عن شبهة: لماذا خلقنا الله وهو لا يحتاج إلينا؟ – الجزء الثاني
(الجزء الثاني – سؤال يبحث عن معناه)
عالجنا في المقالة السابقة أصول الشبهة والافتراضات التي بنيت عليها، وبيّنا أنها في مجملها خاطئة، ثم بيّنا أن السؤال قليل الجدوى بالنسبة للفائدة المتوقعّة من معرفة إجابته مقارنة بالسؤال الذي يسأل عن دورنا في هذه الحياة ولماذا خلقنا وكيف نعيش وإلى أين سنذهب، وهذه إجابة لا يعرفها إلا الخالق نفسه، وقد أطلعنا عليه في وحيه المنزّل، وهي “العبادة”، وهذه الإجابة كما يتضح من طبيعتها هي لمؤمن بالله أصلًا ويعتقد أنه خلقنا، ونعرض فيما يلي بعض جواب الإسلام عن الغاية من الخلق والحكمة منه.
— أولًا: الله تعالى لا يفعل شيئًا عبثًا:
وهذا متكرر جدًا في الوحي، فتجد الله-عزوجل- يقول: “أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا؟”، وتجده يقول: “وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين”، وأنت ترى من حكمة الله في المخلوقات الشيء الكثير، فدلائل الإحكام وإتقان الصنع وتوفير المأكل والمشرب وأمور المعاش لكل هذه المخلوقات ونظام الكون الدقيق والمحكم، كلها دلائل على صانع حكيم عليم مبدع.
والمؤمن يردّ المحكم للمتشابه، فيستدل بحكمة الله الظاهرة له على حكمة الله الخفية عنه التي جهلها أو لم يعلمه الله بها، كالحكمة من خلق الإنسان وابتلائه، فهذا مما لم يعلمنا به الله تعالى.
— ثانيًا: لا يحيط بعلم الله وقدرته وحكمته أحد:
فكما يقول تعالى: “ولا يحيطون به علمًا”، وبالتالي يستحيل أن نعرف حكمة الله وقدرته الكاملة بقدراتنا وعقولنا القاصرة والمحدودة، وبعض هذه الحكم قابل للتصوّر والإدراك وبعضها أخبرنا عنه الله تعالى نفسه، وبعضها الآخر نسلّم فيه لله بعلمنا بشامل علمه وسابق حكمته.
— ثالثًا: الله تعالى لا يحتاج إلى عبادة أحد من المخلوقين:
وتجّد هذا في القرآن في نفس الآية التي أعلن الله فيها للعالمين أن الغرض من خلقهم هو العبادة، فيقول تعالى: “وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون”، وفي قوله تعالى: “إن تكفروا فإن الله غني عنكم!”، كما عبّر عن كون الإيمان لصالح العبد نفسه ولا ينفع الله بشيء، فقال: “إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وإن أسأتم فلها” فالله تعالى لم يأمر العالمين بما أمرهم به لحاجته لهم، ولم ينهم عمّا نهاهم عنه بخلًا منه، بل أمرهم بما فيه صلاحهم ونهاهم عمّا فيه فسادهم.
— رابعًا: لا علاقة متصوّرة بين خالق ومخلوق سوى العبادة:
أية علاقة تتصوّر بين خالق ومخلوق إلا العبادة؟، فلا وجه للنديّة بحال، ولا حالة يتصوّر فيها أن يؤدي المخلوق بعض حقّ خالقه إلا بالعبادة ولا غيرها، فالله أهل للعبادة، ولذا نعبده، بهذه البساطة، ولذا كانت “إله” في العربية، هو الذي تألهه القلوب، وكان من وصف الله سبحانه وتعالى لنفسه أنه “الصمد” أي الذي تصمد له الخلائق، فكل شيء ما خلاه هو في مقام العبادة، لكونه خالقًا وكونهم مخلوقين له، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: أتدري ما حقّ الله على العباد؟، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا.
— خامسًا: التوجيه نحو الأسئلة المفيدة للعمل:
يوجه الوحي دائمًا إلى عدم الانشغال بأسئلة قد لا تفيد المؤمن في سيره إلى الله، فأول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة، ولا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع، منها: علمه، ماذا عمل فيه؟، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في السؤال فيما لا فائدة من ورائه: “إن الله قد كره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال”، وهكذا علّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه الإيمان، كما حكى ابن مسعود: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا القرآن خمس آيات خمس آيات، فلا نجاوزنهن حتّى نتعلمهن ونعمل بما فيهن”
وفيما يخص سؤالنا نجد أنه لا يضرّ المؤمن التسليم فيه بأن لله في كل شيء حكمة جهلناها أو علمناها، وأن يتجه بقلبه وعقله وعمله نحو الأهم، الذي وجهّنا الله سبحانه وتعالى له، وهو العبادة.
[وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (68) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69) ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا] (سورة النساء)
جزاكم الله كل خير ، و لكن الخط موجع للعيون و غير مفهوم بعض الأحيان ، حبذا أن تقوموا بتغييره
وفقكم اللّٰه واستخدمنا وإياكم في الخير وخدمة الحق. مقال مفيد جدًا ونحتاجه كثيرًا خاصة بالنسبة لفئة الشباب؛ إلا أن هناك خطأ أظنه غير مقصود في عبارة “والمؤمن يردّ المحكم للمتشابه”، والتي يجب أن تكون معكوسة إذ يجب على المؤمن أن يرد المتشابه إلى المحكم.
أرجو تصحيح هذا الخطأ حتى ننشر المقال دون أن يلتبس الأمر على أحد وتعم الفائدة بإذن اللّٰه.
والسلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته.