وياكم 2013 الحلقة السادسة عشر التباس
الالتباس
الالتباس يقع في المفاهيم، أو في الأفكار غالباً…
الالتباس يقع عندما يختلط الحق بالباطل، فيصعب الفرز، والتمييز بينهما…
الالتباس يقع عندما تكون الصورة غير متجلّية، وغير كاملة، فيمسك الإنسان بخيوطها الأكثر، لكي يعرف دقائقها، ويستطيع الحكم الصحيح المتوازن عليها، لكنه لا يوفق لذلك…
فكيف إذا كان اﻻلتباس الذي نتكلم عنه واقعاً في قضية المرأة؟!!
وهل هناك قضية تشغل الناس والإنسان اليوم أكثر من قضايا المرأة، في عصر العولمة، والانفتاح المحموم؟!!
المرأة العربية والمسلمة واقعة في حيرة من أمرها، فهي تقع بين طرفي نقيض تمثل في وجهين:
الوجه الأول: حيرة المسلمة بين الموروثات والتقاليد، والأعراف والعادات، التي ورثها العرب والمسلمون، فحلت محل الشريعة، وبدأ كثير من الناس-بما في ذلك مستويات ثقافية عالية- تحكم على الأسرة، والبنت، والزوجة، والأم، بأحكام الأعراف والعادات، وتؤخر أو تعطل أحكام الشريعة!
نعم؛ هذا واقع، فديكتاتورية الأعراف وسلطتها، بلغت مبلغاً تجعل المسلم المصلّي يفرط في الحكم الشرعي ويقدم العرف عليه!
هذا وجه من الوجوه البائسة في حياتنا.
الوجه الآخر: هو بريق النموذج الغربي، وطوفان الشبهات والشهوات، التي تأتي بها الأجندة الغربية بأفواه عربية، بأجندات لمنظومات، ومنظمات، وجمعيات نسوية عربية، تحمل النموذج الغربي كقالب تطوّري، حضاري، نهضوي، وتقول لنا (هاكم)!! ليس كبديل للأعراف البالية، أو التقاليد المتخلفة، ولكن كبديل عن الأصالة، وعن الأحكام الشرعية، وعن روح الدين!!
وهؤلاء كما يقال في المثل: من يأكل خبز الخواجة ضرب بسيفه! هؤﻻء مندوبون عن الآخر، هؤﻻء رسل للغرب، بوعي أو بلا وعي، فهو انبهار يتدفق، وحماس مفتونٍ مجذوبٍ مأخوذٍ بالغرب! أما الطرف الوسط فهو: الشريعة، فماذا تقول بما يثار هنا وهناك؟!
وسنأخذ نموذجاً على هذا الموضوع متمثلاً بـ(الحركات النسوية)، التي صدعت رؤوسنا، وشغلت العالم، خاصة بعد حدوث بعض المشكلات الواقعية في حياة المسلمين هنا في الخليج، أو في اليمن، أو في مصر، أو في الشام، أو في بنجلاديش، أو في أفغانستان، أو غيرها من البلدان الإسلامية، فيعلو صوت الجمعيات النسوية المتغربة، وتبدأ تتكلم، وتكيل التهم الباطلة جزافاً للإسلام، وأحكامه، ونظمه.
فمثلاً: قضية ختان المرأة: فلربما يحدث خطأ في هذه القضية، بقصد، أو بدون قصد، فيصعّدون الموضوع، ويركزون على هذا الأمر بطريقة مهولة، ودعائية، ويسلطون عليها الأضواء، في الوقت الذي ﻻ نسمع لهم صوتاً، وﻻ حسيساً، تجاه اﻻغتصابات الجماعية، والمقابر الجماعية، التي وقعت لنساء المسلمين في البلقان الغربي، فلماذا لا تأخذ هذه القضايا حجم الضجّة الإعلامية التي أخذتها قضية الختان، بسبب خطأ وقع في ختانها، أو أنها ماتت في ختانها؟!! مع العلم أن موضوع الختان مضخم أصلاً في البيئة العربية والإسلامية.
فأين التوازن؟
اقرأ التاريخ، وارجع إلى سنة 1994، حيث المؤتمر الدولي للسكان، الذي عقد في القاهرة، والتي طرحت فيه مفاهيم جديدة، وأفكار جديدة حول الأنثى، مفهوم الأنثى الجديد، هيكلة الأسرة الجديد، الحقوق الجديدة الشاذة، التي بدأت تكتسح حقوق الإنسان التقليدية!! وتعطينا تابلوهات جديدة، ومقدسات جديدة، كبديل للدين، وأحكامه.
فيتكلمون مثلاً عن: تحريم الزواج المبكر!!
حسناً؛ أنتم تتكلمون عن خطورة، أو معوقات، أو نتائج، وثمرة، الزواج المبكر، ولكن…
لماذا أبحتم في مؤتمراتكم، وبلغة فضفاضة مطاطة، الزنا المبكر للمراهقين، كبديل عن الزواج المبكر؟!!
لماذا أصبح الكلام والسخط والتركيز يسلط على الزواج المبكر، بينما في حالة الزنا، والشذوذ، فالحال عندكم إما سكوت، وإما تبرير، وإما اعتراض ناعم جميل؟! لماذا؟!
هذه كلها أسئلة استفهامات تحتاج إلى إجابات واضحة، وصريحة، وجريئة كذلك.
تمردٌ، وعلو صوت، يقارنه استعراض يرتكز على جهاﻻت في اللغة، والدين، والواقع، والبيولوجيا أيضاً.
قالوا بصفاقة وجه: لغة القرآن ذكورية!! والقرآن متحيز في لغته للذكور!!
والله إن العجب لا يكاد ينقضي من مثل هذه الفرية الساقطة، والشبهة الباهتة.
هل فعلاً النص القرآني، والخطاب الديني، خطاب ذكوري، ينتج من بيئة ذكورية، وبالتالي صبغ الشريعة بصبغة رجولية؟!! هل هذا الكلام صحيح؟!!
واحدة من هؤلاء البائسات تقول: إن القرآن والإسلام عندما أراد توجيه اللوم على خروج آدم من الجنة، متمثلاً بالخطيئة الأولى، جعل خروجه بسبب حواء!! ثم جاءت بروايات إسرائيلية، وروايات ﻻ أساس لها في الشريعة، لتدلل على صحة دعواها، ولكنها عميت وغشي بصرها، هي ومن وافقها، عن قول الله تبارك وتعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}، وقول الله تبارك وتعالى: {وعصى آدم ربه فغوى}، فهل هذا الكلام يخاطب به آدم، أم حواء؟! ثم تأتيه البشارة: {ثم اجتباه ربه فتاب عليه} على من ؟ على آدم، أم على حواء؟
لا شك أن الخطأ مشترك، ولكن اللّوم والخطاب كان مباشراً للرجل وهو آدم عليه السلام.
ولذلك كان لا بد من بيان جهل، وركاكة، وضحالة، مثل هذه الانتقادات الموجهة لكتاب الله تعالى، وسوف يكون التركيز على هذه الشبهة تحديداً، وهي:
ذكورية النص القرآني!!!
وسوف نتسلسل بخطوات واضحة في الرد.
أولاً: قاعدة مهمة لا بد فيها عند الكلام في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي: أن فهم معاني القرآن والسنة يجب أن يكون باللغة العربية التي نزلت في ذلك العهد، بمعنى كيف كانت متداولة في وقتهم وعصرهم، وعلى ضوء ذلك نفهم نصوص القرآن والسنة، وليس على أساس لغتي أنا الآن، أو على لغة متأخرة.
ثانياً: منهج لا بد من استحضاره في مثل هذه القضايا الشائكة، والذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: (الرسائل والمسائل)، فيقول:
(من أعظم أسباب الغلط في فهم كلام الله ورسوله، أن ينشأ الرجل على اصطلاح حادث-أي اصطلاحات، وكلمات جديدة حادثة، غير موجودة، أو لها معاني جديدة- فيريد أن يفسر كلام الله بذلك الاصطلاح، ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها).
والمعنى أن بعض هؤلاء يريد أن يفهم كلام الله، وكلام رسوله، ﻻ على المصطلح واللغة التي كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما على حسب اصطلاح محدَث في عصره هو، وفي ثقافته هو، وهذا منشأ الخطأ والزلل.
ولذلك بيّن أئمتنا وعلماؤنا هذه المسألة غاية البيان، حتى لا يقع الخلط، والتخبط في معاني القرآن والسنة، فهذا الإمام أبو عمرو ابن العلاء، إمام أئمة اللغة، المتوفى سنة 154 هجرية، يقول: إن اللسان الذي نزل به القرآن، وتكلمت به العرب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، هو عربية أخرى غير كلامنا هذا!!
وهذا العلامة ابن خلدون يؤكد على المعنى نفسه في مقدمته، فيقول: لغة أهل الجيل- يقصد جيله هو في القرن الثامن- مغايرة للغة مضر، التي نزل بها القرآن!
فإذا كان ابن خلدون، وأبو عمرو ابن العلاء، وأئمة اللغة كلهم، يقولون: إن لغتنا تختلف عن اللغة التي كانت في عصر التنزيل، فما بالك بلغة هذا الجيل اليوم؟!!
ثالثاً: في اللغة العربية والقرآن نوعان من الخطاب:
- خطاب خاص بالأنثى، موجه للنساء وحدهنّ، يريد الله سبحانه وتعالى أن يعطي من خلاله أحكاماً للإناث، كقوله تعالى:{يا نساء النبي….}، وقوله:{وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن…}، وقوله:{لا جناح عليهن في آبائهن….}، وغير ذلك.
- خطاب للذكور والإناث معاً، فلا يوجد في اللغة العربية، أو القرآن الكريم خطاب للذكور وحدهم دون الإناث، إلا إذا دلّ الدليل الصريح على تخصيص الرجال بالخطاب، وإلا فإن دلالات الخطاب القرآني شاملة عامة، تعم الذكور والإناث.
ومن أكثر الأمثلة على الاشتراك في الخطاب، قوله تعالى:{آمنوا بالله ورسوله}، فعندما يقول القرآن:{آمنوا بالله ورسوله}، فإن لفظ (آمنوا) مذكر، ولكنه يقصد به الذكور، والإناث قطعاً، فهذا خطاب عام، ليس موجهاً للرجال وحدهم كما ﻻ يخفى على أي عاقل، مع أن التعبير به جاء بصيغة المذكر، فقال: آمنوا، ولم يقل: آمِنَّ، فكل إنسان يقرأ القرآن، يعلم أن قوله تعالى:{آمنوا بالله ورسوله} يعمّه هو، ويعمّها هي ويعمّ الجميع، وقد اتفقت كلمة أهل الفقه، وأهل التفسير، وأهل الحديث، على أن الشريعة إذا جاءت بالأحكام بصيغة المذكر، فإن هذا الحكم يشمل المذكر والمؤنث كذلك، ويشمل الرجال والنساء، مالم تأتِ خصوصية أو فارق خاص يخص النساء بشيء من طبيعة النساء، لا يشترك معهن فيها الرجال.
هذا الكلام قاله كبار المحققين من العلماء كالإمام الخطابي، من متقدمي شراح البخاري، في كتابه معالم السنن، عند شرحه لحديث: النساء شقائق الرجال.
وقاله كذلك الإمام ابن القيم: صاحب كتاب: أعلام الموقعين عن رب العالمين.
وقاله العلامة ابن رشد: في كتابه: بداية المجتهد ونهاية المقتصد أيضاً.
وقاله الإمام ابن حجر العسقلاني، في كتابه: فتح الباري، وغيرهم من الأئمة والعلماء. ولتوضيح هذه النقطة أكثر وأكثر، دعونا نعرض لنموذجين من إحدى أمهات المؤمنين، في شمولية الخطاب للذكور والإناث على حد سواء.
فهذه أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عرض لها التوهم ليس في أن الخطاب القرآني، والنبوي، ذكوري! ليس هذا فحسب، بل إن الأمر تجاوز عندها ذلك بأن الكلام عن الرجال والخطاب للرجال أكثر من النساء! فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: يا رسول الله؛ ما لنا لا نُذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟! وفي رواية: يا نبي الله؛ ما لي أسمع الرجال يذكرون في القرآن، والنساء لا يُذكَرن؟! وفي رواية: يا رسول الله؛ إن الله يذكر الرجال في كل شيء، ولا يذكرنا!! هنا نزل قوله تبارك وتعالى كتطييب للخاطر:{إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً}.
ولكن مع كل ذلك؛ لاحظ لما ذكر الأنثى والذكر: مسلمين مسلمات، مؤمنين مؤمنات، ثم ماذا قال في النهاية؟ (أعد الله لهم)، فلم يقل: لهن، ولا قال: أعد الله لهم ولهن. لماذا؟!
لأن القرآن مبني على الإيجاز والاختصار، والزيادة قد تخرجه عن سياقه، وعن بلاغته، مما يدلك أن كلمة: (لهم) تشمل الذكر، والأنثى. هذا المثال الأول.
أما المثال الثاني: فكما جاء في صحيح مسلم أن أم سلمة أم المؤمنين كانت تقول: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض ولم أسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان يوماً من ذلك، والجارية تمشطني، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: أيها الناس. فقلتُ للجارية: استأخري عني.-أي ابتعدي عني قليلاً؛ لأسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا يقول-، فقالت الجارية: إنما دعا الرجال، ولم يدعُ النساء!!-لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناس، فتوهمت الجارية التي تمشط أن الخطاب للرجال، دون النساء- فقالت أم سلمة الفقيهة العالمة: إني من الناس!!
هذا هو الوعي المطلوب، والفهم المحمود، ولذلك فإن عقلية الليبراليات، العلمانيات، التغريبيات، هي عقلية، وتفكير الجواري البدائيات، الأميات، المتواضع، وليس تفكير أم سلمة الراشدة العاقلة الناضجة!
وهذا الكلام ينطبق على كل ما ورد في الأحاديث النبوية، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)، أي ومسلمة، وقوله: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، والمعنى ذكراً كان أو أنثى، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس)، فالناس هنا هل هم الرجال فقط؟! كلاّ؛ بل الرجال والنساء، فذلك الفهم المغلوط لا يتبادر إلى ذهن المسلم الطبيعي العادي، لكنه يتبادر إلى من حشيت عقولهم بالشبهات، وأصبحت مفتوحة للتلقي من الآخر!
وأزيد المعنى إيضاحاً: فكلمة الزوج في اللغة العربية هي لفظ مشترك، يطلق على الرجل، ويطلق على المرأة كذلك، قال الله تعالى:{وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة}، وقال:{وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً}، فالزوج يطلق على الذكر، ويطلق على الأنثى.
كذلك لفظ الرجل في القرآن تأتي بمعنى إنسان، فعندما يطلق لفظ الرجل في القرآن، فليس المقصود به الذكر فقط، وإنما الإنسان بشكل عام، وهذا يدخل فيه الأنثى بلا شك، مثل قوله تعالى:{ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه}، فالرجل هنا بمعنى الإنسان، وهو شامل للذكر والأنثى.
فهذه اللفظة ﻻ تعني الذكر إلا إذا وجدت قرينة تدل على ذلك، كسياق الآية، وأنه يتحدث عن الرجل الذكر، كقوله تعالى:{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ}، وقوله:{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى}، ونحوها من الآيات.
أو كأن تأتي لفظة النساء مع لفظة الرجال، كقوله تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}، وقوله:{وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ}، فيكون المقصود في هذه الحالة من لفظ الرجل أي الذكر,
ولذلك علينا أن نفهم القرآن وفق دﻻﻻته التي نزل فيها على القوم، وليس وفق المعاني التي تطرأ علينا، في ظل التبادل الثقافي، أو الغزو الفكري، أو الإغواء الحضاري.
إلهام منصور، باحثة عربية، في خريف 2004 قدمت مداخلة في معرض الكتاب الفرانكفورت العالمي، الفرع العربي، ونشرتها مجلة الفكر العربي المعاصر، ماذا قالت في تلك الكلمة؟ قالت رأياً وجيهاً وطريفاً، تعرب فيه عن اعتزازها باللغة العربية بصفتها امرأة.
تقول: لكون اللغة العربية هي الوحيدة بين اللغات التي تسمي الكائن البشري بلفظ يحتمل المثنى، وهو اعتراف واع أو غير واع أن هذا الكائن البشري هو اثنان مختلفان، ذكر وأنثى، وهذا يعني أن اللغة العربية تقر بكيانية المرأة كذات مستقلة، وﻻ تدمجها فقط في الذكر. ثم تكلمت أن الإنسان إنسانان: الأنس اسم للنوع البشري بأكمله، كما أنه اسم للواحد من البشر، كما في قوله تعالى:{فيومئذ ﻻ يسأل عن ذنبه إنس} أي آدمي، وﻻ جانّ، فأي ذكورية تتكلمون عنها عن القرآن الكريم؟!
بلا شك أنه كلام رصين.
ثم دعونا ننظر لهذا المثال الذي ينسف فكرة ذكورية النص القرآني من أساسها:
يأتي القرآن الكريم ويطلب من الإنسان العربي الذي خرج للتّوّ من جاهليته، ولا يزال الركام، والرصيد، والتراكم، والإرث الذكوري، في الكيان النفسي، والبنية النفسية، حاضراً، قوياً، مرتكزاً في العقل الواعي واللاواعي، هذا الرجل الذي يرى المرأة عبارة شيء من الأشياء، أشبه ما تمون بسلعة من السلع، أو قطعة من الأثاث، أقول: يأتي القرآن لهذا الجيل ويقول لهم: تعالوا أنتم يا صحابة، يا من يريد أن يحمل رسالة عالمية، يا من يريد أن يتحدى العالم، سأضرب لكم مثلاً تحتذون به في الصبر والثبات على المبدأ، واﻻعتزاز بالهوية، والثبات على العقيدة، وكل المعاني الإيمانية. من يا ترى صاحب هذا المثل؟ إنها امرأة!!!
نعم القرآن يضرب للرجال مثلاً للاقتداء بامرأة، فيقول:{وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امراة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين}.
أي امرأة هذه؟!! قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة، فقدمت الجار على الدار، كيف انتصرت هذه المرأة؟ انتصرت على حظوظ النفس، فهي بنت القصر، وبريق القصر، والنعمة.
وانتصرت على ضغظ المجتمع، والأنثى في الدراسات الاجتماعية أقرب وأسهل للاستسلام لضغط المجتمع.
وانتصرت على الرعب، ففرعون زوجها قتّال، مجرم، فانتصرت على هذا الرعب. وانتصرت على الشهوات، فهي زوجة الملك، أو الرئيس، أو الزعيم.
كل الحظوظ الدنيوية، والنفسية، والاجتماعية انتصرت عليها، وحققت ذاتها.
هكذا يعلمنا القرآن الكريم ما هي مكانة المرأة.
ثم ألم ينتبه هؤلاء القوم أصحاب هذه الشبهة البائسة، أن نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 نصوص ذكورية!! نعم ذكورية، لكنها تشمل الأنثى والذكر.
وعندما تقرأ القوانين الجنائية العالمية، المدعي والمدعى عليه، الجاني والمجني عليه، فكلها نصوص تشمل المرأة والذكر، إﻻ إذا كانت هناك قرينة تخص المرأة لخاصية فيها، لا يشترك معها الرجل.
إذن هذا الموضوع محسوم ومعروف، إﻻ في عقول الذين ﻻ يريدون أن يستوعبوا.