وياكم 2015 الحلقة الرابعة العمل الخيري النسائي
العمل الخيري النسائي
المرأة عندما تتدفق شعورياً، وعقلياً، وعملياً في خدمة البشرية، فإنها ﻻ تعطي عطاء مادياً فحسب، وإنما تسدي للإنسانية عطاء مفعم بروح من الإخلاص، والتفاني، والحب.
في شهر 12 من عام 2014 أقامت الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في الكويت مؤتمراً بعنوان: المؤتمر العالمي لدور المرأة في العمل الخيري، وكانت تحت رعاية أميرية كريمة، وقد تشرفت بالمشاركة في هذا المؤتمر الكبير، فرأيت ما سرني، واطلعت على ما لم أكن أعرفه من قبل، فقلت: لا بد أن يسلط الضوء على العمل الخيري النسائي.
لماذا النساء؟
أليس العمل الخيري إنسانياً، يخرج من الكبير، والصغير، والطفل البالغ، والكهل، ويخرج من الأنثى، والذكر؟
هذا شيء طبيعي، فنحن كلنا كتلة واحدة، وبالتالي الخير موجود في كل نفس، فلماذا النساء بالذات؟
تعالوا بنا نؤسس بعداً معرفياً، موجوداً في أصله وأساسه؛ ولكنه يحتاج فقط إلى ترتيب الفكرة.
عندما نتكلم عن المرأة لا بد أن نتكلم قبل ذلك عن المقدمة العامة أو الفكرة الكلية أﻻ وهي: الكرامة التي يقررها الإسلام للمرأة والذكر، أي للجنس الإنساني، والمرأة جزء من هذا الجنس الإنساني، يقول الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم}، آية هي أشبه ما تكون بشعار لنا نحن معاشر المسلمين، فالمرأة، والذكر، كلاهما من ولد آدم، وهما مكرمان بنص الآية، إلا أن هذا الكلام مجمل، فما الذي يحصن هذه الكرامة من ظلم التفاوت بين الجنسين، الذي يستخدم كورقة أحياناً في بخس الحقوق، أو عدم فهم عطاءات كل مخلوق؟
إن ذلك يكون بمعيار التقوى، ومعيار العمل، ومعيار الصلاح، ومعيار القرب من الإيمان الصافي من الأخلاط والشوائب، قال الله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا}، ثم تأتي القاعدة الأخرى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
إذن هناك كرامة عامة، ثم كرامة بمعنى الحصانة، للتفاوت بين البشر جميعاً، ومنهم الجنسين، ومن مقتضيات هذا التساوي في الكرامة، وهذه المعيارية في التفاوت، أن المكافأة والجزاء من الله سبحانه وتعالى للأنثى والذكر، واحد في القيمة، وفي الكم، قال الله سبحانه وتعالى: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}.
ولكن: ما هو مصدر الواجبات والحقوق بالنسبة للمرأة؟
إنه المصدر ذاته للواجبات والحقوق بالنسبة للرجل، أﻻ وهو العبودية لله سبحانه وتعالى، فالعبودية فرع للمملوكية، فالله تعالى يملكني، فأنا عبد له لأنه يملكني، إذن لا بد أن أنفذ أوامر الله سبحانه وتعالى، وأن أعبده وفق ما يريده هو.
فمثلاً: هذا الجسد الذي أعطاه الله لك ليس ملكاً لك تتصرف فيه كيفما تشاء، فلا يحل لك مثلاً أن تضع عليه وشماً؛ لأن الله تعالى حرم ذلك، ولا يحل للمرأة أن تجهض جنينها؛ لأن الجنين ليس ملكاً لها، وإنما هو ملك لله سبحانه وتعالى، فهذا الجنين له شخصية حقيقية واعتبارية مستقلة عن ذات المرأة، وهو ينتمي لها كأم، وبالتالي ليس من حقها إجهاضه، إذن العبودية فرع للمملوكية، والأنثى والذكر كلاهما مماليك لله عز وجل.
ويرد ها هنا سؤال:
لماذا يخاطب الرجال بتكاليف شرعية من قرآن وسنة لم تخاطب بها النساء؟ فصلاة الجمعة مثلاً واجبة على الرجال دون النساء، والنفقة على الأسرة واجبة على الرجال دون النساء، بينما الحضانة واجبة على المرأة دون الرجل، وستر المفاتن واجب على المرأة! بمعنى هناك اختلاف في بعض التكاليف، فلماذا؟
والجواب:
أن العبرة هنا فيما ينعكس من هذه التكاليف على الفرد، والأسرة، والمجتمع، فالمرأة يجوز لها أن تصلي الجمعة، ولكنها ليست واجبة عليها كالرجل، فإن صلتها سقطت عنها الظهر، والقاعدة تقول: (من صحت ظهره صحت جمعته).
هكذا يجب أن نفهم دور المرأة والرجل في قضية الحقوق، والواجبات، في الانتماء لهذا الدين، فهناك أعمال تخص الرجال، وحقوق كذلك، وأعمال تخص النساء، وحقوق كذلك، وهناك أعمال مشتركة لهما، وهكذا تتكامل الحياة.
وعندما نتحدث عن للخير، فإن الخير، وأعمال البر، والمندوبات، مفتوحة أمام المرأة والذكر كلاهما، ومن هنا جعل الإسلام المجتمع محراباً للتعبد، وبما أننا نتكلم عن العمل الخيري النسائي لا بد لنا أن نشير إلى كتاب قيم جداً في هذا الباب، وهو بعنوان: “سحابة الكويت تمطر العالم“، من تأليف الباحث الأستاذ: عبد العزيز العويد، وهو كتاب ضخم جداً، موثق بالوثائق، والصور، والتواريخ، يقع في قرابة ستمائة صفحة، عقد فيه مؤلفه فصلاً كاملاً عن العمل الخيري النسوي، وذكر فيه أمثلة كثيرة في باب الصدقة، ومساعدة ذوي الحاجة، والقيام على شؤون المعوزين، وإغاثة الملهوفين، وكفالة الأرامل والأيتام، وغير ذلك من أبواب الخير والبر والعطاء، والتي كلها محل فخر واعتزاز للكويت بخاصة، وللعالم الإسلامي بعامة.
يضاف إلى هذا العطاء الخيري الثري أأأ ثر المرأة في المشاريع الخيرية النوعية التي تساهم المرأة فيها، والتي منها:
أولاً: مشروع: من كسب يدي، وهو مركز متخصص للفئات المحتاجة، والتي تتلقي إعانة من الشؤون الاجتماعية والعمل، حيث يتم تعليم المرأة حرفة للاستغناء عن الآخرين، ومساعدة نفسها.
ثانياً: مشروع: مركز الاستماع، وفيه نخبة من المختصين في علوم الاجتماع، وعلوم النفس، وعلوم الأسرة للمشورات الاتصالية.
ثالثاً: مشروع: مركز إصلاح ذات البين، بالتعاون مع وزارة العدل، لحل الخلافات الزوجية، وإقناع الزوجة بعدم الانفصال، ولم الشمل، وتجاوز الخطأ، وفتح صفحة جديدة، ويقوم عليه نخبة من الأستاذات والمربيات الفاضلات.
إلى غير ذلك من المشاريع الكثيرة.
ومن الأمثلة الرائدة في المشاريع الخيرية النسوية، مشروع قامت بها طالبة من جامعة الكويت، وكان في بداية الأمر شبه مستحيل، إلا أنه بالإصرار والعزيمة وحب العمل والتفاني فيه يحدث ما تتوقعه.
كانت البداية عبارة عن مقال كتبته هذه الطالبة في نشرة الجامعة تخاطب فيه طلاب جامعة الكويت قائلة: ماذا تخسر أيها الطالب، وأيتها الطالبة لو أنك استقطعت من راتبك الشهري دينارين من أجل القضاء على الجهل والأمية في العالم؟ وذلك من خلال كفالة طلبة، أو بناء مدارس، أو دعم معلمين، أو غير ذلك من مشاريع كثيرة.
كان عدد الطلبة يومها 25 ألف طالب، فلو أخذنا دينارين من كل واحد منهم، فهذا يعني أننا سنحصل على 50 ألف دينار شهرياً، وفي السنة الواحدة أكثر من نصف مليون دينار!!
لا شك أنه مبلغ ضخم، فكم سيكون حجم المنجزات، والنجاحات؟!!
تفاعل الطلبة مع الفكرة، لكنهم لم يكونوا يعرفون كيف ينشئون مؤسسة تقوم بهذا العمل، فذهبت هذه الطالبة إلى الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، وطرحت عليهم الفكرة، والفكرة لم تكن سهلة، إﻻ أنها أصرت، فتحمست الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، وتحمس الطلاب، وبدأت الاستقطاعات، وبدأت المشاريع، وكانت البداية عندما تطوع مجموعة من الطلاب والطالبات للذهاب في جولة للدول المحتاجة، فذهبوا إلى الصين، وإلى أندونيسيا، وإلى جيبوتي، وإلى السودان، وإلى الأردن، وإلى دول كثيرة، فيها مخيمات، وفيها لاجئون، وفيها مناطق فقيرة، فما هي الأعمال التي تم إنجازها؟
الإنجازات:
ثلاثة مباني تعليمية تم تجديدها.
معهد الدارين بالصين، من خلال مشروع أطلق عليه: ادفع دينارين تكسب الدارين.
مدرستا الدارين بإندونيسيا.
900 طالبة مستفيدة من معهد الدارين في الصين.
300 طالب مستفيد من مدرسة الدارين بإندونيسيا.
300 طالبة مستفيدة من مدرسة الدارين الثانية أيضاً بأندونيسيا.
850 حقيبة تعليمية للطلبة في الصين.
650 حجاب للطالبات، والمعلمات تم توفيرها في الصين.
600 طفل استفاد من مشروع اقرأ التعليمي لتعلم القرآن الكريم.
5450 مصحف تم توزيعه في أندونيسيا من خلال تبرعات مشروع الدينارين.
5000 دينار كويتي تم جمعها لإطعام الأسر الفقيرة في قرية مؤمنة في جيبوتي، بالتعاون مع جمعية الرحمة العالمية .
تسويق فكرة المشروع في كل من المؤتمرات التالية: في دبي، وأبو ظبي، والقاهرة، وجدة، والأردن.
إنجازات داخل الكويت:
تسويق فكرة المشروع في 11 كلية من جامعة الكويت.
تسويق فكرة المشروع في ست كليات من الهيئة العامة للتعليم التطبيقي.
تنظيم ملتقيات، ومعارض للهيئة، استقبلت حوالي 5000 شخص، خلال تلك الفترة، وكلها تعرّف بالمشروع.
من أعمالهم كذلك: إصدار مجلتين تجسد روح الشباب بالعمل الخيري.
تسويق فكرة المشروع في الجامعات الخاصة كذلك.
التعاون مع المؤسسات حكومية، كوزارة الأوقاف، ووزارة الإعلام، ووزارة الشؤون، ومع مختلف الوسائل الإعلامية، ونشر أخبار المشروع في الصحف، والقنوات.
أما النتائج:
أولاً: فاز هذا المشروع وهو مشروع: ادفع دينارين تكسب الدارين، بالمركز الأول في مسابقة مؤتمر التمكين لأفضل المشاريع التطوعية.
ثانياً: تم اختيار المشروع من المشاريع الخيرية المؤثرة في الشريحة الشبابية من قبل مجلة مجازين.
ثالثاً: فازت صورة إحدى المتطوعات مع رحلة خيرية في مؤتمر أسطورة العلماء.
ونحن نعلم أن للصورة اليوم دلالة، والمنافسة في الصورة أصبحت من أعظم المهن المؤثرة.
رابعاً: المشاركة في مئات المعارض، والأنشطة، والفعاليات، بمختلف التجمعات الشبابية.
إلى غير ذلك من الإنجازات والنجاحات.
هذه بعض النماذج لمشاريع تولدت في عقول طالبات أو نساء، فكان للعمل الخيري النسائي بريق، وأثر، وفاعلية في مجتمعنا.