بينى وبينكم 2012 الحلقة التاسعة والعشرون سيكولوجية الانسان الملحد ج 4
سيكولوجية الإنسان الملحد ج4
قلتُ: هناك سؤال يدور في خاطري، وهو أنني أحس أن هذا الجيل الجديد سريع اتخاذ القرار، وقد يكون القرار كبيراً، فهل هذا من طبيعة العصر، فلا بد لنا أن نتكيف معه؟! أم أن ذلك جزء من بنية الشباب الطبيعية؟! فمثلاً يتخذ قراراً سريعاً في قضية الطلاق، أو في قضية موقف فكري عنيف، أو غير ذلك، فهذا القرار السريع في كل شيء في حياتنا، هل نحن فعلاً كما قال الاقتصاديون المعاصرون انتقلنا من عصر القوة إلى عصر السرعة؟ في السابق القوي يبتلع الضعيف، والسريع يطأ البطيء، وإن كان الكل سريعاً، كيف تعلق على هذه القرارات السريعة، خاصة ما يمس العقيدة؟
فقال: إذا أتينا لمسألة القرارات، فمثلاً مسألة قرار الطلاق: في رأيي وقراءتي أن الجيل المعاصر ليس متسرعاً في قرارته كالجيل السابق! فالجيل السابق كان الواحد منهم يتزوج ويطلق، ويذهب ويترك المرأة، أما الجيل الحالي فهو يدرس ويتأنى أكثر من الجيل السابق، رغم أن المجال مفتوح أمامه. كذلك الجيل السابق لم يكن يحترم المرأة ويقدرها بالقدر الذي يحترمها فيه ويقدرها الجيل المعاصر! فهو أنضج بمراحل كبيرة، إلا أن إشكاليتنا هي في إعطاء القداسة للماضي، والنظر بعين النقد للحاضر، والخوف من المستقبل، وهذا جزء من سيكولوجية الإنسان العربي في التعاطي مع متغيراته، فإذا أتاه أي متغير نظر إليه بهذه الطريقة المتوجسة، والنظرة الحامدة للماضي بإطلاق، الذّامة للحاضر بإطلاق!! وأنا أقول: إن كل شيء الآن أمْيَز، لكن طريقة تعاطينا مع هذا التميز العصري هو الإشكالية، فأعظم فترة من فترات التاريخ هي الفترة التي جئنا بها نحن، وهي الفترة الذهبية عبر التاريخ، إن نظرت إليها من الناحية الاقتصادية كذلك. إذن ﻻ نلومها، وإنما نتدرب على التعاطي معها.
الاستهلاك: لماذا ﻻ نستهلك ما دام الخير موجوداً، وسابغاً بحمد الله تعالى، فنستفيد منه، ونفيد الآخرين؟! وهذا لا يعني التبذير بحال من الأحوال.
إذن الإشكالية في سيكولوجيتنا: قداسة الماضي رغم أنه غير مقدس، الخوف من المستقبل، التوتر في التعامل مع الحاضر، التوتر في التعامل مع الضغوط، لأننا ﻻ نملك منهجيات التعامل مع الضغوط وغيرها، فنتوتر، ثم إن علاقة الخوف بالماضي لها جذور تاريخية سابقة.
قلتُ: لكننا إذا نظرنا لقضية سرعة اتخاذ القرار لشباب لا أقول من الماضي البعيد، وإنما من الماضي القريب، أي في التحولات ما بعد الحروب الأخيرة، الخليجية وغيرها، وحرب العراق، وهذا الانفتاح الرهيب على كل شيء!! فأنا اليوم أقرأ مثلاً لمصطفى حجازي في كتابه: الإنسان المهدور، أو لغيره، نجد هؤلاء يتكلمون عن آليات صناعة الإنسان الجديد، واختراقه من الداخل، وتشكيل ذهنيته، كذلك مصطلح الإغراق الإدراكي! فأنت على مدار الساعة أما ثقافة الشاشة، المبسطة، السهلة، التي تخترق الأعصاب، قبل أن تخاطب العقول، فهل لهذا الأمر علاقة في قضية اتخاذ قرار سريع؟
فقال: إشكاليه هذه الشاشة المنتشرة في بيوتنا أنها تبني-حسب الأبحاث العلمية- ما يسمى الشعور بالسلبية، وليست السلبية هي الكسل، وإنما السلبية في التلقي، وهذا التلقي له طريقتان: فإما أن يكون التلقي من الآخر، أو يكون بالتفاعل مع الآخر، فأتأثر به، فمشاهدة الطفل للتلفاز لساعات طويلة يجعله أكثر سلبية في التعامل، من التفاعل مع الآخر. هذا أمر.
الأمر الآخر: أن الأساس في اتخاذ القرار هو المهارة، والتدريب على المهارات، والإشكالية ليست في شبابنا أنهم أقل مهارة من جيل الآباء والأجداد، كلاّ….، وإنما لأن متغيرات الحياة أصبحت ضخمة جداً جداً، فهذه المتغيرات تحتاج لمهارات أعلى، فلو كانت مهاراتهم 60 % مثلاً، ومهارة آبائنا 20 %، فإن العيب سوف يظهر فيهم أكثر من الآباء؛ لأن المتطلب ضخم عندهم أكثر من الآباء.
فالأصل ألا نظلم هؤلاء الشباب، بل إنني أجد فيهم مرونة عقلية، لم أجدها في الجيل السابق، ولو كانوا كباراً!! فالنظرة الدونية للجيل، وأنه جيل متفلت، تجعلك كداعية أو مفكر تقدم أطروحتك متشكلة بنظرتك الشخصية، فيدفع هؤلاء فاتورة أخطائنا في تصورنا لهم، مع أن هذه ليست حقائقهم!! وما أجملهم، وما أروعهم، وما أنبلهم، إذا عرفنا كيف نتعاطى معهم!
وما قصة ذلك الصحابي الشاب الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وطلب منه الإذن والسماح له بالزنا، وكيف كان تعامل النبي صل الله عليه وسلم معه؟!! لا شك أننا لو طبقنا تلك المنهجية النبوية في التعاطي مع مثل هذه المشاكل، لوفّرنا على أنفسنا جهداً كبيراً، وخرجنا بنتائج عظيمة للطرفين.
قلتُ: عندما درس العلماء الإلحاد قسموه تقسيمات كبيرة، ففي السابق كان الإلحاد عميقاً، وينطلق من ثلاث عناصر، أو سبعة، من هذه العناصر مشكلة عملية، وهي قديمة جديدة، كما يقول العقاد في كتابه: عقائد المفكرين في القرن العشرين، فقد تكلم عنها الجاحظ في الجزء الأول من كتاب: الحيوان، كلاماً يفوق كلام ﻻيبنز الذي رد عليها وشرحها، هذه القضية هي: مشكلة الشر في الكون، فأنت كإنسان سيكولوجي، وطبيب نفسي، نسألك: لماذا خلق الله تعالى الشر؟!
لماذا يحدث لنا ذلك؟!! النساء تشتكي، والشباب يشتكون، فنحن كمؤمنين لماذا تطرأ علينا الشرور؟! هل ألتحق بركب الكافرين أو الملحدين حتى أخرج من هذه المشكلة؟! هل هذا هو الحل؟!
فسألني: الشرور مثل ماذا؟!
قلتُ: لماذا هذه الدماء من المسلمين تسيل في العالم؟! فهذا طاغية يتمتع في النعيم، وهؤلاء أناس صالحون برآء، يعيشون في أمراض، وفي كآبة، وفي قتر من العيش، آلام، ومصائب، وكوارث، زعزعت الإيمان؟
فقال: هذا السؤال له جانب فكري فلسفي عقدي، ليس من تخصصي كي أجيب عليه، بل هو للمفكرين، وجانب نفسي، سأتحرك فيه من خلاله تخصصي.
أقول: القضية يسيرة جداً؛ فبالأسلوب نفسه، ومن المنطلق نفسه كذلك، أستطيع أن أسأل جملة من الأسئلة لهؤلاء، فمثلاً: لماذا خلق الله تعالى الليل؟! لماذا لم يجعل الله سبحانه وتعالى الدنيا كلها نهار، وعمل مستمر؟! ولا حاجة إلى الليل لننام ونستريح فيه، بل لا يكون هناك تعب في الجسد البشري؟!!
الحياة تقوم على الضدية، وجمال الحياة بالضدية، ولذلك قال الله تعالى: {والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى. وما خلق الذكر والأنثى}، حتى الرجل والمرأة منظومة تكاملية.
إذن ناموس الحياة قائم على الضدية، ولن تجد حلاوة الخير، أو تعرفه، حتى ترى الشر، تخيل لو أن الدنيا كلها خير، فلا مذاق له.
بل إنه ﻻ أحد ينتصر لذلك الخير، ويحافظ عليه، إلا بوجود الشر!
الإشكالية الأخرى أن بعض الناس ينظر إلى الدين من زاويته الفردية، وليس من الزاوية الجماعية، فهناك مصالح للمجتمع، ومصالح للفرد، فالرأسمالية بالغت في مصلحة الفرد، والاشتراكية بالغت في مصلحة الجماعة، فضاع هذا وهذا، ومن هنا جاء الإسلام بمصلحة الفرد، مع مصلحة الجماعة، متمازجة بشكل تناغمي، فإذا جاءت قضية وكانت مصلحة الجماعة فيها أعلى، ولكننا نظرنا إلى مصلحة الفرد، تبعثرت القضية، والعكس صحيح.
إذن يجب أن نلجأ إلى الناموس الكوني في ترتيب هذا الكون، وأقول الناموس الكوني، وليس علماء ذلك الناموس! لماذا؟!
لأن عالم ذلك الناموس قد يقدم نكهته النفسية في قراءة النص الشرعي، ولذلك حينما تكلمنا عن شوبن هاور الألماني في قضاياه الفكرية، ونظرته للمرأة، قلتُ لك: إن نظرته تلك كانت امتداداً لحالته النفسية، حيث أنه كان شاذًّا جنسياً!!
إذن يجب أن نعلم أن هناك ناموساً يدير هذا الكون، وهذا الناموس يجب أن نفهمه، ثم نبدأ نحاكم القضايا إلى هذا الناموس.
وإذا كان لزاماً علينا أن نؤسس مبكراً طريقة التفكير في الكون، فالسؤال: متى يعرف الإنسان الضدية؟
أقول: إن الضدية بين الخير والشر في نموها النفسي لا تفهم قبل السادسة. ولذلك أوامر الدين لم تأتِ إلا بعد السادسة، لأن الضدية لم يبدأ بناؤها، والضمير لم يُبنَ إلا في السابعة، (مروهم بالصلاة لسبع)، في قراءة نفسية لهذا الحديث. إذن الضدية غير موجودة.
ولذلك أقول: يحرم نفسياً تذكير الطفل بالنار قبل الثالثة!!
لأنه قبل ذلك لا يعرف معنى الخير والشر، ولا معنى الجنة والنار، فلا يذكر الطفل بالنار حتى ﻻ يبغض الله سبحانه وتعالى، ويصبح في نظره رمز الجلاد، وليس الرحيم سبحانه وتعالى.
ولذلك فمن الشخصيات ما يعرف بالشخصية السيكوباتية، وهي شخصية إجرامية، ومن هذه الشخصية يتم اختيار السجانين، ولعلك تذكر ما كتبته زينب الغزالي عن معاملة هؤلاء السجانين لهم، وكيف كانوا يعذبونهم، ولا يشعرون بالذنب! هذه الشخصية الإجرامية مضادة للمجتمع.
متى نحس بقيمة الإنسان الآخر؟
حينما نرى مثل هؤلاء، نعرف الخير، فيتكامل الكون، كما هو الحال في الليل والنهار، لأن التكامل جمال الليل والنهار، ليس الليل فقط من أجل الراحة، بل كذلك من أجل الشعور بالضدية. والإنسان كمخلوق مركب ﻻ يشعر بالجمال حتى يشعر بالضدية، ومن هنا يفعل الحسنات، والأشياء الجميلة، ثم يفعل المعصية؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، ويفرح الله تعالى فرحاً عظيماً بتوبة العبد، ولكن لماذا سمح له أن يخطئ؟!! تطهيراً لذلك العبد، وتقويماً وتمييزاً للحسنات التي كان يفعلها، ولكي يتذوقها بدرجة أكبر، وهذه ليست دعوة إلى الوقوع في المعصية، وإنما لفهم القضية.
ومن أجل ذلك نص العلماء على أن الإنسان يحتاج إلى فترات راحة إذا كان مكثراً من العبادات والطاعات. لماذا؟
لأن فترات الراحة هذه هي بديل عن الوقوع في المعصية؛ كي نعيش شيئاً شبيهاً بالضدية، وليس الضدية.
قلتُ: ولذلك فإن الشر دليل على وجود الله تعالى، فتتجلى القدرة، ويخلق الشيء وضده، ويترتب على هذا الشر عبادات كثيرة، وإيجابيات كثيرة، من هنا نقول: إن كره الشر، والحلم بعالم نظيف من الشرور، والمصائب، والآفات، هو حلم في الجنة، فهذا الملحد يتكلم بفطرته من الداخل عن الجنة التي ينكر خالقها.
(دكتور هذا كثيراً ما استشهد به الرياضيون لهم عقلياتهم والمعادﻻت المحكمة يقول جيفري ﻻنك هذا الرجل تزوج واحدة من عندكم من السعودية وهو أمريكي أحمر يا دكتور، واحدة فاضلة وتعرفت على أخوها، ولكن مط ماذا؟
هذا بعد أن وضعوا المصحف على مكتبه وهو بروفيسور رياضيات 11 سنة ملحد والحاد يقول رياضيات ﻻ أعرف للعاطفة سبيلاً، هذا الرجل قصة إيمانه جميلة في أول 52 ورقة، وفيها بعد آخر في متابعة رؤية له ﻻ يعرفها إﻻ عندما أسلم منذ طفولته عندما يقع في أزمة هذا بعد نفسي ﻻ أفهمه أنا إﻻ أنه قال في أحد الصفحات يقول الملحد: يكون إله عالمه الخاص به، ولكنه عالم صغير جداً، بدأ يتكلم أنه ﻻ أحد يعرف وحدة الملحد، لكن بماذا تفهم أن الإلحاد يصغر العالم، والإيمان يوسع دائرة العالم والكون؟)
فقال: في سيكولوجية الإنسان، وفي بنيته النفسية، بطبيعته حينما يوقن في شيء ما، فإنه يمر بلحظات شكية، ليس فقط في ذات الله سبحانه وتعالى، بل في كل شيء! والواجب أن يدرب الإنسان للتعامل مع اللحظات الشكية، وهذه اللحظات قد تكون كسلاً نفسياً أحياناً، وليست كسلاً عقدياً فكرياً، هذا الكسل النفسي حينما يأتي يصاحبه اختلاجات فكرية معينة، وربما أتلذذ بهذا الكسل، فيصبح مرتبطاً بتلك الاختلاجات الفكرية وجوداً وعدماً، وأصبح محافظاً على تلك الأفكار، خصوصاً إذا جاءت ردة فعل مجتمع على أفكار عابرة.
لقد ﻻحظت أن أكثر الملحدين الذين قابلتهم أن إلحادهم كان فكرة عابرة، وردود فعل المجتمع، وهذ هي الإشكالية.
فحينما أحاوره فترة، وأتكلم معه، يبدأ يلقي باللائمة على فلان وعلان الذين شوهوا حقيقة الدين بأفعالهم السيئة، وتصرفاتهم المشينة.
إذن القضية ليست فكرة متأصلة، وإنما ردود أفعال، والإنسان هذا حينما يلحد، فإنه يحاول أن يكبر عالمه، لكنه لن يستطيع، فالعالم ﻻ يكبر إﻻ بوجود إله حقيقي، حتى الإله المفترض من شجر، أو حجر، أو دين خاص بشكلية معينة، تظل ضيقة؛ لأنها ﻻ تسمح لك بالتفكر، لأن البعد التفكري الكبير لا يوجد إلا في الأديان السماوية…
أفلا يتفكرون …
أفلا ينظرون…
فهو يعطيك مدى، لماذا يصغر؟
لأنه عبارة عن ترابل اكس على سبيل المثال، فلا مخدرات، ولا كحول، ولا جنس خارج الحياة الزوجية، فهذه عقيدته فحسب، فهي ضيقة.
لكن في أطروحتك الإسلامية أنت تتفكر، ترحم الفقير، تتعاون مع غير المسلم…، إذن هي أطروحة كبيرة حتى لو كانت عقولنا صغيرة، ولذلك حتى لو كان عقله كبيراً، فمنطقته ضيقة.
قلتُ: ألا ترى أن المجتمع يشكل صدوداً في رجوع إنسان فطن لذاته، وتجلت له أدلة قوية وراجع نفسه؟!!
فقال: أعتقد أن المجتمع لا يشكل صدوداً، بل يرحب بعودة الملحد ترحيباً كبيراً، لكنه ﻻ يعرف كيف يتعامل مع الملحدين، فهناك سوء تعامل مع الملحدين، فالملحد ربما في بعض الأحيان يصر على وضعه، هذا أمر، والأمر الآخر: أننا يجب أن نفهم شخصية الملحد، فالملحد النرجسي يكون إلحاده تغذية لنرجسيته، بل حتى في الصف الإسلامي بعض من يأتون بالأفكار الغريبة، ويضاربون الناس بها، ما كان ذلك إلا جزءً من نرجسيتهم، فإذا أتيت للبعد النفسي، وجدت الملحد والداعية الإسلامي غريب الأفكار ينبعان من النرجسية، أو من سمات الشخصية شبه الفصيمية، التي تقدم أفكاراً غريبة عند ذلك الإنسان، فاللون واحد في مثل هذه، ومثل هذه.
ولكن لو بين أيدينا ملحد الآن، ما الذي نقول له؟!!
أقول: يجب عليك المسارعة في الرجوع. لماذا؟
لأنه إذا رجع إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى فإن لم يكسب فلن يخسر، هذه واحدة.
والأمر الآخر: حتى لو لم يقتنع يجب عليه أن يرجع مباشرة، لكنه بعد أن رجوعه وقيامه بالواجبات، ينبغي أن يحدد أسباب إلحاده في الماضي، ويتعامل معها كقضية رياضية، ثم يذهبلمن سوف يحل له الإشكالات، ليس كمناظر يتحدى الآخر، وإنما كباحث عن الحقيقة.
قلتُ: ولذلك أنا رفضت منذ عهد قريب مناظرة أو جلسة مع أحد هؤلاء، لأنه جاء متحدياً، وبنفسية المنتصر، والذي يريد أن يتحدى، يريد أن يغلب، والذي يريد أن يتحدى، يريد أن يحقق ذاته، والذي يريد أن يتحدى، ﻻ يضع لنفسه 1% بأن يتراجع عن أفكاره!! مع أن ريتشارد داوكنز قال في كتابه: (أنا لست ملحداً 100%)، لأن الدليل العلمي ﻻ خيار لي فيه أن أؤمن به، أو ﻻ أؤمن به، إلا أن أكون معانداً. لماذا؟ لأن الدليل العلمي يفرض نفسه، ولذلك قالوا العلم يتبع المعلوم منطقياً، وليس العكس؛ لكن لأن القضية تخرج من العلم إلى العقل وقع الخلاف.
فقال: وهل الإلحاد يقوم على الدليل العلمي، أم على الدليل المنطقي؟
قلتُ: بالطبع على الدليل المنطقي.
فقال: وهذا المهم الذي يجب أن يصل إلى الناس.
قلتُ: ولكنه يقوم على الدليل المنطقي في الجدل، وهو يحاول أن يستند إلى العلم، لكن الدليل المنطقي بحسب كلام الفلاسفة ﻻ يقف مع الإلحاد، لأنك في الإلحاد تكون ﻻ إرادياً، أما أن تتخذ موقفاً سلبياً من إله، وتقول: غير موجود، فهذ مغالطة! قل: لم أصل ولم أهتدِ إليه، ولا تقل: غير موجود، لأنك إن قلت: غير موجود، فقد اتخذت موقفاً علمياً، والإلحاد ليس علمياً قطعاً.
فقال: لا شك أن كلامك في عدم مناقشة هؤلاء صحيح، ولكن رسالتي لمن يناقشهم من الإسلاميين…
أوﻻً: يجب أن يكون عند ذلك الإسلامي أدب الحوار، لكي ﻻ يرفضه بسبب قلة أدبه، وليس بسبب نقص منهجه، فينسب قلة أدب ذلك الداعية إلى الدين. هذه واحدة.
ثانياً: أن يكون عنده مرونة في التفكير، والقدرة المنهجية على التعامل مع المشكلات.
هذه كلها أساسيات، ولكن لو استطاع الملحد أن يغلبه في الحوار، فيجب عليه أن يستسلم، ولا يكابر ويجادل بدون علم، بل يرجع ويقرأ ويسأل ويتعلم.
كانت تلك آخر الكلمات في نهاية هذا الحوار الطويل الشيق، المليء بالإثارة، والمعرفة، والمعلومات، والتحليلات، والتقاسيم.
شكراً للدكتور طارق الحبيب من كل القلب.