مشايخ… أبواق وأحذية!
في عام 1969 ارتقى الشاعر نزار قباني منابر الشعر، وأنشد قصيدته الذائعة التي كان لها وقع شديد على المثقفين الذين أجروا أقلامهم وسخروا تفكيرهم لخدمة السلاطين والولاة في زمن كانت الأنظمة ذات طابع ديكتاتوري قمعي فكان البيتان التاليان بمثابة رصاصتين ضد مثقفي النفاق، وهما:
وإذا أصْبَحَ المفكر بوقاً
يستوي الفِكر عندها والحذاءُ
أنا حُرِّيتي، فإن سَلَبُوهَا
تسقُطُ الأرضُ دُوَنَها والسماءُ
ألهم هذان البيتان كثيراً من الكتاب والمفكرين فكتب وديع فلسطين مقالاً عنوانه «الأدب والأحذية» ونشرته مجلة «الأديب» اللبنانية. قال وديع: ولم يلبث هذا المقال أن «توالد» واتسعت رقعة صداه من تعليقات واضافات ومستطرفات من المشارق والمغارب واستمرت ذيول هذا المقال تتواتر نحو ست سنين على صفحات تلك المجلة الزاهرة.
وهذا شأن المثقفين تاريخياً بحكم بشريتهم يكون التنوع في المواقف، أحداث ثورة مصر ساهمت بكشف المثقفين بشكل حاد وفاضح لضخامة الثورة، ولقد انتشر على الإنترنت قائمة بأسماء المناصرين للنظام المصري البائد وقادته، وقد اطلق المدونون على هذه القائمة صفةً قبيحة وهي تضم فنانين ولاعبين ومذيعين ومفكرين وصحافيين ومشايخ… الخ…
ولكن هناك وجهاً آخر يعاكس هذا النموذج المنبطح أو الغبي الساذج أو الدرويش أو المتمصلح أو المشارك في الاجرام السياسي ألا وهو الوجه الواقف ضد الطغيان، من جهتي أرى، ان اخطر الشخصيات تلوثاً في مساندة الظلمة من السلاطين هم الذين ينطلقون من منطلقات شرعية فيلبسون أنظمة اشتراكيةً علمانية تساند الصهاينة تقتل المسلمين وتنشر الشرك والالحاد وتتبناه في مؤسساتها الثقافية باسم النقد والحداثة والأدب والفلسفة والاجتماع وتنطلق في نظامها الدستوري من خليط القوانين الأوروبية وغيرها وفوق هذا كله هي أنظمة ولي أمرها الأصلي (أميركا) باعترافها.
… يأتي الشيخ أو الداعية الشرعي وبطريقة ساذجة وقد تكون صادقة وبريئة فيكسو وينزل أحكام الشريعة التي هي في الخليفة الظالم على هذا الواقع الذي صنعه (سايسبيكو) وكانت هذه ثمرته الفاسدة… لقد حزنت أيام القصف الإسرائيلي لغزة وإهلاك مليون ونصف مسلم بألوان العذاب من شاب ثلاثيني بعد أن ألقيت كلمة تضامن مع شعب غزة في تلك الأيام في الكلية الاسترالية وشارك معي في الكلمة مجموعة من الجمعيات الإنسانية والحقوقية جاءني الشاب وناقشني في مصلى الكلية بعد أداء صلاة المغرب بأن محمود عباس هو ولي الأمر وحماس بغاة خارجون عليه، وكان بارداً غير متفاعل مع الأحداث، هذا النموذج رغم صدقه إلا أنه صدق مدمر، وصدق بلا وعي ولا بصيرة وهل يشك أحد في صدق الخوارج…؟ صحيح الموضوع شائك ولكن صحيح أيضاً أن أسوأ مثقف يسقط في مستنقع تلميع الطواغيت واضفاء الشرعية عليهم هو المثقف الذي يتدثر بالشرع وأحكامه، نصيحتي إذا عجز الداعية أو الشيخ أو المفتي عن الصدع بالحق فليكرمنا بالصمت وليكف عنا (جشاءه) الديني الهزيل ولينأ بنفسه من أن يكون بوقاً أو حذاء للظالمين.