لتجربة الأجواء المثيرة للمراهنة الرياضية والإثارة في ألعاب الكازينو عبر الإنترنت، ما عليك سوى التسجيل وبدء اللعب لدى شركة المراهنات Mostbet في المغرب . تعال لتستمتع باحتمالات عالية والعديد من المكافآت والعروض الترويجية والرهانات المجانية واللفات المجانية. سنمنحك نسبة 100% على إيداعك الأول، ولدينا أيضًا تطبيق ممتاز للهاتف المحمول!
وياكم 2015

وياكم 2015 الحلقة الثامنة عشر الموت جوعا

الموت جوعاً

الموت جوعاً.. هذا هو عنوان حواري في جنيف مع أحد رموز الفكر الإنساني الذي تصدى لطغيان النظام العالمي.

إنه البروفيسور جون زيغلر.

هذا الرجل هو أحد أبرز العلماء المتخصصين بأزمة الغذاء، والجوع، والفقر، بل وبصناع الأزمات، وآليات استحواذ تلك الحيتان الرأسمالية المتوحشة المعولمة في العالم، هذا الرجل يشكر؛ لأنه شخصية معروفة، يكافح بكل ما يمتلك للوصول إلى عالم أكثر عدالة.

وهو شخصية اشتهرت بانتقادها الصريح للهيئات، والمنظمات العالمية، كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظومة العولمة العالمية، والاقتصاد الحر… الخ، وهو مفوض الأمم المتحدة السابق الخاص بالغذاء، وعضو المجلس الاستشاري للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وأستاذ علم الاجتماع في جامعة السوربون، وباريس، وجنيف، وحاصل على دكتوراه في القانون، وأخرى في الاجتماع، وكان نائباً في البرلمان السويسري لفترة من الزمن.

وكتبه هي التي أحدثت ضجة كبيرة، وقد تعرفت عليه من خلالها، ومن خلال صدعه بالحق العلمي في مواجهة الرأسمالية.

ومن كتبه الشهيرة كتاب: “سادة العالم الجدد“، وكتاب: “كراهية الغرب وامبراطورية الشر“.

وقد افتتحتُ أفتتح حواري معه بقولي:

عندنا مثل عربي مشهور يقول: (لا أحد يموت جوعاً)، والعالم اليوم يراقب ببرود المجاعات في إفريقيا، وفي غيرها، وهي تفتك بحياة وصحة ملايين البشر، وقد أشرتَ في كتابك: “سادة العالم الجدد” إلى أنه في كل خمس ثواني يموت طفل جوعاً!!

والسؤال: كيف يحتمل الضمير الإنساني هذه الفضيحة الكبرى، وقد سبق لك أن وصفتها بأنها مذبحة الفقر العالمي؟

فقال:

هذا سؤال مهم جداً، فكل ما ذكرته صحيح، فالجوع يفتك بحياة ملايين البشر يومياً في جميع أنحاء العالم، وسأذكر بعض الأرقام التي تؤكد ذلك:

كل 5 ثواني يموت طفل عمره أقل من 10 سنوات من الجوع، حسب إحصائيات الولايات المتحدة!!

58 ألف شخص يموتون يومياً من الجوع!

أكثر من مليار كائن بشري يعانون من سوء التغذية بطريقة دائمة!

وهل تعلمون أن البشرية تخسر سنوياً ما يقارب 1% من جوهرها! فنحن 7.8 مليار من البشر على وجه الأرض، و70 مليون منا يموتون سنوياً بأسباب مختلفة!

لقد أصبح الجوع أحد أهم مسببات الموت على هذا الكوكب؛ مع أن الإحصائيات نفسها تؤكد أن الناتج العالمي الفلاحي الحالي يمكن أن يغذي 12 مليار كائن بشري! أي ما يقارب ضعف البشرية، بمعنى أنه يمكننا تفادي هذه النكبة، ولذلك فإن أي طفل يموت من الجوع يعتبر مقتولاً!

قلتُ:

الدول العظمى تفرض عقوبات على أسلحة الدمار الشامل، وتطارد مجرمي الحرب بتهم الإبادة الجماعية، ألا تعتبر مجزرة الإبادة جوعاً جرائم ضد الإنسانية، وبالتالي تقع تحت طائلة المحاكم الجنائية الدولية؟

فقال:

بالتأكيد.

لأن المجزرة هي نتيجة يد بشرية، وليست نكبة لا يمكن تفاديها، بل هي نتيجة عدة عناصر تقنية يمكن تحديدها، كما يمكن تحديد المسؤولين عنها، ومن بين هذه العناصر التقنية:

المضاربة في البورصة حول المواد الأولية الفلاحية كالأرز، والقمح، والذرة، هذه المضاربة التي تعد قانونية تؤدي إلى رفع أسعار المواد الغذائية الأولية في السوق العالمية! ففي مدن الصفيح حول العالم يسكن ما يقارب 2.1 مليار من البشر، هؤلاء لا يتوفر لهم النقود الكافية لتغذية أطفالهم، ولذا فإن رفع الأسعار يؤدي إلى موت الأطفال.

ومن السهل جدًّا أن تمنع المضاربة في البورصة حول المواد الأولية من قبل مختلف السلطات الأمريكية، أو الألمانية، أو الإنجليزية… إلخ، إلا أن الجهات المستفيدة التي تحقق أرباحاً طائلة من هذه المضاربة هي التي تتحكم في سوق البورصة، والحكومات لا تفعل شيئاً؛ لأنها عاجزة!! وهذا يعني أن الرأسمالية المعولمة هي مصدر وجذور هذا النظام العالمي المتوحش، الذي يقتل كل يوم عشرات الآلاف من الأشخاص مثلي، ومثلكم؛ لأن الذي يفرق بيننا، وبين الضحايا كالطفل البرازيلي، أو المونغولي، أو الهندوراسي، الذي يموت جوعاً هو صدفة الولادة، فمن حسن حظك أنك ولدتَ في الكويت حيث وفرة الثروات، وفرص الحصول على الأغذية كباقي البلدان المتحضرة، ومن حسن حظي أنني ولدت في جنيف بإرادة الله، ولذلك أكرر: أن الذي يفصلنا عن الضحايا هو صدفة الولادة.

لقد تكلمت عن عنصر قاتل واحد هو: المضاربة في البورصة، ويمكنني أن أذكر عناصر أخرى يمكن إيقافها، ولكننا لا نفعل ذلك، كحرق مئات ملايين الأطنان من الذرة لإنتاج الوقود الزراعي، كما يفعل الأمريكيون!! فهذه جريمة ضد البشرية.

وأنا أتفهم رأي الرئيس الأمريكي حول محاربة التلوث باستبدال الطاقة الأحفورية، بالطاقة النباتية، أي البنزين بالوقود الزراعي، هذا تفكير منطقي؛ ولكن أن يحرق 120 مليون طن من الذرة كما هو الحال في أمريكا، التي تحرق ثلث إنتاجها من الذرة، فإن هذا يعد جريمة ضد البشرية، يمكن الحد منها، أو إيقافها مباشرة، ويمكن أن أضيف العديد من العناصر التي تقتل، وتبيد يومياً، والتي تنتج من استراتيجية رأسمالية معروفة.

قلتُ:

لماذا تصر على أن وراء ارتفاع الأسعار مؤامرة من دول كبرى، وأن أزمة الغذاء مفتعلة بهدف امتصاص خيرات الدول الفقيرة، والنامية؟

فقال:

نحن نعيش تحت الديكتاتورية العالمية للرأسمال المالي المعولم، وباستدلال برقم من دليل البنك العالمي للسنة الماضية فإن الـ 500 شركة الكبرى الخاصة، والعابرة للقارات من مختلف القطاعات قد استحوذت على 8.52% من الناتج العالمي الإجمالي! أي نصف ثروات هذا الكوكب، وهذه الشركات العالمية تمتلك سلطة لم يسبق لأي ملك أو إمبراطور أو قس أن امتلكها في تاريخ البشرية، وهذه الشركات المتعددة الجنسيات تملي قوانينها لكل الدول، حتى العظمى منها، ولا تخضع لأي مراقبة برلمانية، أو نقابية، أو غيره، وتتبع استراتيجية واحدة مماثلة هي: تضخيم الأرباح في أقصر وقت ممكن!

فمثلاً: شركة نستلي هي أول تراست غذائي عالمي، فهي لا تهدف إلى محاربة المجاعة في العالم، بل لخلق أكبر عائد من الرأسمال، ولذا فإن رئيس نستلي إذا لم يرفع العائدات بنسبة 20% أو 25% سنوياً فلن يظل رئيساً بعد 3 أسابيع، أو 3 أشهر! أي أن ديكتاتورية الرأسمال المالي المعولم التي تهيمن على هذا الكوكب حالياً تستعمل المجاعة، أو تتقبل سوء التغذية كسلاح للسيطرة على الشعوب، في حين أن هذه الشركات العظمى تستفيد من الثروات، فأفريقيا مثلاً تتكون من 54 دولة، وهي أقدم قارة، وفيها ولدت البشرية، كما أنها تفيض بالثروات المعدنية، واليورانيوم، والبترول، وغيرها، التي يتم استغلالها من طرف الشركات العظمى، وفي الوقت نفسه فإن القارة الإفريقية من بين القارات الخمس هي التي تعاني أكثر من نكبة المجاعة، بحيث أن 5.35% من سكان   القارة الإفريقية والتي يقارب عدد سكانها المليار حالياً يعانون من سوء تغذية دائم، بينما تحتوي القارة نفسها على أضخم الثروات تحت تربتها، والتي تختلس، وتنهب بطريقة منظمة من قبل الشركات العظمى للرأسمال المالي، والدول الغربية تعد الشريك الناشط لهذه الشركات العظمى.

قلتُ:

النظام الاقتصادي العالمي تسيطر عليه خمسمائة شركة عملاقة كبرى، وهي تملك من النفوذ، والسلطة، ما يمكنها من إدارة العالم، والتحكم بسياسته، ما هي الوسائل التي تستخدمها هذه الشركات لصناعة نفوذها؟

ثم: أين تكمن أخطار هذه التبعية مستقبلاً؟

فقال:

هذا سؤال رئيسي؛ لأننا أولاً سنشرح كيف تعمل هذه الديكتاتورية؟ ثم ما هي الوسائل التي يستعملها زعماؤها للسيطرة على قادة الدول؟

هناك العديد من الوسائل: فأولاً: لديها سلطة مالية هائلة، ولن يتمكن أي رئيس غربي كأوباما أو هولوند أو ميركيل من الفوز بالانتخابات دون مبلغ طائل من المال، والشركات العالمية تمول هذه الحملات الانتخابية، هذا شيء قانوني للأسف، كما هو حال المضاربة في البورصة تماماً، ثم يستعملون ما يسمّى بجهاز التواصل الذي يتحكمون به في الصحافة، والإعلام، كسلطة فكرية لا مثيل لها، الذي يعد أضخم من سلطة العديد من الدول، فعلى سبيل المثال: تفرض شركات المعادن العالمية خفض الأجور، أو نقل معاملها لبلدان أخرى، كبنجلاديش أو الصين أو كوريا أو تايوان، وهذا ابتزاز واضح، والتي تنص على أن العالم يعمل حسب قوانين طبيعية، وتواجد اليد الخفية أي السوق العالمي، والإنسان مستبعد من تاريخه، هذه النيولبرالية هي ظلام مرعب يوطن الاقتصاد الذي يزيح أي مسؤولية عن القوى العظمى بما أنه يخترع يداً خفية! ولنأخذ مثالاً على ذلك: جيمس فولفنسوهن الرئيس الثاني ما قبل الأخير للبنك العالمي قال: إن هدف التاريخ هو حكم العالم بدون دولة! هذا يعني أن التنظيم الذاتي للسوق، والمعركة التي يجب علينا قيادتها كمفكرين نقديين، والتي يجب عليكم قيادتها بما أنكم في المعركة نفسها هي كسر هذه الإيديولوجية التي استحوذت على ضمائرنا، والتي تنص على أن الإنسان لا يستطيع عمل أي شيء، وأن السوق هو الذي يقرر، وأن هذا الأخير يعمل حسب قوانين طبيعية ،حيث تستبعد الإنسان من كونه المدار الرئيسي للتاريخ! هذه الإيديولوجية النيولبرالية هي العدو الحقيقي للمنطق حيث سمّمت الأحزاب الاشتراكية في السلطة، والنقابات.. إلخ، وسمّمت العقول كي تصل بها للخضوع، والقبول غير الفعال.

أقوم بالعديد من المؤتمرات في مختلف المناطق كباريس، واستكهولم، ومدريد، وغيرها، وفي ختام المؤتمر عندما أتحدث عن القوى العظمى، هنالك شخص يتدخل دائماً بالقول: كل ما تقوله صحيح؛ ولكن ماذا أستطيع فعله كمواطن عادي؟!! ليس باستطاعتي عمل شيء ضد الأوليغارشية (حكم الأقلية) العالمية للرأسمال المالي! لكن هذا غير صحيح تماماً، فليس هناك تواجد للعجز في الديموقراطية، فكل العوامل التي هي أساس القتل بالجوع، كالديون المفرطة للدول الفقيرة، وإنتاج الوقود الحيوي من حرق المواد الغذائية، والمضاربة في البورصة حول المواد الغذائية الأساسية، والإغراق الزراعي الممارَس من قبل الاتحاد الأوروبي على أفريقيا والذي يدمّر الزراعة الإفريقية، هي من عمل اليد البشرية، ويمكن كسرها تطبيقياً بتمرد ضمائر المواطنين في الغرب، والتي ستدفع بحكوماتهم لوضع قوانين تمنع المضاربة في البورصة حول المواد العذائية الأساسية، وتمنع حرق مئات آلاف الأطنان من الذرة، والقمح، وغيرهما؛ لإنتاج الوقود الحيوي، وتمنع الإغراق الزراعي الممارس من قبل الاتحاد الأوروبي على الأسواق الأفريقية، وتفك الديون المفرطة على الدول الفقيرة كي يتمكنوا من الاستثمار في الزراعة المحلية، هذا كله ممكن بفضل الحقوق الدستورية التي نتمتع بها، والذي يلزمنا فعله فقط هو تمرد الضمائر كما قال شيكيفارا: (إن أقوى الجدران تسقط بسبب شقوق).

قلتُ:

أريد أن أسألك سؤالاً يخصنا نحن العرب، والمسلمين: هل درست أو سمح لك وقتك بأن تدرس الإمكانيات، والموارد، والثروات الاقتصادية التي يمتلكها العالم العربي، والإسلامي؟

وهل هو يملك القدرة على الاكتفاء الذاتي، أو على الأقل التمرد على حالة التبعية الاقتصادية للدول، والشركات المعولمة؟

فقال:

المؤكد في الأمر، والذي ألاحظه كمواطن أوروبي هو أن هناك نهضة لا مثيل لها للهوية العربية والإسلامية، ورجوع لأصل الهوية الجماعية، يعني ذلك أنه تم استبعاد الأيديولوجية النيولبرالية، والاحتواء القهري من طرف الغرب.

وعلى سبيل المثال: زوجتي مصرية، ووالديها مصريين مسيحيين، كانا يحلمان بفرنسا، وإنجلترا، ومدارسهم، إلخ…، في حين أن الجيل الذي يأتي بعدهم، والذي تنتمي إليه زوجتي يعتبرون أنفسهم عرباً، ويتكلمون العربية! كل ذلك في سبيل مواجهة الأيديولوجية الاحتوائية، والتبادل الثقافي، والأيديولوجية الاستعمارية التي لطالما بسطت سيطرتها على النخب العربية.

والآن الشيء نفسه بالنسبة للعالم الإسلامي، فهناك أكثر من مليار مسلم، والإسلام هو الديانة الثالثة، والأكثر حداثة من بين الديانات التوحيدية العالمية، وهو يشهد نهضة فريدة من نوعها.

مثلاً: في فرنسا يناهز عدد المسلمين 5 ملايين، من المغرب العربي، والشرق الأوسط! وفي سويسرا أقل من نصف المليون، وهم أشخاص يفتخرون بكونهم مسلمين، ويحترمون القوانين الفرنسية، والقانون المدني للمكان الذي يتواجدون فيه؛ لكنهم يثبثون بفخر على هويتهم، ونظرتهم للعالم، وإيمانهم، فعهد الاستعمار الجديد قد ولّى على ما أظن، والذي ينقص العالم العربي هو التوحيد؛ لأن هناك 300 مليون عربي! ففي اليوم الذي سيتمكنون فيه من التجمع سياسياً في اتحاد فدرالي يمتد من المغرب إلى المشرق ستتحرر فلسطين؛ لأن الإمبريالية الإسرائيلية أو الإمبريالية الأنجلو أمريكية (الإنجليزية-الأمريكية) التي تساند فاشية الدولة الاستعمارية الإسرائيلية ستكون عاجزة أمام العالم العربي المتحد! إلا أن الأمريكيين، والإسرائيليين يتمكنون إلى حد الآن من تفرقة العرب، وقلب بعضهم ضد بعض؛ للمحافظة على نظامهم الإجرامي القائم على الأراضي المستعمرة، فالنظام الإسرائيلي هو دولة استعمارية لديها الحق في الوجود؛ لكن استعمار الأراضي الفلسطينية يجب أن يتوقف، ولدى الشعب الفلسطيني الحق في الوجود كدولة مستقلة ديمقراطية في إطار آمن، واحترام متبادل بين دولتين؛ لكن الإسرائيليين لا يوافقون على هذا بالطبع؛ لأنهم يسرقون الأراضي، ويتمادون في سرقة الماء…إلخ، ويرفضون حق التواجد للشعب الفلسطيني، وقد نجحوا في ذلك إلى اليوم؛ لأن حاميتهم أمريكا تتمكن من تفرقة مختلف حكومات العالم العربي، ومنع اتحادهم لكي لا يطالبوا بتحرير فلسطين.

قلتُ:

ذكرت في كتابك: “كراهية الغرب” أن القيم الديموقراطية الغربية التي تشكل دساتير الغرب وقوانينها، تقف عند الحدود الجغرافية الغربية، فما هو السبب برأيك؟ ديموقراطية خاصة، وهم تتحول مع الآخر إلى استعمار، واستباحة؟

فقال:

هذا واقع للأسف، وأقوله كأوروبي ديموقراطي: لقد انتُخِبتُ كنائب عن جنيف في البرلمان الكونفدرالي، وكنت أطبق تلك الديمقراطية التمثيلية! ليس هناك أدنى شك أن نجد الديموقراطية في أوروبا الغربية أو أمريكا الشمالية، فالأمريكيون يعيشون في ديمقراطية بفضل دستور يحترم حقوق الإنسان، حيث يمكن انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ، وأعضاء الكونغرس، والرئيس عبر انتخابات حرّة نزيهة، وهو الشيء ذاته بالنسبة للملكية الدستورية في إنجلترا، وفي فرنسا، لذا فإن فرنسا، وإنجلترا، والولايات المتحدة الأمريكية هي دول ديمقراطية حقيقية؛ لكن المبادئ الديمقراطية، واحترام الآخر، وحقوق الإنسان التي يطبقونها في بلدانهم تنحصر عند الحدود! بحيث يمارسون الفاشية خارج حدود بلدانهم!

البروفسور دوفيغجي من جامعة السوربون وصف الدول الغربية العظمى بأنها دول ديمقراطية حقاً داخل حدودها؛ لكنها تطبق قانون الأقوى، والفاشية خارج الحدود الوطنية عبر التدخل العسكري، وإنشاء دول المرتزقة كدولة إسرائيل مثلاً، وعبر الانقلابات العسكرية التي يدبرونها، ونهب المواد الأولية كالمعادن وغيرها، من دول أخرى كالكونغو التي تشهد قرصنة رأسمالية، في تشابه تام مع ما كان يحصل في القرن 19، حيث يتم نهب الثروات مباشرة، وتصديرها بدون دفع أي قرش للدولة!! هذه الفاشية الخارجية التي عوضت الاستعمار التقليدي القائم على احتلال الأراضي يجب أن تحارب بكل الوسائل، ومع أنني لا أرى أي نوع أحسن من الديمقراطية التي تتمتع بها الدول العظمى حالياً، والقائم على الانتخابات الحرة، واحترام حقوق الإنسان، إلا أنه كي تكون لهذه الديمقراطية مصداقية معتمدة يجب تطبيقها في العلاقات مع الشعوب الأخرى.

إذن هذه الدول تعيش كذبة كبيرة، ففي أمريكا مثلاً بغض النظر عن الرئيس أوباما أو بوش، هم يقولون: إنهم يحاربون من أجل الديمقراطية! وفي المقابل يسفكون دماء الشعوب في بغداد، وأفغانستان كما يريدون لتأمين المصادر النفطية لدولهم!! هذه اللغة الخادعة التي تستعمل التعذيب اليومي (جوانتنامو)، وهذه العنصرية ضد المسلمين المروجة بالخطاب الأمريكي تخدم المصالح الرأسمالية، وتهيج الشعوب المعتدى عليها ضد المستبد، والولايات المتحدة الأمريكية هي المثال الحي على هذا؛ فالأمريكيون عند خروجهم من حدود بلادهم فإنهم يخرجون بمتفجرات، وقاذفات، أو بالعدوان الرأسمالي!

وأضيف: أن الديموقراطية في الغرب مهددة بالزوال إذا استمرت في إنكار القيم الخاصة بها حيال الدول الأخرى، أي إذا استمرت في تطبيق الفاشية الخارجية؛ لأن القيمة تكسب أهميتها من كونها شاملة، فإذا كانت تنحصر عند الحدود فإنها ستزول.

قلتُ:

ذكرت في كتابك: “إمبراطورية العار” أن نفقات الحروب تصل إلى تريليون دولار!! في حين أن 56 مليار من هذه الميزانية كافية لتوفير التعليم، والرعاية الصحية، والغذاء للمحتاجين، لمدة عشر سنوات، فهل هذا يعني أن النظام العالمي له دور كبير في إشعال الحروب، وأنه يستفيد منها أكثر مما ينفق عليها؟

فقال:

هذا مؤكد، ففي العالم حالياً 38 من الحروب التي تخلف أقل من 10000 ضحية في السنة!! أي أن مخلفاتها غير ضخمة، وأغلبها كانت نتيجة مباشرة عن الشركات العظمى! فقد ثبت مؤخراً أن الحرب التي أودت بما يناهز 7.1 مليون ضحية من ليبيريا كانت شركات الماس الإنجلوسكسونية الإفريقية هي التي تحارب بعضها البعض عبر تمويل الميليشيات لمراقبة المناجم، وقد كنت مؤخراً في شرق الكونغو بمدينة غوما عاصمة نورت كيفو التي يسكنها 500000 فرد، وشاهدت أن الشركات العظمى تدفع للميليشيات لتحارب من أجل استغلال الكولتان الذي يعد معدناً مهماً لإنتاج الهواتف النقالة، وغيرها، ولتأمين المناجم، في حين تظل السلطات الكونغولية المرتشية عاجزة تماماً أمام ما يحصل! أي أن الحروب المحدودة الأضرار تعد وسيلة من أهم وسائل الإمبريالية الرأسمالية المستعملة بطريقة دائمة، وناجحة، والتي يذهب ضحيتها العديد من الشعوب الضعيفة بالجوع، والفقر، والموت، نتيجة المنافسة بين الاليغارشيات العظمى في سبيل فرض السيطرة على المواد الأولية التي تعد أساس القوى العالمية الاستثنائية.

إذن الحرب هي وسيلة إمبريالية فعّالة، يدفع ثمنها أشخاص عاديين مثلي ومثلك، من الشعب في إفريقيا، والشرق الأوسط، ودارفور، وغيرها، والهدف هو الربح المتمثل في ثمن الدم؛ لأن آلاف الأمهات، والأطفال يلقون حتفهم خلال الحروب نتيجة العمل المفرط لتحقيق هذه الأرباح التي تودع بعد ذلك في البنوك السويسرية كأساس لتلك القوة العالمية الذي تحدثنا عنه في البداية، والديكتاتورية للرأسمال المالي المعولم.

قلتُ:

لماذا استمرت الوحشية في السلوك الأوروبي والذي ظهر، وتبّدى في الاستعمار، والحروب العالمية رغم كل الفلسفات الإنسانية، والعقيدة المسيحية؟

هل هناك أثر للروح الداروينية، والنيتشوية في العقلية الرأسمالية المعولمة المتوحشة؟

فقال:

أولاً: أريد أن أوضح شيئاً وهو أنه بدون العالم العربي لن تكون أوروبا موجودة!! أعني أنه بفضل الخلافة الأموية، ومن ثم العباسية، وتلك الحضارة العظيمة خلال القرنين السابع والثامن، التي نقلت الثقافة اليونانية الرومانية للأوروبيين، نعم أنهم أكبر علماء قرطبة من اكتشفوا أرسطو أكبر فلاسفة الفكر الإنساني، وترجموا أعماله إلى العربية، وكذا كل الفلسفة اليونانية العتيقة الضخمة تم نقلها للأوروبيين، توفي الرسول صلى الله عليه وسلم سنة 632، ومنذ سنة 750 قام الخلقاء الإسبان الذين تميزوا بحيوية سياسية، وعسكرية هائلة تلت وحي القرآن الكريم، ووفاة الرسول، حيث كونت من العالم العربي مهداً مهماً للثقافة، ونقلها في مجالات عديدة كالرياضيات، والأدب، والفلك، والذي بدونها لن يكون هناك وجود للحضارة الأوروبية، وبدل أن يكون الأوروبيون على عرفان بفضل العالم العربي، وأن يسعوا للتعايش معه، قاموا بحجة الحروب الصليبية بشن هجومات عسكرية على هذا الأخير دون أي سبب، والسؤال الذي أطرحه في الكتاب الذي ألفته هو: أين السم من الأيديولوجية الأوروبية الذي خلق كره الآخر عندهم، والعنف، والاحتلال الاستعماري، والحروب الصليبية، لا نستطيع أن نجزم أنها المسيحية؛ لأن هذه الأخيرة مثل الإسلام، واليهودية، فإن الإنجيل هو أولاً، وقبل كل شيء ديانة حب كما هو القرآن كتاب حب، وتسامح، والتلمود كذلك؟! هناك انحراف في التفكير الأوروبي مستوحى من رغبة رهيبة في زيادة الأرباح، ومن الواجب علينا محاربتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى