما يراد لهم! فهم مادة استعمالية، كما تقول فلسفة ما بعد الحداثة، وسياسة السوق العالمية!! فهم عبارة عن سلع تجلب لهم الأموال فحسب، أما قيمة هذا الإنسان، وتاريخه، وإنسانيته، وأخلاقياته، وأسرته، فهذه لا ينظر لها أبداً، ولكن أين من يفهم هذه الحقيقة؟!
(تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم)، كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
تجربة حوارية!!
هذه التجربة قام بها الدكتور إبراهيم الخليفي، وقد كنتُ معه، حيث جمع طلبة الثانوية، والمتوسطة، وسألهم: من منكم يشاهد تلفزيون الواقع؟
فرفع كثير منهم أيديهم.
فقال لهم: من منكم يعتقد أن في هذا البرنامج ما يرضي الله تعالى؟
الأكثرية أنزلوا أيدهم، وقلة قليلة رفعت أيديها.
ثم قال: من منكم يعتقد أن في هذا البرنامج ما يسخط الله تعالى، وأنه خطأ في حياتنا؟
عاد الأكثرية لرفع أيديهم.
الملاحظة: أن الأكثر يشاهدون هذه البرامج، وفي الوقت نفسه فإن الأكثرية يعلمون مضرة هذه البرامج!!
إذن ليس كل من شاهد، يكون مقتنعاً أنه على صواب، لكن الإنسان ضعيف أمام الشهوات، والدعاية الضخمة، والتسويق الفاسد!
ثم سألهم: منطقياً، هل يمكن أن نفعل شيئاً، ونحن مقتنعون عقلياً أنه خطأ، وأنه فساد، وأنه يسخط الله سبحانه وتعالى؟!
الجواب: نعم !!!! لماذا؟
لأن الإنسان بسيط، وضعيف، أمام الشهوات، وهذا الضعف البشري كلنا نقع فيه، ولكن هل أنت مجبور على هذا الاختيار في المشاهدة، أو أي اختيار للخطأ؟ أم أنك تفعل ذلك باختيارك الحر، لأنك إنسان يملك عقلاً، يميز بين الخطأ والصواب، وعندك إرادة تتجه نحو الفعل؟!
جميعهم قالوا: هذا قرارنا، ونحن الذين اخترناه بإرادتنا!
فقال لهم: وهل يرضى عنكم ربكم في هذا الفعل؟!
فقالوا: أبداً….
فقال لهم: هل تتضايقون من مشاهدة هذه البرامج، التي اعترفتم، وأقررتم أنها تغضب الله تعالى، وأنها ساقطة، وأنها عديمة الأخلاق؟
الغالبية قالوا: نعم يا أستاذ نحن نتضايق من هذا الأمر.
فقال لهم: يكفيني الآن أنكم منكرون قلبياً، ومتضايقون نفسياً، وغير راضين عن ذلك، ولكن أخشى ما أخشاه أن يأتي اليوم الذي ﻻ تتضايقون فيه، فتتعودون على ذلك، وكما يقال: كثرة المساس تميت الإحساس! فتصلون إلى مرحلة التبلّد الشعوري، ومن ثم يصبح المحرم أمراً طبيعياً عندكم! فتستوي عندكم قضية الحرام، والخطأ، واﻻنحراف، ومن ثم تموت قضية المضايقة النفسية!
بمعنى أننا نخاف أن يأتي اليوم الذي لا ننكر فيه المنكر قلبياً، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سرته حسنته، وساءته سيئته، فهو مؤمن)، فما دام أن مستوى الشعور قوي عندك، ولا يزال ينبض، بحيث أنك إذا فعلت خيراً تأنس به…
فتأنس إذا ساعدتَ إنساناً محتاجاً…
تأنس أنك دفعت ضرًّا عن إنسان بريء….
تأنس أنك تصدقت….
تأنس أنك صليت…
تأنس أنك بررت أمك وأباك…
وتحزن أنك أجرمت في حق فلان…
تحزن أنك أكلت حرام ….
تحزن أنك شاهدت بالليل، والناس نيام تلك المناظر المؤذية، الفاسقة، الفاجرة، سواء تلفزيون الواقع، أو ما فوق تلفزيون الواقع، بالفجور، والمنكر، أو ما بينهما….
فإذا كنت على هذه الحالة من الفرح بالطاعة، والحزن من المعصية، فاعلم أنك بخير، وعلى خير.
ولذلك نخشى أن يأتي الوقت الذي يموت فيه القلب، وتتبلد فيه المشاعر، فتكون أداة أكثر استعماﻻً من قبل الفضائيات العربية المخزية!
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب). أي يصبح قديماً، بالياً، كما يبلى الثوب! فجددوا إيمانكم، وتجديد الإيمان يحتاج لبذل جهد، وأول بذل الجهد يكون بالانقطاع عن البيئة الفاسدة، والالتجاء إلى برامج نظيفة….
ثم لا بد من مناقشة الموضوع في قضية ميزان الأرباح، والخسائر المادية.
فنحن شاهدنا تلفزيون الواقع، ولكن بأي ثمن؟! إنه بثمن تطبيع الدياثة!!!
نعم؛ لقد حصلنا متعة، ولكن مقابل سخط الله سبحانه وتعالى!
ولا يغيب عنا التصور الخيالي المثالي الكاذب في قضية العلاقة بين الجنسين!!
فالزواج ﻻ يقوم على هذا الشيء، واسألوا دكاترة التربية، وأساتذة العلاقات الزوجية، عندما يقع الزواج، وتبدأ المسؤولية، وتنتهي هذه المجاملات، والأكاذيب، والفلكلور الشكلي، كيف تنهار كل تلك الأوهام، والأحلام!!!
وحتى يكون تعاملنا مع هذا الموضوع بطريقة صحيحة، ومنطقية، حيث أننا لا نستطيع السيطرة على أمزجة الناس، وأهوائهم، فإننا في المقابل نضع أربع فلاتر متداخلة في كيان الإنسان، تلك الفلاتر تصفي لك الموقف قبل أن تتخذه، وهو: هل أشاهد هذه الفضائية أم ﻻ؟
الفلتر الأول: المعلومات، فالمعلومات تقول لك مثلاً: إن الخمر مضرة، وإنها حرام، وكذلك المعلومات تقول إن هذا البرنامج سوف يجلب لك سيئات كثيرة.
الفلتر الثاني: النتائج، انظر إلى النتائج على الأسرة، وعلى الأوﻻد، بل وعلى التعليم، فهي نتائج مهولة في قضية الخسائر على المجتمع، وعلى الفرد، وعلى الأسرة.
الفلتر الثالث: القيم، الحرام، الحلال، العيب، المروءة، الكرم.
الفلتر الرابع: الذات، فهل أنت تحترم ذاتك، وأنت تشاهد هذه البرامج؟!
فالذات تحتاج إلى بصيرة، وإلى وعي.
هل المعلومات كافية لوحدها؟
أبداً بدليل أن أمريكا اقتنعت في عام 1919 أن الخمر ضارة بالصحة، وأنها سبب رئيس في حوادث السيارات، وجرائم القتل، والخطف، وإنهاك ميزانية الدولة، فدرسوا الموضوع دراسة كاملة، ثم صدر قانون برلماني، قانون فوستد، الذي يسمى قانون تعديل الثامن عشر في الدستور الأمريكي بحرمة الخمر، إلا أن المجتمع الأمريكي بدأ يتمرد على هذا القانون، إلى أن جاء عام 1933، حيث عجزت الحكومة وأساطيلها البحرية ، والجوية، والبرية، عن التهريب!!
بل بدأ الناس بتصنيعها في البيوت!!
ففشل العقل، والعلم، والتكنولوجيا، والحرية، والذهن، والفلسفة، في إقناع الناس!!! لماذا؟
لأننا نقول لهم: من قال إن العقل هو الذي يحرك الإنسان فقط؟! فالعقل له 40 %، والبقية للنفس!
فمن الذي يربي النفس؟
إن أقوى تربية لالنفس بشهادة الفلاسفة، بما فيهم (Kant)، أبو الفلسفة المعاصرة، هو
الإيمان! فهو الذي يحرك النفس، فكيف إذا كانت عقيدة إيمانية، تنبثق عنها شريعة، يؤمن بها الإنسان؟!
ثانياً: حتى تحصن نفسك عن هذه البرامج، لا بد لك من اتخاذ قرار سريع وعاجل، ألا وهو تشفير القنوات الفاسدة، يجب أن يكون لديك إرادة، وعزيمة، لمقاطعة هذه القنوات.
ثالثاً: الصحبة الطيبة، الخيّرة، مع التواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
إلا أن كل ذلك لن ينفع، مالم تتدخل الحكومات في قضية إلزام الناس، وإلزام الفضائيات، والتجار، وأصحاب رؤوس الأموال بتقديم المتعة النظيفة، والمتعة البريئة، والمتعة الثقافية، والعلاقات التي لا تقوم على مثل هذا التدمير المقنن، المبرمج، المتزايد، في قضية تضخيم قطاع الغريزة على حساب إنسانيتنا المشتركة.
فالمسؤولية تجاه ذلك كله فردية، وأسرية، ومؤسسية، وقد وضعنا الأمر أمام قضية اﻻختيار، ويبقى بعد ذلك الإنسان وإيمانه.