بيني وبينكم 2007 الحلقة الخامسة والعشرون ال البيت والصحابة ج 1
(آل البيت والصحابة)
ما من مجتمع من المجتمعات، أو أمة من الأمم، إلا ولها رموزها التي تعتز بها، وتستمد منها المعاني الكثيرة، وترى أنها تجسد الإضاءات المشرقة في تاريخها الطويل، فالأمم بأحداثها، ورموزها التي تشرفها.
وفي الفلسفة المعاصرة، هناك ما يعرف بالمخيال الإنساني، وفحواه أن ما من مجتمع إﻻ وفي مخياله مرجعيات، فمثلاً: عندما يقع لأمة الإسلام حدث عظيم، فإننا نسارع إلى قول: أين صلاح الدين؟! لأن المخيال مسكون بهذا المثل الرائع المنقذ، الذي حقق إنجازات تاريخية ضخمة، ولذا فإننا نتلمس مثل هذا النموذج لهذه الأوضاع، وهكذا لكل أمة تماثيلها، وشاراتها، ورموزها.
إن من رموزنا التي ﻻ يمكن أن ننساها أبداً ما يسمى: بالجيل القرآني الفريد، وهو الجيل الذي ربّاه النبي صلى الله عليه وسلم، جيلاً فريداً لكنه لم يكن معصوماً، بل كان بشرياً، ولكنه حتى في أخطائه كان فريداً…
إنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هناك صحبة محضة، وهناك صحبة فيها أمر زائد على الصحبة، وهم الآل، أو الأهل، أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والصلاة على الآل هو دعاء لهم بالرحمة من الله سبحانه وتعالى.
إن محبتك لشخص ما يوجب عليك محبة الآل الذين تفرعوا عنه، ويحيطون به، وكلما اقترب الآل من أخلاقيات وعقائد قدوتهم الأكبر، كان الولاء لهم أكبر، والمحبة أكمل، والعكس بالعكس، فالقياس هنا طردي.
ومن باب الحق الواجب لهؤلاء الآل علينا جميعاً ألا نخلي مجلساً من ذكرهم، وألا نقصر في نشر سيرهم بين الناس، وفي الخطب، والمدارس، والجامعات، لأنهم قدوتنا، وأسوتنا، فإذا كان كثير من الناس هذه الأيام يتفاخرون برموز لا صلة بها، ويستشهدون بشخصيات غريبة على أمة الإسلام كأرسطو، وأفلاطون، داروين، وغيرهم، بل يتفاخر البعض بموز ساقطة كبعض الفنانين، والفنانات، والراقصين، وأشباههم، الا يحق لنا بعد ذلك أن نفخر برموزنا وساداتنا من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وصحابته الكرام، الذين فتحوا الدنيا وسادوها بالعدل، والأخلاق، ومحاسن الآداب، فضلاً عن الدين، والعلم؟!
والسؤال الذي قد يطرحه البعض بحسن نية، أو بسوئها، ضرباً للعلاقة الطيبة التي كانت تجمع الصحابة بالآل، قولهم:
هل كان الآل منفصلين عن المحيط الذي يعيشون فيه؟! أي مجتمع الصحابة.
هل كانت هناك كانتونات لآل النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
وكانتون آخر للزبيريين؟
وثالث للتيميين؟
ورابع للبكريين؟
وخامس، وسادس، وسابع……!!
كلاّ، بل هم خليط متمازج متشابك.
فالتصور يجب أن يكون واقعياً، فيجب أن نفصل بين الثقافة الشعبية الموروثة، وبين المعرفة العلمية القائمة على أصولها، وقواعدها، ومراجعها.
فكثير من الناس لا يقرؤون، ونسبة كبيرة منهم ثقافتهم شفوية، وهذه الثقافة الشفوية انتقلت عبر أجيال إلى أن صارت ثقافة شعبية غير دقيقة!
وحتى يكون حواراً علمياً، قائماً على أسس صحيحة، ومعلومات موثقة، ونصوص تراثية، كان لي شرف اللقاء بأحد الأخوة المتخصص في دراسة آل البيت، وتتبع مشجراتهم، ونسبهم، وزواجاتهم، وعلاقاتهم، وتضحياتهم، وقام بتصميم خرائط بهذا الغرض، لتقريب الفكرة إلى أذهان الناس، وإيصال المعلومة لهم بطريقة سلسة، دون الحاجة إلى التعقيد في الأقوال، والآراء.
إنه الأخ المكرم الأستاذ علي حمد التميمي، الباحث الشرعي في مبرة الآل والأصحاب، في دولة الكويت.
بدأتُ حواري معه بهذا السؤال المباشر:
ما السبب الرئيس والدافع وراء اهتمامك بهذا الموضوع، والبحث والتنقيب فيه، وإخراج المشجرات الكثيرة في العلاقة بين آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والصحابة الكرام؟
فقال:
ﻻ يخفى علينا جميعاً أن البُعد بين آل البيت والصحابة هو بعد عقدي بالدرجة الأولى، فيجب علينا محبة هؤلاء شرعاً، وهذا بُعد سلوكي، لأنهم قدوتنا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين نقلوا أفعاله وسننه، فنحن نحتاج لهؤﻻء في عقيدتنا، ونحتاج لهم في نقل شريعتنا، وأهم هذه النقول: القرآن الكريم، فهم الذين نقلوه لنا، ونحتاج لهؤﻻء الكرام أيضاً في التأسي بهم في أخلاقهم، ورفعتهم، إلى غير ذلك.
من هذا المنطلق كان اهتمامي بهذا الموضوع، ووجدت مادة ضخمة أكثر مما كنتُ أتصور، وهذه المادة فيها غزارة، وفيها معاني، ومباني كثيرة، وقد أصدرت المبرة كتاباً كبيراً كان موضوعه الأساس: آل البيت ينقلون فضائل الصحابة، والصحابة ينقلون فضائل آل البيت، أليس هذا دليل على المحبة؟!
قلتُ:
بلى هذا دليل على المحبة والتعظيم والتبجيل، فإن لم يكن هذا دليلاً، فما هو الدليل إذن؟
نريد أن تحدثنا عن تفاصيل هذا التداخل الذي كان بينهم، فالعلاقة بينهم لم تكن منفصلة، وأما الحديث عن الخلاف الذي قد يقع، فهذا أمر طبيعي في البشرية بشكل عام، ونحن لا ندعي لهؤلاء العظماء العصمة، مهما كان فضلهم، ومنزلتهم.
فقال:
لا شك أننا نعتقد أن خيرة البشر بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد الأنبياء، والمرسلين عليهم صلوات الله وسلامه، هم صحابته الكرام، وخيرة الصحابة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وهم من العشرة المبشرين بالجنة، الذين هم من السابقين الأولين، وهم من أهل بدر حقيقة أو حكماً، لأن عثمان لم يحضر غزوة بدر، فقد أبقاه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة يمرِّض زوجته رقية، وقد حكم له بأجره، وهم كذلك من أهل بيعة الرضوان، ولا يخفى علينا أن بيعة الرضوان كان سببها عثمان رضي الله عنه، عندما حبسه أهل مكة، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده على يده الأخرى، وقال: هذه عن عثمان.
قلتُ:
بلا شك أن فضائلهم جميعاً محفوظة.
ولكن نريد أن تعرف أكثر على العلاقات التي كانت بينهم.
فقال:
من أعظم الوشائج والعلاقات التي جمعت بينهم علاقة المصاهرة بين النبي صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين.
فالنبي صلى الله عليه وسلم تزوج من عائشة الصديقة ابنة أبي بكر قبل الهجرة، ودخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية الهجرية.
وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم من حفصة بنت عمر بن الخطاب، في السنة الثالثة الهجرية.
وزّوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه رقية وأم كلثوم لذي النورين عثمان.
أما أبو السبطين علي بن أبي طالب فقد تزوج فاطمة الزهراء رضوان الله عليها، وأنجب منها ذرية النبي صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين، وزينب، وأم كلثوم، وهذه أم كلثوم بنت علي تزوجها عمر، وأنجب منها زيداً ورقية.
قلتُ:
هناك جزئية لا بد من توضحيها، ألا وهي: أن بنات الرسول صلى الله عليه وسلم سوى فاطمة هن ربيبات للرسول صلى الله عليه وسلم، أي بنات خديجة من زوجها الأول، فما مدى صحة هذه المعلومة، خاصة أن البعض يذكر روايات في ذلك؟
وعليه كيف يلقب عثمان بذي النورين، وهو قد تزوج في الحقيقة ربيبات الرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس بناته؟!
فقال:
هذا سؤال جيد، ومبحث لا بد من بيان الحق فيه، فأقول:
أولاً: بالنسبة للمصادر التاريخية لأهل السنة، فكلها مجمعة على أنهن بنات النبي صلى الله عليه وسلم.
أما في المذهب الإمامي الاثني عشري فهنّ كمل ذكرتَ: ربائب ولسن بنات النبي صلى الله عليه وسلم! مع أنني تتبعت بعض المصادر القديمة عندهم فوجدتُها تذكر أنهن بناته، ولسن ربائبه، كالمفيد ، والطوسي، والطبرسي، وابن بابويه القمي المعروف بالصدوق، وغيرها من الكتب.
ولكن لنفرض جدلاً أنهن ربائبه، أليس الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يزوج ربائبه من خيرة من يعلم من أصحابه، وهو الصادق الأمين، وخير من يربي، وخير من يزوّج، فهذا دليل واضح، وصارخ؟
قلتُ:
من الكلام المشتهر تاريخياً، وقد مررتُ عليه كثيراً، وألمحتُ إليه: كلام الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه عندما قال: (ولدني أبو بكر مرتين)، فهناك الكثير من الناس في العالم الإسلامي لا يعرفون هذه الحقيقة وهي أن أبا بكر الصديق جد جعفر الصادق لأمه!
فقال:
هذا للأسف من جهلنا بتراثنا، وبعدنا عنه، وهذا فتح باباً كبيراً للمستشرقين للدخول علينا منه، فأقول: إن مقولة الإمام جعفر الصادق ثابتة في كثير من المصادر، والمراجع الرئيسية باختلاف مذاهب أصحابها، مثل: عمدة الطالب ﻻبن عنبة المتوفى سنة 828، وكشف الغمة في معرفة الأئمة للأربلي، والأصيلي في أنساب الطالبيين لابن الطقطقي، وتهذيب الكمال للحافظ المزي، وتهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر، إلخ…
قلتُ:
وماذا تعني هذه العبارة؟
فقال:
الإمام محمد الباقر تزوج بحفيدة أبي بكر الصديق أم فروة، وهي ابنة القاسم بن محمد بن أبي بكر، فهذه هي الولادة الأولى، فأبو بكر جدّها من جهة أبيها.
وكذلك هو جدّها من جهة أمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وهذه الولادة الثانية.
فصارت الصديق جد الصادق من جهتين.
وعليه فإن الصديق هو بالضرورة جد جعفر الصادق، وجد موسى الكاظم، وجد علي الرضا، وجد الجواد، وجد علي الهادي، وجد الحسن العسكري.
بل أقول إن المصاهرات التي تمت بين آل النبي صلى الله عليه وسلم، وآل أبي بكر الصديق كثيرة جدًّا.
وحتى تتجلى الصورة أكثر وأكثر أقول:
إن أول مصاهرة، وأشرفها، هي مصاهرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لآل أبي بكر عندما تزوج أم المؤمنين عائشة.
ثم نجد أن الحسن بن علي بن أبي طالب تزوج حفيدة أبي بكر الصديق، حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.
كذلك نجد الباقر قد تزوج أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأنجب منها جعفر الصادق.
كذلك موسى الجون، وهو من ذرية الحسن بن علي، تزوج أم سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر.
هذا أولاً.
ثانياً: أن أبا بكر الصديق توفي سنة 13 هجرية، أي أن المنصب السياسي لآل أبي بكر اندثر بعد هذا الوقت، فلم يتولَ من ذرية أحد، ولم يكن له منصب تجاري، فالزواجات التي تمت لم تكن سياسية، ولا لمصلحة معينة، إلا الحب، والود، والقناعة بهؤلاء الناس.
قلتُ:
هناك ملاحظة ثانية وهي أن آل النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال هم الذين طلبوا الزواج من نساء آل الصديق، وليس العكس، والخطبة كما نعلم تكون من الرجال، أي أن رجال آل البيت كانوا هم الراغبون، ونساء آل الصديق هن المرغوب فيهن!
فقال:
والأجمل من هذا أيضاً أن كثيراً من هذه الزواجات تمت بعد حوادث الفتنة، مثل: كربلاء، والجمل، وصفين!!
إذن القوم لم يكن بينهم ذاك التوتر، والخلاف، الذي يصل إلى مستوى الدموية، كما صوّره بعض المستشرقين.
نعم؛ كان هناك خلاف عارض، لكنه اندثر، وانتهى.
قلتُ:
هل من مزيد لهذه الأمثلة الجميلة؟
فقال:
نعم؛ هناك المزيد، والمزيد كذلك.
أصهار الحسين بن علي بن أبي طالب من أبناء الصحابة.
فمن بنات السيد الحسين فاطمة، وسكينة.
أما فاطمة فتزوجت من الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي يسمى الحسن المثنى، وهو جد السادة الطبطبائية، وجد الأدارسة.
وأما سكينة فتزوجت من عبد الله بن الحسن بن علي، أخي الحسن المثنى.
وبعد وفاة الحسن المثنى تزوجت فاطمة بنت الحسين بحفيد عثمان بن عفان، وهو عبد الله بن عمرو بن عثمان، وكان يلقب بالمطرف؛ لجماله، وأنجبت منه محمد، الملقب بالديباج؛ لجماله كذلك، وهو شخصية شهيرة جداً في التاريخ، وكثيراً ما يذكر في كتب التاريخ: فلان الديباجي، نسبة إليه.
وأما سكينة فقد تزوجت بمصعب بن الزبير بن العوام، بعد استشهاد زوجها عبد الله في معركة كربلاء مع الحسين رضي الله عنهم، وبعد وفاة مصعب تزوجت من زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان.
قلتُ:
المعروف أن سكينة بنت الحسين تزوجت كثيراً، فبماذا تفسر هذا؟
فقال:
تفسير ذلك كالتالي:
أولاً: عبد الله بن الحسن قتل في كربلاء بعد فترة قليلة من زواجه بها، حتى قيل: إنه لم يدخل بها أصلاً؛ لأنها مأساة كربلاء تمت بسرعة، والزواج كان حديث عهد.
ثانياً: مصعب بن الزبير قتل كذلك في إحدى المعارك.
ثالثاً: إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف طلقها بأمر من الخليفة الموجود في ذلك الزمان.
كذلك تزوجت من عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام، وأنجبت منه ثلاثة أبناء تقريباً، كما أنها تزوجت من الأصبغ بن عبد العزيز، وهو أخو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز.
فكما ترى هؤلاء إما أنه طلق، أو أنه قتل، أو مات مبكراً، فبلا شك أن تتزوج المرأة بمثل هذا العدد.
قلتُ:
ومتى تمت هذه الزواجات سواء لفاطمة بنت الحسين، أو لأختها سكينة، على وجه التحديد أو التقريب؟
فقال:
زواجان فقط وقعا قبل كربلاء، وهما زواج الحسن المثنى من فاطمة، وزواج عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب من سكينة.
وما سوى ذلك فكانت كلها بعد أحداث كربلاء، وهذا يدلل على أن الخلاف لم يتسع إلى تلك الصورة التي يحاول البعض إبرازه بهذه البشاعة.
قلتُ:
وهل هؤلاء المستشرقون يحيون تلك القضايا الخلافية، ويتكلمون عن كربلاء، وما بعدها، أم أنها لا تهمهم؟
فقال:
لا شك أن طرح جزء من الحق باطل، فهؤلاء دائماً يدسون السم في الدسم، ويهملون التواريخ، ويهملون القرائن الأخرى، ويأخذون الحدث مجرداً عن سياقه، وبالتالي سيخرج الحدث بصورة بشعة جداً، وهذا ليس من الإنصاف، ولذلك نهى الله عز وجل عن كتم الشهادة ، وعن التحريف فيها.
قلتُ:
المشكلة في مثل هؤلاء أنهم يأتون إلى روايات باطلة، أو ضعيفة جدًّا، ومتهالكة، ويظهرونها للناس، ويشهرونها، وكأنها روايات متواترة، لا مجال لإنكارها، أو نقدها.
فقال:
صدقتَ، ومن الأمثلة على ذلك:
ما يروى أن الحسن بن علي كان مزواجاً، مطلاقاً! وأنه تزوج 70 امرأة على الأقل، وأن الناس كانت تحب ذلك؛ لأنها تتبرك بهذا النسب الشريف.
ولكن عند الرجوع إلى الروايات نجدها أنها من طريق الواقدي، ومردود الرواية عند كثير من علماء الجرح والتعديل، أو أنها روايات بلا سند أصلاً!
كذلك من الأمثلة: سكينة بنت الحسين، نجد أن كثيراً ممن كتب في سيرتها يعتمد في ذلك على كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني!! والذي يُظهِر فيه سكينة أنها عشقت ذلك المغني الذي تائب، وغير ذلك من سماجات لا تليق بالإنسان العادي، فضلاُ عن هؤلاء الأئمة.
فما كان من الشيخ العراقي وليد الأعظمي رحمة الله عليه، ذلك الشاعر المفلق، إلا أن انبرى للرد على هذه الأباطيل، فألف كتاباً سماه: السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني.
كما أنه يجب معرفة مناهج العلماء في تآليفهم، ومصنفاتهم، حتى لا نقع في نسبة أقوال باطلة له، وهو منها بريء.
فمن ذلك: الإمام الطبري، فإن من منهجه كما نص على ذلك بنفسه في مقدمة كتابه التاريخ أن يروي الروايات بالأسانيد، وقد يكون فيها من الكذابين، والضعفاء، إلا أنه يفعل ذلك من باب الأمانة، فهو ينقل إلينا كما نُقل إليه، ودورنا نحن البحث والتنقيب عن الصحة والضعف.
فمن جاء ونسبة رواية باطلة لأحد أئمة البيت، واحتج على ذلك بإخراج الإمام الطبري لها في تاريخه، أو غيره من أئمة السنة، فإننا نقول له: أخطأتَ في ذلك كل الخطأ، ونسبتَ الباطل إلى ذلك الإمام، وهو لا يقول به.
قلتُ:
هل من وشائج أخرى جمعت بين الصحابة والآل غير المصاهرات؟
فقال:
هناك من يعرف بقضية التسمية، أي أسماء الأبناء.
فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، كان لديه من الأبناء: أبو بكر، وعمر، وعثمان.
وكذلك الحسن بن علي سمى أحد أبنائه أبا بكر، والآخر عمر، كما أن من أبناء الحسين الشهيد عمر.
وهؤلاء جميعاً – سوى عمر بن علي – استشهدوا في كربلاء مع السيد الحسين رضي الله عنهم أجمعين.
إذن هناك مغزى من هذه الأسماء!
نستمر، فنجد تكرر اسم أبي بكر، وعمر، وعثمان.
فموسى الكاظم يسمي أحد أبنائه أبا بكر، والآخر عمر.
وهذا علي زين العابدين يسمي ابنه عمر، والآخر عثمان، بل إن كنية زين العابدين هي أبو بكر، وكنية علي الرضا أبو بكر!
وهذه لها مغزى!
فالإنسان منا عادة يسمي ابنه باسم، وليس بكنية، وحدوث مثل ذلك دليل على أن هناك مقصد من هذه الكنية، وواضح أني أقصد الشخص الفلاني بعينه، فعندما أقول أبا بكر، فأنا ما سميته باسم أبي بكر الحقيقي وهو عبد الله، وإنما سمّيته بكنية عبد الله وهي أبو بكر، لأنني أقصد قصد ذلك الشخص بعينه دون سواه.
قلتُ:
معلوم أن دلالة الأسماء هي دلالة محبة، وارتباط تاريخي، وفكري، فإنه لا يعقل أبداً أن يسمي أحد ابنه بـ: شارون!!! أو باسم شخص غزا، بلده أو قتل أهله!
هذا لا يمكن أبداً.
ولكن؛ ماذا عن أسماء النساء؟
فقال:
أنا اخترتُ أمّين من أمهات المؤمنين، وهي أمنا خديجة، وأمنا عائشة؛ لأن أزواجه صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين، فهن أمهاتنا.
فالباقر مثلاً من بناته خديجة، وكذلك زين العابدين، ومن قبلهما علي نفسه رضي الله عنه عنده بنت اسمها خديجة، وكذلك محمد الجواد.
أما عائشة: فنجد أن جعفر الصادق له ابنة اسمها عائشة، وموسى الكاظم كذلك، وجعفر بن موسى الكاظم، وعلي الهادي، وعلي الرضا كلاهما لدية بنت اسمها عائشة.
إن تكرر اسم عائشة عندهم له مغزى أيضاً!
وفي المقابل فإن اسم فاطمة من أكثر الاسماء انتشاراً عند أهل السنة، فهل بعد هذ حبٌ؟