الإسلام كتطعيمٍ إجباريّ (٦) – رب المفاجآت!
(يتحرك الرب بطريقة غامضة) هو عنوان ترنيمة مسيحية كُتِبت في عام 1773 على يد الشاعر الإنجليزي (ويليام كوبر)، وعلى مدار القرنين السابقين تسللت من مجرد بيت في قصيدة إلى طريقة تفكير أمة بأكملها.
واليهود يرون الكثير من القصص في كتابهم المقدس والتي يمكن تفسيرها على أساس هذه الفكرة: يخبرك الإله بأن تفعل شيئًا، تبدو لك فعلة غريبة لا تحقق لك هدفك، ثم في النهاية تأتي الخاتمة السعيدة، يتحقق هدفك من خلال هذا الفعل الغريب وليس من خلال ما كنت تظنه أن يتحقق من خلاله! ويكفيك ذلك الإطلاق العام جدًا في رسالة بولس إلى أهل روما: “وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ”.
ما المشكلة في ذلك؟ لا مشكلة في ذات الأمر على الإطلاق، يدعونا النبي –صلى الله عليه وسلم– ألا نسارع بتكذيب أو بتصديق أخبار أهل الكتاب مما لا يتعارض مع ديننا، وفي القرآن فهناك بعض القصص مما يتبع نفس المبدأ مثل قصة موسى مع الخضر، وقصة يوسف عليه السلام.
المشكلة أن تكون هذه هي كل فكرتك عن الله وعن طريقة عمله أو حكمته!
المصائب تحدث لا لأن الله يبتليك ليجزيك الجنة، ولكن لأن فيها خيرًا (دنيويًا) من ورائها ستفهمه بعد قليل وعليك أن تنتظر المفاجأة، لذلك كان (ديزموند توتو) كبير أساقفة جنوب أفريقيا والحائز على نوبل للسلام يطلق على الله لقب: (رب المفاجآت!) انتظار المفاجأة، هنا في هذه الدنيا، والآن في هذه الحياة!
ونجد في كتابات اليهود عن (سفر الرؤيا) تمجيدًا للمسيح (المنتقم) الذي ينتظرون أن يأتي كي يحقق العدالة في الأرض، فالعالم الذي يكون فيه العادل تعيسًا هو عالم بلا معنى عندهم.
وتبنى القديس أوغسطين ذات الفكرة في المسيحية، الجنة على الأرض، أرض المعاد، هنا والآن بدلًا من أسطورة مملكة الإله.
لذلك؛ وفي استفتاء أمريكي كان هناك سؤال: “لو أُتِيحَ لك أن تسأل الله سؤالًا واحدًا تعلم أنه سيجيبك عنه، فماذا سيكون السؤال؟” كان السؤال الذي حصل على أعلى نسبة في التصويت هو: (لماذا هناك ألم ومعاناة في هذا العالم؟).
سوف يكون لديك الكثير جدًا من الأسئلة حين تجد أن الله الذي يعمل بطريق غامضة من أجل سعادتك لم يسعدك في النهاية، وانتظارك انتهى إلى لا شيء.
الإسلام أعطاك تطعيمك العقدي الإجباري حين أخبرك أن ليست هكذا تصير الأمور دائمًا.
نعم، الله قد ينعم عليك من حيث لا تدري، وقد يأتيك الخير من حيث ظننت أنه شر، طرق عمل القدر قد تكون غامضة بالفعل في كثير من الأحيان.
ولكن في الكثير أيضًا من الأحيان سوف يكون عليك أن ترى من البلاء في الدنيا ما لا يعوضه إلا الجنة!
سوف يحكي لك القرآن عن قصة أصحاب الأخدود ونهايتهم بالاحتراق بنار الدنيا جميعًا، أو يخبرك باستجابة دعاء المؤمنين: “فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا…”.
هل شكلت لك كلمة (قُتِلوا) مفاجأة حزينة؟ هل كنت تنتظر مفاجأة أسعد من (رب المفاجآت)؟
أتى الإسلام ليخبرك أن الأمر ليس كذلك، فالدنيا دار لم نخلق لأجلها، والمصائب سوف تظل تحدث، وجزاؤك عند الله حين تجتمع به، ومن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط.
وأما بخصوص (الرب يتحرك بطرق غامضة) فهي لن تسليك إلى الأبد، بل سوف يتعاظم يأسك حين تكذب الحياة ترانيمك، على سبيل المثال، دعني أخبرك بحقيقة أن (ويليام كوبر) قد حاول الانتحار مباشرة بعد كتابة هذه القصيدة!