وياكم 2016 الحلقة السابعة عشر حب في الاندلس
حب في الأندلس
في حي البيازين المطل على قصر الحمراء في غرناطة التقيتُ برجل إسباني فاضل، من إقليم الباسك، اسمه أنور، وخلال حواري معه تبين لي أنه صاحب مطعم يقدم فيه الطعام الحلال للمسلمين، ويمارس فيه الطب البديل.
ومن باب ذكر الفضل لأهله ففي 1992 اعترفت الحكومة الإسبانية الكاثوليكية بأن للمسلمين جذورًا أصيلة عريقة في هذا البلد، ومن ثم لا بد من مراعاة بعض حقوقهم الخاصة، كما اعترفت بجذور اليهود، والبروتوستانت، ومن تلك الحقوق التي ينبغي تأمينها للمسلم بعض الضروريات اليومية كالطعام والشراب، فوفروا لهم الطعام الحلال في المستشفيات، وفي المدارس، وفي الأسواق، وفي الأماكن التي يحتاج إليها المسلم.
لقد كان الرجل ثريًّا بقصته، وثريًّا بما سيذكره لنا من تجربة جميلة.
التقيته مع زوجته المصون، وكان بداية حواري معه بقولي:
أبدأ بقصة زواجك من زوجتك الكريمة التي تشترك معك في المطعم، كيف تمت؟
فقال:
أتيتُ لتعلم الطب العربي أو الأندلسي وتعرفتُ عليها؛ لأنها كانت تدرس في المعهد نفسه الذي درست فيه، وكانت مساعدة المعلم، فتعرفتُ عليها هناك، ثم تزوجنا بعد اعتناقنا الإسلام، وقد لقنني أستاذ معهد الطب البديل نطق شهادة التوحيد، ثم تابعنا تعلم هذا الطب الذي يقوم على أن للطاقة أنواع ثلاثة: الإيجابية، والسلبية، والمتعادلة، والإنسان يعاني من المرض إذا اختل توازن الطاقة في جسمه، فنقوم نحن بعمل تحاليل للمريض مع علمنا بحركة الفلك، والمد، والجزر، التي يمكن أن تؤثر سلباً على الشخص، لأنه من الضروري تعديل تلك الأشياء، ونحن نحتاج بشكل أساسي للقيام بهذا الطب إلى الندى الذي نحصل عليه في شهر مايو، حيث تكون للشمس طاقة خاصة، ثم نقوم بغلي ذلك الندى في ظلام الليل؛ لأنه يفقد طاقته تحت ضوء الشمس، ونقوم بتخزينه قبل بزوغ الفجر، واستخدامه كعلاج، وبذلك نقوم بهذا الطب فمثلاً: حين نستخلص طاقة نبتة ما، نقوم بإلقاء النبتة في ذلك الندى، ونرى كيف تتلاشى النبتة تلقائياً، وهذا لا يحصل في ماء آخر، وإنما في ذلك الندى فقط، ثم نقوم بحرق الأعشاب الجافة التي تبقى هناك، وهذا ما نسمّيه: بطاقة الأرض، وبأداة تسمّى الأنبيق أو القطارة نستخلص الزيت والماء، أي نعزل هذه المواد الثلاث، وهكذا نقوم بخلطها ثم عزلها مرات عديدة بأدوات خاصة حتى نعزل الموجب، والسالب، والمتعادل، وهذا يتطلب جهداً، وعملاً شاقاً، ونستخدم ذلك كأساس للطب الأندلسي باستعمال النباتات، كما أن هناك إمكانية لاستعمال المعادن؛ ولكن ذلك يحتاج إلى أفران كبيرة غير متوفرة لدينا في المخابر، فهناك أنواع عديدة لهذا الطب سواء بالنباتات أو المعادن أو حتى الحيوانات.
قلتُ:
وهل الطب البديل هو الذي أوحى إليك وإلى زوجتك بفكرة المطعم في تحدي الحلال والحرام؟
فقال:
نعم، فقد طلب منا أستاذنا فتح هذا المحل لبيع الأعشاب الذي أسميناه: التنور، وقمنا فيه ببيع مختلف الأعشاب، والدعاية لها، لِيَهتمّ الناس بهذا الطب أكثر، وسوف نشرع بتعليمه عن طريق دورات، ودروس لمن أراد المشاركة، ولذلك نحتاج بين 15 و 20 شخصاً مهتماً بهذا الأمر، حتى نتمكن من المحافظة على هذا التراث، وهذا ما نريد فعله.
قلتُ:
أنا كمسلم أجيء إلى أوروبا وأحس بالتحدي في أكل الحلال، فكيف بالمسلم الأوروبي نفسه؟ لا سيما أنه يوجد شك في بعض من يكتب على مطعمه أنه يبيع الحلال؟
فقال:
صدقت، فمن الصعب الحصول على ذلك، بينما هو موجود بسهولة في إقليم كاتالونيا، وإقليم الباسك، لكنه أصبح يتزايد هنا في غرناطة بشكل ملحوظ، فمزارع الخضار الطبيعية في تزايد، وشيئاً فشيئاً ينمو وعي الناس بأهميتها، على الرغم من أن المصانع لا تريد ذلك، ومن الصعب مواجهتهم، ولكننا يمكننا ذلك من خلال توعية وتوجيه الناس عن طريق وسائل الإعلام، لكي يعلموا كيف يمكنهم الحفاظ على صحتهم.
قلتُ:
وماذا تقول في بعض المحلات، والمطاعم التي رأيناها في عموم أوروبا، وفي إسبانيا أيضاً تبيع اللحم الحلال، والدجاج الحلال، وفي الوقت نفسه تقدم الحرام، والخمر، أليست هذه ازدواجية؟ وهل تحول الأمر إلى تجارة؟
فقال:
لا شك أن هذا تناقض جلي، ولا أعلم كيف يذهب الناس والمسلمون خصوصاً إلى هكذا محلات؟! ولذلك فمن الضروري الكتابة، والتحدث عن هذه الأمور، وشرحها للناس، فليس من الممكن الخلط بين الأكل الحلال، والخمر، والخنزير، ولكننا نرى ذلك كثيراً الآن، ولهذا يلزمنا الكتابة والنشر في وسائل الإعلام لتوعية الناس، فبعض الأحيان قد يكون طعام المحل حلالاً بدون كحوليات؛ ولكنه يحتوي على مسائل أخرى كحيوانات لم تذبح حسب الشريعة، أو مأكولات لا تحل، والناس لا تكترث لذلك.
قلتُ:
العالم اليوم تعب من هذه الأطعمة المليئة بالمواد الحافظة، والألوان، والنكهات، والصبغات، ومع ذلك فأبناؤنا يقبلون على هذه الوجبات السريعة، التي تسبب في ظهور أمراض جديدة، أنت كمهتم في الطب البديل، ودارس، ما هي نصيحتك؟
فقال:
هذه العادات السيئة تُضعف دفاعات الجسم، مما يجعله يصاب بالزكام، وبأمراض أخرى كأمراض المفاصل، والحل لذلك في اتباع تغذية متوازنة، وفي هذا الإطار تلعب الرياضة، وعوامل أخرى دورًا كبيراً في العلاج.
قلتُ:
برأيك هل سبب الإقبال على ذلك هو ضعف الإرادة، أم سحر الدعاية، والإعلان، وإخفاء الحقائق من قبل الشركات؟
فقال:
أعتقد أن كلا الأمرين صحيح، فالشركات لا تستفيد من البيع الحلال، وهذا ما نراه أيضاً في الطب البديل، فالمختبرات الكبيرة لا تريد أن يعرف الناس الطب البديل؛ لأنها ستخسر بذلك الترويج لأدويتها، وشركات الأدوية الكيميائية تنظر لنا على أننا أعداء، وهذا ما نكافح ضده.
قلتُ:
بحكم عملك في تقديم الطعام الحلال، والعمل في الطب البديل المطور، هل ترى أن هناك إقبالًا على هذا الجانب؟ وهل الإنسان المسلم الموجود هنا، أو المسلم الذي يأتي من الخارج ينتبه إلى هذا الحلال؟ وهل تشعر أنك تؤدي مهمة جميلة لك، وللإنسان المسلم؟
فقال:
بعض المسلمين يبدون اهتماماً؛ ولكن البعض الآخر لا يكترث للأمر، بل يذهبون إلى المستشفيات العمومية، ويعتبرونها أسهل، ولكننا نحاول توعيتهم بالطب البديل، ومن يهتمون بهذا الطب البديل هم في تزايد.
قلتُ:
هل ترى أن عمل الزوج مع زوجته في محل واحد، وفي مكان واحد، خاصة بعد هذا العمر، فيه تدعيم للعلاقات الاجتماعية التراحمية الأسرية؟
فقال:
بلا شك، فأنا أعتقد أن الكثير من اللوم يقع على القنوات التلفزيونية العارضة للإعلانات، فالكثير من النساء تشاهد أشياء في التلفاز، وتتوه، والزواج تعاون بين الزوجين؛ ولكن للأسف حتى بين المسلمين لم يعد الأمر كذلك، ولذلك فالكثير من الزيجات تفشل، ونحن نقترح دورات تعليمية للزوجين في المساجد، أو أي مكان لتوعيتهما.
وبعد ذلك توجهتُ بالسؤال للأخ الفاضلة ليلى زوجة أنور، فقلتُ لها:
أنت تعتبرين أن هذا المطعم الذي تعملين فيه مع زوجك هو مسكنك الثاني، وأن العلاقة أكثر من علاقة طعام، فبماذا تعلقين؟
فقالت:
نعم، فهذا المحل جزء من حياتي، ونحن نقضي اليوم بأكمله هنا، وقد لا ندخل البيت إلا للنوم، نأكل هنا، ونقوم باستقبال ضيوفنا هنا، ونقوم بطهي الأطباق الأندلسية، والشرقية، والمغربية هنا، فهذا بيتي الثاني حقيقة.
قلتُ:
أظنك مهتمة بالتراث الغرناطي، وهذا بدا لي من خلال تصميم المطعم، بل حتى من خلال لباسك، فهل ظني في محله؟
فقالت:
صدقت، فملابس غرناطة كانت من هذا النوع العربي أو الشرقي؛ ولكنها تغيرت الآن، مع أن الإسبان ما زالوا يلبسون لباس تماثيل العذراء مريم في الحفلات، والأعراس؛ لأنه تقليد عريق.
قلتُ:
اليوم ونحن نتكلم عن تحدي الحلال، والحرام، والهوية من خلال الطعام؛ لأن الهوية تنعكس من خلال الطعام، ومن خلال الملابس، وتظهر في العلاقات، والعالم اليوم كله سواء في الشرق أو في الغرب يعاني من تراجع وجود الأسرة، وعلاقة الزوج مع زوجته، فما هي العلاقة بين الزوجين من خلال العمل؟ وهل تؤيدين العمل المشترك في مكان واحد؟
فقالت:
صحيح أن في عصرنا الحالي قد لا يجتمع الزوجان، أو الآباء مع أبنائهم، بسبب انشغال الرجل والمرأة بالعمل طوال الوقت في هذا المجتمع الذي يستعبد الناس، وأنا أظن أن هذا أمر خطير؛ لأن على الزوجين أن يكونا معاً، ويقوما بأنشطة مشتركة معاً؛ لكننا بتنا الآن نرى الأسرة تندثر، وتفقد وحدتها، ليس فقط بشأن الزوجين أو الأبناء الذين يقضون غالب وقتهم على الكمبيوتر، أو مع الأصدقاء؛ ولكن أيضاً أفراد العائلة كالإخوة، وأبناء العم، فلم تعد هناك أسرة بالمفهوم العائلي، على الأقل هنا في الغرب، فالعائلة آخذة في الأفول، والناس لا تكترث لأحوال الآخرين، بل يقفلون على أنفسهم أبواب شققهم وكأنها سجون، فالناس لا يعيشون في دور ذات حديقة، بل يكدون ويشقون لدفع ثمن الشقة السجن، والماء، والكهرباء، والأجرة، أو أقساط البنوك!! فالكل هنا يسعى وراء الشقة، ولو كانت صغيرة كل الصغر، تشبه زنزانة سجن؛ ولكنهم يريدون العيش في وحدة، لا يريدون الدخول في أمور عائلية، أو الاكتراث للآخرين، بل نفسه، وزوجته فقط، والمهم العيش مع حاسوبه، أو هاتفه النقال!!
قلتُ:
هل زوجك أنور هو المسؤول في المطعم أم أنت؟ لأنه لا بد أن يكون هناك مسؤول، ولا بد من مدير، فمن المدير؟
فقالت:
كلانا مسؤول، ولكن هناك أشياء أعرفها أنا أكثر كالشاي، والطبخ، وأشياء يعرفها هو أكثر كالطب؛ لأنه دكتور في الطب البديل، وأنا دكتورة فقط في الطب، والكيمياء الأندلسيين، وهو حائز على شهادات كثيرة في الطب، فهو أكثر خبرة بأمور الطب، والصيدلة، وأنا أكثر خبرة بمسائل الطبخ، والتاريخ، وأنواع الشاي.
قلتُ:
العولمة الاقتصادية الرأسمالية، والشركات العابرة للقارات، تحاول فرض نموذج أحادي، يهدم الخصوصيات، وهي لا تحارب هوية معينة، وإنما تحارب فكرة الهوية، فهل تعتبرين هوية المطعم، وهوية اللباس، وهوية الطعام، رسالة منك إلى الآخرين من خلال إسلامك مثلاً؟
فقالت:
نعم، فأنا دائماً أقوم بإيصال رسائل عن تاريخ الأندلس كيف كان، وماذا يمكنه أن يكون؛ لأن الأندلس كان مشروعاً إيثارياً للعالم، يسعى لحل مشاكل العالم؛ ولكنه توقف لأسباب يعرفها الجميع، وهي فتن الغنى، والسلطة، والانقسام، والحسد، فيمكننا إنجاز مشروع الأندلس مجدداً، ورغم أني أرى صعوبة ذلك كدولة، لكنني أقوم به بشكل مصغر عن طريق نشر ثقافته، وعلمه، وطبخه، ونباتاته، ونقوم بمهرجانات للملابس التقليدية، والشِّعر، والفن الأندلسي، فأنا أحاول أن أعرف دوماً بالإسلام، والأندلس عن طريق ذلك.
قلتُ:
عندما دخلت مطعمكم سمعت أناشيد في المدائح النبوية، والحب الإلهي، والقيم الأخلاقية؛ لكن الإنشاد عندكم من نمط غير الذي عندنا في الشرق، فما هذا المقام؟
فقالت:
هي فنون قديمة تعود إلى القرن السادس عشر، والسابع عشر، وهي تتحدث عن قهر، واضطهاد عاشه المسلمون الذي كانوا يجبرون على اعتناق النصرانية، وكانوا يُعرفون بالموريسكيين، وكانوا يعيشون ضيقاً كبيراً، فيعبرون عنه بغنائهم، وكتاباتهم، وأناشيدهم الدينية عن الإسلام، وعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولأنهم لا يتكلمون الإسبانية، كانوا يكتبون ذلك بالعربية من أجل حفظه، وقراءته بالإسبانية، وهذا ما يسمّى: الأعجمية بالإسبانية، هكذا تعلموا الإسبانية؛ لأنه كان ممنوعاً عليهم التحدث بالعربية، وإن عثرت السلطات على أحد يتكلم العربية في الشارع أخذوه مكبلاً، وقاموا بترحيله في السفن إلى أمريكا!!
كان واقعاً مرعباً أسوأ مما يحدث في فلسطين الآن، كانت إبادة جماعية ثقافية، وعلمية، ودينية، وعلى جميع الأصعدة، فقاموا بالتعبير عن ذلك في غنائهم، وأعيادهم، وفي الفلامينكو؛ وهي كلمة عربية تعني: “الفلاح المنكوب”، أي الفلاح الذي فقد كل شيء، واحتلت أراضيه، وانتزعت منه جميع ممتلكاته، فيعبر عن يأسه بالغناء.
قلتُ:
صورة المرأة المسلمة مشوهة في أذهان الغربيين، فضلاً عن صورة الإسلام، فما الذي دعاكِ إلى اعتناق الإسلام رغم ذلك؟
فقالت:
أنا كنت أنتقد في أيام شبابي المجتمع الإسباني لكونه ذكورياً للغاية؛ ولكن الأسر كانت متحدة، وكانت الأمهات يجلسن في بيوتهن، وكانت أبواب المنازل تفتح للجميع، كان هناك دفء اجتماعي، وكان الغلام يذكرني بطفولتي عندما كنا متحدين، أسرة، وجيراناً، وإذا نقص لديك شيء يقوم الجار بإعارتك إياه، كانت المنازل مفتوحة دوماً لاستقبال الأحبة، والجيران، وكنت أرى هذا في الإسلام، وفي رحلة إلى المغرب رأيت أنه بلد يعكس طفولتي في إسبانيا، ففي مراهقتي كنت أنتقد والداي بأنهما تقليديين، وذكوريين؛ ولكن كل هذا كان يهز قلبي، رغم أن عقلي كان يستنكره، كان قلبي يوافق، ويشعرني أنني مسلمة، وكنت في صراع صعب دام ست سنوات، وكنت أتساءل: ماذا عن كفاحي من أجل النساء، ومساواتهن؟ وإذا دخلت الإسلام سيضحك مني أصدقائي، وصديقاتي! فكان هذا يجعلني أتردد، وكان صراعاً بين عقلي، وقلبي، ثم قلت: كلا، قلبي يقول لي هذا، ولا بد أنه الحق، فقلت: بسم الله، وعند دخولي الإسلام لم أتغير؛ لأني كنت أملك قاعة للشاي وهي الأولى من نوعها في إسبانيا، وحتى قبل إسلامي كنت أذكر تاريخ الأندلس، فلم تتغير حياتي من هذه الناحية، بدأت بالصلاة، ودراسة الإسلام، وكانت هناك أشياء لا أفهمها، أو لا تعجبني، ولكنني كنت على يقين أنها إن كانت في القرآن فلا بد أنها الحق؛ لأنه كلام الله تعالى، بينما كنت أرى أن القرآن يحتوي على أشياء ربما بدائية، وربما لا أتفق معها!! لكنني كنت أعلم في قلبي أنها الحق، والرسالة المنزلة على محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق جبريل عليه السلام، فإن لم أفهم شيئاً، ولم أتفق مع أشياء، فإنما هو لأنني اتبعت الأفكار الغربية التي لها ما لها، وعليها ما عليها، فهي تحتوي على مسائل مدمرة، فقلت: حسنًا هذا هو الحق، وكفاني حيرة، وانتهى الأمر.
فمثلاً: من الأمور التي كان يساورني الشك تجاهها: لماذا يجوز للرجل الزواج من أربعة نساء؟ فهذه من الأشياء التي لا تعجب أي امرأة؛ ولكن أقول: إن لها أسبابها أيضاً، وتتعلق بسياقها، وحالاتها.
قلتُ:
الغربيون، والشرقيون من العلمانيين، يتهمون المحافظين بأنهم يجعلون من الحجاب قضية، بينما هم الذين يعتدون على الحجاب، فستر المرأة يشن عليه حرب، والرجل الأناني يوظف جسد المرأة من خلال الدعاية والإعلان، ويستبيحه، ويعتبره كأي مادة دعائية!!
ولا شك أن الحجاب في إسبانيا صعب، فكيف تتعاملين مع هذا التحدي الظاهر، الذي يكشف الإيمان، ويكشف الهوية؟!
فقلت:
كلنا يعلم أن الحجاب أمر واجب؛ ولكن يجب أن نفهم أيضاً أنه أسهل، وأوجب في مجتمعات تطبق شرع الله تعالى، وتطبق الإسلام في جميع مناحي الحياة، فإذا نزعت امرأة أو اثنان حجابهما تكون فتنة، أما في الغرب حيث حرية الاختيار، وحيث لا تسأل المرأة عما تفعل، فإنه يصبح الأمر شخصياً، أي بين المرأة والله سبحانه، قد يكون الأمر صعباً نعم؛ ولكنه في غرناطة على الأقل ليس بتلك الصعوبة، فالناس اعتادوا رؤية الحجاب، فالأمر يتعلق بالبيئة التي نتحرك فيها، فإن كانت المرأة تعمل في مشروع لها، فإنها لن تجد مشكلة في حجابها، في حين أنها إن بحثت عن العمل في مكان ما، فلن تحصل عليه ما دامت ترتدي الحجاب! ولذلك فالبعض منهن قد ترتدي قبعة، أو شيئاً من هذا القبيل، أو تلف ثوباً حول عنقها، لتحصل على العمل؛ لأنهم عند ذلك لا يعلمون بإسلامها، وبمرور الوقت يتعرفون عليها، ويرون أخلاقها، وصدقها، فتقوم بإخبارهم بأنها مسلمة، وترتدي حجابها، ويتقبلونها دون مشاكل؛ لكنهم من الصعب أن يتقبلوا الحجاب ابتداء.
قلتُ:
في كل دين توجد ثلاثة أقسام من الناس: فاسد غير ملتزم بدينه، وصالح، ومصلح، من وجهة نظرك ما هي الطريقة التي ترينها مناسبة ليتحول الإنسان إلى مصلح يغير الآخرين إلى الخير، ويدعوهم إلى الفضيلة، ويحببهم إلى العقيدة الإيمانية؟
فقالت:
يلزمنا أولاً أن نتعرف على ما يحتاجه الناس، وما يعانونه، وأن نستمع إليهم خصوصاً في ظل الأزمة التي تعيشها إسبانيا، والتي تجعل الناس يعانون كثيراً، ولذلك علينا أن نتعرف على مشاكلهم، فعندما تستمع إليهم، وتحاول مساعدتهم ولو بكلمة طيبة، أو بقليل من المال، أو بالمودة، والتفهم، فهذه أحسن طريقة للدعوة؛ لأنهم يقولون: انظروا كيف يهتم المسلمون لأحوالنا، ويبدون طيبة، وكرماً، ولا يكتفون بالصلاة في المساجد، ولذلك فإننا نحتاج هنا إلى مركز يتطرق لاحتياجات الناس؛ لأن الناس لا تكترث لأحوال الغير، ولكن إن اتخذت خطوة نحوهم، واستمعت لهم، وساعدتهم، فإنك ستضمن مسلماً جديداً في المستقبل.