لو كانت الزلازل عقابًا من الله للمذنبين، فلماذا تضرب الزلازل القمر؟
لم تكد واقعة الزلزال المفجعة تضرب أرض بلادنا الإسلامية في سوريا وتركيا، حتى ظهرت بعض الأصوات على مواقع التواصل الاجتماعي تذكر الناس بأن الله يرسل بالآيات لينذر عباده ويدفعهم إلى التوبة، مصداقًا لقوله تعالى: “وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا”، فتكون الكوارث فرصة للعودة إلى الله تعالى والإقلاع عن المعاصي.
بينما على الجانب الآخر، واجهت بعض الصفحات والحسابات العلمية على مواقع التواصل هذا الاتجاه بنشرها تقارير علمية عن حجم الزلازل وأسبابها العلمية المجردة، فقالت إحدى هذه الصفحات أن القمر مثلًا شهد قرابة 13000 زلزالا مدمرا في السنوات الثمانية الأخيرة فقط، رغم أنه لا يوجد بشر يذنبون أو لا يذنبون، في إشارة لعزل الحدث عن أي سياق آخر، وحصره في الجانب العلمي وحسب.
والمتأمل في هذا السجال، سيجد أن مؤيدي التفسير العلمي المجرد يقعون في مغالطة لا تتفق وتفكيرهم العلمي -المزعوم-؛ إذ يسحبون العلم لمساحة أخرى غير مساحته. فالعلم التجريبي البشري لا يجيبنا إلا عن سؤال واحد: “كيف؟”، هو يخبرنا عن الآلية التي تحدث بها الظواهر والأشياء: كيف يحدث الزلزال؟ كيف تنفجر البراكين؟ كيف تفيض المحيطات؟ وهكذا.
بينما الإجابة عن الغاية، أو عن سؤال “لماذا؟”، فلا يملكها إلا الدين وحده؛ كونه رسالة خالق الكون لنا، وهو العليم بكل ما يحدث وكل ما يكون. فالعلم -مثلًا- يمكنه إخبارنا بكيفية حدوث تشوهات الجنين الذي تتعاطى أمه الخمور، ولكنه لن يخبرنا لماذا حدث هذا؟ هل هو اختبار لأهله؟ هل هو ابتلاء للطفل نفسه عند كبره؟ هل هو عقاب لأمه بأن ترى جزاء ما فعلته؟ وهل هذا كله سيدفع للتوبة والرضا أم للجحود والجزع؟ هل الحكمة منه إبراز تحدٍ للأطباء ليتطور علم الطب؟ أم لغرض آخر لا نعلمه ويعلمه الله وحده؟
أيًا كانت الإجابة، فقطعًا لن تأتي من جانب العلم لأنها مساحة لا تخصه، والأمر نفسه ينطبق على الزلزال المفجع المذكور، فالله وحده يعلم ما أراده بنا من ورائه، وهو مصاب لأمتنا جميعها؛ هل أراد عقابنا؟ أم اختبارنا؟ أم تحذيرنا؟ أم اجتباء الصالحين منَّا بالشهادة؟ أم اصطفاء الأخيار منا وتمحيصهم بالصبر؟ هل أراد الله أن يعيد إلى أمتنا شملها وأن يوثق الرابطة بيننا؟ أم ربما أراد هذا كله؟ أو أمرًا آخر فوقه؟ وحده الله يعلم، ولكننا في النهاية أمام آية كونية من آيات الله التي تستوجب العبرة والعظة؛ لأننا نؤمن أن شيئًا في كون الله لا يحدث عبثًا، وأن الله الحكيم يضع الآيات لحكمة يسيّر بها الكون، وحضور التفسير العلمي لا يغنينا عن تأمل التفسير الغيبي والإنابة والخشوع لرب العالمين.