المنسيون في جنوب شرق آسيا، الروهينغا المسلمون
تُصنِفهم الأمم المتحدة بالفئة الأكثر اضطهاداً في العالم واعتبرت ما يحصل لهم على أنه نموذجٌ مثالي للتطهير العرقي مع مواجهتهم لخطر الإبادة الجماعية. لا يتمتّعون بأدنى حقوقهم الإنسانية، وليس لديهم الحرية والقدرة الكاملة للوصول إلى الطعام والرعاية الصحية والتعليم. حاضرهم بائس ومستقبلهم ميؤوسٌ منه لا يبشر بالخير أبداً. المنسيون في جنوب شرق آسيا، الروهينغا المسلمون.
سكان الروهينغا:
تعيش أقلية الروهينغا في ميانمار (وتُعرف أيضاً باسم بورما) التي تقع في جنوب شرق آسيا وتمتد بشكلٍ طولي من الشمال إلى الجنوب. يبلغ عدد سكانها حوالي 55 مليون نسمة، يشكل المسلمون 12% منهم. إلا أن هذه النسبة ليست دقيقة، بعض المصادر تشير إلى أن النسبة تصل إلى 20%، وسبب ذلك أن عدداً كبيراً من المسلمين في بورما غير معترف بهم كمواطنين وآخرون بمئات الألوف هُجِروا وشُرِدوا على مدار العقود السابقة، وبالتالي لا يظهرون في الإحصاءات الرسمية. يدين معظم سكان بورما بالبوذية إلا قلة قليلة من المسلمين، وتعد البوذية الديانة الأكثر انتشاراً في البلاد، يليها الإسلام.
الإسلام في بورما:
البدايات الأولى لوصول الإسلام إلى بورما كانت عن طريق التجار من العرب والفرس في القرن السابع الميلادي، ثم انتشر لاحقاً بشكلٍ أكبر في القرن الثاني عشر الميلادي عندما عظم نفوذ البنغاليين والبهاريين المسلمين في البنغال وهند ونشطت تجارتهم حتى وصلت إلى بورما. وكان دخولهم حينذاك عن طريق المنطقة الغربية من بورما والمسماة ‘‘أركان’’ ومن أركان انتقل الإسلام إلى معظم أنحاء بورما. تحولت أركان إلى دولة إسلامية حكمها الملوك المسلمون منذ عام 1430 حتى سقوطها في قبضة الاحتلال البورمي عام 1784.
احتل الملك البورمي بورديابا ولاية أركان وعاث فيها فساداً وإجراماً، فقام بطمس المعالم الإسلامية بالمنطقة وإحلال الطابع البوذي عوضاً عنها. وقد تعرض المسلمون في عهده للقتل والتهجير والتعذيب إلى أن سقطت مملكته في قبضة الإنجليز عام 1824. وكعادة الاحتلال في أي بلد، اتبعت بريطانيا سياسة ‘‘فرِّق تَسُد’’ فقامت بإثارة الخصومات والفتن الداخلية والاختلافات المذهبية والطائفية لتشتيت وحدة المواطنين وإيقاع النزاعات والخصومات بينهم لا سيما بين المسلمين والبوذيين.
حصلت بورما على الاستقلال في الرابع من يناير عام 1948 وكان المسلمون حتى ذلك العهد وإلى عام 1962 يشغلون مناصب هامة في الدولة وخاصة في البرلمان والوزرات. كالسيد عبد اللطيف الذي شغل منصب وزير العدل، والسيد أيم رشيد في منصب وزير التجارة، والسيد سلطان محمود في منصب وزير الصحة، وغيرهم الكثير من المسلمين الذين عملوا في مناصب قيادية هامة. إلا أن كل ذلك بدأ بالتغيّر بعد الاستقلال وعودة البلاد إلى حكم السلطات البوذية، إذ بدأ التضييق على المسلمين اجتماعياً وقانونياً، وشُنَت مئات الحملات العسكرية والشعبية لتهجيرهم وطردهم من منازلهم وقراهم لطمس وجودهم ومعالم حضارتهم وثقافتهم الإسلامية.
عديمو الجنسية، بلا وطن ولا حقوق:
يعتبر قانون المواطنة الصادر عام 1982 أحد الأدوات التي تسعى بها حكومة ميانمار إلى إرغام مسلمي الروهينغا على الفرار من موطنهم الأصلي وذلك بممارسة التفرقة العنصرية ضدهم بحرمانهم من الوظائف الحكومية والحقوق القانونية، والتضييق عليهم في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. وفقاً للأمم المتحدة، فإن مسلمي الروهينغا من أكبر الأقليات عديمة الجنسية في العالم.
يشتمل القانون الجديد على أربعة أنواع من الجنسية مقسمة بالشكل الآتي: الرعوي، والمواطن، والمتجنس، وعديم الجنسية. تنظر حكومة بورما إلى المسلمين على أنهم أجانب دخلوا البلاد كلاجئين أثناء الاحتلال البريطاني، وبموجب هذا الادعاء سًحِبت الجنسية منهم وأصبحوا بلا هوية ولا وطن.
تطهيرٌ عرقي:
بعد حصول بورما على استقلالها عام 1948 تعرض المسلمون فيها وفي ولاية أركان تحديداً للعديد من المذابح والمجازر تحت رعاية الحزب الحاكم. في الثامن من سبتمبر/أيلول عام 2020 نشرت صحيفة New York Times الأمريكية ومنظمة Fortify Rights الحقوقية تقريراً يتضمن اعترافاً صريحاً لجنديين من جيش ميانمار اعترفا بتلقيهما أوامر بإطلاق النار على أي شخص يرونه من أقلية الروهينغا سواء كان طفلاً صغيراً أم شيخاً كبيراً.
أحد الجنديين قال أنه شارك في تدمير قرى ومنازل الروهينغا واغتصاب نسائهم بالإضافة إلى تورطه في قتل من 60 إلى 70 مدنياً في كل قرية. في ذات السياق أقر الجندي الآخر بمشاركته بقتل المدنيين وارتكاب مجازر منظمة. أفاد الجنديان في اعترافهما أن الجيش حاول القضاء على سكان الروهينغا في حملة إبادة جماعية.
وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2017 أجرت منظمة أطباء بلا حدود استطلاعات للرأي في مخيمات اللاجئين الهاربين من جحيم القوات البوذية، أسفرت نتائج الاستبيان وفق تقرير المنظمة عن وجود أكثر من 6700 شخص من أقلية الروهينغا – على أقل التقدير – تم قتلهم على يد القوات العسكرية خلال شهرٍ واحد فقط، منهم 730 طفل تحت سن الخامسة. وفقاً لمركز Simon-Skjodt الأمريكي المختص بمتابعة تهديدات الإبادة الجماعية للأقليات والجماعات الإثنية والعرقية حول العالم، فإن الروهينغا معرضون لخطر الإبادة الجماعية.
تضييقٌ وتشديد:
تقوم وسائل الإعلام الحكومية بتشويه صورة الروهينغا المسلمون بطريقة قبيحة وفظّة تجعل الآخرين ينظرون إليهم بازدراء وكراهية وتغذي لديهم شعور العداوة والانتقام. كما قامت السلطات بحظر ومنع جميع الأنشطة الثقافية والاجتماعية للمنظمات المدنية التابعة للروهينغا. وبالإضافة إلى مصادرة أراضيهم وقوارب الصيد الخاصة بهم وتعرضهم باستمرار للضرب والسرقة والإهانة، لا يُسمح للمسلمين هناك بحرية التنقل والسفر من مكان إلى آخر دون تصريح من الحكومة التي تٌقرض عليهم ضرائب باهظة وتسيء معاملتهم باستمرار.
وفق ما أوردته منظمة العفو الدولية أواخر عام 2017 في تقريرٍ لها نُشِر تحت عنوان: ‘‘محبوسون في سجن مفتوح بدون سقف’’ فإن السلطات الحكومية فرضت قيوداً صارمة على أقلية الروهينغا تُصعب عليهم الوصول إلى المشافي الحكومية في مدينة سيتوي عاصمة أراكان. وبحسب التقرير، بمجرد قبول أي مريض في المشفى، يوضع في أجنحة منفصلة خاصة بالمسلمين، ويكون عرضةً للابتزاز من الشرطة ومن حراس المشفى.
وفي معظم مناطق الولاية، تفرض السلطات على أطفال المسلمين قيوداً شديدة للذهاب إلى المدارس، وفي العديد من مناطق الولاية، يرفض مدرسو الحكومة الالتحاق بمدارسهم في القرى التي يسكنها المسلمون وفي الطرق المؤدية إليها بدعوى المخاوف على سلامتهم. وبالنسبة إلى معظم طلبة الروهينغيا، يعتبر الذهاب إلى الجامعة حلماً يكاد يكون مستحيلاً.
مأساة اللاجئين:
يتعرض المسلمون في بورما لعمليات تهجير جماعية متكررة بالبطش والقوة. حيث تًصادر أراضيهم وتُدمر منازلهم وتُحرق قراهم ويُشردون إلى الحدود والمناطق القاحلة ويُوضعون في مخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة السليمة والرعاية الصحية، ومن لم يمت منهم برصاص الشرطة أو سكاكين الميليشيات المحلية يموت غرقاً أو جوعاً أو مريضاً بالأوبئة المتفشية في المخيمات.
في عام 1978 لجأ إلى بنجلاديش أكثر من مئتين وخمسين (250) شخصاً بعد أن أرغمتهم أعمال القمع والاضطهاد والتعذيب على الهروب. وفي أغسطس / آب 2017، أدت حملة القمع المميتة التي شنها جيش ميانمار على مسلمي الروهينغا إلى فرار مئات الآلاف عبر الحدود إلى بنغلاديش بحسب وكالة BBC البريطانية. يعيش اليوم أكثر من مليون مسلم من الروهينغا بلا منزل ويُشكلون أكبر مخيم للاجئين في العالم. وفق تقارير الأمم المتحدة فإنه في نهاية أغسطس/آب 2021، كانت بنغلاديش تستضيف أكثر من 890 ألف لاجئ من الروهينغا نصفهم تقريباً من الأطفال مما شكّل أكبر مخيم للاجئين في العالم.
أدى هذا التهجير القسري والتشريد المتعمد إلى تقلص عدد المسلمين في بورما وطمس وجودهم وهويتهم الإسلامية والعرقية. وبقي اللاجئون مشردين بلا وطن في مخيمات لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء ولا توفّر لهم أدنى راحة أو سلامة. وكونهم بلا هوية ولا جنسية فهم محرومون من أبسط حقوقهم القانونية والمدنية. وبسبب ندرة المؤسسات التعليمية عمت الجهالة وارتفعت نسبة الأمية وأصبحوا أشد فقراً وبؤساً بسبب البطالة وسوء الأوضاع المعيشية.
جرح الأمة النازف:
حال الروهينغا المسلمون في بورما ينفطر له الفؤاد ويندى له الجبين. فصلٌ عنصري وتطهيرٌ عرقي، اغتصابٌ وتعنيفٌ جنسي واستغلال للأطفال والنساء، مجازر جماعية وتهجيرٌ لقرى بأكملها. كل هذا لأجل محاولات مستميتة لتذويب المسلمين في المجتمع البوذي قسراً ومحو هويتهم الإسلامية والعرقية. أقليةٌ مهددة بجريمة الإبادة الجماعية لم يلتفت إليهم أحد حتى اليوم ويمد لها يد العون والمساعدة رغم توثيق وتسجيل جرائم السلطات المحلية والميليشيات البوذية. عشرات التقارير من المنظمات والهيئات الحقوقية وشهادات بالمئات على العنف الحاصل، ستون عاماً من الاضطهاد والقمع والقتل الممنهج وأقصى ما فعله المجتمع الدولي التنديد والاستنكار! كحاله مع الأقلية المسلمة المضطهدة في الهند والصين. لكنه ومنذ الساعة الأولى للغزو الروسي على أوكرانيا، استنهض قواه وفعّل أدواته وآلياته لمحاربة روسيا والتضييق عليها! أحين تكون الضحية مسلمة ومن عرقٍ أسود يُعطى لجلادها الضوء الأخضر!؟ أم أن حقوق الإنسان والقوانين الدولية لا تسري سوى على ذوي البشرة البيضاء وغير المسلمين!