الراحة النفسية أم الإلحاد؟!
في إحدى محاضراته صرّح ريتشارد دوكنز بأن الحالة التي تعتري الشاب فور إلحاده هي حالة “شعور بالراحة”. فبحسب دوكنز، عندما يتخذ الشاب قرار الإلحاد فإنه يتخلص من قيود الدين الظالمة، ويتحرر من الاستبداد الديني وسيطرته، ليحصل في المقابل على أفق جديد تمامًا يتسم بالحرية الكاملة في حياته ليفعل فيها ما يشاء.
أو بتعبير الأديب الروسي فيودور دوستويفسكي: “إذا لم يكن الإله موجودًا، فكل شيء مستباح”.
ضع نفسك مكان شاب ضعيف الإيمان، قليل البضاعة في العلم الديني، كثير التأثر بالشبهات، ضعيف السيطرة على نفسه، يسير وراء هواه ولا يتملك زمام شهواته، ثمّ عرض أحدهم على هذا الشاب مكسبًا سريعًا أو شهوة عابرة أو حياة رغيدة، وفي كل مرة تُعرض عليه هذه الأمور يشعر الشاب بتأنيب الضمير ووخز الذات نظرًا لإيمانه بيوم الحساب بعد الموت.
هنا يظهر السؤال: مع تدفق الشهوات وورود الشبهات، فما هو الأسهل بالنسبة لهذا الشاب؟ هل يتخلص من إيمانه بالبعث ويوم القيامة والحساب في الآخرة في مقابل استمتاعه بالشهوات والسعادة الدنيوية؟ أم الأسهل أن يجاهد نفسه ويكابد مقاومة شهواته ويعاني أثناء التخلص من عاداته السيئة؟
بالنسبة للغالبية من الشباب فإن الأسهل هو تغيير الفكر والاعتقاد لا تغيير السلوك والعمل، وهو ما يسمى في علم النفس بالتنافر المعرفي (Cognitive Dissonance)، والتي يُقصد بها “حالة من التوتر أو الإجهاد العقلي أو عدم الراحة التي يعاني منها الفرد الذي يقوم بسلوك يتعارض مع معتقداته وأفكاره وقيمه، ويُنشئ داخله دافع لمحاولة الحد من هذا التنافر”[1].
وفي الغالب يكون الأسهل على الشاب أن يُغيّر من معتقداته وأفكاره عوضًا عن تغيير سلوكه وتصرفاته، فيقرر التخلي عن الإيمان وهجر أفكار الحساب والبعث والثواب والعقاب، حتى يشعر بهذه الراحة المنشودة ويتخلص من عتاب الذات ولوم الضمير الداخلي، ويستطيع أن يتمتع بحياته الشهوانية دون رقيب ولا تفكير في العواقب.
رفع هؤلاء الشباب إذن شهواتهم إلى مرتبة عالية تفوق مرتبة الإيمان؛ فعندما تعارض الإيمان مع الشهوة، فضلوا التخلي عن الإيمان مقابل اتباع الشهوات، ومن ثم فإن هوى نفوسهم صار بمنزلة الإله المعبود في الحقيقة، أو كما قال الحق سبحانه وتعالى: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ».
فالمسألة ليست منطقًا خالصًا ولا اتباعًا للعلم، وإنما هي في الغالب شهوات تُتبع وهوى يُعبد من دون الله، وحينما يفهم المؤمنون هذه الدوافع فسيكتشفون مدى الضحالة المعرفية الموجودة عند أغلب الملحدين العرب في واقع الأمر.
[1] Leon Festinger, A Theory of Cognitive Dissonance, (California: Stanford University Press, 1957).