زنادقة جدة… غير!
ليلة الخميس الماضي وبدعوة ودية من بعض شبيبة جدة كانت سهرة لها مذاق «غير» تلك السهرات الكثيرة الفكرية الحوارية التي مرت عليّ في جدة وغيرها.
سهرة غاب فيها الزمن عن الأذهان، أليس الزمن فَرْعُ الحدث؟ فكيف إذاً ذاب الحدث وتوحد في روح جمعية للاقتراب من الحقيقة الهاربة.
سهرة أمطرني بها الشباب بسيل من الأسئلة وأحيانا سهام من الاعتراضات ومرات قليلة نكشات مُحملّة بالمعنى ونقيضه.
ومع لحظات الانسجام من تجاذب الأفكار ارتفع سقف الطرح الجريء وازدادت سخونة الأسئلة وعندها لم يترك الشباب شاردة ولا واردة إلا وقذفوا بها من عالم الأذهان الى عالم الأعيان.
طوفان من التساؤلات والاستفهامات حول العقيدة والتراث، الذات وواقع الحال، القديم والجديد، الدين والتدين، الدنيا والآخرة، الوجود والغيب، العلم والعقل، الفلسفة والإيمان، الحرية والطغيان، والهوية والتطور…
يوم بعد يوم أشعر بأن المسافة تتسع بين هذه الأجيال التي تستقبل الحياة بعقلية غير مسبوقة والجيل الذي يتربع على عرش الأسرة، والمؤسسة التربوية، والخطاب الديني والمشغولين بالتنمية الاجتماعية بل وأصحاب القرار الاقتصادي… إلخ.
شبابنا بين هموم المستقبل وتحقيق الذات وبين الملل من واقع لا يعجبهم ونموذج غربي بنماذجه التطبيقية ومفاهيمه الفكرية الحقوقية والحرية… إلخ.
ومن جهة أخرى، البعد العقائدي الخالص أي التصورات البحتة لنشأة الكون والإنسان والحياة وعلاقة ذلك بمفهوم الإيمان وثمرة ذلك في الدنيا.
لن أتطرق الى تساؤلات الشباب بالتفصيل – ولعلي أعود إليها – لأن أصعب شيء على الباحث هو «الاختزال» في مسائل كبرى، بل حتى من حوارهم الراقي الذي أضاف إليّ الكثير لم أجب عن بعض الأسئلة لأنها تحتاج الى مقدمات منطقية وفرشة فكرية، لأنني أؤكد مرة أخرى «الاخترال والتبسيط» يخل بالموضوع.
وأخيرا على عكس ما يتوقع البعض لم أجد عداء بين الشباب ودينهم ولكن هناك ردة فعل تجاه نمط من التدين، وهناك شبهات لم تجد اجابة، وهناك قناعات تحتاج الى تفكيك وعند بعضهم تجربته الخاصة عوّل عليها وجعلها الحكم والمعيار.
شباب جاد يحتاج الى حوار جاد، لا الى تبكيت وتشهير، كما لا نضع الجميع على مسافة واحدة، فالباحث عن الحقيقة غير الذين عرفوا بالسخرية بالدين والاستهزاء بالمسلمات العقائدية ومحاولة بناء مجد شخصي من على منابر الشيطان…
الخلاصة حتى الأسئلة العقائدية الكبرى والوجودية التي طرحها شباب جدة عليّ أسئلة مشروعة وقد تكون جديدة لديهم وإن كانت كتب الفلسفة والعقيدة تطفح بمناقشتها منذ الأزل المعرفي…
قد يعتبر البعض ان هذه التساؤلات «زندقة» وخروج عن الملة، وأقول من حق الشباب أن يسأل ومن واجبنا أن نفهم دوافع الأسئلة ونجيب عنها.
وللحديث بقية وللزندقة عودة.