مقالات

هل تطور الإنسان من أشباه القردة؟

تفترض نظرية التطورأن جميع أنواع الكائنات الحية تفرعت من نوع واحد أو أصل مشترك وحدث ذلك عبر بلايين السنين من خلال آليات طبيعية –زعموا قدرتها علي إنجاز تلك المهمة- هي الإنتخاب الطبيعي  والطفرات العشوائية . و وفقا للمنظور الطبيعي لم يكن للإنسان ميزة تستثنيه من هذه العملية التطورية  فافترضوا أنه والشمبانزي انفصلا عن سلف مشترك ينتمي إلي الرئيسيات منذ ما يقرب من 6 مليون عام. وبدأت منذ عهد داروين رحلة البحث عن أحافير ترسم محطات هذا المسار التطوري لكن لم ينجح أحد في ذلك حتي الآن ولعلهم لن ينجحوا أبدا لأنه مسار خيالي  غير حقيقي.

 هو الإختصاص المتعلق بدراسة أحافير المسارالتطوري للإنسان Paleoanthropology علم الإنسان القديم وهو مجال يعاني من أزمات كبيرة تجعله مجالا خصبا للتزوير والانحياز التحليلي و تراكم التخمينات والبعد عن أدوات العلوم التجريبية الصارمة التى تتميز بدقة النماذج الرياضية وامكانية إعادة التجارب و فحص المشاهدات من قبل علماء آخرين والتصحيح الذتي. فالأحفورة يتم اكتشافها بالصدفة من قبل شخص أو فريق ثم يعلن للمجتمع العلمي عن اكتشافه ويكون هو المصدر الوحيد لسرد ظروف الاكتشاف والطبقة الأرضية التي وجد فيها الأحفورة والتي ستحدد عمرها الجيولوجي كما أن معظم عظام الأحافير توجد مختلطة مع عظام أخري فالبشر القدماء مثلا كانوا يصطادون القرود ويتغذون عليها ومن الشائع جدا أن توجد عظامهم مختلطة مع عظام القرود فى طبقات الأرض. وغالبا لا يتم اكتشاف الأحافير مكتملة  أو منعزلة بشكل تام وإنما يتم جمعها من مساحة كبيرة وقد تتعجب إن علمت أنها مثلا كانت 1500 متر مكعب  فى أحفورة فتي توركانا ثم بعد ذلك يتم عزو هذه الشظايا والعظام المبعثرة إلي أحفورة واحدة ويتم استبعاد عظام أخري يعتقد المكتشف أنها لا تنتمي لهذا الكائن. أضف إلي ذلك أن معظم الأحافير تكون هشة فيتم منع العلماء الآخرين من لمسها وفحصها عن قرب.

ثم يأتي بعد كل هذه العقبات الانحياز التحليلي الذي يجعل هناك ميل مسبق عند علماء أحافير الإنسان القديم أن تكون اكتشافاتهم منتمية إلي مسار تطور البشر لكي يتمكنوا من نشر ورقتهم في مجلة مرموقة ويحصلوا علي تمويل سخي وهذا يفسرلك لماذا لا يوجد أي أحافير مكتشفة لأسلاف الغوريلا(1) –سوي واحدة عبارة عن حفنة أسنان فقط – و ثلاثة فقط لأسلاف الشمبانزي والباقي كله ينسبونه لأسلاف البشر مما قد يكون في الحقيقة مجرد أنواع من القرود المنقرضة.

وخير مثال يوضح الخلل في مجال علم أحافير الإنسان القديم هو أحفورة إنسان بلتداون وليس الغرض من ذكرها هنا الإيحاء بأن جميع الحفريات مزورة ولكن لبيان أن هذه الحادثة لم تكن صدفة وإنما قابلية تلقي الأحافير المزورة هو جزء لا يتجزأ من علم أحافير الإنسان القديم.

إنسان بلتداون  ظل لمدة 41 عام الأحفورة الأهم والأكثر تأييدا لتطور الإنسان إلي أن تم اكتشاف أنها مزورة بعد أن كتب عنها مئات الأوراق العلمية وقدمت الجوائز والمكافآت لمن توقعوا وجود مثل هذه الحلقة الوسطي التى تمثل حجم دماغ كبير نسبيا يقترب من حجم دماغ الانسان المعاصر وفك بدائي  يشبه فك القردة المعاصرين لكن الحقيقة أن توقعاتهم لم تكون صحيحة وإنما أعدها المزور تشارلز داوسن وفق ما ينتظرونه بالضبط  فأخذ جمجمة صغيرة لرجل مات من 500 سنة -وليس من 500 ألف سنة كما قدرها العلماء حينها-  وفك لقرد أورانجوتان مات من عدة عقود وركب الفك في جمجمة الرجل بعد عدة معالجات لتبدوا العظام قديمة ولم يتم التشكيك فيها إلا في حوالي ثلاث أوراق علمية في مجلة نيتشر وساينس لكن مع ذلك النقد لم يكن صحيحا إذ اعتبروا الفك أقرب للإنسان والجمجمة أقرب للقرود وهذا خلاف الحقيقة. وبعد أن تم اكتشاف التزوير وتتبع العلماء اكتشافات داوسن الأخري وجدوه قد زور 38 أحفورة ولا شك أن داوسن ليس المزور الوحيد وإنما هناك راينر بروتش وغيره.

وبعد أن عرضت هذا التقييم السريع لمجال أحافير الإنسان القديم والعقبات التى تحول بينه وبين العلوم التجريبية الصارمة القابلة للتكرار دعونا الآن ننظر لمنتجاته.

يمكن تقسيم كل أحافيرأسلاف البشر إلي 1-أشباه بشر و2-أشباه قردة. كما يمكن تقسيم معايير عزو Encephalizationالحفريات إلي أسلاف البشر إلي 1-زيادة حجم الدماغ    

Bipedalism و2-القدرة علي السير علي القدمين

فكلما كبر حجم الدماغ اعتبر ذلك علامة علي الذكاء وكلما استقام الظهر وطالت عظام الفخذ وقصرت الأذرع كان ذلك علامة علي التطور نحو الإنسان المعاصر.

لكن هذه المعايير بها اشكالات كبري :

أولا: حجم الدماغ ليس دليلا علي الذكاء فالنياندرتال  الذين هم من أشباه البشر حجم دماغهم أكبر من الإنسان المعاصر ومع ذلك فقد كانوا –علي الأصح- مثل الإنسان في ذكائهم وليسوا أكثر ذكائا وإن كان البعض يجعلهم أقل ذكائا لكن الأدلة تشيرإلي أنهم امتلكوا مهارات لغوية وحرفية مثل  معاصريهم  ولذلك فحقيقة أمرهم أنهم مجرد عرق بشري عادي كان يمكنه التزاوج مع عرقنا وإنجاب ذرية طبيعية خصبة غيرعقيمة وهذا هو الشرط البيولوجي المتعارف عليه للتصنيف داخل دائرة النوع الواحد وكذلك الدينيسوفان كانوا عرقا بشريا يمكنه التزاوج والتناسل معنا(2).

ثم هناك عرق بشري آخرهو الهوبيت الذي يصنفونه من أشباه البشر والذين كانوا أيضا أذكياء وصنعوا أدوات حرفية رغم أن حجم دماغهم صغيرنسبيا  ويقارب حجم دماغ الشمبانزي المعاصر.

فمعيار حجم الدماغ غير مستقيم  وغير منضبط  في تحديد مقدار الذكاء ثم إن كل من يصنفون ضمن أشباه البشر ابتداء من الإنسان المنتصب وانتهاء بالنياندرتال والدينيسوفان يتراوح حجم دماغهم في إطار التفاوت الممكن بين أحجام البشر المعاصرين(3) مما يسمح باعتبارهم  جميعا أعراقا بشرية مختلفة ويبطل تصنيفهم كأشباه بشر.

لكن العقبة الكبري التي جعلت علماء أحافير الإنسان القديم يصرفوا نظرهم إلي معيار السير علي القدمين بدلا من التركيز علي حجم الدماغ هي الإنقطاع الواضح بين أشباه البشر وأشباه القردة في حجم الدماغ إذ لا يوجد من بين آلاف الأحافير المنسوبة لأسلاف البشر ما يمكن اعتباره حلقات وسيطة بين أشباه القردة وأشباه البشر حيث يكون حجم دماغهم متوسط  لكي يخففوا من حدة هذه القفزة المفاجئة  بين حجم جماجم أحافير أشباه القردة  وأحافير أشباه البشر(4).

ثانيا: معيار السيرعلي القدمين وهو أيضا معيار مضطرب فليس هناك أي مبرر لاعتبار أحافير أشباه القردة أسلافا للبشر لمجرد أنهم أظهروا بعض الصفات التي تمكنهم من السيرعلي القدمين ولو بكفاءة ضعيفة لأن الشمبانزي المعاصر قادرعلي السيرعلي القدمين بكل سهولة وبتقنية حركة مماثلة لما يمتلكها الإنسان (5) وهناك االشمبانزي الشهير أوليفر الذي كان دائم السير علي القدمين بكل سهولة  و بظهر مستقيم  حتي ظن البعض أنه هجين بين الشمبانزي والإنسان لكن التحليل الجيني نفي ذلك(6) كذلك الغوريلا المعاصرة يمكنها السير علي القدمين بظهر مستقيم بل والركض أيضا (7) بل إن الأوريوبيثكس الذي لا يصنفه العلماء ضمن مسار البشر التطوري وإنما ضمن مسار تطور القردة والذي تعود حفريته إلي 10 ملايين عام كان قادرا كذلك علي السيرعلي القدمين مما يبين بجلاء أن السيرعلي القدمين ليس  صفة حصرية للبشر وأن امتلاك أشباه القرود لها  ليس دليلا علي أنهم كانوا أسلافا للبشر فلا مانع أبدا أن يكونوا قرودا قادرون علي السير علي القدمين.

لكن ما هي أهم وأشهر أحافير أشباه القرود؟

1-أردي

وهي واحدة من أقدم حفريات أشباه القرود المنسوبة إلي مسار تطور البشر بعمر يبلغ 4.4 مليون عام وقد تأخر الكشف عنها لمدة 15 عام لأن الأحفورة كانت مهشمة كليا والعظام كانت هشة تتفتت بمجرد اللمس وقد تم إعادة بنائها بالكامل. وأهمية أردي تكمن في أن عظام الحوض والفخذ المهشمة توحي بإمكانية السير علي القدمين وهذا كما بينا ليس دليلا علي شيء لأن القردة الأقدم منها مثل الأوريوبيثكس والأوروين كان يمكنهم المشي علي القدمين أيضا فلماذا لا تكون أردي مجرد قرد؟ وهذا بالفعل ما كتب في انتقاضها من قبل بعض العلماء ونشر في مجلات علمية كبيرة مثل نيتشر(8)(9).

2-لوسي

وهي الأحفورة الأهم والأشهر بين آحافير القردة الجنوبية (أسترالوبيثكس) من أشباه القردة والتي يبلغ عمرها 3.2 مليون عام وقد وجدت عظامها مبعثرة علي سفح تلة ومختلطة بعظام أخري وأهميتها تعود إلي اكتمالها من بين جميع الحفريات فقد بلغ اكتمالها 40% وهي في الحقيقة نسبة لا تفي بالغرض أبدا لكنها تعتبر كنز بالنسبة  للحفريات التي تكون عادة بعض الأسنان أوقطع متناثرة من عظام الجماجم والحوض. ومع ذلك فكل ما يمكن معرفته من فخذ وحوض لوسي هي إمكانية السير علي قدمين والتي لا تعني شيء في الحقيقة . كما أنه تم افتراض إمتلاكها لقدم مناسب للسير علي الأرض وكل هذه تخمينات لا أساس لها خصوصا أن أحفورة سيلام التى تسمي طفلة لوسي لأنها من نفس نوع لوسي كانت لطفلة تبلغ 3 أعوام ومع ذلك كانت قادرة علي تسلق الأشجار وهذا يؤكد أنهم كانوا قرودا عادية ولم يكونوا أقرب للبشر أو أسلافا لنا.

الخاتمة :

علم أحافير الإنسان القديم ليس بالعلم التجريبي الصارم الموثوق به ومعاييره ليست مستقيمة منضبطة  وما تم تصنيفه من أحافير أشباه البشرعلي أنها أسلاف للبشر -إن صحت- هم في الحقيقة مجرد أعراق مختلفة من البشر وليسوا أنواعا أخري وماتم تصنيفه من أحافيرأشباه القردة علي أنه أسلاف للبشر-إن صحت- هم أنواع منقرضة من القردة وليسوا أسلافا للبشر.

المراجع:

1-

https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0018442X14000584

2-

https://qz.com/1367826/our-prehistoric-ancestors-all-mated-with-one-another/

3-

https://www.scholars.northwestern.edu/en/publications/energetic-models-of-human-nutritional-evolution

4-

https://www.cambridge.org/us/academic/subjects/life-sciences/evolutionary-biology/what-makes-biology-unique-considerations-autonomy-scientific-discipline

5-

6-

7-

8-

https://blogs.scientificamerican.com/observations/was-ardi-not-a-human-ancestor-after-all-new-review-raises-doubts/

9-

https://www.nature.com/articles/nature09709

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى