بيني وبينكم 2008 الحلقة الثلاثون الجبل ج 2
الجبال
يقول الله جلّ في عليائه، وتقدس في سمائه: {ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً}.
هذه هي الآيات التي سوف نقف معها، مع أستاذنا الدكتور صبري الدمرداش.
والسؤال الذي أبدأ به:
وصفت الجبال ف بعض الآيات بالرواسي، فهل هناك علاقة بينهما؟
فقال:
نعم هناك علاقة، فقد ورد ذكر الجبال في القرآن الكريم بلفظها أو بصفتها، أما بلفظها كجبال فقد ورد 29 مرة، وأما بصفتها كرواسي فقد ورد 9 مرات، فلماذا يصف رب العزة الجبال بالرواسي؟
الراسية في الأصل هي السفينة؛ لأنها ترسو على سطح الماء، سواء أكان بحراً أم نهراً، فما هي العلاقة بين الجبال، وبين السفينة، حتى تسمى رواسي؟
الجواب: أننا لو أتينا بسفينة، ووزنّاها بما فيها من معدات، وأغراض، وهيكل، وبضائع، وأناس، ثم قسمنا هذا الوزن على الحجم، فالناتج هو كثافة السفينة، ويجب أن تكون أقل من كثافة الماء الذي ترسو عليه، وإلا فإنها ستغرق، والمعلوم أن كثافة الماء واحد جرام لكل سنتيمتر مكعب تقريباً، وإذا كان الماء مالحاً ستكون الكثافة أعلى من هذا بقليل، ولكن في كل الأحوال لا بد أن تكون كثافة السفينة أقل من كثافة الماء حتى تطفو.
أما الجبال: فهي تطفو على منصهر بركاني، أي أن تحتها سائل، كما هو الحال في السفينة، فتلك رواسي في البحار، وهذه رواسي على وشاح الأرض (الصهير البركاني)، وهذا الصهير كثافته 4.5 جرام لكل سنتيمتر مكعب، بينما كثافة الجبال رغم صلابتها 2.6 جرام، وبالتالي فهي تطفو فوق هذا الصهير، ولهذا سميت رواسي، قال الله تعالى في سورة المرسلات: {وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماءً فراتاً}.
قلتُ:
هذا معنى واضح وجميل جداً، نأتي إلى آية سورة النبأ: {ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً}، هنا تراتبية، فقد ذكر الجبال بعد الأرض الممهدة، كيف تفسر هذا التتابع؟
فقال:
نبدأ من قوله تعالى: {ألم نجعل الأرض مهاداً}: فنجد أن القرآن الكريم يصف الأرض بخمسة أوصاف: (مهاداً، بساطاً، قراراً، فراشاً، ذلولاً)، هذا أولاً.
ثانياً: ما هو المهد؟
المهد: هو فراش الطفل السهل المريح، فالله تعالى يمنّ على عباده بأنه ذلّل لهم الأرض، وسخرها لهم، فلماذا تعرضون عنه، ولا تعبدونه؟!
قلتُ:
ولذلك عقيدة الإسلام تقوم على أن الكون مسخر للإنسان، فليس بينه وبينه نِدّيّة، كما في الفلسفات اليونانية وغيرها.
فقال:
تماماً، ليست نديّة، وإنما هو تسخير.
وعندما نجمع الصفات الخمس للأرض، وهي: المهاد، والبساط، والفراش، والقرار، والذلول، نجدها كلها تسخير. هذا بالنسبة للأرض.
وأما السماء فهي بناء: كما قال الله تعالى: {أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها}، وقال أيضاً: {والسماء وما بناها}، فالسماء مبنية فعلاً كبناء القصر.
قلتُ:
كثير من الناس يتخيلون أن السماء هو الفضاء المفتوح، فما مدى صحة ذلك؟
فقال:
السماء مليئة بالأجرام السماوية، المجرات، وهذه المجرات عبارة عن منظومات شمسية، والمنظومات الشمسية عبارة عن نجوم، والنجوم لها كواكب، كل ذلك يشكل السماء، وأما أنها فضاء، ودخان كما يعتقد كثير من الناس، فغير صحيح.
قلتُ:
نعود لقوله تعالى: {ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً}.
فقال:
عقّب رب العزة سبحانه وتعالى ذكر الجبال بعد ذكر الأرض، وذلك لأن الجبال ضرورة من ضرورات جعل الأرض صالحة للحياة، كما هو الحال في الحديد.
قلتُ:
أي أنه لولا الجبال ما كان هناك حياة؟!
فقال:
إطلاقاً، فلولا الجبال لم توجد حياة، بكل المعاني التي تخطر على بالك.
قلتُ:
ولماذا؟
فقال:
لخمسة أسباب:
أولاً: لتحفظ توازن الأرض.
ثانياً: لأنها تثبت قشرة الأرض في وشاحها.
ثالثاً: لأنها تثبت الغلاف الجوي.
رابعاً: لأن جميع الثروات الطبيعية غير المتجددة موجودة في الجبال: (الذهب، الفضة، النحاس، الرصاص، الألمونيوم).
خامساً: لأن الجبال منابع الأنهار، فلولا الجبال ما كانت الأنهار! وهذه قاعدة جيولوجية.
قلتُ:
دعنا نفصل هذه الأسباب.
فقال:
أولاً: التوازن: فأي جسم يدور حول نفسه، أو حول محوره، فحتى لا يميل، أو يضطرب، أو يهتز، لا بد أن تكون الكتلة على جانبي محور الدوران متساوية، وكما نعلم جميعاً فإن الأرض تدور، وهذه أصبحت حقيقة مؤكدة لا مراء فيها، وهي تدور سبع دورات: منها دورة حول نفسها، فيتعاقب الليل والنهار، ودورة حول الشمس فتتعاقب الفصول، واليوم يومان: يوم العوام وهو 24 ساعة! ويوم العلماء وهو 23 ساعة و56 دقيقة وأربعة فاصلة، وبعدين زيرو تسعة زيرو ستة ثانية.
إذن الأرض تدور وتتحرك، ومع ذلك فإنها لا تهتز، ولا تضطرب، ومعنى ذلك أن توزيع كتل الجبال متساوٍ حول محوري الدوران.
قلتُ:
ولذلك فإن كثيراً من المفسرين كالإمام الطبري، وابن كثير، عندما وقفوا عند قوله تبارك وتعالى: {وجعلنا الجبال أوتاداً} قالوا: كي لا تميد بهم.
فقال:
والأقوى من ذلك قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده: (لما خلق الله عز وجل الأرض، جعلت تميد، فخلق الجبال، فألقاها عليها فاستقرت، فتعجبت الملائكة من خلق الجبال…).
ولذلك فإن ثاني المخلوقات بعد خلق الأرض هو الجبال، والجبال البركانية تحديداً، وهذا السر في إسلام الدكتور موريس بوكاي، وهو جراح فرنسي قرأ الكتب المقدسة وقارن بينها، فوصل إلى قناعة بأن الإسلام هو الدين الحق.
ولذلك فإن أول وظيفة لهذه الجبال بالنسبة للأرض هو حفظ توازنها، ولو تخيل الواحد منا سرعة دوران الأرض، لعلم مدى الحكمة والرحمة في خلق الجبال.
فالأرض تدور حول نفسها بسرعة ألف ميل في الساعة! أي 1600 كيلو متر في الساعة، فلو أخذتَ مسدساً وضع فيه رصاصات، وأطلقتَ هذه الرصاصات، هل عينك تستطيع أن تتابع إطلاق الرصاصات؟
قلتُ:
أبداً، فالسرعة متناهية للغاية.
فقال:
هذا وسرعة انطلاق الرصاصة من المسدس عبارة عن 500 متر في الثانية، فكيف الحال بسرعة دوران الأرض حول نفسها؟! لا شك أنها سرعة هائلة.
كذلك دوران الأرض حول الشمس، فإنه شيء لا يتخيله عقل، فهي تدور بسرعة 106 ألف كيلو متر في الساعة!! وهذه سرعة هائلة للغاية.
والسؤال الذي قد يطرأ على ذهن القارئ: هل نحن نحس بهذه الحركة؟
قلتُ:
لا، لا نحس بذلك.
فقال:
هناك أناس كثيرون يعارضون في مسألة دوران الأرض؛ لأن سرعتها النسبية صفر، وقد نلتمس لهم عذراً في ذلك!
لأن الاعتقاد بحركة بغير إحساس حقيقي بها، يعتبر تحدٍّ للعقل البشري في صميم خبراته؛ لعجزه عن إدراك ذلك، ولكن يجب أن يعلم الإنسان أن حواسه ليست هي الحكم، فلا تجعل الإحساس هو الحكم دائماً.
قلتُ:
ذكرتَ في إحدى المرات قاعدة تقول: ليس كل ما تراه موجوداً، وليس كل ما لا تراه غير موجود!! ومثال ذلك: أننا نرى الماء أزرق، ولكنه ليس أزرق!
فقال:
صدقتَ، وأنت ترى السراب، ولكنه لا وجود له.
قلتُ:
ننتقل إلى الفائدة الثانية للجبال، وهي: تثبيت الغلاف الجوي.
فقال:
ويدخل فيها الفائدة الثانية كذلك، وهي تثبيت قشرة الأرض في وشاحها، كما سيتضح معنا بعد قليل، فقوله تعالى: {والجبال أوتاداً} تشبيه بليغ، لماذا؟ لأن التشبيه البليغ في علم البلاغة هو: حذف أداة التشبيه، ووجه الشبه، فيصبح المشبه هو عين المشبه به، توكيداً للشبه بينهم، فالله تعالى لم يقل: الجبال مثل الأوتاد أو الجبال كالأوتاد، وإنما قال: { والجبال أوتاداً}، والقاعدة تقول: الزيادة في المبنى، زيادة في المعنى.
فلو أتى بكلمة (مثل)، أو بكاف التشبيه، لتباعد التشبيه، وهو سبحانه لا يرد تباعداً في التشبيه، وإنما يريد مطابقة، ولذلك فإن هذه كلمة لا يقولها إلا خالق، لماذا؟
الوتد له منطقتان: منطقة بزوغ، ومنطقة رسوخ، أما بالنسبة للرسوخ فالكل تحدث عن فائدته، وأنه من أجل حفظ التوازن، وهذا لا إشكال فيه.
ولكن ما فائدة البزوغ؟
لقد تحدث العلماء عن شيء له أربع صفات:
أولاً: أنه يظلل الإنسان على سطح الأرض، كما تظلل الخيمة الأعرابي.
ثانياً: أنه يمس سطح الأرض في جميع أطرافها.
ثالثاً: أنه يحميه من البرد، والحر، والمطر.
رابعاً: أنه يعمل كالخيمة سواءً بسواء.
فلم يجدوا شيئاً تنطبق فيه هذه الصفات إلا في الغلاف الجوي!!
قلتُ:
أي أن تشبيه القرآن الجبال بالأوتاد إنما هو في الجزء العلوي؟!
فقال:
تماماً، ولذلك كيف يتعامل العربي مع الخيمة؟
يأتي بالخيمة، ثم يدق الأوتاد في الأرض، ويربط الخيمة بها. فهل كان هدف الأعرابي عندما دق الأوتاد في الأرض أن يثبت الأرض، أم يثبت الخيمة؟!
قلتُ:
بل ليثبت الخيمة.
فقال:
وهذا ما يحدث مع الجبال بالنسبة للغلاف الجوي سواءً بسواء!
قلتُ:
أي أن أساس التشبيه أن الغلاف الجوي هو الخيمة، والأوتاد هي الجبال، والجاذبية هي العماد؟!
فقال:
بالضبط، ولكن ما هو الدليل على صحة هذا التفسير؟
الجواب:
الدليل رياضي فيزيائي!
فقد حسبوا وزن الأرض فوجدوه يساوي 6600 مليون مليون مليون طن، ثم حسبوا وزن الغلاف الجوي فوجدوه خمسة مليون بليون طن، ثم حسبوا وزن الجبال فوجدوها 100 مليون مليون طن، وعندما يطرح وزن الجبال، من وزن الأرض بما فيها الجبال، فإن المتبقي هو وزن الأرض، وطبقوا ذلك في قانون اسمه قانون الجذب العام، فهل الأرض تستطيع الاحتفاظ بالغلاف الجوي من دون الجبال؟ وجدوا أن ذلك مستحيل، بل إن الغلاف الجوي سينفلت ويطير كالخيمة.
فما هي الحجة في هذا الكلام؟
نقول: إن الجبال لها كتلة، تعمل على زيادة كتلة الأرض، وعندما تزيد كتلة الأرض، فإن جاذبيتها تزيد، فيثبت الغلاف الجوي عند ذلك.
ولكن إذا زالت الجبال، فإن قوة الجاذبية تضعف، وبالتالي ينفلت الغلاف الجوي، ونموت جميعاً!
إذن هذا تشبيه بليغ.
قلتُ:
بخصوص منطقة الرسوخ، وهي الجزء الأسفل من الجبل، ما هي نسبة المساحة بين ما ظهر من الجبال، وما بطن منها؟
فقال:
بداية: كيف نبتت هذه الفكرة؟
لم تكن هذه الفكرة موجودة قبل عام 1885، حتى جاء السير جورج ايلي، عالم الجيولوجيا الإنجليزي، فقال: لا أصدق أن قشرة الأرض بذاتها تحمل هذه الجبال الضخمة! ولذلك أنا أعتقد أنه لا بد أن يكون للجبال جذور في الأرض!
فقيل له: هل لديك دليل على ذلك؟
فقال: ليس لدي دليل، ولكنه توقع!
فكان كلامه عبارة عن نظرية، فلما تقدم العلم استطاع العلماء بواسطة الموجات الزلزالية أن يصوروا، ويقيسوا حجم الجبال، وخرجوا لنا بمعادلة جميلة جداً، وهي النسبة بين ما ظهر من الجبل، وما خفي منه.
أولاً: لماذا الجذور موجودة؟
لأن القشرة الأرضية تطفو على الوشاح، والوشاح هو المنصهر البركاني، والقشرة لا يتجاوز سمكها 60 كيلو متر، وتحت قيعان المحيطات ترِقّ هذه القشرة جداً لتصل إلى خمسة كيلو فقط، وبعد ذلك تصل للبراكين، فلو لم هناك جبال، فإن القشرة الأرضية لن تثبت على الوشاح، ولذا كان لا بد من شيء يثبتها فيها، فكانت الجذور.
فوجدوا مع التقدم العلمي: أن هناك علاقة طردية بين ارتفاع الجبل، والجذر الخاص به، فكلما زاد ارتفاع الجبل ازداد جذره، والعلاقة هي واحد إلى خمسة عشرة!
فمثلاً جبال الهيمالايا، وبالذات أعلى قمة فيها وهي إيفرست، فهذه ارتفاعها تسعة كيلو تقريباً، وبالتالي يكون جذر جبال الهيمالايا 9 مضروباً في 15، فيكون الناتج 135 كيلو تحت الأرض!! وهذه هي منطقة الرسوخ، ووظيفة الـ 135 كيلو أنها تثبت قشرة الأرض في وشاحها، وهو الصهير البركاني.
فتبين لنا من خلال ذلك أن الجبال وتد حقيقة، وهذه كلمة ﻻ يقولها إلا خالق!
وهذا ليس له إلا معنى واحد: وهو أن خالق الجبال هو نفسه الذي أنزل الآية السابعة من سورة النبأ، فليس هناك احتمال علمي آخر، والاستحالة هنا ليست استحالة إيمانية فحسب، وإنما استحالة عقلية، وعلمية أيضاً.
إشارة أخيرة في كون الجبال أوتاداً، أن من شأن الأوتاد أن تتكون أولاً، ثم تُدَق في الأرض، وقد اكتشف علماء الجيولوجيا مؤخراً أن الجبل يتكون أولاً، وبعد ذلك يتكون الجذر، ويدق في الأرض!! فسبحان الله العليم الخبير.
قلتُ:
ننتقل إلى الفائدة الرابعة، وهي أن جميع الثروات الطبيعية غير المتجددة موجودة في الجبال: (الذهب، الفضة، النحاس، الرصاص، الألمونيوم).
فقال:
هذا كلام دقيق للغاية، ففي الآية الكريمة من سورة فاطر يقول الله تعالى: {ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود}، فربّ العزة جل جلاله يستعرض ألوان الجبال المختلفة، والقدرة على التمايز في هذه الجبال، وبحسب هذه الآيات الكريمات نجد أن الجبال ثلاثة ألوان: جبال بيض، وجبال حمر، وغرابيب سود.
أما الجبال البيض: فهي نتيجة الجير، والحجر الجيري، والحجر الطباشيري الموجود فيها، فهو يعطيها اللون الأبيض، فوحدة بناء الجبل هو الصخر، ووحدة بناء الصخر هي المعادن، فلكل نظام وحدة بناء، فالجبل يستمد لونه من وحدة بنائه، التي هي الحجر الجيري.
وأما الأحمر: ففيه مركبات الحديد.
وأما الغرابيب السود: فنتيجة البازلت الأسود، والفحم الأسود.
وهذه الصخور كلها تستخدم في الصناعات، وفي البناء، وفي الحجر الجيري، والبازلت، والجرانيت.
قلتُ:
إذن هي بحسب التكوين المادي لها ينعكس اللون عليها.
بقيت معنا الفائدة الخامسة لهذه الجبال، وهي أنه: لا أنهار بلا جبال، والجبال منبع الأنهار.
فقال:
صدقتَ، فالجبال منابع الأنهار، لماذا؟
الجبال رواسي شامخات، كما قال الله تعالى: {وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماءً فراتاً}، فربّ العزة سبحانه وتعالى رتّب هذا على هذا، رتّب سَقْيِنا للماء العذب الفرات على جعل الرواسي شامخات، فكلما شمخت الجبال كلما ازدادت مياهها! كيف هذا؟
الثابت بلا شك أن قمم الجبال باردة، لأن القاعدة تقول: كلما ارتفعنا عن سطح البحر، أو الأرض، كيلو متر واحد، فإن درجة الحرارة تقل بمعدل ست درجات مئوية، فمثلاً: جبال الهيمالايا يبلغ ارتفاعها 8840 متراً تقريباً، أي ما يقارب تسعة كيلو، فمن الممكن أن تصل درجة الحرارة عل قمتها سالب 80، أي 80 درجة تحت الصفر!! وبالتالي عندما تأتي الرياح من منطقة استوائية حارة، وتضرب قمة الجبل، فإن بخار الماء الذي تحمله الرياح يتكثف، ويصبح سحباً، وتنزل أمطار فيما بعد.
ولنفرض أنها لم تضرب قمة الجبل، وإنما ضربت سفح الجبل، أو منتصف الجبل، فإن السفح أو المنتصف يجبران هذه الرياح للصعود إلى قمة الجبل، حتى يتم تكثيف هذا البخار، وتحويله إلى مطر، ومن ثم ينزل المطر فيما بعد، فكأن الجبال نصبها الله سبحانه وتعالى مكثفات إلهية لتكثف بخار الماء لنا.
قلتُ:
لو لم تكن هناك جبال، وارتفعت السحب، ومن البرودة نزلت أيضاً تتحول ممكن إلى أنهار أو بحيرات؟
فقال:
تتحول ولكن عاملة زي حكاية الأرض من غير الجبال، يعني ستكون عملية صعبة جداً، فالذي يساعد على هذا وجود الجبال على سطح الأرض، فهي تعمل على تسريع لهذه العملية جداً، ونلاحظ أن الله سبحانه وتعالى أتى بالماء بصورة نكرة، حيث قال: {وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماءً فراتاً}، فلم يقل الماء الفرات، وهذه جزئية علمية دقيقة جداً:
فالماء الفرات لم يكن في الأصل ماء فراتاً، وإنما كان ماء أجاجاً، أتى من بحار الدنيا، ومحيطاتها، والجبال عملت كمكثف طبيعي، والشمس قامت بعملية التبخير، وهذا التبخير يفصل الماء الذي هو الأكسجين والهيدروجين عن الملح، فيذهب ويتكثف فوق، ثم ينزل، فجاءت الكلمة نكرة لتفيد العموم، وتشمل الماء الناتج عن الأمطار، والماء المنحدر من شمخ الجبال.
قلتُ:
حبذا لو نعرّج على الآية رقم 88 من سورة النمل والتي تقول: {وترى الحبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون}.
فقال:
يقرن الخالق سبحانه وتعالى في هذه الآية بين حركة الجبال، وحركة السحاب، فما هي العلاقة بينهما؟
الجواب: أن كلاً من الجبال والسحب تتحرك، ولكنها حركة غير ذاتية، أي حركة مكتسبة. كيف؟
السحب تتحرك حركة غير ذاتية محمولة على الرياح، فالسحب لا تتحرك بذاتها، بل تتحرك بما هي محمولة عليه وهي الرياح، وما هو السحاب؟ هو بخار ماء متكثف، وما هي الرياح؟ هو هواء ديناميكي متحرك، فالهواء الديناميكي المتحرك يحمل بخار الماء المتكثف.
قلتُ:
أي أن حركة السحاب حركة تبعية، وليست ذاتية؟
فقال:
تماماً. والجبال كذلك، وهذه هي الدقة في الاقتران، فالجبال لا تتحرك بذاتها، وإنما تتحرك بحركة الأرض المحمولة عليها، فالأرض تدور كما قلنا حول نفسها وحول الشمس.
قلتُ:
إذن السحاب يتحرك بحركة تبعية تابعة للريح، وكذلك الجبال تتحرك بحركة الأرض، لذلك نحن ﻻ نلاحظها.
فقال:
وانتبه إلى قوله تعالى: {مر السحاب}، ففيه تشبيه بليغ.
قلتُ:
لماذا نحسبها جامدة؟
فقال:
ماذا تعني جامدة؟ أي ثابتة، مستقرة، هامدة، خامدة، لا تتحرك، فأنت تحسبها كذلك، ولكنها في الواقع ليست كذلك.