لتجربة الأجواء المثيرة للمراهنة الرياضية والإثارة في ألعاب الكازينو عبر الإنترنت، ما عليك سوى التسجيل وبدء اللعب لدى شركة المراهنات Mostbet في المغرب . تعال لتستمتع باحتمالات عالية والعديد من المكافآت والعروض الترويجية والرهانات المجانية واللفات المجانية. سنمنحك نسبة 100% على إيداعك الأول، ولدينا أيضًا تطبيق ممتاز للهاتف المحمول!
مقالات

فلسفة السعادة

في سؤال متداول على موائد الحديث اليومية سألت امرأة صديقتها: هل أنت سعيدة؟ أجابت الأخرى: أنا بخير، ولكنني أشعر كذلك بالسوء حيال أمور مزعجة تصيبني..

لم يكن ليختلف هذا الجواب إلا في تجلياته المتباينة عندما سئل فتى مراهق عن مدى كونه سعيدًا أم لا حين أجاب: لا أشعر أني بخير، لقد تحصلت على درجة سيئة..

ومع تقابل الجواب بين كل من المرأة والمراهق، فلا أظننا نختلف حول شعبية السؤال ومدى حضوره الملحّ في حياتنا بجملتها: هل أنا سعيد؟ هل يكفي أن أكون بخير لأحقق السعادة التي أطمح لها؟ ولماذا نطمح لها من الأساس؟

أولًا: ماهية السعادة

انشغلت كثير من الفلسفات بالبحث عن جواب لذلك السؤال الذي شغل هم الإنسان من القديم وحتى عصرنا، بل كان سعيه الرئيس منذ انتقل من الكهف إلى الحضارة والمدن: أن يحقق الاستقرار وطمأنينة العيش، وكان هذا هو مرادف السعادة في رؤيته البسيطة حينها، كان يكفي أن يحقق حياة كريمة آمنة مستقرة ليكون سعيدًا، ولم يكن يطمح إلى أبعد من هذا..

ومع انتقاله من عصر إلى عصر وتوجهه من بساطة العيش إلى تعقيد الفكر بالتزامن مع فقدانه الروح والمعنى؛ فقد انتقلت مثل هذه المفاهيم البدهية إلى حيز أضيق من التفكير ومحاولة تفسيرها، وأصبح هم الإنسان الأول لا تحقيق السعادة بحياة كريمة يسعى لها، وإنما البحث في ماهية السعادة والتعرف إليها، وتمحيص المعاني المختلفة وتباين الرؤى حولها، 

وانقسموا إلى رؤيتين إحداهما متشائمة ترى من طبع الحياة البؤس والتعاسة، وأن الإنسان مهما سعى ليتحصل على سعادته فإنه لن ينال منها إلا وهمًا..

ورؤية أخرى ترى في العيش المنعّم وتحقيق الملذات غاية السعادة، وأن كل إنسان قادر على بلوغها إذا ما أتاح لشهواته أكبر قدر ممكن من تحقيقها (١)

ولست في هذا المقال بصدد استعراض الفلسفات حول الأمر، إنما أخلص من تضارب الأقوال فيها إلى حقيقة مهمة: وهي أننا في النهاية لا نستطيع أن نمسك بين أيدينا مفهوما ثابتا للسعادة، ذلك الذي عبر عنه نيكولاس وايت بقوله: إذا كان امتلاك مفهوم السعادة يتطلب منا معيارًا واضحًا؛ فعندئذ يمكننا القول أننا لا نملك مفهومًا للسعادة(٢)

وذلك أننا هنا إزاء مفاهيم تنطلق من رؤية كل فرد منا حول ذاته وما يلائمها من أسباب السعادات المختلفة، ولأن السعادة والتعاسة في أصلها كما عبر عنها الوهيبي: مشاعرنا تجاه الحياة وعوارضها، وهو ما يجعلها عرضة للتغير والتقلب في اللحظة الواحدة..

لكننا قد نقارب المنظور بجامع مشترك نرادف فيه بين السعادة والرضا. ذلك الشعور بالطمأنينة والسكينة وما ينتج عنه من شعور بالبهجة والاستمتاع، وما يربطه في الأخير بالمعنى أو الغاية.

ثانيًا: السعادة.. غاية أم وسيلة

لماذا يسعى الجميع إلى تعريف شعوره بالسعادة؟ هل يعني كوني سعيدًا أن أحظى بالمال، أو بالمحبة، أو بالنجاح؟

في جواب عن هذا السؤال يفسر نيكولاس: إن كل شخص تقريبا سواء كان فيلسوفا أم لم يكن؛ يشعر أنه مجبر على تشكيل تصور ما عن السعادة مهما كان غامضا (٣)

نحن نحرص على تشكيل هذا المفهوم كي نطبقه على أنفسنا، ولنمتلك على الدوام أسباب تحصيل النتيجة التي نرجوها، حين أعرف أن المال يسعدني فإنني أسعى إلى تحصيله، وحين أقرر أن وجود الأصدقاء حولي سبب سعادتي فإنني أحرص على الالتقاء بهم، وهكذا..

لكنني أعود لأتساءل: هل نتحصل على الجواب من هذا السؤال قطعا؟

يجيب فيري فيقول: لا أحد يستطيع أن يجزم أنه يعرف ما الذي يجعله سعيدًا دائمًا؛ المال، النجاح، المعرفة.. لأن كل أسباب سعادتنا المفترضة يمكن أن تنقلب إلى أسباب لتعاستنا (٤)

من هنا أستطيع القول: ما دامت إجاباتنا عن سؤال السعادة نسبية تتغير تبعًا للحظات والأجواء والقابلية؛ فإن السعادة لا يمكن بحال أن تكون الغاية المجردة التي نتغياها من الحياة، وأننا لا يمكن أن نقصر سعينا على بلوغها والتحصل عليها، لأن ذلك لا يعدو إلا أن يكون مقامرة خاسرة، تتأرجح نسب نجاحها على الدوام، بل إن الوعد بتحقيق سعادة دائمة -حتى- من خلال مجهود يبذله الفرد، يكاد يكون نوعًا من الضلال الفكري (٥)

وفي مقابل رؤية فرويد الذي قرر أن ما يطلبه الناس من الحياة أن يكونوا سعداء ويبقوا كذلك؛ تقدم لنا الرؤية الإسلامية غايةً مطلقة من الحياة الدنيا، متمثلة في عبادة الله وحده وعمارة الأرض، قال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون(*)

ثم جعل سبحانه معاني السعادة من طمأنينة وحياة طيبة مقرونة بالسعي لهذه الغاية، فقال: من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة(**)

من هنا نفهم أن السعادة محصّل للغاية الكبرى التي نسعى إليها، وهي عبادة الله سبحانه..

هذا المنظور الذي يختلف كلية عن الفلسفات الحديثة، التي حين هيمنت على نظرة المسلمين أنفسهم؛ تجردوا من المعاني والغايات المطلقة التي كانوا يسعون إليها، فتحولوا من الغاية إلى العرَض، وركنوا إلى أعراض بالية تحقق لهم سعادة مزعومة، مرهونة بتحصيل شهوة أو بلوغ متاع، وطلبوا الرضا في كل موطن فعزت عليهم الطلبة.

ثالثا: معيار السعادة: 

إن انطلاقنا من هذه الرؤية الإسلامية يوفر لنا الجواب عن العديد من الأسئلة التي احتار الفلاسفة فيها، 

ففي سؤال المعيار مثلا حين تساءل .. ما هو معيار السعادة؟ وكيف نحكم على شخص ما بأنه سعيد؟ 

يجيب سقراط في هذا السياق أن الإنسان السعيد هو الذي دائمًا ما يكون سلوكه متوافقا مع ماهيته العاقلة، بينما يرى أفلاطون أن السعيد هو الذي يستمتع بممارسة حياته وفقا لفضائل كالشجاعة والعفة (٦)

ويلخص نيكولاس ما أود قوله في حديثه: إن كلمة السعادة في معظم طرق الفلسفة إنما تستخدم لتفسير أحادي لحالة فرد ما (٧)

مرة أخرى نستنتج أن السعادة لا معيار ثابت لها، فالغني يرى السعادة جمع مال وترف عيش، ويراها الفيلسوف تحصيلًا الفضيلة والخير، ويراها المراهق في تحصيل حب وعاطفة، وهكذا..

ولأجل ذلك كله؛ كان الحل للخروج من مأزق الفردية هذه أن يرتبط المفهوم بمعيار مطلق، يحدد أطرًا عامة لحياة البشر، من السكينة والطمأنينة والرضا، يتحققون جميعهم بالعمل لغاية الخلق بعمومها، وإن اختلفت تجلياتهم في حياة كل منا..

رابعًا: ارتباط السعادة بالمنظومة الأخلاقية

تبنت الرؤية التي ترى إمكانية تحقيق السعادة منظورًا عن الخير والفضيلة، ورأت متمثلة في قول جورجياس: أن الخير الأسمى يكمن في القدرة على أن نحصل على أي شيء نريده..

ولم تختلف المذاهب النفعية عن هذا كثيرا؛ فجردت المفاهيم الأخلاقية كلها وجعلت النفع وتحصيل اللذة هو المبدأ الأخلاقي الوحيد، بغض النظر عن طرق تحصيلها.

وعلى النقيض من هذه الرؤية؛ كان المذهب الذي يرى في المعاناة ضرورة أخلاقية وفضيلة قيمية يُسعى إليها..

ولم يكن لهذه المذاهب إلا أن تتصف بالقصور والانحياز والميل عن الإنصاف، إذ إنه في منظومتنا الإسلامية؛ تتخذ المفاهيم وضعًا خاصًا بها مترابطًا في شبكة من القيم تقود البشرية إلى الخير وتضمن لهم النفع، بلا إعلاء لقيمة في مقابل إسقاط أخرى، واعتبارًا بالمعاني في نطاقها الطبيعي الذي وُضع لها، فلا يسعى الإنسان لتحقيق سعادته بغض النظر عن القيم الأخرى من رحمة وبر وكف أذى، هذه المُثل العليا التي توجه الطاقات والمشاعر والسلوك في سبيل غايتها؛ هي الضامن الوحيد لتحصيل الأمن والسعادة لأفراد منظومتها.

أخيرًا.. هل البحث عن السعادة محض وهم؟ وهل نتحصل عليها في الحياة الدنيا؟

في الإجابة عن هذا السؤال يقول فيري: هل نصل إلى السعادة بوصفها حالة ثابتة دائمة حتى لو كنا في العالم بائس؟ الجواب: هو لا.. إذ ليس ثمة سعادة أبدية، إنما أفراح تتفاوت في دوامها فقط (٨)

هذا الذي أقره الدين حين اعتبر الحياة الدنيا مجرد معبر مؤقت للآخرة، وربط سعي الإنسان وقيمته وتحقيق سعاداته الأبدية بها، “وفي ضوء هذا المنظور الغيبي يتحدد الموقف من الحياة برمتها، ومن ألوان التعاسات من الحزن والألم، فأهل المعرفة بالله يعدون هذه النقائص الدنيوية ألطافًا إلهية، وإنما جُعلت الدنيا دار كدرٍ تزهيدًا للعبد فيها (٩)

ولتكون الجنة هي الهم الأعظم والثواب الأجزل وموطنًا أبديًا لتحصيل منتهى السعادة وغاية الأمل، ذلك المعنى المرتبط بسبيل واحد فقط في قوله سبحانه: وأما الذي سُعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك.. عطاء غير مجذوذ(***)

(١)السعادة، موجز تاريخي، لنيكولاس وايت، ص ٢١

(٢)المصدر السابق ص ١٨٩

(٣)المصدر السابق ص ٢٩

(٤)مفارقات السعادة، لوك فيري، ص ٨ بتصرف

(٥)المصدر السابق، ص ٨

(٦)فلسفة السعادة، مصطفى النشار، ص ٥٤-٥٥

(٧)مصدر سابق، ص ٣١

(٨)مصدر سابق، ص ٦٠

(٨) معنى الحياة في العالم الحديث، عبد الله الوهيبي، ص ٤١٩ بتصرف

(*) سورة الذاريات، الآية ٥٦

(**) سورة النحل، الآية ٩٧

(***) سورة هود، الآية ١٠٨

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى