بينى وبينكم 2009 الحلقة السادسة العدالة
العدالة
هناك موضوعات لا تموت، وقضايا نطرحها دائماً لأنها جزء من حياتنا، ونظامنا اﻻجتماعي، ولصيقة بنا أبد الدهر.
وتتفاوت أولويات المسائل، فكثير من الناس يستفزّه أو يثيره بشدة بعض الأخلاقيات الفاسدة، ولكنك تجده بليداً، أو هادئاً، أو غير مبالٍ، أو المسألة عادية جداً عنده، عندما تنتهك حقوق الإنسان، وكرامة بني آدم!!
ولذا فهما كفتان، كفة أخلاقية، وكفة في العدالة، صحيح أن الكمال مطلوب، وأن الفساد ينكر جملة وتفصيلاً؛ ولكن أن تكون بارداً تجاه قضايا الظلم، وانتهاك حقوق الإنسان، والحط من كرامة بني آدم، ثم تثور إلى قضايا أخلاقية، وإن كانت سيئة، وفاحشة، لا شك أنه يكون هناك خلل واضح.
كنت في زيارة للدكتور المفكر السياسي الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي، فقال لي: أرأيت هذا الفساد الأخلاقي المستشري في عالمنا الإسلامي من عري، وخمر، وابتذال، إلى آخره… قلت: نعم، فقال: فإن انتهاك حرمة إنسان واحد، وسلب حقوقه، وهتك حرمته، وسجنه، وتعذيبه، أعظم في دين الله تعالى من هذا الفساد المستشري العام!!!
أقول: لا بد أن تكون الصورة واضحة بين حق الله سبحانه وتعالى الخاص في العبادة، وبين حقوق العباد التي هي أيضاً جزء من العبادة لله سبحانه وتعالى.
سأبدأ حديثي عن موضوع العدالة بقصة واقعية، لم أقرأها في كتاب، ولم أسمعها من أحد، وإنما وقفتُ عليها شخصياً، وكنتُ طرفاً فيها كوسيط للإصلاح.
وقبل الخوض في سرد هذه القصة أقول:
إن الشريعة الإسلامية تنهى عن الظلم مهما كان نوعه، وأيًّا كان مصدره، ومن وقع عليه، بدءً بالحيوان، بل حتى الحشرات التي لا تؤذي الإنسان، وانتهاءً بك أيها الإنسان المكرم عند الله تعالى.
وكلنا يحفظ حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي يقول فيه: «عُذِّبت امرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض».
وكما كان يقول الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله تعالى: حبستها فقط، ولم تعلقها كما تعلق الحيوانات في السلخانات، ولم تطفء أعقاب السجائر في جسدها، ولم تكشف عن عورتها، كما يحدث لكثير من البشر في سجون كثيرة في عالمنا العربي!!!
وإن أردتَ المزيد من القصص المروعة لوسائل التعذيب التي كانت ولا تزال تمارس في حق البشر فاقرأ موسوعة العذاب لعبود الشايجي العراقي، في سبع مجلدات!!
قطة لا ننظر لها على أنها شيء، ويكون مصير هذه المرأة التي حبستها عقاب الله تعالى، وسخط رب العالمين، وجهنم!!! فكيف بمن يأكل حقوق الآدميين، أو يعذبهم، أو ينتهك حرماتهم؟ قل لي بالله عليك كيف؟!!
كيف ينام هذا الإنسان المسؤول الظالم أياً كانت مسؤوليته، أباً كان، أو مدرساً، أو ناظر مدرسة، أو وكيل وزارة، أو وزيراً، أو حاكماً، أيًّا كان نوع الظلم؟!!
الحادثة التي وقفت عليها، والتي أعرف الأطراف فيها، الظالم والمظلوم، والجاني والمجني عليه، والوسطاء، هي كالتالي:
أحد رجال الأمن لفّق تهمة كبيرة كذباً وزوراً لأحد الناس! وهو رجل أعمال معروف ومشهور، والسبب في ذلك إما ترقية في وظيفته، أو إرضاءً لمسؤوله، أو غير ذلك من أسباب، التي ليس من المهم معرفتها، بقدر أهمية معرفة أن الأمر مجرد تهمة باطلة، عارية عن الصحة.
ولما تم الأمر لرجل الأمن هذا، وكتب تقريراً في رجل الأعمال لإثبات التهمة عليه، ذهب إلى أحد معارفه مفتخراً، وقال له: لقد لقفتُ اليوم تهمة لأحد الأشخاص، لن يستطيع الفرار منها، مهما أوتي من قوة، فهو مدان قانونياً، وسوف يصدر فيه حكم، ويخسر أموالاً بكذا، وكذا….!!!
فقال له صديقه أو قريبه: ومن يكون هذا المسكين؟
فقال له: فلان.
فقال له: مَن مَن؟!! وأصابته الدهشة، والاستغراب، والذهول.
فقال له: فلان. ألا تسمع؟
فقال له: ولكن أتدري من فلان هذا؟
فقال: نعم أعرفه، وهو الذي يضعون صورته أحياناً في الصفحات الاقتصادية!
فأعاد صاحبنا عليه السؤال مرة أخرى قائلاً: أتدري من فلان؟
فقال له: نعم أعرفه، ما الذي أصابك يا رجل.
فقال له: أتذكر يوم أن أصيب والدك بمرض السرطان، وعجز الأطباء هنا عن علاجه، واحتاج إلى العلاج في الخارج، فلم يستطع ذلك؛ بسبب التكلفة العالية للعلاج والتي تصل إلى الآلاف، ما يقارب 32 ألفاً، أو 34 ألف دينار كويتي!! أتذكر حينها عندما جاء رجل من أهل الخير، ورفض أن يذكر اسمه، فدفع المبلغ كاملاً لوالدك، فذهب إلى هناك حيث العلاج من مرض السرطان، وشافاه الله تعالى، ورجع.
هل تعلم من يكون صاحب تلك الأموال التي دفعت لعلاج والدك؟
فقال رجل الأمن: لا، وما دخل هذا الكلام القديم بموضوعنا؟!!
فقال له: إنه الرجل الذي لفقت له التهمة، وتريد توريطه في تهمة هو منها بريء!!!
فنزل الكلام على رجل الأمن نزول الصاعقة، وبهت الرجل وارتبك، وقال: هل أنت صادق فيما تقول، أم أنك تمزح؟
فقال له: والله هذه هي الحقيقة!
فاهتز الرجل، وانتفض، وكاد أن يموت غيظاً وغمًّا، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الإنسان تبقى في داخله بذرة خير، ويبقى الوفاء موجوداً إذا حُرِّك، كما قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: الحر من راعى وداد لحظة، وانتمى لمن أفاده لفظة.
فقال: وماذا عساي أن أصنع الآن؟
فقال له: لا بد أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن ترجع الفضل إلى أهله، فلا بد أن تذهب، وتكتب تقريراً مناقضاً لتقريرك السابق، وترجع عن أقوالك رسمياً!!
فقال: لا أقدر؛ لأنني سأتضرر في وظيفتي!
فقال له: أيهما أفضل أن تتضرر في وظيفتك، أم شهادة الزور؟ التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر.
فأنت كتبت تقريراً ظالماً مزوراً ملفقاً بإرادة حرة، وبوعي كامل، وتأتي مفتخراً بهذه الجريمة، ضد رجل كان له الفضل على والدك بعلاجه يوم أن تخلى عنه القريب والبعيد، ثم تكون النتيجة هذه؟!!
أقول:
لقد هزني هذا الموقف كثيراً، وشعرتُ كم هو الظلم قاسياً ومؤلماً، ومع ذلك نجد الظلم منتشراً، وعدم الشعور بالإساءة للآخرين عريضاً جداً في حياتنا، ابتداءً من البيت، وانتهاءً بأعلى السلطات في عالمنا العربي والإسلامي.
قيمة العدل من أعظم القيم التي ينبغي أن نتضافر في اﻻتفاق عليها، وإعلاء شأنها، وحراستها، لأن العدل إذا انزوى في المجتمع، وطغى الظلم، فالخاسر هو الجميع، والله تعالى يقول لنا: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي}، ويقول الله تبارك وتعالى أيضاً: {ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}.
واسمحوا لي أن أضرب بعض الأمثلة على قضية العدالة في التاريخ الإسلامي، تجسد نموذجاً تطبيقياً فريداً ما سبق للتاريخ مثله.
المثال الأول:
علي بن أبي طالب، أمير المؤمنين، وربيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورضي الله تعالى عنه، افتقد درعه بعد أن رجع من معركة صفين، ثم وجدها في السوق تباع بيد يهودي، فعرف درعه، فذهب إلى اليهودي، وقال له: إن الدرع درعي، لم أبعه، ولم أهبه لأحد، -أي لم أعطها لأحد هبة أي هدية-، فقال اليهودي: الدرع درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب!
فماذا يفعل الخليفة في إنسان ليس من أهل دينه، وهو في المقابل متأكد أن الدرع درعه، وقد سرقها هذا اليهودي؟
هل أمر بإلقاء القبض عليه، ريثما يتم التحقيق؟ كلاّ…
هل أمر بضرب عنقه؟ كلاّ…
فماذا فعل إذن؟!
لقد ذهب إلى القاضي شريح هو وخصمه اليهودي، وتحاكما إليه، فجلس الاثنان أمام القاضي.
فقال القاضي: قل يا أبا الحسن، ونادي اليهودي باسمه!
فقال علي رضي الله عنه: اعدل حتى في التسمية، فإذا كنيتني فكنّه، وإذا سمّيتني فسمّه باسمه!!
فقال القاضي: فماذا تقول يا أمير المؤمنين؟
فقال: أقول إن الدرع درعي، ولقد رأيتها عند هذا اليهودي، ولم أبعه، ولم أهبه.
فقال القاضي لليهودي: وأنت ماذا تقول؟
فقال اليهودي: الدرع درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب.
فقال شريح القاضي: يا أمير المؤمنين، هل من بيّنة؟ أي: هل لديك بينة ودليل على صحة قولك؟!!
فقال علي رضي الله عنه: ما من بيّنة!
فحكم القاضي بالدرع لليهودي.
فلما سمع اليهودي بالحكم ذهل، وارتبك، وزلزل زلزالاً نفسياً، وعقلياً، وعقائدياً، شديداً، ومضى خطوات، ثم قال في نفسه: أمير المؤمنين يقاضيني إلى قاضيه، فيقضي لي عليه، أشهد أن هذه أخلاق أنبياء، فرجع، وقال: يا أمير المؤمنين الدرع درعك، سقطت منك، وأنا التقطتها، وهي لك، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أما وإنك قد أسلمت، فالدرع لك، وحمله على فرس له.
وقد جاء في بعض الروايات: وشوهد الرجل يقاتل في صفوف علي بن أبي طالب في معركة النهروان.
هكذا هي العدالة عندما تحقق، وتطبق، فإنها تعطي صفحة مشرقة.
المثال الثاني:
عمرو بن العاص رضي الله عنه كان الوالي على مصر في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحدث أن تسابق ابنه مع ابن إنسان قبطي، فسبقه القبطي، فاغتاظ ابن عمرو بن العاص، وضرب القبطي بعصاه!! بمعنى: كيف لغلام قبطي أن يسبق ابن الأمير؟!!
فما كان من هذا القبطي إلا أن حزم أمتعته هو وابنه المتسابق، وتوجه يقطع الفيافي والقفار من مصر إلى أمير المؤمنين في المدينة!!
ولما وصل قص القصة على الفاروق رضي الله عنه، وإذا بعمر يأمر بعمرو بن العاص بالقدوم عليه مع ولده.
فلما جاءه عمرو بن العاص، وقف الفاروق أمامه، وقال للقبطي: خذ حقك من ابن أمير مصر!
ثم قال كلمته الخالدة: (متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!!).
أقول:
ماذا يحصل لو أننا طبقنا العدالة في مجتمعاتنا؟
ماذا يستفيد الحاكم، والنظام، وماذا يستفيد الشعب؟
ماذا يحصل لو طبقت العدالة في أي بلد، حتى ولو لم يكن من بلاد المسلمين؟
إن العدالة لا جنسية لها، ولذلك هاجر المسلمون إلى الحبشة في الهجرة الأولى، بعدما ظلموا من بني قومهم في مكة المكرمة؛ لأنهم علموا أن في الحبشة ملكاً عادلاً، لا يُظلَم أحد عنده!
فالعدالة لا جنسية لها.
ماذا يحصل لو طبقت العدالة؟
أقول:
إن الذي سيكسب اثنان: الشعب، والسلطة أيضاً.
المثال الثالث:
أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، عندما فتح الشام، وحقق الأمان للناس، وأخذ الجزية من أهل الكتاب مقابل حمايتهم، وصونهم ضد طغيان الدولة الرومانية؛ لأن الدولة الرومانية ظلمت أهل الشام، واستباحتهم، فرحب أهل الشام بالفتوحات الإسلامية، مع أنهم غير مسلمين، لأنهم يعرفون عدل المسلمين، وأخلاقهم.
ونحن هنا نفرق بين شيئين: بين الفتح الإسلامي المسلح، وبين نشر العقيدة بالسيف.
ولما أحس أبو عبيدة بن الجراح بأن الروم قد أعدوا عدة كبيرة، للحرب، وأنهم سوف يواجهون الجيش الإسلامي، قام بإعادة الأموال التي أخذها من الناس جزية! لماذا؟
لأنه في هذه اللحظة قد لا يضمن تأمين هؤلاء الناس، ولا حمايتهم، وبالتالي يكون قد أخذ أموالاً بغير حق، ودون مقابل!!!
بالله عليكم أين يحصل هذا؟!!
المثال الرابع:
قصة سمرقند عندما دخلها المسلمون خديعة، ونكثوا عهداً مسبقاً مع أهلها بحيلة، فدخلوا المدينة، وأخذوا الأرض، وسيطروا عليها، فذهب جماعة من أهل سمرقند عندما سمعوا أن للمسلمين خليفة عادلاً يسمّى عمر بن عبد العزيز في دمشق، فجاءوا إليه، وعرضوا عليه المشكلة، فما كان من عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى إلا أن أمر القيادة، والجند بالرجوع عن المدينة!!
فلما أحس أهل سمرقند بأخلاق المسلمين، وأدبيات الحرب، وأنها بهذا الرقي، تراجعوا عن رأيهم، وطلبوا بقاء المسلمين هناك، وانتشر الإسلام بينهم.
لكننا عندما نقرأ في التاريخ المعاصر، نجد أن هذه الأمثلة لم يعد لها وجود أبداً، لا على المستوى العربي والإسلامي، ولا على المستوى العالمي، وما الحرب العالمية الأولى والثانية عنا ببعيدة، ومثلها أمثلة كثير، لا تعد ولا تحصى، لأن الناس قد فقدت قيمة العدالة، فأصبحنا كأننا نعيش في غابة، القوي يأكل فيها الضعيف!
وكي تتحقق العدالة لا بد أن يكون القضاء راقياً، وأخطر معقل نعتصم به هو القضاء؛ لأنه ينصفنا جميعاً، ولذلك نجد أن الإسلام قد وضع ضوابط للقضاء والتقاضي:
أولاً: أن يكون القاضي عالماً بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقيهاً في الدين، مأموناً، ذا خلق، مشهوداً له بالعدالة.
ثانياً: أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وكلنا يحفظ القاعدة النبوية: ادرؤوا الحدود بالشبهات، فلأن يخطئ القاضي في العفو، خير من أن يخطئ في العقوبة.
هذه قاعدة كلية في الإسلام.
ثالثاً: أن تكون المحاكمة علنية.
رابعاً: أن تكون المحاكمة حضورية.
وللفقهاء كلام طويل جداً فيمن حُكم غيابياً، ثم جاء يعترض، ويقدم براهين أخرى للرجوع في الحكم.
خامساً: أن يُسمح للمتهم بالدفاع عن نفسه، وتوكيل محامي.
سادساً: عدم الأخذ بإقرار الخائف حتى يؤمَّن.
إلى آخر تلك الأحكام في الإسلام.
والذي أريد قوله وتأصيله: أن الحاكم والنظام في أي بلد ما عندما يعدل، فإن الناس يحبونه، ومن ثم يحرصون على بقائه، ويخدمونه، ويفنون أعمارهم في بلدهم، لأن الواحد منهم يشعر أن هناك عدالة.
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم، أي: أنه مع وجود الإثم في الدولة، والفساد، لكنه يوجد عدل بين الرعية، فأمور الناس تستقيم.
قال: أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وإن لم تشترك في إثم! أي: ولو لم يكن هناك فساد، وآثام، ومنكرات، لكن الدولة تتعامل بالظلم ولا تعدل، فهنا لن تستقيم أمور الناس أبداً!
وهذا هو الفرق بين حق الله تعالى، وحق العباد.
ثم قال متمماً كلامه: ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام.
إذن يجب علينا أن ننكر الظلم، وأن نحس بمظلومية المظلومين، وأن نستفيد من تراثنا في ذلك.
ويروى أن كسرى ملك الفرس كان له ابن، فدفعه إلى المؤدب ليؤدبه، كما هي عادة الملوك في دفع أبنائهم إلى المؤدبين، ليعلموهم شتى العلوم والمعارف.
وفي أحد الأيام ضرب هذا المؤدب ابن الملك بقسوة، ومضت الأيام، ومات الملك الأب، وتولى زمام الحكم ذلك الابن، فأمر بالمؤدب أن يحضر بين يديه، فجيء به قد كبرت سنه، واحدودب ظهره، وشاخ، ووهن عظمه، فقال له: أتذكر يوم كذا عندما أدبتني، وضربتني، وأبكيتني، وكنت أشكو، وما كنت ترد علي، لماذا أوجعتني من غير سبب؟ فقال له المؤدب: أوجعتك من غير سبب لأنني أعلم أنك ستكون ملكاً، وتكون لك سلطة مطلقة، فأردت أن أشعرك وأحسسك بمرارة الظلم، فإذا ذقته صغيراً عرفته كبيراً، وامتنعت عنه من أجل شعبك، ومن أجل الناس، فمن ذاق عرف!!
بمعنى حتى تكون الصورة واضحة لك، فلا يلعب بك الإعلام، ولا تكون ساذجاً.
ومما يجدر التنبيه عليه أنه يجب أن نعرف أن المصالح في عالمنا اليوم هي الحاكمة، وأما المبادئ فهي للاستهلاك المحلي، والترويج، والدعاية، والإعلان، فلا يوجد شيء اسمه عدالة عالمية من قبل الدول الرأسمالية تجاه الدول الشرقية، والعالم الثالث، فهم ينظرون إلى هذه الدول على أنها مواد خام، بما فيها البشر!!
نعم توجد عدالة عندهم عندما تذهب إلى ديارهم، ويعطونك صورة جميلة عن أنفسهم، لكنهم في واقعهم بالنسبة لنا ليست هنالك عدالة ،بمعنى: أن عدالتهم لهم، وليست لنا، إلا بالمناورة السياسية، ولذلك يجب أن نعرف أن حقوق الإنسان الجديدة هي حقوق أقليات كما يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في دراسته عن الحقوق.
أخيراً أقول:
هنالك ظلم يقع في البيوت من الآباء، ومن الأبناء، ومن الأزواج والزوجات، على بعضهم البعض، وظلم في الإدارات، وظلم من الدكاترة في الجامعات، ومن الطلبة، ظلم في المدارس، وظلم في الوزارات، وظلم للعمالة، والخدم الذين لا يأخذون حقوقهم، وظلم لكثير من الناس…
لا بد أن نحارب الظلم، وأن نتكاتف ضده، وأن نرفع راية العدالة من أجلنا جميعاً.