الإسلام كتطعيم إجباري! (1)
ما الذي يمكن أن يحدث لو استيقظت من يومك فوجدت تلالًا صغيرة من الذهب في كل مكان في البيت؟ على السرير ذهب، على السفرة ذهب، وعلى مقاعد غرفة المعيشة المزيد من الذهب.. هنيئًا لك لقد صِرتَ أغنى الأغنياء في ليلة!
سوف تتصل بأحد أصدقائك لتُعلمه بالخبر السعيد لتكتشف أنه قد صار غنيًا مثلك، هو أيضًا استيقظ على تلال من الذهب في كل مكان، وصديقه أيضًا وصديقك الثالث وجاركما، ثم وجدتَ أن الجميع قد حدث له ذلك أثناء نومه في كل مكان من العالم.
فكرتَ أن جِنّيًا ما لا بد وأشفق على الجميع ووزع عليهم الذهب، لقد صار الآن الجميع أغنياء، هكذا ظن الجميع!
لكن الحقيقة أنه وبعد أيام قليلة، وبعد أن يفطن الجميع لما حدث سوف تتعاقدون مع إحدى شركات النظافة لمساعدتكم في التخلص من كل (حجارة) الذهب في أقرب مقلب قمامة ممكن!
لقد صار الذهب ولأنه متوفر وبهذه الكميات مع الجميع أقرب في قيمته لتراب الأرض أو قطع الحجارة في الشارع، ملح الطعام سوف يكون له فائدة عنه حتى، بعد أن يتوفر بهذه الكثرة سوف يفقد أهم خصيصة من خصائص المال: محدودية الإمداد (Limited of Supply)، فبالتالي لن يصبح مخزنًا موثوقًا به للقيمة (Store of Value). لن يهتم أحد بالحصول على قطعة ذهب مقابل رغيف من الخبز لأن الخبز أندر منه!
الخيمياء هو فرع من فروع العلم المهجنة بين أنواع مختلفة من الخرافات والديانات والسحر والتجربة المعملية، اهتمت الخيمياء بأشياء من خوارق الطبيعة المعتادة، بصنع إكسير الشباب والسعي وراء حجر الفيلسوف وتحويل الرصاص إلى ذهب، كل هذه الأشياء ظريفة الآن لنقرأ عنها في القصص المصورة أو الحكايات الكرتونية.
ولكن في الماضي، وقبل القرن الثامن عشر الميلادي لم تكن سمعته بهذا السوء الذي ننظر له الآن، بل كان الناس ينظرون له بعين الإجلال والرهبة؛ في الواقع لم يكن هناك ثمة كبير تفريق بين الكيمياء والخيمياء حتى القرن التاسع، واهتم المسلمون بكليهما، ربما من أول ما ساعدنا على التفرقة بينهما فعلًا هو ما نُقِل تاريخيًا من فتاوى المسلمين!
ففي الوقت الذي كان علماء المسلمين يحثون ذويهم على العلوم التجريبية المختلفة، كانوا ينهون عن الاشتغال بعلم الخيمياء، واعتباره من الخرافات التي لا تؤدي إلى شيء، ولأسباب كلها… فلسفية!
تحدثوا عن أن الأشياء إما طبيعية من خلق الله وإما مصنوعة من صنع الإنسان، ولا يمكن بالـ (استقراء) أن تضاهي هذه تلك.
تحدثوا عمّا يدعيه الخميائيون من قدرة على صنع الذهب، بينما هم في الحقيقة يصفّرون الرصاص فقط، وأن طبيعة الأشياء لا تتوقف عند لونها.
تحدثوا عن غش الناس والإضرار بمصالحهم.. اعتبر علماء المسلمين الخيمياء غشًا وليست فقط علمًا ليس نافعًا!
ربما ما نعرفه نحن الآن عن خواص العناصر وذراتها وعدد الإلكترونات في مدارها والذي يحدد خواصها، يخبرنا الآن لماذا السعي لتحويل الرصاص إلى ذهب هو خرافة، وربما ما نعرفه الآن من أساسيات علم الاقتصاد وخواص المال وقميته الشرائية يخبرنا لماذا الخيمياء علم غير نافع حتى لو تحقق بالفعل.
لم يكن علم الخيمياء هو الخرافة الوحيدة التي رفضها المسلمون فلسفيًا قبل أن يرفضها الغرب تجريبيًا! من قبلها كان التنجيم، ومن قبلهما السيمياء والشعوذة.
وهكذا، وعلى مدار القرون، شيء ما في العقيدة الإسلامية كان يدفع المسلمين إلى التميّز عن غيرهم بالكثير من كلمة (لا) في وجه الكثير من الأشياء التي كانت تستحقها!
شيء ما في العقيدة الإسلامية كان تطعيمًا إجباريًا أمام الكثير من الجهل، الكثير من الظلام، والكثير من الركض خلف اتجاه خاطئ.