وياكم 2015 الحلقة التاسعة والعشرون رسول الرحمة صلي الله عليه وعلي اله وصحبه وسلم( رحيم باعدائه )
رحيم بأعدائه (رسول الرحمة)
ما أجمل وأعظم وأرقى وأرق وانبل الحديث عن الرحمة!
ولكن عن أية رحمة أتحدث؟
وهل يمكن أن تكون هناك رحمة، وحضور لها في ذهن الإنسان، من غير وجود راحم، ومرحومين في هذه الدنيا؟!
أتحدث عن الرحمة في زمن غلب عليه الدم، والهدم على مدار الساعة؟ وفي عصر اتخذ من الشرق الأوسط، ومن بيئتنا العربية، والإسلامية محطاً، وموقعاً، وبوتقة للصراعات الدولية؟ والخاسر الأول والأخير هو نحن؛ لبشريتنا، وأهلنا، ومقدراتنا، ومستقبلنا، وكل ما يخطر على البال!!
أتحدث عن الرحمة في زمن انتقل فيه الهدم، والدم ضد المسلمين، والعرب، لأيدي قوم منهم، من بني جلدتهم، ويتكلمون بألسنتهم!!
وبسبب ذلك فقد انتقلت الإدانة والصورة المشوهة للعالم الآخر عنا من الواقع إلى النظرية، أقصد إلى المباديء!
ومن ثَم انتقلوا من إدانة المسلمين بواقعهم الفاشل، إلى إدانة الدين الذي ينتمون إليه! أي أنهم حمّلوا الدين تبعة تخلف المسلمين عبر قرون، والثمرة الفاسدة التي نراها اليوم هي نتيجة ذلك ولا شك!
ولكن ما هو الدين، والإسلام؟
إنه الكتاب الكريم، والنبي العظيم صلى الله عليه وسلم.
فقد جعلوا من سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وشخصه رمزاً لهؤلاء العرب، أو المسلمين، الذين يوجد في بيئتهم إرهاب، ودم، فالتبست الأفكار، واختلطت الأوراق، وتداخلت الأمور، واشتبكت، وأصبحت فوضى معرفية معلوماتية، تدخل فيها الإعلام، والاستخبارات، والمصالح العالمية، والاقتصاد، وغير ذلك.
ولذلك فقد وجهت سهام النقد، والحقد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والمسألة ليست رسماً كاريكاتيرياً يرسم في جريدة غربية، كلا، بل مواقع، وكتابات، ودراسات، بحيث أثّروا على كثير من أبناء جلدتنا!!
لكنه في مقابل هذا الركام الهائل من التشويه، والتحريض، كان هناك وعي عند بعض الغربيين ممن أنصف، وتبصّر، ونفض عن نفسه غبار التبعية، والتشويش، فوصل إلى الحقيقة.
لن أتكلم عن إرهاب الغرب، وإنما أدع التاريخ يتكلم، والوثائق تنطق، والمنصفين من الذين كتبوا، وصرحوا يشهدون.
فهذا فولتير مثلاً، الذي ما كان يؤمن ﻻ بأديان، ولا يحترم عقائد، يؤلف مسرحية قذرة للعالم في تشوي صورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!!
فيكتور هوجو: صاحب كتاب: “البؤساء” الذي يفخر به العالم بكونه الكتاب الإنساني، قال حينما غزى الجيش الفرنسي الجزائر 1830: فلندمر الأمّة الملعونة أمّة القرآن!!
وهل سمعتم الموسيقى العسكرية الإيطالية، وما هو نشيدها؟
نشيدها وهم يغزون العالم، ويغزون الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي، يقولون: أمي لا تبكي علي، فإني ذاهب لمحق ومحو أمّة القرآن!
هناك تراث متراكم تبعثر، وتأصل، لم تستطع الحداثة، ولا التنوير، ولا حقوق الإنسان، ولا مفاهيم الحرية، ولا مفاهيم مرحلة النهضة، أن تمحوه أبداً.
وكما ذكر محمد عابد الجابري: أن عهد الأنوار في القرن الـ 18 الذي تفخر به الإنسانية، وحقوق الإنسان، والاستنارة، والحرية، والعدالة، والمساواة، في هذا العهد ولد الاستعمار!!
يا لها من مفارقة عجيبة!
بل حتى فلاسفتهم لم يسلموا من هذه اللوثة:
فهذا تومس هوبز في كتابه: “التنين” يؤسس للاستبداد المطلق!
وكان كثير من هؤلاء الفلاسفة مستشارين في وزارات الاستعمار الغربي ضدنا نحن! ومن ذلك:
جون لوك، فيلسوف التجريب الكبير، صاحب كتاب: “دراسة حول الإدراك الإنساني“، هذا الرجل كان مستشاراً للشؤون الاستعمارية للإنجليز!
آدم سميث، الاستشاري الكبير كان أيضاً مستشاراً لشركة الهند الدولية، وهي شركة استعمارية كبرى!
نيكلسون، المستشرق الياباني الكبير، استخباراتي استعماري من أجل الغرب، من أجل إذلال هذه الأمّة!
لا شك أن الحديث عن هؤلاء يطول جدًّا، ولذا سنقفل هذه الصفحة، ونفتح صفحة ناصعة طاهرة نقية عن رحمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ليس رحمته بأتباعه، وإنما رحمته بأعدائه!!
وها هنا نطرح سؤالاً، وهو إشكال يستسهله بعض الناس على أنه منطقي، حيث يقول: هذا نبي الرحمة، ومرسل من الله عز وجل لكي يهدي الناس، ويكون كالأب الرحيم لهم، وكما قال شوقي:
فإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هم الرحماء
هذا الإنسان العظيم كيف بدر منه الفتح المسلح؟
وكيف رفع السيف؟
وكيف جاهد؟
بمعنى: كيف نجمع بين الرحمة، وبين حمل السيف، ومفهوم الجهاد في سبيل الله؟
والجواب على ذلك:
أن هؤلاء الذين يتكلمون هذا الكلام يعيشون عالماً مثالياً خيالياً أسطورياً غير موجود في الواقع نهائياً، وإنما موجود في الجنة! أما في الواقع فلا.
فما دام هناك مجتمع بشري، فلا بد أن تكون هناك عقوبات تردع، وقانون يمنع.
فهل توجد دولة، أو مجتمع، أو كيان أيًّا كان، لا يوجد فيه قانون وعقوبات؟ وسجون؟ وقضاة؟ وشرطة؟ ورجال أمن؟ ومباحث؟
أبداً، لا يمكن أن يكون ذلك، بل حتى القبائل البدائية يوجد فيها هذا الأمر، ولذا علينا أن نطرد هذا الوهم من عقولنا، ونكون منطقيين نوعاً ما، ولا نريد باسم الرحمة، والسلام، أن نهدر الحقوق، ونلغي الأحكام! فهذا خلط ذميم.
ولذلك وجدنا القصاص حكماً مطبقاً في كل المجتمعات، ولكل مجتمع نظامه الخاص به، والذي يضمن من خلاله الحفاظ على الأمن والاستقرار والرخاء.
ثم إن القضية ليست في وجود العقوبة أو الجزاء، وإنما كيف تطبق هذه العقوبة، وهذا الجزاء؟ وما هي الخلفية المبدئية التي يستند إليها الجزاء؟ وهل هناك إمكانية لتحقيق العدالة في الجزاء أم لا توجد إمكانية؟
أما أن أفكر في ذلك الحادث، أو الموقف، ثم يكون استقباح عاطفي شخصي، فأصدر حكم عاماً بناء على رؤية شخصية قاصرة غير تامة، فهذا قصور في التصور، والنظر، والتطبيق.
فالقنبلة الذرية مثلاً أبيح استخدامها، وقالوا: إنها ضرورة، من أجل إيقاف الدمار، والدم!!
إذن القضية تقديرية، فمن الذي يحسم التقدير، والمزاج البشري، واختلاف التاريخ، وتنوع الأحكام؟
لا بد أن يكون هناك مصدر يستقل عن الواقع، ويترفع عليه، ونحن كمسلمين نؤمن بأن هذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم موحى إليه من ربه، وهذه أحكامه، فنسلِّم لها.
ثم إن هؤلاء الذين ينتقدون، ويوجهون سهام اللوم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم إنما ينطلقون من الاستثناءات، والتي نسمّيها أحكام الطوارئ، ويجعلون منها أصولاً، فيعمّمون الأحكام! ومع ذلك يمارسون عملية العمى المقصود وهو: كتمان الأصل العام، والأحداث التي ملأت الأسماع، والأبصار، والزمان في رحمته، وعدالته صلى الله عليه وآله وسلم، حتى تغنّى بها الشعراء، وشهد بها الأعداء قبل الأصدقاء.
كذلك من الخلل في هذه الجزئية: التلاعب في الأحداث التاريخية، والتلاعب في النصوص، بعدم أخذها كاملة، ومعرفة دلالاتها، واعتبار كل ما هو موجود في كتب السيرة، أو التاريخ، أو المغازي، أو الأدب، أنه صحيح، ومسلَّم به!!
وهذا منهج باطل، فالعلماء لهم منهج الواضح في ذلك، حيث يفرقون بين روايات المحدثين، ويفرقون بين طبقاتهم، ومستوياتهم، ودقتهم، وبين روايات المؤرخين، والقصاص، وروايات الأدباء، فليست كلها سواء، وتعامل بالميزان نفسه.
ثم هناك منهج مشبوه في قضية الانتقاء، عند الناقد، والمتربص، والمستشرق، والحاقد، فمثلاً: هذه الحادثة تنسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها شيء من النقد، وتنسب لغيره، فيأخذ هذه، ويترك تلك، لماذا؟ هذا تحيز مقيت.
أو أن الحادثة جاءت متناقضة، فيسكت عن بعضها ويروي بعضها! هذا إهدار للمنهجية العلمية في الوصول إلى الحقيقة.
نحن نناقش المنهج قبل الأحداث المتفرقة، وبناءً على المنهج نحاكم الأحداث المتفرقة، وهذا علم كبير يحتاج إلى تفرغ، وإلى مختصين في مناهج البحث.
فعلماؤنا عندما وضعوا علماً اسمه: الجرح والتعديل، ردوا من خلاله بعض الأحداث سنداً، ومتناً، فقد يكون في السند انقطاع، أو أحد رواته فيه ضعف، أو كذب.
وقد يكون يرد من جهة المتن! فقد يكون الناقل أميناً؛ لكن هناك خلل في المتن يناقض أصلاً من الأحكام، أو يناقض أحداثاً أخرى، أو أنه لا يتفق مع روح، وسمت، وعصمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم! فلذلك يعيدون النظر فيه، أو يتوقفون فيه، بناءً على الأصول، والقواعد، وهذا منهج يحتاج إلى مراجعة.
هؤلاء الذين يتهمون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنه يرفع السيف، ويقتل الناس، لا يفهمون الحياة الدنيا، وكيف تسير؟ ألا يعلم هؤلاء أن عدد الذين قتلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل فتح مكة، وبعد الفتح، بحسب ما أحصى الدكتور خليل ملا خاطر، ﻻ يزيدون على 130، أو زيادة، في طول تاريخه الدعوي، وجهاده، وغزواته؟!!
وفي المقابل كم يقتل الغرب، الذي يؤسس القتل من أجل الربح؟!!
هؤلاء الذين يتهمون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ويتهمون دينه بالإرهاب، نرد عليهم من خلال سيرته التي تكشف نبوته، فمن مظاهر رحمته أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يدعو على أعدائه بالفناء الشامل! والدعاء عبارة عن شحنة نفسية انفعالية.
ولذلك لما قيل للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ادعُ على المشركين. قال: إني لم أبعث لعّاناً، وإنما بعثت رحمة!
ولما جاءه الطفيل بن عمرو الدوسي، وأصحابه، وشكى إليه بأن دوساً أذنبت، وأن دوساً كفرت، وأراد منه الدعاء على دوس، قال كلمته المشهورة، ودعاءه الجميل: اللهم اهدِ دوساً، وائتِ بهم.
فالإسلام دين هداية؛ لأن فيه فكراً، وليست قضية مصالح تجارية.
كذلك دعاؤه يوم أحد بالعفو، والمغفرة، على الذين جاءوا من مكة إلى المدينة من أجل الانتقام لمعركة بدر، وكسر جيش المسلمين، وماذا حصل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
أسالوا الدم على وجهه الشريف، وكسروا رباعيته، وشجوا جبهته، وأوقعوه في حفرة، وأرادوا قتله، وقتلوا سبعين من خيرة أصحابه، ومع ذلك لم يدع عليهم، بل دعا لهم، واستغفر لهم، وقال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون!!
في صلح الحديبية، جاء جيش المسلمين، وقد لبسوا ملابس الإحرام، وتجهزوا، وساقوا الهدي، ولم يحملوا من السلاح إلا السيف في غمده، واقتربوا إلى مكة طالبين العمرة، فما كان من المشركين إلا أن صدوهم عن المسجد الحرام، وبعد محاولات ومحاورات، استقر الأمر على عقد هدنة بينهم وبين كفار مكة، فبعث المشركون سهيل بن عمرو لكي يفاوض الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فتم ذلك، إلا أن شروط الصلح كانت قاسية، ومجحفة، ومستفزة في حق المسلمين، مع أنهم هم الأقوياء، والمنتصرون، ومع ذلك صبر النبي صلى الله عليه وسلم على شروطهم المشهورة في التاريخ، من أجل ماذا؟
لأنه كان يقصد من ذلك هدايتهم، ولذلك وجدنا أنه بعد هذا الصلح بعامين دخلت قريش في الإسلام، فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد إعمال السيف فيهم لأعمله، لكن السيف كان استثناء، وكان علاجاً لداء استعصى دواؤه، كقطع الإصبع الذي تلف، فلا بد من قطعه حتى لا يفسد الجسد كله.
على ماذا نصت تلك الشروط؟
أولاً: أن يرجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا العام، ولا يدخل مكة، ويأتي من العام القابل، ولا يمكث فيها إلا ثلاثة أيام؛ حتى لا يقال: إنه دخل عليه عنوة!
فوافق النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك.
ثانياً: ألا يحمل السلاح إذا قدم، وأن تكون السيوف في غمدها.
ثالثاً: أن من جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسلماً إلى المدينة ردّه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم! ومن خرج من المدينة قاصداً مكة تاركاً للإسلام لم يرده كفار مكة!!
فوافق النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك! مع أنه إجحاف، واستفزاز.
وقد غضب المسلمون من هذه الشروط، وقالوا: كيف نعطي الدنية في ديننا؟!! إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم بلغة الواثق من ربه: إني رسول الله، ولن يضيعني؟
وبعد عامين تدخل قريش كلها في الإسلام.
ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وآله وسلم: أنه لم يقتل الذين غدروا بالمسلمين يوم الحديبية، وكانوا ثمانين رجلاً، نزلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى أصحابه غرة وهم غافلون، ومع ذلك تمكن منهم أحياء، وعفى عنهم، ولم يقتلهم، وفي ذلك نزلت آيات سورة الفتح ومنها: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم}، والظفر هو الانتصار.
وفي فتح مكة من مظاهر رحمته صلى الله عليه وآله وسلم الشيء الكثير، والتي دلت على شيء، فإنما تدل على رحمة هذا الإنسان الذي ﻻ يعرف الانتقام، وقد كانت فرصة ثمينة لهذا القائد العسكري، والنبي المطاع، الذي طوّق مكة من كل مكان، ودخل بجيوشه، واستسلم أهل مكة له، وألقوا السلاح، أن ينتقم ويضع فيهم السيف، جزاء وفاقاً، ولكن ماذا حصل؟
الحادثة الأولى: دخل المسلمون مكة منتصرين، وكانت إحدى الرايات مع الأنصاري سعد بن عبادة، فقال لأبي سفيان: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة!! فقام أبو سفيان، وشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قاله سعد، فماذا كان رد فعل هذا الرسول المنتصر، ضد هذا القائد المنكسر، أعدى أعدائه، والمحرض عليه؟
لقد نزع الراية من سعد بن عبادة، وأعطاها لابنه قيس، ثم نزعها من قيس، وأعطاها قيل: لعلي، وقيل: للزبير، لماذا؟
لكي يهدئ الأوضاع، فالقصد هو الهداية، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة، وفي رواية: اليوم يوم المرحمة، اليوم يعز الله فيه قريشاً!
ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن! وهذا إكرام له، لأنه رجل يحب الفخر، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.
الحادثة الثانية: جمع قريشاً أمامه وقال لهم كلمته المشهورة: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم. فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وقد أهدر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم دماء بعض القوم من قريش، امرأتان، وثمانية رجال، أربعة منهم قتلوا: ثلاث رجال، وامرأة، وهؤلاء كانت عليهم أحكام قصاص، فمنهم من غدر بصحابي ، ومنهم من كان مسلماً فارتد، وهذه الحالات الاستثنائية هي التي يراهن عليها المستشرق، أو المستغرب، أو الحاقد، أو المتربص بالسيرة النبوية، ويعمي عينيه عن أصل السيرة، وأصل الرحمة.
كذلك من مظاهر رحمته صلى الله عليه وآله وسلم: أنه لم يقتل من وضع له السمّ في الطعام، وكذلك لم يقتل من سحره، ولا من حاول قتله، ولا من أراد اغتياله، ولا من أساء إليه في مجلسه، بل لم يعنف أحداً منهم، لماذا؟
لأنه كان يريد دعوتهم، وهدايتهم، وهؤلاء كان بعضهم من الكفار العرب، وبعضهم من اليهود الحاقدين، وبعضهم من المنافقين المارقين، ومع ذلك عفى عنهم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل فضالة بن عمير الليثي، ولا شيبة بن عثمان بن طلحة، ولا عمير بن وهب، بل عفى عنهم، فماذا كانت النتيجة؟ لقد أسلم هؤلاء الثلاثة، وحسن إسلامهم!
كذلك لم يقتل حبر اليهود: زيد بن السعنة، الذي أساء إليه بحضرة الصحابة، ليكتشف خصلتين من خصال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الفضل، والكرم، والمروءة، والأخلاق، فما كان منه إلا أنه أسلم، وحسن إسلامه.
أي رحمة هذه؟! وأي دعوة إلى الله عز وجل في مثل سيرة هذا الإنسان العظيم!
كل ذلك كان حرصاً منه عليه الصلاة والسلام على الدعوة، وعلى تصدير صورة إيجابية لهذا الدين.
ولذلك لما قال له الفاروق عمر: دعني اضرب عنق هذا المنافق، لأحد المنافقين الذين تكلموا عن النبي صلى الله عليه وسلم بكلام لا يليق، قال له صلى الله عليه وآله وسلم: (ﻻ يتحدث الناس أن محمّداً يقتل أصحابه)!!
كذلك من مظاهر رحمته: أنه يجير المشرك حتى يسمع كلام الله، {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه}.
كذلك من مظاهر رحمته بالخلق أجمعين: عيادته لمرضى الكفار، والدعاء بالشفاء لهم، ونهيه عن قتل الصبيان، والنساء في المعركة.
فسيرته صلى الله عليه وآله وسلم إذا كانت رحيمة بمثل هؤلاء، فكيف بالعالم أجمع؟!