عميانًا – الإسلام كتطعيم إجباري ٣
تخيل لو كان عملك هو إطلاق الأكاذيب!
سوف تتقاضى أجرك في كل يوم مقابل أن تكذب بلا انقطاع..
عليك أن تكذب وأنت تخبر الناس باسمك، بسنك، بمدى حبك لزوجتك وأولادك، أو رقم حسابك في البنك؛ بشرط ألا تسهو ولو لمرة واحدة وتصدق على سبيل النسيان.
برأيك كم يومًا سوف تستمر في عملك ذلك قبل أن تدرك أنك لن تستطيع الكذب إلى الأبد؟ قبل أن تخرج الكلمة الصادقة منك بشكل عفوي قبل أن تكون قد فكرت في مقابلها المزيف؟
كان مارتن لوثر -مؤسس البروتستانتية وقسّها الأول- يرى أن العقل هو العدو الأكبر للإيمان (Reason is the greatest enemy that faith has)، وأنه كي تؤمن يجب عليك أن تخلع عيني عقلك أولًا.
عُرِفَت هذه الفكرة بالمذهب الإيماني (Fideism)، يمكننا ترجمتها بكلمة (الإيمان الأعمى) إذ إنها أدل على المفهوم، حيث تعني الـ (Fideism) الاعتراف بعدم إمكانية أن يكون الإنسان مؤمنًا وهو بكامل عقله، ويكون البديل كي يحتفظ بكليهما هو أن يفصل بينهما طوال الوقت!
الكثير من فلاسفة العصر الحديث تبنوا هذه النظرة، وما بين (باسكال) و(كيركيجارد) و(فيتجنشتاين)، كانوا جميعًا يرون أن الإنسان المسيحي ليس ملامًا إذا لم يستطع تبرير إيمانه بالعقل لأنه لن يقدر على ذلك أبدًا بكل هذه الأفكار اللا معقولة الملتوية.
ربما أمثال هؤلاء الفلاسفة كانوا من يقصدهم (نيتشه) حين تحدث عن الجبناء الذين لم يتحملوا ما يتطلبه الإنكار العقلي فعلًا لهذه العقائد والأفكار الغريبة في المسيحية.
من جديد نسأل.. كم يومًا سوف تبقى في ذلك الإيمان الذي يطالبك طوال الوقت أن تنحّي عقلك جانبًا؟! مع كل صلاة، مع كل دعاء، مع كل صلة قرب بالله، يجب عليك في كل ذلك أن تقاوم جاهدًا أن تصطحب عقلك معك في المحراب؛ ولو سهوت وحضر معك عليك أن تستعيذ بالله سريعًا قبل أن تخلع عيني عقلك!
في الإسلام لا نعرف ذلك المذهب الإيماني الأعمى، لا يوجد (Fideism) في الإسلام لأنه لن يجعل إيمانك صحيحًا، فتأمرنا الآية الكريمة أن (نعلم) أنه لا إله إلا الله قبل أن نرددها بألسنتنا! ونقرأ في القرآن مشتقات كلمة العقل 49 مرة، بينما تخبرنا الآية في سورة الفرقان: “وَٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا”!
كان الحسن البصري يقول: “كم من رجل يقرؤها ويخر عليها أصم أعمى!”
بينما ذكر لنا ابن عون أنه قال للشعبيّ: “رأيت قومًا قد سجدوا ولم أعلم ما سجدوا منه، أسجد؟”، فقال له الشعبيّ: “والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمًا وعميانًا..” أي لا يا ابن عون.. لا تسجد وأنت لم تفهم لماذا تسجد، ولم تعِ ما يقال!
تلك الآية التي تفرق بين عقلي المؤمن والكافر في ميزان القرآن..
فذلك هو المؤمن الذي عليه أن يفهم مراد ربه قبل أن يخر ساجدًا منقادًا له وإلا فلأي شيء ينقاد؟ وبأي يقين سوف يخِر؟!
وذاك الكافر الذي يؤمن بكل تلك الأشياء التي يؤمن بها ولكن يشترط على نفسه أولًا أن يكون من هؤلاء الذين صاروا صمًا وعميانًا!
وكما يخبرنا المثل الإنجليزي: ” هل هناك من هو أشد صممًا وعمًى من ذلك الذي اختار ألا يسمع ويرى”؟!