لتجربة الأجواء المثيرة للمراهنة الرياضية والإثارة في ألعاب الكازينو عبر الإنترنت، ما عليك سوى التسجيل وبدء اللعب لدى شركة المراهنات Mostbet في المغرب . تعال لتستمتع باحتمالات عالية والعديد من المكافآت والعروض الترويجية والرهانات المجانية واللفات المجانية. سنمنحك نسبة 100% على إيداعك الأول، ولدينا أيضًا تطبيق ممتاز للهاتف المحمول!
وياكم 2016

وياكم 2016 الحلقة الخامسة سقوط غرناطة ( الخيانة )

سقوط غرناطة الخيانة

في إحدى زياراتي لإسبانيا وقفت في ساحة باب الرملة في مدينة غرناطة، وهذه الساحة تعد موقعاً تاريخياً لحرق الكتب!!

وهل هنالك من يحرق الكتب؟!

نعم لقد حرق مئات الآلاف من الكتب، بل أوصلها بعض المؤرخين إلى مليون كتاب، ليس في الدين فحسب، وإنما في الأدب، واللغة، والتاريخ، والصيدلة، والطب، والعمارة، والهندسة! كلها حُرِقت في هذه الساحة، وغطّت الأدخنة السوداء سماء غرناطة! وعندما سلّم المسلمون غرناطة، وانسحبوا منها إلى جبال البشارات، لم يلتزم النصارى بالشروط الموقعة بينهما، فأول ما فعلوه هو حرق الكتب، والثقافة، والعلم، والتي هي خسارة إنسانية! لا شك أنه عقل متخلف، وتعصب، وعنصرية، وعدم معرفة بأهمية العلم.

وأمام هذه الساحة هناك كاتدرائية كاثوليكية ضخمة، كانت هي الجامع الأكبر في غرناطة أيام حكم المسلمين قبل سقوطها!

ولذلك سوف يكون مدار حديثي عن: سقوط غرناطة، ليس عن سقوطها كمنطقة تاريخية تراثية، وإنما لماذا تسقط الأمم، من خلال المعاني التي سوف نقرأها ضمناً وصراحة: كالخيانات، والانقسامات، وحكم الديكتاتور، وتقديم المصلحة الذاتية والشخصية على اعتبار البلد والمجموع العام، وغير ذلك.

فنحن لا نقرأ التاريخ، وإنما نقرأ سنن الله سبحانه وتعالى، فسقوط الأمم لها أسباب كثيرة، إلا أن طبيعة الأسباب الاجتماعية تختلف عن طبيعة الأسباب المادية.

فتعالوا بنا نتكلم عن السقوط، وكيف نستفيد من ذلك؟ وكيف نُسقطه على واقعنا؟

كيف بدأ سقوط الأندلس؟!

بدأ السقوط عندما سقطت قرطبة، وأُعلن بأن الخلافة الإسلامية التي بدأها عبد الرحمن الداخل قد انتهت في قرطبة، عند ذلك استقل كل ملك، وأمير، وحاكم، بولايته أو إمارته، أو كما يصفونهم في التاريخ: بملوك الطوائف! والطائفة هنا ليست الطائفة المذهبية، بل الكتلة الاجتماعية الثقافية الإقليمية التي يحكمها هذا الملك، وأصبح هناك سبع ممالك!!

في هذه الأثناء بدأت كل مملكة في البحث عن: كيف تحافظ على كيانها واستقلالها؟ وكيف يتمكن هذا الملك أو الأمير أو الحاكم من البقاء على عرشه؟

ما الحدث إذن؟

كان لا بد من عقد اتفاقيات! ولكن مع من؟

مع القشتاليين النصارى! مع القوة الخارجية الزاحفة المتنامية على إخوانهم في الدم، والعقيدة، والتاريخ، بل والمصلحة المشتركة!! لأنك أيها الحاكم الأناني الذي لا يفكر إلا في مصلحته الفردية، وشهوته السلطوية، إذا غرقتَ فلن تغرق وحدك، بل الكل سيغرق معك!!

ملحظ آخر يلحظه المؤرخون، ويلحظه كل من يقرأ التاريخ، فبالإضافة إلى الاستعانة بالصليبيين، أو القشتاليين، أو الكاثوليك، في ممالك المسلمين السبعة بعضها على بعض، كانت المغرب تمثل الرافد العلمي، والسياسي، لهم، فإذا أصابهم ضعف من قِبل حصار، أو خيانات من اتفاقيات القشتاليين ضدهم، فإنهم كانوا يستعينون بالمغاربة المرابطين، وبابن تاشفين أنْ أنقذونا!! فتأتي المراكب، ويأتي الجند، وتأتي الإسعافات!! فهل حقًّا هذه دول أهل لأن تستمر وتبقى؟ ثم كيف تستعين بمن وراء البحر، وتترك إخوانك وأنتم في قمة التشرذم، والخزي، والضعف؟

ولكن هل كان الاتفاق مع الصليبيين، أو مع القشتاليين يتم دون دفع ثمن؟!!

كلاّ، وألف كلاّ…، فلا بد من شروط!

فما هي هذه الشروط؟

أولاً: تسليم الحصون!

ثانياً: تسليم الأراضي!

ثالثاً: دفع الجزية!!!

وغير ذلك من مستحقات كثيرة أخذت منهم بناء على هذه الاستسلامات للعدو الأصلي ضد العدو المفترض، الذي صنعه المسلمون لأنفسهم!

في هذه الظروف الخائبة الضعيفة المحزنة ظهر رجل قوي، لديه مواهب كثيرة، فهو قوي عسكرياً، وذكي، ولديه قدرة على التخطيط!

إنه: محمد بن يوسف بن نصر.

هذا الرجل استطاع أن يصل إلى غرناطة بذكاء، وأن يجعل منها مملكة له؛ ولكن بطريقة غريبة عجيبة! فكيف حدث ذلك؟

لقد قام بالتحالف مع القشتاليين، والعدو الخارجي، لكي يؤمنوه، ويقوّوه ضد خصومه من ملوك الطوائف، بعد أن بدأوا يتساقطون واحداً تلو الآخر، فأعطوه الأمان، وكانت شروط هذا  الأمان:

أولاً: 150 دينار ذهب، يدفعها سنوياً للقشتاليين، أو للممالك الإفرنجية!

ولكن من أين ذلك؟

إنه من ضرائب الناس! فقد كانت غرناطة مدينة مشهورة بالحرير، والجلود، وزراعة الحبوب، وكانت ثرية جدًّا.

ثانياً: وهو من أخطر الشروط: إذا حدثت معركة بين الملك القشتالي ضد أي عدو، فعلى حاكم غرناطة أن يكون عوناً له إذا طلب مساعدته، حتى ولو كانت المعركة ضد مملكة مسلمة!!

ثالثاً: أن الملك الغرناطي  يبقى تحت ولاية الملك القشتالي، فهو الحاكم الأصلي، وذاك تابع له!

لقد كانت شروطاً قاسية بكل ما تعني الكلمة، ولذلك كان موقف الفقهاء والعلماء عنيفاً، وقوياً، وصريحاً تجاهه، حتى أن البعض منهم أفتى بكفره، وخروجه عن الملة؛ لموالاته أعداء الله تعالى، وخيانة الأمة، وأوصاف الكفر، والردة، والخيانة، إن كانت منطبقة على مرتكبها، فما الضير من وصفه بها، وتنزيلها عليه، أما أن نتردد في ذلك باسم التسامح، وباسم أن الإسلام دين وسطي!! وغير ذلك من التأويلات الباردة، فهذا غير مقبول أبداً، وهذه من الرسائل المهمة التي يجب أن تصل للكثيرين في ظل الهزيمة، والضعف، وتبدل دلالات المصطلحات، أو توسيعها، بحيث تخرج عن مضامينها الحقيقية.

فهذا الشرط المخزي وهو أن يكون الحاكم، أو الزعيم، أو الملك، أو الأمير، أو رئيس الجمهورية، تحت ولاية حاكم آخر، يخضع لأمره، ويلتزم بقوله، ويصدر عن رأيه! هذا معناه: أنه لم تعد له سلطة حقيقية، ومعناه: أنه أصبح عميلاً!!

بعد هذا التشرذم حدثت واقعة كبرى وهي: معركة العقاب، هذه الواقعة الضخمة حدثت مع دولة الموحدين المغربية التي كانت تستجيب لنصرة الممالك الأندلسية بعد المرابطين، حيث هُزِموا وانكسروا في معركة العقاب أمام جيوش الفرنجة الألمان، والفرنسيين، والإسبان، برعاية البابا؛ لأن ذلك بالنسبة لهم يعتبر  أكبر عبادة، وأكبر شهادة، وأكبر ضمان للجنة في إخراج هؤلاء المسلمين من هذا البلد، والعجيب أن عددهم كان أقل من عدد المسلمين بمرات، ومع ذلك حصل الانكسار!! لأن العبرة ليست بالعدد، وإنما بشروط النصر الكثيرة لاسيما في البيئة الإسلامية، لارتباطها بالعقيدة، والهوية.

هذه المعركة والهزيمة وقعت عام ١٢١٢م، وفي عام ٢٠١٢ أقامت إسبانيا مسيرة احتفالية عسكرية، شارك فيها الجنرالات، وحُمل فيه علم الموحدين الذي احتُفظ به من ذلك العهد، بمناسبة مرور٨٠٠ سنة على سقوط غرناطة!!

والفاجعة المذهلة لنا جميعاً حينما نعلم أن جدّ محمد بن يوسف بن نصر هذا أمير قرطبة هو الصحابي الجليل سعد بن عبادة الأنصاري!!

لكن العبرة ليست بالنسب، وإنما العبرة بالعقيدة، فالله تعالى يقول: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، فنحن أمة عقيدة، ومعايير، لا أمة أعراق، ودماء.

ولكن لماذا تأخر سقوط غرناطة عن بقية الممالك الأخرى؟

أولاً: الكثافة السكانية التي فيها، فكلما سقطت مملكة من ممالك الأندلس، هرب أهلها إلى غرناطة المحصنة.

ثانياً: لانتشار الطاعون في أوروبا الذي شغلهم.

ثالثاً: للخلافات التي كانت بين ممالك الفرنجة.

ولكن متى بدأت النقطة الحاسمة الفاصلة؟

لاحظوا الظروف السياسية في غرناطة في ذلك الوقت، حيث أن حاكم غرناطة كان له ولدان هما محمد الزغل، ومولاي الحسن، والذي حدث أنهما اختصما على الملك والمناصب، فما كان من الأب الفاضل إلا أن قسّم غرناطة قسمين: قسم لهذا الولد هدية!! وقسم للآخر، فقام محمد الزغل ببيع أملاكه، وحصونه، وهرب إلى المغرب!!

في هذه الأثناء كانت أوروبا في اتحاد، وزواج سياسي، بين إيزابيلا، الملكة القوية التي قالت لن أغتسل حتى تسقط غرناطة! وبين فرناندو ملك ارجون! زواج سياسي بين إمارتين، واستطاعوا بفضل هذا الاتحاد، ووضوح الهدف، والعزيمة على النجاح أن يحتلوا غرناطة، آخر معاقل الدولة الأندلسية!!

إن سنن الله سبحانه وتعالى لا تجامل أحداً، فالله تعالى يقول: {كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً}، فعطاء الله للبشر جميعاً، المؤمنين، والكافرين، والذي يأخذ بالأسباب ينتصر، ويصل إلى غايته.

ماذا فعلت إيزابيلا عندما دخلت قصر الحمراء؟ ولماذا بدأت بالمسجد؟

قصر الحمراء لم يكن مجرد قصر، وإنما عبارة عن مدينة متكاملة، كان من أهم وأبرز مرافقه الجامع الكبير، الذي كان يصلي فيه السلطان، وقد وصف لسان الدين ابن الخطيب هذا الجامع الذي تحول إلى كنيسة فيما بعد وصفاً بديعاً بأسطواناته، وأعمدته، وقناديله الفضية، وفرشه، وطريقة ترتيبه هندسياً.

لما دخلت إيزابيلا بسلطتها، وقوتها إلى قصر الحمراء، فأول ما فعلت أنها جاءت إلى هذا المسجد الجامع، وأقامت فيه قدّاساً مسيحياً، ولم تحترم خصوصية أهل الإسلام في دور عبادتهم، ولم تخضع أو تلتزم بالشروط والمواثيق المتفق عليها!

نعم قدّمت فيه القدّاس، ثم حولته إلى كنيسة! واستمرت العبادة الكنسية فيه مدة من الزمان، إلى أن ضاق المكان بالناس، فوُسّع بعد ست سنوات تقريباً، ثم هدم بعد ذلك، وأقيم عليه ذلك الصرح الكنسي الضخم، وهي الكنيسة الكاتدرائية التي تحدثت عنها في البداية! وقد لوحظ في بناء هذا الصرح قربه وروحه من الهندسة الإسلامية!

إن حديثي عن سقوط الأندلس ليس سرداً تاريخياً للأحداث، وإنما هي أحكام شرعية، ومفاهيم إنسانية، وقواعد في العدالة، وقيم وأخلاقيات الأمم في تحولاتها، وانعكاس هوية الأمة في معاركها، وفي حضارتها، وفي فنها.

نعم لقد دخلت إيزابيلا وفرناندو إلى قصر الحمراء، وحوّلوا المسجد إلى كنيسة، ولكن ماذا صنع المسلمون عندما دخلوا إسبانيا مع طارق بن زياد سنة 92 هجرية؟ هل مارسوا الممارسات نفسها التي مارسها القشتال، والنورمنديون، سواء في البرتغال، أو في الأندلس مع المسلمين حال انكسار المسلمين، وانتصار خصومهم؟

نحن لا نتكلم هنا عن انتماءات، ولا عن تحيزات، وإنما نتكلم عن قيم العدالة التي يجب أن تكون ماثلة أمامنا في حياتنا، ونحن نرى ماذا يحدث في عالمنا العربي، والإسلامي، والعالم أجمع. لماذا؟

لأن العدالة إذا سقطت وتلاشت، فإن المسلم سوف يظلم المسلم، والمسيحي سوف ينتهك المسيحي، والعلماني سوف يهدر العلماني؛ لأن المسألة أصبحت تنتمي إلى هذا الإنسان، ولذا فهو يشكل الفكرة وفق ما يريد من مصالح.

المسلمون عندما دخلوا إسبانيا:

أولاً: لم يتدخلوا في العقيدة: فعقيدتك هي عقيدتك، سواء أكنت مسيحياً، أو يهودياً، أو غير ذلك، هذا لا شأن لنا به، بل حسابه عند ربه.

ثانياً : سمحوا لهم أن يقيموا شعائرهم التعبدية.

ثالثاً: تركوا لهم كنائسهم، فلم يهدموها، وسمحوا لهم بترميمها.

رابعاً: حتى النواقيس كما يذكر المؤرخ والفقيه أبو محمد بن حزم: كانت تُقرع في المناسبات، وكانت تُقرع في حدود معقولة، وكذلك لبس الباباوات، ولبس الرهبان، والراهبات، تُرِك اللبس على ما هو عليه! بل حتى المؤتمرات كمؤتمر إشبيليا للقسس والرهبان، ومؤتمر قرطبة للقسس والرهبان، تُرك لهم أن يمارسوها بحضورهم، وبرعاية، وبحماية من المسلمين، ولم يحدث فيها أي خلل؛ لأن هذا يرجع إلى الأصل الفكري، وإلى المرجعية العقائدية، وإلى المفاهيم العقلية، ونظرتنا عن الإنسان، والكون، والحياة.

فعلى سبيل المثال: خذ هذه الآية، وخذ هذا المعيار، وخذ هذه القيمة العظيمة، التي يقول فيه الله تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيراً}، فلولا هذا التدافع الذي يحقق الأمن، والاستقرار، وحقوق الآخرين، فما الذي سيحدث؟

لهدمت صوامع، وهي دور عبادة النصارى، وبيع، وهي دور عبادة اليهود، ثم ذكر بعد ذلك صلوات ومساجد، وهي دور عبادة المسلمين، وفي النهاية قال: يُذكر فيها اسم الله، فكل واحد له عبادته، ويذكر اسم الله على طريقته، كما قال الله تعالى: {لكم دينكم ولي دين}، فلا نفرض على الناس عقائد معينة، ولا نجبرهم على اعتناق الدين.

ومن هنا نهدم الشبهة التي تقول: وما هو الفرق بينكم أيها المسلمون، وبين هؤلاء الإسبان؟ فأنتم احتللتم بلادهم، ونشرتم عقيدتكم بالسيف؟

فنقول: هناك فرق كبير بين نشر العقيدة بالسيف، وبين الفتح الإسلامي المسلح، فالفتح الإسلامي المسلح وقع، وبطلب منهم من والي سبتة، ولكن في المقابل فإن المسلمين لم ينشروا عقيدتهم بالسيف، فلم يضعوا السيف على رقاب الناس، وقالوا لهم: إما أن تؤمنوا، وإلا قتلناكم؟ هذا لم يحدث قط.

ولذا فإن هذه الكنيسة التي كانت مسجداً، هي شاهد على عدم العدالة التي مورست في حق المسلمين.

والسؤال:

ماذا حصل للمسلمين عندما استقر الحكم للقشتاليين، والأراجونيين، وغيرهم، كما يقول الخبراء والمؤرخون؟

بدأ طمس الهوية، وبدأت محاكم التفتيش، وبدأ الإجبار على العقيدة، وبدأ القتل، والحرق، فما كان من المسلمين في غرناطة إلا أنهم هربوا إلى الجبال: جبال البشارات!!

فماذا في جبال البشارات من قصة المسلمين المشردين المطرودين مسلوبي الحقوق؟

إنه المشهد الأخير من المأساة التي تتضمن ملهاة المسلمين في غرناطة، والذين استسلموا لمعاهدة مكتوبة موثوقة مع إيزابيلا، كانت بنودها تنص على إبقاء المسلمين على عباداتهم، وعلى شعائرهم، وعلى ملابسهم، وعلى قضائهم، وعلى مساجدهم، ويعيشون كمواطنين بحقوقهم، ولكن ما إن انتهت المعركة، ووقع الاحتلال، إلا وبدأ طمس الهوية الإسلامية جبراً، وقهراً، وهنا أدرك المسلمون الخطر المحدق بهم، فمنهم من انسحب؛ أما الذين بقوا صامدين فقد بدأوا يلحظون هذا التغير، حتى جاء فيليب الثاني ولم يكتف بهذا التغير العملي، وإنما أصدر فرماناً بأنه يجب قسراً منع أي هوية غير إسبانية، وغير كاثوليكية، وخاصة للمسلمين الذين هم أصحاب البلد الأصليين!! فلا ملابس، ولا لغة، ولا شيء من معالم المسلمين وخصائصهم، وزاد الأمر خطورة، وأحس المسلمون بالقهر عندما جاءت لحظة التنصير الإجباري!! عندها قالوا: لا! وبدأ التداعي للقيام بعمل يضمن لهم كرامتهم وحقوقهم، فبدأوا يجتمعون هنا وهناك، وخرج رجل مقاوم اسمه: فرج بن فرج، وصار هناك دعوة لاجتماعات منظمة، إلى أن اجتمعوا في بيت ابن أمية أحد القادة المشهورين، وكان هذا الاجتماع السري في أحد أيام عيد الميلاد، واهل إسبانيا لاهون بالشرب، واللهو، والاحتفالات، فقرروا القيام بثورة كبيرة في غرناطة من أجل الحفاظ على هويتهم، وإعلاناً منهم رفض هذه القرارات الظالمة القهرية، فما كان من النظام الكاثوليكي إلا القمع، واستخدام كل الوسائل التي لا تخطر على قلب بشر، فهرب الناس إلى جبال البشارات، بيد أن الثورة استمرت، فقام ابن عبود بثورة، وعملوا بطريقة حرب العصابات، واستذكروا تلك الوثيقة، والخطبة العظيمة لابن أمية الذي اُغتيل بخيانة داخلية في أحد كهوف البشارات، إلا أن ابن عبود وقع قتيلاً فحُـمل من قبل جيوش الكاثوليك الإسبان إلى غرناطة، وقُطع رأسه، وقُطعت أطرافه، وعُلّق رأسه ثلاثين سنة على بوابة غرناطة!! لكي يقولوا للمسلمين الذين في جبال البشارات الوعرة: إن هذا مصير قيادتكم، وهذا هو مصيركم أيضاً!!

هنا نقف ونقول: هل صنع المسلمون ما صنعه هؤلاء؟

أبداً لم يحدث شيء من ذلك.

وظل المسلمون فترة طويلة بين مقاومة، وثبات، وثورات متكررة؛ ولكن القوات هناك لم تسكت، وإنما حشدت أكثر، ولاحقتهم أكثر من ذي قبل، وضيقت عليهم في كل مكان.

فما هي الطريقة التي قضوا فيها عليهم نهائياً حتى في الأماكن الوعرة؟

لقد نصبوا لهم في جبل البشارات مدفعاً عظيماً، كان هذا المدفع يقذف حممه هنا وهناك على قرى المسلمين الإسبان، وعلى قلاعهم المتناثرة هنا وهناك، وبعد مدة من عدم التكافؤ في قضية السلاح، والعدد، والعدة، انسحب المسلمون، فذهب بعضهم إلى الوسط الإسباني في قشتالة، وذاب هناك، وبعضهم تنصّر هناك أيضاً، وبعضهم أخفى إيمانه، وتستّر، واستخدم قضية المداراة بكل ما تحمل الكلمة من معنى!!

وبعد القضاء على الوجود الإسلامي في إسبانيا، جاء هؤلاء بالإسبان الشماليين، ووطّنوهم هناك، وهو ما يعرف اليوم بالاستعمار الإحلالي!!

لكن ثمة جريمة كبرى، وكارثة تاريخية إنسانية أخرى حدثت، ألا وهي: مطاردة من بقي من المسلمين، وتخفى، وكتم إيمانه!! هنا تأتي قصة محاكم التفتيش، ويأتي التعذيب بأبشع ما عرفته الإنسانية، والذي اكتشفه نابليون بعد استعماره لإسبانيا!!

ليس هذا فحسب، بل حتى هؤلاء الذين سُمّوا الموريسكيين، وهم الذين تنصّروا من المسلمين، كانوا يعتبرونهم نصارى من الدرجة الثانية!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى