بينى وبينكم 2005 الحلقة الثامنة العمالة الوافدة ج 2
العمالة الوافدة ج2
روى الإمام أحمد: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك أنت ظالم، فقد تودع منها).
وهذا كما يقال: أنا غسلت يدي من فلان، بمعنى أنه ليس فيه طب، وليست منه فائدة نهائية، وهكذا هي الأمة، فمهما كانت عابدة، ومهما كانت ملتزمة؛ لكنها تسكت عن الظلم، ولا تنكره، ولا تأخذ على يد الظالم، فإنها في هذه الحالة لا قيمة لها؛ لأنها تكون قد كرست عبوديتها لغير الله عز وجل، لاستجابتها لهذا الطغيان السياسي، أو الاقتصادي، فقيمة الأمة بأن تتكلم بالحق.
وهذا الإمام علي بن أبي طالب يعطينا الصيغة العملية، وما ينعكس على المجتمع من آثار، إذا تحققت قضية المصالح الشخصية من قِبل المتنفذين، فيقول رضي الله عنه عن هذه المظالم: (إن ما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الحق حتى اشتُري، وبسطوا الجور حتى افتُدي)، أي أن الحق لا يمكن الحصول عليه إلا بدفع الرشاوى لهؤلاء المجرمين، وأن الظلم لا يدفع عن الإنسان إلا بدفع المال أيضًا، وهذه قمة المصائب، والبلايا، فتجار الإقامات، وسماسرة الرخص التجارية، يأتون بتلك الأفواج البشرية، وقد أوهموهم أنهم قدموا إلى جنات الخلد، وأرض النعيم، ويزجون بهم في غياهب الأحلام الموهومة، وظلمات الوعود الخادعة، ويبتزونهم في أموالهم التي باعوا كل ما يملكونه لكي يجمعوا ثمن تلك الإقامة، ولكنهم يفاجؤون بالحقيقة المؤلمة، ويصدمون بالواقع الكئيب المجرم، حيث تلاشت أحلامهم، وتبخرت آمالهم، التي عليها كانوا يعولون، ولم يجدوا أمامهم إلا وحوشًا بشرية، قد فُرِغت من كل شيء إلا من عبادة المادة.
هذا الواقع يجب أن نتحدث عنه، وأن نرفع الصوت بإنكاره، ومحاولة إزالته، وإلا لحقنا الوعيد الذي جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}، ويقول تبارك وتعالى: {فليؤد الذي اؤتمن أمانته}، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظُلم)، فأنت مطالب أن تؤدي الأمانة إلى أهلها، ومطالب بإعطاء صاحب الحق حقه، وإلا كنتَ ظالمًا، ومع الأسف فإن كثيرًا من الظلم الذي نراه لا يقع من أناس محتاجين، وإنما يقع من أناس أغنياء، ومن أصحاب ملايين، ومن أناس يريدون أن ينتفعوا بهذا المسكين على حساب صحته، وماله اليسير!!
وهذا نداء وصيحة نذير أطلقها لهؤلاء الذين يمارسون هذه الأفعال غير الأخلاقية، ولا الإنسانية فأقول:
تخيل نفسك يا من تتاجر بإقامات الناس، وتتخذ من منصبك ومكانتك ورخصتك التجارية وسيلة للضغط على هؤلاء المساكين، وابتزازهم، يقول: تخيل نفسك أنك في بلد غريب، محتاج، وفقير، ومديون، وتعبان، ومكدود، ووراءك أطفال، ومرضى، وأم كبيرة مسكينة، وتحس نفسك أنك محاصر، فلا أنت قادر على الرجوع إلى بلدك، ولا أنت قادر على أن تستقر في بلد الغربة، ثم يلقى القبض عليك؛ لأن إقامتك منتهية الصلاحية، أو لغير ذلك من أسباب! تخيل نفسك لا نصير لك، ولا معين، ولا مساعد، فقل لي بربك: كيف يكون شعورك؟ وكيف ستنظر لذلك المجتمع؟ وماذا ستتمنى؟ هذا إن كان لديك بقية من عقل يتماسك، أما الذي ليس لديه عقل، فالجواب معروف لكل واحد منا.
فالمسألة إذن ليست في ظُلم الناس وانتهى الأمر، بل إن لذلك انعكاسًا سيئًا على البلد بشكل عام، فهذا سوف يسرق لكي يعيش، وذاك سوف يقتل لكي ينتقم، وثالث سوف يتاجر بالممنوعات ليضمن لنفسه الحياة! فإن لم يكن هذا ولا ذاك، فلا أقل مما نسمعه يوميًّا من حوادث الانتحار التي يقدم عليها هؤلاء، وبطرق غريبة أحيانًا، من أجل أن يتخلصوا من هذا العذاب والشقاء الذي وقع عليهم!
ولذلك نقول: إن المشكلة الاجتماعية لا تُفسر بسبب واحد، ولا بدافع واحد، بل هناك أسباب خاصة، وأسباب عقائدية، وأسباب اقتصادية، وغير ذلك، ومع أننا نقول إن الانتحار وقتل النفس لا يجوز شرعاً، وإن الذي انتحر مخطئ؛ إلا أن التفكير والوقوف عند الخطأ وحده لا يكفي؛ لأن أسباب المشكلة الاجتماعية متداخلة، ومتنوعة لكل طرف، هكذا يقول علم الإجرام، فالكل مشارك في الجريمة: المجتمع، والأسرة، والقانون، والواقع العام، فهي خيوط متداخلة، تتولد عنها شبكة ثقافية معينة، تؤدي في نهاية المطاف إلى أن ينتحر الإنسان، فنحن نريد أن نتحدث عن السبب المباشر لعملية الانتحار التي يقدم عليها البعض.
هذه قصة شاب متزوج وعنده ثلاثة أبناء، ويعول والديه كذلك، ضاقت به الحياة في بلده، فباع كل ما يملك في هذه الدنيا للحصول على عقد عمل في هذه البلاد، ولما جاء تفاجا أنه لا يوجد عمل، فجلس شهرًا، واثنين، وثلاثة بلا عمل، وكثرت عليه الديون، وكثرت عليه المطالبات من زوجته وأبنائه ووالديه، فحاول أن يترك كفيله ويحول إقامته على كفيل آخر، عله يجد عملاً، لكن كفيله رفض ذلك إلا أن يدفع له مبلغًا من المال لا يستطيع توفيره في هذه الظروف، فتعبت نفسيته قليلاً قليلاً، فلم يجد وسيلة للهروب من هذا الواقع المفروض عليه أقرب من الموت، فقرر الانتحار، وفحلاً علق نفسه في شجرة وانتحر!! في منظر بشع يندى له الجبين.
وأنا ههنا أوجه رسالة لذلك الكفيل المجرم فأقول: أيها الكفيل، أما تتقي الله في هذا الإنسان؟ كيف لك أن تنام قرير العين بين أهلك، وأولادك؟ بل كيف تطيب لك الحياة أصلاً بعد هذا الذي اقترفته؟
فلتسمع أنت وأمثالك، ممن نزعت الرحمة من قلوبهم، ولم يعودوا يفكروا إلا في المصلحة الشخصية، والمنفعة المادية، إلى قول نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً)، وفي رواية: (فسحة من ذنبه)، فالواحد منا قد يخطئ، وقد ينحرف؛ لكن أن يصيب دمًا حرامًا، فهذه مصيبة المصائب، وبلية البلايا.
فهذا مثال وقصة من أمثلة وقصص عديدة، نسمع بها كل يوم، ونعيش أحداثها كل لحظة، والمصيبة أن هذا الكفيل المجرم لا يحاسب، ولا يمسه أحد بأذى، بل يسرح ويمرح، وتكون له ضحايا جديدة!!
فأين وزارة الداخلية، وصناع القرار، عن تلك الممارسات، والمصائب التي لا تسيء لسمعة الشخص وحده، بل تسيء لسمعة البلد ككل؟!
إننا نذكر هذه الهموم من أجل تصحيح الوضع الذي غفل عنه الناس، والأخذ على أيدي من أجرم قانونياً، لا بد أن يُفّعل القانون حتى لا تقع مثل هذه الحوادث البشعة، التي لا يقبلها دين، ولا عرف.