تحيزات الإلحاد: الكون ليس مخلوقًا
يعتبر مصطلح (الحيادية) من أكثر المصطلحات جاذبية خلال النقاشات اليومية، الحيادية تعني التجرد من كل التحيزات المسبقة، والاتباع المطلق للدليل، والسير وراء المنطق حيثما وَجّهنا.
ولهذا السبب تمتلئ أفواه وأبواق الملاحدة بادعاءات الحيادية والموضوعية والانخلاع من أي تفضيل شخصي أو اعتقاد ذاتي، فهل هذه هي الحقيقة بالفعل؟!
يعترف الفيزيائي الملحد ستيفن هوكنج في كتابه (الكون في قشرة جوز) قائلًا: “معظم الفيزيائيين ينفرون غريزيًا من فكرة أن يكون للزمان بداية أو نهاية”.
لماذا هذا النفور؟ وما هو أثره على المجال العلمي التجريبي؟ يضيف الفيزيائي ألكسندر فيلنكن مزيدًا من التوضيح فيصف فكرة بداية الكون على أنَّها (مشكلة)؛ إذ إنَّها تضع العلماء في حرج خلق الكون من عدم، وبعدما تواترت الأدلة على نشأة الكون من العدم، وجه رسالته إلى الملحدين قائلًا: “العلماء لـم يعد يمكنهم الاختباء خلف كون أزلي، لا يوجد مخرج، لا بُدَّ أن يواجهوا مشكلة أنَّ للكون بداية”.
هذا الاختباء خلف الكون الأزلي يشير إلى أن الملحدين لا يتبعون الدليل مطلقاً وإنما يلجؤون إلى الحيل والمغالطات من أجل إثبات وجهة نظرهم، وهذا السلوك الاحتيالي صرح به هوكنج في إحدى محاضراته قائلًا أن رفض حقيقة خلق الكون من عدم لم تنحصر في أوساط العلماء التجريبيين فحسب بل امتدت لتشمل كافة الملحدين عوامًا ومفكرين وأدباء وعلماء، فيقول: “كثيرٌ من الناس كانوا غير سعداء بفكرة أنَّ الكون له بداية؛ لأنَّها بدت أنَّها تعني وجود موجود فوق طبيعي خلق الكون. لقد فضلوا أن يؤمنوا أنَّ هذا الكون والجنس البشري أزليان”.
ولعل هذا ما دفع الملحد لورنس كراوس إلى الغضب في وجه جمهوره أثناء إحدى مناظراته ليقول: “إذا ظللت تسأل عن سبب كل شيء، لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ فإن الحل الوحيد هو أن تذهب إلى النوم!”، وقبله صرح الملحد بيتر أتكنز في مناظرة سابقة أيضًا قائلًا: “سيدي! السؤال بـ (لماذا) هو سؤال سخيف فحسب!”، فالسؤال عن (لماذا) سيؤدي في النهاية إلى ما يخالف اعتقاد الملاحدة.
وقد ذكر الملحد توماس ناجل، أستاذ الفلسفة بجامعة نيويورك، الأمر بكل شفافية عندما أكد قائلًا: “أنا أريد أن يكون الإلحاد صحيحًا. فالأمر ليس هو أنني لا أؤمن بوجود الله وبالطبع أرجو أن أكون مصيباً في ما أؤمن به، لكن الأمر هو أنني أرجو ألا يكون هناك إله.. لا أريد أن يوجد إله؛ لا أريد أن يكون الكون هكذا”.
فالملحدون متحيزون لقناعاتهم الشخصية، أما الحياديّة، فما هي إلا وهم.. والإلحاد الجديد بطبيعته هو حركة فكرية لها مركزياتها وأصولها وأدبياتها وقواعد انطلاقها، وكما شاهدنا نفور الملحدين من فكرة خلق الكون لأنها تضعهم في ورطة، فإن الأمر يتكرر كثيرًا جدًا في خطابات الملاحدة، بما يفوق للمتأمل حصره.