رهان باسكال
تخيل أنك استيقظت في غرفة بها أربعة أشخاص غيرك، جميعكم تم الحكم عليكم بالإعدام، سوف تموتون بعد 24 ساعة، في لحظة من اللحظات صاح أحدكم أن حان الوقت لحسم موقفكم تجاه الإيمان بالله قبل مواجهة مصيركم الأبدي.
في الغرفة كان رجلان يؤمنان بالله، ورجلان لا يؤمنان بوجود الله، بينما أنت لا تؤمن بوجود الله أو بعدمه، لم تحدد موقفك تجاه الإله بعد، ولم تقنعك أدلة أي من الطرفين.
أخذتَ تحسب الاحتمالات الممكنة فوجدت أن لديك أربعة احتمالات:
1- أن يكون الإله موجودًا وتموت بعد قليل دون أن تؤمن به فأنت في الجحيم الأبدي!
2- أن يكون الإله موجودًا وتموت وأنت تؤمن به، فأنت في النعيم الأبدي!
3- ألا يكون الإله موجودًا وتموت وأنت مؤمن به، فقد خسرتَ 24 ساعة من حياتك في العبادة! يمكنك أن تتقبل هذه الخسارة بسهولة.4- ألا يكون الإله موجودًا وتموت دون أن تؤمن به، فقد كسبتَ 24 ساعة من الملذات دون قيود، وهو مكسب محدود في النهاية.
الآن وبنفسية المقامر الذي يراهن على أفضل الاحتمالات، أي الاحتمالات يكون في صالحك؟ أن تؤمن بالله أو أن تفعل العكس؟!
هذا هو (رهان باسكال)! الحجة الفلسفية الشهيرة التي قدمها (بليز باسكال) الفيلسوف وعالم الرياضيات الفرنسي.
حاجج (باسكال) -والذي كان يرى أن العقل لا يستطيع أن يثبت أو ينفي وجود الله- على أن أفضل المكاسب الممكنة وأقل المخاطر تكون مع الإيمان بالله دائمًا.
لا يمكنك ألا تلحظ تلك اللمحة المنطقية في رهان باسكال، تلك التي تقول لكل متسرع في الخروج من الإيمان: لم العجلة؟ هل تبحث عن جائزة؟! ثم لدي سؤال آخر، هل… هل فكرتَ مليًّا في ذلك؟ كونك تراهن على الحمار الهزيل وسط خيول السباق العفيّة، كل الاحتمالات ضدك ولو خسرتَ سوف تُقتَل، ثم أنت في النهاية موعود إن فزتَ في هذا الرهان بشطيرة مهترئة من الفول البارد، هذا هو حجم الخطر الذي خضتَه وهذه هي حجم الجائزة!
ربما لهذا كان يخاطب القرآن هؤلاء بقوله تعالى: “قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ”؟! لو وضعتم في أذهانكم احتمال أن يكون هذا من عند الله، ألا تجدون أنكم حقًا قد صرتم إلى شقاق بعيد؟!
أنت بالطبع تريد أن تقول لـ (باسكال) ما أريد أن أقوله أنا أيضًا وما أخبره به كل ناقد لحجته منذ زمنه: كيف يمكنني أن أؤمن رغمًا عني؟ أحتاج على الأقل إلى أن يقنعني أحدهم كي يكون إيماني صحيحًا! وقد كان رد (باسكال) على هذا أنه بالانغماس في طريق العبادة والإيمان سوف تتغير قناعتك بالتدريج! أي أنه يدعوك إلى أن تخادع نفسك حتى تنخدع بحقيقة قد تكون على صواب وقد تكون على خطأ، ولكن كي تبقى راجحًا في قانون الاحتمالات!
فبرغم أنه يمكنك أن تستخدم هذا الرهان في تقدير حجم خطورة الأمر، لتفكر مرة واثنتين وألفًا من المرات قبل أية قرارات طائشة تتعلق بهذا النبأ العظيم وتلك القضية الوجودية الأهم، إلا أنه لا يمكنك أن تؤمن بالله عز وجل بناءًا على هذا الرهان! أؤكد لك أنه سوف يكون إيمانًا رثًا لا يقبله الإله الذي أمرك أن (تعلم) قبل أن تشهد بأنه لا إله إلا الله!
هل لاحظتَ من قبل أن هناك من الأعمال الصالحة في الإسلام ما هو أعظم ثوابًا من غيره بما لا يقاس؟!
هل لاحظتَ أجر الشهيد؟ يُغفر له من أول قطرة دم تراق، يشفع في سبعين من أهله، تغسله الملائكة بأنفسها.. ومن هو الشهيد؟ من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو شهيد.
هل لاحظتَ أجر المنفق ماله في سبيل الله؟ حسنته ليست بعشر أمثالها كسائر الأعمال ولكن يضاعفها الله إلى 700 ضعف!
ألا يبدو لك الفرق جليًّا بين الأعمال التي يقدر عليها الجميع، وبين الأعمال التي لا يقدر عليها إلا من كان إيمانه بالله أرسخ وأيقن من أن تكون مجرد احتمالات؟!
الذي ينفق ماله الحاضر لديه ملء بصره عن طيب خاطر وقد كان يغنيه عنه بعض العبادات المجانية الأخرى مما لا يتطلب إنفاق العزيز، والذي يذهب ليقاتل في سبيل الله فيخسر كل حياته، كل أحجار رهانه على الطاولة، مقابل وعد غيبي آمن به.. كل هؤلاء لم يكونوا يراهنون باسكاليًا مع رب العالمين! كل هؤلاء لم يكونوا يتأرجحون مع الاحتمالات، وقد سبقوا إلى الله بجنس ما سبق به أبو بكر سائر الصحابة…
بشيء قد وقر في قلبه!